مقابلة هامة مع ممثل صندي تايمز

مقابلة هامة مع ممثل صندي تايمز

نقدم إليكم حديثًا صحفيًا ممتعًا جرى بين (ستيفن بول) ممثل المجلة الإنجليزية (صندي تايمز) وبين حضرة مرزا طاهر أحمد أيده الله تعالى، إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية، في أوائل سنة 1989. (التحرير)

مستر بول: ما عدد أتباعكم في المملكة البريطانية؟

حضرته: أرى أن هناك حوالي ثمانية إلى عشرة آلاف منهم على الأكثر في المملكة البريطانية، نظرًا لعدد الحضور في نشاطاتنا الرئيسية.. الذي يتراوح بين الخمسة والستة آلاف، ولكني لا أعلم على وجه التأكيد.

مستر بول: ماذا حول مؤسس الجماعة؟ أعني ماذا كانت الظروف التي تأسست ضمنها الفرقة الإسلامية الأحمدية؟

حضرته: استعمال كلمة الموجد أو المؤسس للإنسان هنا فيه تجاوز خاطئ للحقيقة. فكل دين حق قد أُوجد وأُسس من قبل الله تعالى. النبي محمد يُشار إليه أيضًا كمؤسس الدين الإسلامي.. وكما يجري الاصطلاح ويفهم منه الرجل العادي بأنه إشارة إلى مرزا غلام أحمد القادياني كمؤسس للجماعة الإسلامية الأحمدية.. ضمن سياق تفسيري لاصطلاح “مؤسس أو موجد”. فقد أوحى الله تعالى إليه بأنه اختاره كالمصلح والمجدد الذي سبقت الأنباء بوعد بعثته في آخر الزمان، وهكذا تأسست الجماعة.

حصلت الأمور على مراحل، كان مؤدى الكشف الأول الذي شهده من الله بأن الله اختاره للقيام بمهمة عظيمة. ثم باستمرار، وخلال عدد من السنين، تلقى كثيرًا من الوحي، وتوالت الأنباء تؤيد أنه المهدي والمصلح الموعود الذي أخبر بمجيئه نبي الإسلام محمد . ثم كشفت له الحقيقة بالوحي بأن سيدنا عيسى لم يصعد بجسده العنصري إلى السماء، حسب المفهوم العام، بل توفي بالموت الطبيعي.. بعد أن أنقذه الله من الصلب.. فرفع عن خشبة الصليب حيًا في حالة إغماء.. ثم فيما بعد عُولجت جراحه من قبل بعض تلامذته.. وهناك مرهم عيسى الشافي قد استعمل في العلاج وبالتدريج استعاد قوته.. وعاش ردحًا في نفس المنطقة.. وعندما استرد العافية تمامًا نزح مهاجرًا تبعًا للنبوءة:

” وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ” (يُوحَنَّا 10 : 16).

فقد جال باحثًا عن الخراف الضائعة من قبائل بني إسرائيل.

لم ترد الأنباء السماوية إلى مؤسس الجماعة بكل هذه التفاصيل التي شرحتها.. بل جاء الوحي بالنقاط الرئيسية. وعلى ضوئها انكب على دراسة القرآن الكريم والكتاب المقدس، وتابع حوادث التاريخ، وعليها بنى وجهة النظر القائمة اليوم للجماعة الإسلامية الأحمدية والتي ذكرتها مُلخصًا.

نحن لا نعتقد بأن سيدنا عيسى ابن الله بالمفهوم الحرفي للكلمة، بل جاء من الله بنوع خاص جدًا من النبوة أُضيف إليه لقب المسيح. فدعاؤه:

“يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ”. (مَتَّى 26: 39)

هذا الدعاء تقبله الله منه تبعًا للعبرانيين 5: 7. إذ قدم بصراخ شديد ودموع وطلبات وتضرعات للقادر أن يُخلصه من الموت.. وسمع له من أجل تقواه. وظل مختبئًا لفترة قابل خلالها تلامذته فقط سرًا.. وتلافى الناس والقرى والمدن.. واتخذ طريقه بالتدريج متنقلاً من منطقة الصلب باتجاه الشرق.. بعض الباحثين يعتقدون أنه تحرك شمالاً باتجاه تركيا اليوم ثم انحرف شرقًا.. لقد قابل تلامذته في الجليل وشوهد شمال بحيرة طبريا، ولبث ردحًا في دمشق. ثم من المرجح أنه زار الجالية اليهودية في نصيبين شمال الموصل. ومن إيران إلى أفغانستان حتى حط الرحال في كشمير.

هذا وصف موجز، ولكن أصدرنا الكثير من المؤلفات في تحقيق هذا الموضوع.. وكم من بعثة زارت كشمير خصيصًا لمشاهدة قبر سيدنا عيسى في “سري نكر” عاصمة البلاد.. ونجد أن الاهتمام بأجلى معانيه يتركز تدريجيًا على هذا الموضوع.

