من الفقه الميسر.. العبادات

من الفقه الميسر.. العبادات

من الفقه الميسر

العبادات

يعلن الإسلام أن الغرض من خلق الإنسان هو أن يعبد الله تعالى. يقول الله في القرآن الكريم:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 57)

والعبادة تعني الطاعة التامة لأوامر الله . ولقد جاءنا النبي الكريم سيدنا محمد برسالة الله تعالى، وبيّن كل الأوامر المتعلقة بدين الإسلام.

وعلى المسلم خمس واجبات أساسية يقوم بها، تسمى أركان الإسلام الخمسة.

الركن الأول – النطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله، ووحدانية الله جل وعلا هي أساس العقيدة الإسلامية.

والركن الثاني – الصلاة فيؤدي المسلم الصلوات المقررة بالطريقة المرسومة لها.

والركن الثالث – الزكاة، فيدفع المسلم القادر كل سنة شيئا معلوما مما يرزقه الله تعالى.. نقدا أو عينا. وذلك لتنفق في المصارف التي حددها القرآن الكريم.

والركن الرابع – الصيام، وهو الامتناع عن الطعام والشراب وأمور أخرى خلال النهار مدة شهر رمضان.

والركن الخامس – الحج وهو الذهاب إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة مرة واحدة في العمر على الأقل خلال أيام معينة وعلى هيئة خاصة.

الصلاة

ومن بين كل هذه الأركان الواجبة. أكد الإسلام بشدة على فريضة الصلاة. وقد فرض على المسلم أن يصلي خمس صلوات كل يوم. وبالإضافة إلى هذه الصلوات الإلزامية هناك صلوات أخرى تطوعية أو اختيارية. ومن سمات المسلم أنه يهتم بالجانب الروحاني من الحياة بمثل ما يهتم أهل الدنيا بالجانب المادي منها. فإذا كان الهواء والطعام ضروریان لحياتنا الجسدية.. فإننا لا نستطيع أن نحيا روحانیا بدون أن نؤدي الصلاة بانتظام في مختلف أوقات اليوم.

والصلاة تشتمل على عدة أوضاع جسمانية هي: وضع القيام أي الوقوف، والركوع أي الانحناء، والسجود أي وضع الجبهة على الأرض، والقعود أي الجلوس مع ثني الساقين تحت الجسم. وفي كل وضع من هذه الأوضاع يتلو المصلي عبارات معينة، ويجب على المصلي أن يدرك ما يقول لربه أثناء الصلاة.

وجوب أداء الصلاة

أداء الصلاة بالكيفية المقررة واجب على كل مسلم بالغ عاقل. أما الأطفال فلا تفرض عليهم إلى أن يكبروا. ولكن ينبغي بذل كل جهد لاجتذابهم إلى الصلاة كي يؤدونها بانتظام أداء صحيحا. ومن ثم فإن التربية والتعليم ضروريان للأطفال، ولذلك أوصى النبي الآباء بحثّ الأطفال على الصلاة وهم أبناء سبع سنوات. وأن يعنفوهم إذا لم يواظبوا على أدائها وهم أبناء عشر.

وعندما يصل الطفل إلى سن البلوغ تصبح الصلاة فرضا عليه، وفي هذه المرحلة لايحق لأحد -فردا کان أو دولة- أن يكرهه على الصلاة.. ذلك لأن الصلاة بالإكراه لا قيمة لها. ومن اللازم أن تكون الصلاة طواعية بإرادة المصلي، والمسألة بين المرء وربه. ولذلك فإن من واجب كل أب وأم أن يعدّا أولادهما للصلاة حتى يكون الأولاد مواظبين عليها. وهذا الواجب عظيم.. يتطلب الاستعانة بالله تعالى.

ولقد ذكر القرآن الكريم أن سيدنا اسماعيل كان طوال حياته مواظبا على الصلاة لله تعالى كما كان يحثّ أهل بيته على إقامة الصلاة، ويلاحظ غالبا أن البيوت التي يحافظ فيها الكبار على أداء الصلاة.. فإن الأطفال يقلدون حركاتهم تلقائيا.. ومن ثم يصبحون مع مرور الوقت مواظبين على أداء الصلاة. ولكن عندما يبلغ الطفل السابعة من عمره ينبغي تعليمه الطريقة الصحيحة للصلاة، ويشجّع على أدائها، ويصطحبه والداه إلى المسجد كلما تيسر ذلك.. فهذا يولّد في نفسه الميل إلى الصلاة، ويحفظ عادة الصلاة في الأجيال القادمة. ويجوز للوالد أو الوصي أن يكون على قدر من الحزم مع الصغير فيما بين العاشرة والثانية عشرة من عمره إذا تراخي في المواظبة على الصلاة، ولا يعني هذا أن يعامل بقسوة أو يعاقب بعنف.. بل ينبغي توجيهه كما لو تأخر عن المدرسة مثلا. وعندما يبلغ الصغير الثانية عشر يحرص ولي أمره على إفهامه أنه قد قام بواجبه نحوه .. وأن المسألة الآن أصبحت بين الصبي وبين ربه. وأنه مسئول أمام الله تعالى. وهذا لا يعني أنه لا يوعظ ولا ينصح ولا يوجّهه.. لأن هذا موضوع لا يتوقف طول الحياة عند الحاجة إليه. إن عنصر الشدة هو الذي يتوقف إذا وصل الغلام أو الفتاة إلى سن الثانية عشر وهذا هو الأسلوب الذي اتبعه سيدنا اسماعيل، وكان يتسم بالمودة واللطف في حث أفراد أسرته على الصلاة. وكان نبينا المصطفى يعامل البالغين في أسرته هكذا، وورد في الحديث أنه كان ينادي ابنته السيدة فاطمة وزوجها الإمام علي رضي الله عنهما ويوقظهما لصلاة الفجر.