لا يسمح لي المجال هنا بأن أشرح الأمور كليًا مع إيراد مفصل الدلائل، وما أريد أن أقوله هنا أن هذا هو اعتقادنا باختصار.

مستر بول: هل ذهب إلى كشمير برفقة أمه؟

حضرته: القرآن الكريم طبعًا قد نوه بذلك حيث جاء:

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (المؤمنون: 51).

و(آويناهما) تعني أن الله تعالى شاء وقدر أن يأويا إلى مكان أمين، ويستقرا في نعمة منه.. وكان مقامهما في ربوة ذات قرار ومعين. وعلى ذلك فنحن نؤمن بأن أمه الصديقة مريم رضي الله عنها رافقته بالتأكيد.. وبالنسبة لمدى المؤيدات التاريخية يختلف الباحثون في الرأي.. فبعضهم كالدكتور نذير أحمد في كتابه “حياة عيسى في الهند” قد عين محطة الهضبة “موري” مكان دفنها باعتبار أن هناك مقامًا فيه قبر يعرف باسم قبر ماري. لم يعرف بعد ما تاريخ القبر، وإلى أي عهد يعود أثره، أو من هو على التأكيد المدفون فيه. ولكن تدور الأساطير في المنطقة بأنه قديم جدًا وأنه قبر سيدة قديسة كانت تتنقل على سفر عندما فاجأها الموت في ذلك المكان. وباعتبار أن هذه الشائعة هي الدليل الوحيد الباقي حول كنه المكان. فقد اتخذ الدكتور نذير أحمد الموقف بأن المقام هو لسيدتنا مريم أم المسيح لا غيرها.. وأنا لست واثقًا من ذلك.. لأن هناك قبورًا كثيرة منسوبة إلى نفس الاسم.. وقد طرق مسمعي أن هناك قبرًا في اليابان تنبع عنه الشائعات بأنه مقام أم المسيح وقد أمرت أحدًا أن يحقق في أمره، فوجدت أنها بالطبع مجرد شائعات.

مستر بول: أين أُشير في القرآن الكريم ببعثة من يحمل وظيفة المسيح الموعود؟

حضرته: في أماكن عديدة وخاصة في سورة الجمعة.

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الجمعة: 3-4)

على الرغم من أن الرسول الأعظم كان أميًا لا يحسن الكتابة أو القراءة فقد علم شعبًا كاملاً. كان لا يعلمهم فلسفة القرآن فحسب بل أيضًا قوانين الشريعة نفسها وتطبيقاتها.

والجمعة من الجمع، ومنه سمي يوم الاجتماع بيوم الجمعة. والجمعة تمثل الاجتماع للمسلمين في أي مكان في أنحاء العالم، واليوم الذي يتم به الاجتماع. فتفيد التعيين للمكان، وتفيد التعيين للزمان.

فموضوع عودة وظيفة محمد في قوم من أجيال المستقبل الذين سيلحقون بالعرب الذين بعث فيهم محمد، وعندما تستدعي الحاجة تجديد مهمته، ذلك الموضوع قد ورد ضمن السورة التي تبحث في جمعة المسلمين ووحدتهم وتضامنهم في سبيل الإسلام. فيقول تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ وهو الذي سيبعثه في الآخرين أيضًا وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ والتقدير هنا.. سيبعثه في آخرين منهم لما يلحقوا بهم.

ويستمر موضوع هاتين البعثتين في الآية الخامسة:

ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .

فما من أحد يستطيع أن يملي إرادته على الله بخصوص من يستحق نعمته ومن يختار للبعثة الثانية.. فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ونفهم أنها نبوءة تتحدث عن بعثة نبي في الآخرين يأتي بكامل الخضوع لتعاليم محمد وشريعة القرآن. فهو يأتي باسمه وتابعًا له، ولا يأتي بشريعة جديدة، بل يجدد العقيدة الإسلامية وينقيها من الشوائب والبدع، ويعيدنا إلى الأصل ما جاء به محمد أصلاً من الهدى.

هذا مفهومنا للآيات مؤيدًا بما رواه البخاري حيث جاء في صحيحه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ”. (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن).

من الصورة التي سأل بها الصحابة رضوان الله عليهم: “من هم يا رسول الله”، وسألوه ثلاثًا، أنا أشعر بأنهم حسبوا أن الرسول الأعظم سيتنزل بشخصه ثانية. فإذا تابعنا هذا الحديث بدقة نجد أن الرسول الأعظم يصحح وجهة تفكيرهم هذه، ويعطيهم جوابًا واضحًا بأنه لن يبعث ثانية بشخصه، وأن المبعوث من بعده من الله شخص آخر في زمن بعيد من المستقبل.. وحتى لن يكون عربيًا.. وبوضعه يده على سلمان الفارسي .. عين كونه من أصل فارسي.

هذا واضح جدًا وليس بتفسير وضعناه على لسان الرسول الأعظم، والعياذ بالله، بل هو تفسير جاء منه وبلغنا بكلماته وأسلوبه الأدبي الرائع. فقد وعدنا بمصلح يظهر في آخر الزمان ليجدد العقيدة الإسلامية في أكثر من سبعين حديثًا متواترة وقوية الإسناد عن نزول عيسى وظهور المهدي.

وأما كون هذا المصلح من الفرس.. فيجب أن نتذكر بأن الإمبراطورية الفارسية في أوانه كانت تمتد على نطاق أوسع بكثير من حدود إيران اليوم.. وبوضع يده على سلمان الفارسي يمكن أن تشمل الإشارة أي منطقة من الإمبراطورية الفارسية حينها.

مستر بول: لماذا لا يقبل المسلمون من غير الأحمديين اليوم هذا المستند الواضح؟

حضرته: لأنه بيّن واضح من جهة، ومن جهة أخرى مستغلق غامض. عندما يبعث شخص من الله فالنبوءات والدلائل على صدق ادعائه دائمًا ما تكون واضحة وجلية. ولكن في البداية لا أحد يتقبل هذه الأنباء السابقة ولا تلك الدلائل الواضحة. وقد جرى نفس الشيء بما يتعلق بسيدنا عيسى .. يخبروننا اليوم بأن كتب موسى والأنبياء مليئة بأنباء مجيئه وبعثته إشارة ووصفًا. ولكن اليهود أنكروه حينها، ولا يزالون ينكرون بعثته من الله.. والأمر شبيه بالنسبة للرسول الأعظم نبي الإسلام ، فهناك نبوءات واضحة في الكتاب المقدس في العهد القديم والجديد كليهما.. تخبر ببعثته إشارة ووصفًا، ولطالما علمناها وأشرنا إليها في مناقشاتنا مع المسيحيين. ولكن الأكثرية العظمى منهم مع اليهود لا يزالون ينكرون بعث محمد .

والسبب في الإنكار في كل الأحوال يكمن في الموقف النفساني. فالله سبحانه يبعث رسولاً فقط عندما يضل الناس الطريق السوي. ويكون موقفهم خاطئًا تجاه الحياة. بالأصل قد اجتنبوا الحق، وخالفوا الصدق. وهؤلاء الذين ألفوا بطبيعتهم أن يلفقوا الأسباب لمسايرة رغبات أنفسهم، من السهل عليهم أن يجدوا الأعذار لرفض المصلح الذي يريد أن يغير من نمط حياتهم.. فلا ينضمون إلى لوائه. ولا يخضعون لإرادة الله. هذه ظاهرة نشاهدها على نطاق عالمي في كل مكان وزمان. ولا شيء غريب فيها.

وأريد أن أشير هنا إلى أنه على الرغم من المقاومة والرفض عامة المسلمين، نجد أن موجة من الاهتمام تستجد في كل آونة. وهناك رغبة حقيقية وصدق الجماعة نجدها تجتاح في ردح من الزمن قطيعًا من الخراف المؤمنة، فينضمون إلى إخوانهم تحت لواء الجماعة. ثم يشتد الغيظ ضد الجماعة ويهيج العداء في قلوب العلماء والمشائخ فتعلو صيحاتهم وتزيد تهجماتهم ضدنا، فتبطئ تقدمنا فترة، ريثما يتركز اهتمام الناس على دعوتنا.. فنعود نحث السير إلى الأمام ثانية. وعلى نفس المجرى سارت الدعوة المسيحية، وعلى نفس المنوال تركزت جذورها.. فإن المسيح الموعود إذا كانت دعوته حقًا فستلاقي ولا شك نفس الاضطهاد من الناس ونفس التأييد من الله، وتجري مراحل تقدمها وانتشارها على نفس الوتيرة التي ظهرت بها المسيحية.. دعوة المسيح الناصري من قبل، لن تسير بخطى حثيثة.. ولن تحرز نصرًا فجائيًا يعم كل مكان.. ولكن بخطى وئيدة وتقدم مستمر ستجتذب العالم في أطراف المعمورة.

مستر بول: ما مدى انتشار دعوتكم في المملكة البريطانية.. ومتى دخل أول فرد فيها في جماعتكم؟

حضرته: يمكن الجواب على هذا السؤال بأسلوبين. أعتقد أن الجماعة الأحمدية تأسست في بريطانيا عام 1914، ولكن الأحمدي الإنجليزي الأول قد دخل الجماعة في تاريخ أقدم خلال حياة المسيح الموعود والإمام المهدي ، وأعتقد أنه “لورد” وشخص آخر ذو مركز أيضًا قد ذُكر في التايمز اللندنية بعد وفاة حضرة غلام أحمد .. مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية. هذا الشخص كان علّامة ومستشرقًا. وجريدة التايمز أشارت إلى أنه على حظ عظيم من المعرفة.. وحجة ذات قوة ووزن.