أهمية الصلاة

ذكر القرآن الكريم أداء فريضة الصلاة بانتظام على أنه سمة مميزة للمؤمن الصادق فقال:

ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (البقرة: 3-4).

 فالصلاة تساعد الإنسان على التخلص من الآثام. وتميل به أكثر وأكثر نحو ربه وأمور البر.. فيتطهر شيئا فشيئا.. وهذه رحلة لا تتوقف عند نهاية، وتفعل الصلاة ما هو أكثر من ذلك إذ أنها تقرّب الإنسان من خالقه، إنها تساعد العابد في محاولته أن يتشبه بربه في معظم أسمائه الحسنى وصفاته العليا، ولا ينفك يتحول من إنسان دنيوي منحط إلى إنسان نبيل راق عابد لربه. يذكر القرآن الكريم ميزة الصلاة هذه فيقول:

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (العنْكبوت: 46).

فأداء الصلاة يكف الإنسان فيها عن الأعمال المنحطة والشرور ظاهرها وباطنها. وأعظم مزاياها نفعا هو ذکر الله تعالى. ولا شك أن الصلاة علاج ناجع ومجرب لتطهير القلب والروح. وبالصلاة وحدها نستطيع أن نقيم علاقة حية مع الله تعالى. يقول القرآن الكريم:

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر: 30-31).

فالمواظبة على الصلاة تجارة مع الله تعالى لا تعرف الخسران، ولسوف يعطيهم الله جزاءهم وافيا ويزيدهم من أفضاله.

ويقول النبي أن الصلاة سنام الحياة الروحية للمؤمن، وأنها أسمى العبادات، وأنها تصل المؤمن بربه. وليتأكد المؤمن أن الصلاة المخلصة لا تضيع أبدا. وأحيانا تسيل دموع المصلي عندما يمر بالتجربة الروحية العميقة من الحب الصادق لله تعالى، وأحيانا يفعم قلبه بلذة الحب الإلهي فيفيض سعادة رفيعة. هذه المشاعر والتجارب من علامات الصلاة الحية المثمرة ذات المعنى.. ولولاها لكانت الصلاة عملا آليا لا يكفي ليستفيد منه الإنسان، ويكون أشبه بالطاعة لأمر دون أن يتدخل القلب فيها. ولذلك كان من الضروري جدا للمبتدئ أن يضع هذا الهدف السامي نصب عينيه، وأن يسعى دائما لملء صلاته بالحياة.

والصلاة تشتمل على كل صور ودرجات التعبير عن التواضع والخضوع. فالمصلون يقفون باحترام في صفوف خلف الإمام. وعليهم أن يتبعوا الإمام في كل حركة بعد أن يأذن بها، ويكون الإذن بأن يقول الله أكبر في كل مرة فيقومون بنفس الحركة بعده قائلين في صوت خافت “الله أكبر”.. ما عدا الاعتدال من الركوع فإن الإمام يقول “سمع الله لمن حمده” فيعتدل المصلون وأيديهم مستقيمة إلى جانبهم، ويقولون في صوت غير مسموع “ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه..”

الإخلاص والخشوع هنا جوهر الصلاة، فالله تعالى يعظ المؤمنين بقوله:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون: 2-3).

ويقول النبي الكريم : “ما تواضع عبد لله إلا رفعه” ولا يعني ذلك أن الله تعالى يرفع جسده إلى السماء.. وإنما من يتضع في سبيل الله تعالى فإنه يرفع منزلته ويقربه إليه سبحانه. ولا يمكن تحقيق التواضع الحقيقي إلا إذا ركز المصلي فكره في صفات الله جل وعلا.. فإن عظمة الله الغامرة إذا أشرقت على المرء فلا سبيل أمامه إلا أن يتواضع. “يتبع”

Share via
تابعونا على الفايس بوك