مستر بول: ما موقفكم بما يتعلق بقضية سلمان رشدي؟

حضرته: لقد تكلمت بتوسع عن هذا الموضوع في خطبتي الجمعة السابقتين، وموقفي واضح جدًا. فالقرآن الكريم يتحدث بتكرار عن موضوع الكفر والردة وشتم المقدسات، ولكنه لم يعيّن أية عقوبة لها. فلم يسمح لأي فرد أو سلطة أن تعاقب عليها، بل على النقيض يعلمنا الحلم والصبر.. ويطلب منا أن نزجرهم، ونطلب منهم الكف عن كفرهم، ونقاطعهم ما داموا سادرين في غيهم. في خطبة الجمعة استشهدت بآيات قرآنية أستطيع أن أشير إليها هنا. (سورة الأنعام: 109)، (سورة الكهف: 5-7)، (سورة النساء: 141)، (سورة الأنعام: 69-70).

الإمام الخميني أو عالم آخر يستطيع أن يعبر عن رأيه واجتهاده، ولكنه لا يستطيع إصدار حكم الموت أو أي عقوبة أخرى على الكافر، بناءً على تعليم القرآن.

وبالنسبة لموقف الغرب فإني أشعر بأنه من غير العدل بالنسبة للحكومات الغربية أن تركز الاهتمام والأضواء على المبالغة التي تجاوب بها الخميني حين أصدر حكم الإعدام، متناسية من هو الخميني، ثم يضعوا اللائمة على الإسلام أو على الأقل على جزء من المسلمين، دون وضع اللوم على القائم بالفتنة والدافعين إليها.

بالنسبة للخميني، في بلاده كانت هناك منذ عهد قريب مقابلة تلفزيونية موضوعها الصفات العالية التي كانت تتحلى بها حضرة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ابنة الرسول الأعظم . وكان هذا البرنامج بمناسبة عيد ميلادها. وإحدى السيدات علقت ببراءة: إن ما قيل عن السيدة فاطمة رضي الله عنها جميل جدًّا، ولكنها تحب نوع السيدة التي تعمل لخدمة الإنسانية، فترفه عن المرضى، وتواسي آلام المعذبين. واستمرت بالحديث على هذا المنوال. مما أثار الخميني وآذى شعوره وأغضبه إلى حد أنه أمر بقتل جميع هؤلاء المشتركين في البرنامج، ثم عدل في حكمه بوساطة بعض الناصحين، ولكنه أصر على أن فلانًا وفلانًا يجب أن يسجن لمدة خمس عشرة سنة أو مؤبدًا. وأما المخرج فيجب أن يعدم حالاً. وقد حصل. لقد كان الفاشية باسم آخر. ماذا تتوقعون من موسوليني أو هتلر. ولماذا يلام الإسلام لاستبداد إنسان لا يبدو بكامل قواه العقلية.

هذا أُذيع وأُشيع وسُلطت عليه الأضواء.. بينما أبيحت الأعذار الواهية للكتاب القذر الذي أثار الخوميني ومئات الألوف من المسلمين معه. أبيحت الأعذار للبذاءة والسفالة التي نالت من الإسلام، وشوهت حقيقته، وأهانت شخصياته المقدسة.. وجعلتهم في أسوأ مواضع الهُزء والسخرية. كل هذا طواه التجاهل وكأنه لم يحصل.. باسم الضمير الإنساني وحرية الرأي وحرية التعبير أصبح صائغًا مقبولاً؟

لماذا تمنعكم حرية الكلام من إدانة القذارة حين ترونها؟ إذا طلب رجل للإعدام تعتقدون أنه ضرر فادح.. فما بالكم بهذه الآلام التي لا تتصورون عمقها ومداها التي يرزح تحتها مئات الآلاف من الناس بسبب هذا الكتاب الذي تعتبرونه مجرد قصة خيالية نسجت حول أشهر الشخصيات المقدسة في التاريخ الذي يقوم اعتبارهم في أسمى المنازل في القلوب. ويجري التهجم عليهم بلغة بذيئة قذرة حتى الإنجليز لم يكونوا ليتحملوا وقعها في مجتمعهم مائة سنة مضت.

مستر بول: هل الإساءة كانت في اللغة أو في الفكرة؟

حضرته: هذا سؤال جيد.. عندما تعارض الإسلام أو ترفضه لا تقع هنا جريمة أو إثم، ولا يعتبر المسلمون من التعدي أن تعتبر الإسلام خاطئًا على أساس المناقشة. فتهجمات المستشرقين على الإسلام قوبلت دائمًا بصدور رحبة. وقد نشرنا كتبًا في الرد على تهجماتهم، على أساس التعادل في إبداء الرأي. ولكن هذه الكتابة الخيالية لا تنافي العدل فقط، بل لا تدع لنا مجالاً في أن ندافع عن أنفسنا، أو فرصة لنبرز الحقائق في وجه الأكاذيب، فكيف تعارض الخيال.

ورب قائل يقول: إن هذا الخيال محِق، وإنه في محله؟ ولكن الواضح أن سلمان رشدي أعاد إلى الحياة كل الدعائم لتهجمات المسيحية على الإسلام في الماضي، وبأسلوب بالغ من الخبث والمكر.. يترك انطباعًا في عقول غير المسلمين بأنه حقيقة في قالب الخيال، أكاذيب موضوعة جسمت على أنها حقيقة ليس لنا نحن المسلمين وسيلة لنقضها، لأنها وردت بأسلوب خيالي.

مستر بول: ماذا تقول للمسيحيين الذين لا يشعرون بالسعادة حول الكتب التي نشرتموها باعتبار المسيح ليس ابن الله! ألا يبدو أن هذا كفر واضح؟

حضرته: لقد جرى توضيح هذه النقطة جيدًا من قبل القانون العام البريطاني نفسه. والحكم القانوني بهذا الخصوص معقول جدًا، إذ يقول ما معناه: ليس من الكفر أن تعترض على العقائد المسيحية ما دام الاعتراض بالمنطق والمناقشة الفكرية.. وإنما الكفر هو استعمال الموقف الساخر.

وليس بالكفر الاعتراض على العقائد المسيحية، وليس إنكارها ما يؤاخذ عليه القانون، وإنما إهانته باستعمال الألفاظ البذيئة واللهجة النابية، متعمدًا إيذاء شعور الناس، هو الذي يعاقب عليه القانون. لربما هذه ليست بالذات كلمات القانون، ولكنك إذا قرأته وتمعنت فيه وجدته حكمة بالغة.

مستر بول: ما هي علاقاتكم مع الجماعات الإسلامية الأخرى في بريطانيا وفي العالم؟ هل على سبيل المثال تتعبدون في مساجدهم؟

حضرته: طبعًا نحن نفعل، إذا سمح لنا! ونحن نقوم بالعبادة في مساجد السنيين عندما لا يعلمون بأننا أحمديون. وأنا على استعداد لأقيم الصلاة في مساجد السنيين.. وحتى لو بنيت من قبل الحكومة السعودية. لا يوجد مشكلة هنا قطعيًا، نحن نعتقد بأن المساجد للناس كافة. كأحمديين نؤمن ضمن تعاليم سيدنا محمد بأن المساجد يجب أن تبقى مفتوحة حتى للمسيحيين.. ففي إحدى المناسبات جاء وفد من نصارى نجران للنقاش مع الرسول الأعظم في مسجده في المدينة واستأذنوا الرسول في أن يخرجوا من المسجد ليؤدوا صلواتهم. فأجاب ليس عليهم جناح في أن يبقوا ويؤدوا صلاتهم في المسجد، فهو بيت الله. هذه هي مبادئ الإسلام التي نفهمها من السنة العملية. وليس بالإسلام ما جاءنا من علماء العصور الوسطى، وكنتيجة لعهد سياسي يدفع إلى وضع مبادئه ملوك كان دأبهم أن يتخذوا من الدين سلطة يطؤون بها حقوق الإنسان. وكم من جرائم ارتكبت باسم الدين. نحن نعود إلى المصادر الأساسية للإسلام، ولذلك أستشهد بالقرآن الكريم والحديث الشريف، ولا نثق بتفاسير العصور الإسلامية الوسطى.

مستر بول: ماذا أضاف مؤسس الجماعة للإسلام؟ وما هي الإضافة على وجه التعيين؟

حضرته: هذا هو الأمر الواجب التوضيح.. فهو لم يزد شيئًا البتة.. كل ما فعل هو أن أزال البدعات.

مستر بول: ما هي البدعات التي يمكن أن أجدها؟

حضرته: هناك الكثير منها مثلاً الاعتقاد بنوع الجهاد الذي يسمح باستعمال السيف في نشر الدعوة. فهذه بدعة لأننا نؤمن ونستطيع أن نبرهن على أنها مخالفة لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية العملية. فالرسول الأعظم لم يرفع السيف للاعتداء، بل كانت كل معاركه في الدفاع المشروع عن الإسلام. ونجد في القرآن:

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (الحج: 40).

هذه هي أول آية نزلت في القرآن الكريم أذن فيها للمسلمين أن ينتضوا السيف في الدفاع عن أنفسهم. وخلال الثلاث عشرة سنة قبلها من الاضطهاد في مكة لم يسمح الرسول الأعظم للمسلمين أن يقاتلوا في الدفاع عن أنفسهم، وكان بانتظار الإذن من الله. وجاء الإذن وهم ما زالوا أقلية تحيط بهم أعداد هائلة من الأعداء ذوي القوة والعدة. والإذن يقتصر على الذين شهروا السيف في وجوه المسلمين وقاتلوهم ظلمًا وعدوانًا. فهؤلاء أذن الله للمسلمين أن يقاتلوهم دفاعاً عن النفس، وليس لهم ذنب جنوه إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ . وهم الذين ظُلموا من قبل بأن يُخرجوا من ديارهم، وهل في وسعهم إلا أن يقاتلوا دفاعًا عن النفس في وجه السيوف التي شهرت عليهم. وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . فالله سيدعمهم بقوة من عنده وسيؤيدهم بالنصر.

كل علماء المسلمين يُقرون بأن هذا هو الإذن الأول باستعمال السيف.. والعبارة واضحة بحيث لا أجد مجالاً لأي معنى آخر يمكن أن يستنبط منها. وعندما نواجه خصومنا بوجهة النظر هذه الواضحة التي ذهبنا إليها في تفسير الآية، فإنك ستعجب من مدى امتعاضهم.

مستر بول: ما هي الكلمة التي تفيد بأنك تستطيع استعمال السيف في الدفاع عن النفس.

حضرته: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ . أُذن: أي سُمح، ويقاتلون: فعل مضارع مبني للمجهول. والمعنى أن الإذن قد أُعطي لهؤلاء الذين أُعمل فيهم السيف من قبل، والحرب سبق وأعلنت عليهم قبل الإذن، ولطالما وقعوا تحت الاعتداء، ورضخوا للظلم من قبل هذا الإذن. لا يوجد إنسان ملمًا باللغة العربية يعطي الآية أي معنى آخر. ليس مفهوم (يقاتَلون) هنا بأنهم في حالة قتال، لأنهم لو كانوا في حالة قتال، فما حاجتهم للإذن! (يقاتَلون) هنا تعني أن الحرب أعلنت عليهم مسبقًا، وأن السيف أُعمل في أفراد منهم، فأذن لهم، لأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير.

ثم يستمر المعنى في الآية التالية:

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 41).

فالإذن قد أعطي للمسلمين بأن يردوا الاعتداء بالسيف لأنهم ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. فالحرب التي أعلنت عليهم وتعبر عنها كلمة (يقاتلون)، لم تبدأ بوقعة بدر. ثم تُفصّل لنا الآية سبب الإذن، سببًا شاملاً، لا يتعلق بموقعة بدر فحسب، بل يتعلق بكل زمان ومكان:

وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرً .

هذا ما أعلنه دائمًا للناس أجمع.. أنظروا إلى جمال التعاليم الإسلامية في موضوع الجهاد، كيف يضرب الله الأمثال، فيذكر المعابد غير الإسلامية في وجوب الدفاع عنها والسهر على بقائها قائمة حتى قبل أن يذكر المساجد. في عُرفي الخاص ومفهومي للجهاد من القرآن الكريم، وحسب التفاسير الأحمدية، أعتقد أن هذه الآية الكريمة لا تجعل كل مسلم مسؤولاً عن الدفاع عن الجوامع، وتجعل هذا الدفاع جهادًا في سبيل الله فحسب، بل يتوجب على المسلم الدفاع عن الكنائس أيضًا، ليحول دون هدمها، وإذا مات خلال الدفاع كان شهيدًا. إنني لا أقصد الدفاع عن المسيحية القائمة اليوم كعقيدة ومذهب، ولكن الدفاع عن حرية العبادة والوقوف مع المظلوم ضد الظالم الذي يريد أن يهدم هذه المعابد المقامة بالأصل لعبادة الله، فهو جهاد.

وهكذا كانت مهمة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود أن يصحح وينقح كثيرًا من وجهات النظر مثل ماهية الملائكة والجنة والنار.

كل هذه الأخطاء المتراكمة خلال القرون الطويلة الماضية، والإساءة في فهم هذه العقائد أعادها “مؤيدًا بالوحي” إلى حقيقتها. فاستعادت نقاءها كما وردت في القرآن الكريم، وكما شرحها الرسول الأعظم محمد . هذه كانت دعواه، وهذا ما نعتقد بأنه فعل.

مستر بول: هل جرت محاورات ومناقشات بينكم وبين المسلمين الآخرين؟

حضرته: طبعًا، مرات عديدة وباستمرار. هناك مواجهات تاريخية في شهرتها وطبيعتها عقدت خصيصًا لتداول وجهات الرأي، بعد وفاة مؤسس الجماعة وإبان حياته. حيث كان باستمرار مشبوكًا في مناقشات فكرية ومباحثات تمحص في المبادئ، في اجتماعات عامة أو مناظرات ثنائية يحتد فيها الجدل مع هذا الخصم أو ذاك. فقد كان الدفاع عن الإسلام وتقريب تعاليمه من مفاهيم المسلمين ومحاولة كسبهم بالحجة والبرهان شغله الشاغل إبان حياته جميعها، في كل آونة وعلى الدوام.

وأشهر مناظرة تاريخية جرت بعد وفاته، وعرضت فيه المبادئ على صفحات الجرائد وكانت شغل الناس الشاغل هي سنة 1974 خلال حكم الرئيس الباكستاني بوتو، حين عقد اجتماع المجلس القومي لينظروا في قضية الجماعة الإسلامية الأحمدية، ودعي إمام الجماعة حضرة مرزا ناصر أحمد (تغمده الله برحمته) إلى الحضور مع أربعة أعضاء للجماعة من اختياره، ليظهروا أمام هذه المحكمة القومية العليا للتحقيق. وحصل أن كنت أحد هؤلاء الأعضاء الأربعة الذين اختارهم الإمام الراحل لرفقته. وقد استُجوبنا مرارًا وتكرارًا من قبل النائب العام لباكستان، وممثلين عن مختلف الفرق الإسلامية، كالسنة والشيعة والوهابيين إلخ. بصورة وأسلوب توهمان بأننا ارتكبنا أبشع الجرائم. هذه المعركة الكلامية من نقاش حاد وجدال عنيف استمرت لأربعة عشر يومًا متتالية. ثم جاء الإعلان باعتبارنا (غير مسلمين)، والذي يجعلنا نعتقد بأن هذه المناظرة سجلها التاريخ، وأننا ربحنا الجولة وكسبنا القضية، لأن الحكومة وقتها وحكومة الجنرال ضياء بعدها رفضتا رجاءنا في نشر هذه المناظرة وإعلانها على وجه الأشهاد. إذا كنا خسرنا القضية كما يريدون للعالم أن يعتقد، فلماذا رفضوا طلباتنا بنشرها وإعلانها؟ ولماذا أبقوها سراً على الرغم من كل توسلاتنا؟ لقد أرسلت الجماعات الإسلامية الأحمدية برقيات تلغرافية إلى حكومة باكستان يصرون على نشرها، ليعلم الناس مدى ظلم وإجحاف ارتكبوه ضدنا باعتبارنا غير مسلمين. ولكن الحكومة لا تزال ترفض هذا الطلب.

وقامت مناظرات أخرى أيضًا. قبل انتخابي كخليفة جرت عادتي أن أتنقل كثيرًا في باكستان. وخلال وجودي في ربوة المركز العام للجماعة حصل أحيانًا أن أمثل الجماعة في اجتماعات دورية تعقد للسؤال والجواب، وكثيرًا ما يحضرها أكثر من ألف من غير الأحمديين. وكانت الأكثرية من الضيوف القادمين توجه الأسئلة لي بالذات، بالرغم من وجود علماء آخرين بجانبي لنفس الغاية. وجرت هذه الجلسات التقليدية لسنين. ولدهشة خصومنا أصبح كثير من هؤلاء الزوار أحمديين. وهذا أحد الأسباب التي جعلت الجنرال ضياء عصبي المزاج، فأصدر المرسوم بمنعنا من التعبير عن وجهات نظرنا، أو أن نعلن أو نعرب عن معتقداتنا كأحمديين لأي إنسان تحت طائلة القانون.

هذا المرسوم قد صدر في السادس والعشرين من إبريل 1984، ومباشرة قبل صدوره كنت في زيارة لإسلام آباد (باكستان) حيث يؤم جمع كبير هذه المناظرات للسؤال والجواب، فيهم الكثير من علماء الدين المثقفون. والنتيجة عوضًا من أن تشجع الحكومة الناس أن يؤموا هذه الجماعات ليكشف لهم ما يدعون من تجديف الجماعة الإسلامية الأحمدية، كانت على العكس تمنع وتضع العوائق من كل جانب دون حضور اجتماعاتنا، إلى حد أنها في الثالث والعشرين من إبريل أوقفت على “جسر الهجوم” مواكب محمولة قادمة من بيشاور للحضور في اجتماعاتنا بإسلام آباد. فالحكومة قد أرسلت قوة من دائرة المخابرات لتستفسر كل فرد على هذه الباصات عن سبب قدومهم لإسلام آباد. وكل من جاء لحضور الاجتماع أرسل على أعقابه عائدًا من حيث جاء. وأيضًا أوقف القادمون من بنجاب.

وكنت في عجب مما يحصل لأن الجموع كانت تقبل على الرغم من هذا المنع. وكان اكتساب الجماعة للشعبية سريعًا إلى حد سيدهشك حين تعلم أننا وزعنا الدعوات في المراكز العسكرية لكل الجنرلات وضباط الجيش، ندعوهم لتناول الشاي والاشتراك في الأسئلة. ولا نزال نحتفظ بشرائط الفيديو لتلك المناسبات. وسوف تندهش حين ترى فيها بعض كبار الضباط العسكريين يبكون تأثرًا عند سماع الأجوبة المقنعة.

بلغت التقارير بالوضع الجاري للجنرال ضياء، فهلع للخبر، وأرسل أمرًا إلى المدير العام للبوليس بوجوب إبعادي عن إسلام آباد حالاً. وسألت مدير البوليس فيما إذا كان سيعطيني الأمر كتابيًا؟ فقال إنه لن يفعل، وأضاف بأنه شخصيًا لا يريد لي إلا الخير، وأن الأمور استفحلت، وأنه لن يستطيع أن يضمن سلامتي، لأن الجموع المعادية قد تظهر اليوم أو في الغد على الأكثر للهجوم، وسيكون عاجزًا عن المساعدة. وأضاف بأن الوقت خطير جدًا فيجب أن أغادر المكان لسلامتي الشخصية وسلامة الجماعة. وكان أن غادرت إلى ربوة مركزنا الرئيسي في الرابع والعشرين ليلاً أو ربما في الخامس والعشرين صباحًا، وفي مساء السادس والعشرين من أبريل 1984 صدر المرسوم.

مستر بول: ما سبب هذا المرسوم؟ هل كان دينيًا أم سياسيًا؟

حضرته: طبعًا، السبب دائمًا لمثل هذا المرسوم هو سياسي، ولكن أيضًا صحيح أنه سبب سياسي يتستر بالدين. كلما يدعي إنسان بأنه مأمور من الله، فإن هذه الدعوى تقوم كتحد لهؤلاء الذين يمسكون بزمام المناصب، حيث يعلمون أنها نذير لسقوطهم من هذه المناصب. الناس يعلمون أن هناك فكرة قوية وجديدة تبث تعاليمها، وتتملك في العقول، فتبدل الأوضاع بحيث تسقط القيادة التي تمثل العهد القديم. قناعتي الشخصية أن سبب المرسوم سياسي، وليس بالديني، وللبرهان ما عليَّ إلا أن أشير إلى الدلائل حيث تجد هؤلاء العلماء الذين يعتبرون أنفسهم “حماة الدين”، والذين أصبحوا على درجة من الحساسية للفكرة الأحمدية، ويثورون بشدة بسببها، تجدهم يتغاضون عن كل الكبائر التي ترتكب حولهم وعلى الدوام. فلا يثيرهم ذلك، ولا يشعرون بالمعاصي التي يعيش بها الناس.. فالخمر، والزنا، والقمار، والرشوة، والكذب، والخداع وكل ما حرمه الإسلام، نجده اليوم قائمًا في العالم الإسلامي، ولكن علماء الدين هؤلاء لا يثورون، ولا يحركون ساكنًا، كأنهم لا يبالون بذلك. ولكن عندما يشعرون ببساط السلطة ينزع من تحت أرجلهم فإنهم يثورون. لا يثورون لحدود الله، ولا للقيم الأخلاقية والدينية، بل يثورون حين تتهدد مراكزهم وسلطاتهم. وأعتقد أن هذه ظاهرة عامة نعانيها في كل زمان ومكان. ففي عهد المسيح مثلاً نجد أن أصحاب السلطة الكتبة والفريسيين والصديقيين لم تكن مقاومتهم ومعارضتهم له مدعومة بتعاليم الكتاب المقدس، بل كان كل همهم أن سلطاتهم قد وطئت، ومراكزهم تهددت. وهذا ما يحصل اليوم.

مستر بول: سؤالي الأخير! لماذا تسبب جميع الأديان بما فيها الإسلام سفكًا للدماء وأذى وانقسامات أكثر مما تسبب من الخير؟

حضرته: أقترح عليك أن تلتزم الصبر معي بالنسبة لجواب هذا السؤال، لأن كتابي الذي يتعلق بهذا الموضوع ما زال تحت الطبع في إنجلترا. هذا الكتاب عالجت به كل جوانب الاضطهاد باسم الدين.

مستر بول: هل الدين بحد ذاته يزيد المشاكل؟

حضرته: هذا السؤال الذي أجبت عليه وهو الموضوع الذي عالجته حين دافعت عن الدين في كتابي. أنا أعتقد بأنه ليس الدين الذي يجب أن تلقى عليه التبعة في سفك الدماء عندما تهدر باسم الدين. الذي يحصل أن السلطات السياسية تستغل الخلافات الدينية وتثير الاعتداء المسلح لخدمة أغراضها. وقد استشهدت على هذا في كتابي بكثير من الأمثلة، وأيدت ما ذهبت إليه من حوادث التاريخ. وأيضًا تناولت بالبحث ما تدعونه بالإرهاب الإسلامي، سواء ما كان ينسب إلى الخميني، أو ما كان ينسب إلى القذافي، أو غيرهم من النشاطات الإرهابية.

كتبت هذا الكتاب سنة 1962 باللغة الأردية في وقت لم تكن الأحداث قد حصلت بعد. وقد تمت ترجمته حديثًا من قبل البروفسور بركات أحمد الشهير بين الكتاب في مجال العلوم الدينية، والشركة التي أرادت نشره اقترحت أنه ما دام الكتاب يشير إلى زمن مضى فمن المستحسن أن يضاف إليه فصلين يتعلقان بالإرهاب والتسامح، ويشيران إلى ما يدور في العالم اليوم بخصوص إيران وليبيا وأماكن أخرى، وإلا ستقوم الفكرة حول الكتاب بأنه شيء من الماضي، ولا يثير الاهتمام بالنسبة للحوادث الحاضرة. فأضفت فصلين. وفي هذا الكتاب أعتقد أنني شرحت وجهة نظري ووجهة نظر الجماعة الإسلامية الأحمدية.

مستر بول: قد نقع في حالة حيث أن البعض يوافقون على أمر ما والآخرين يعارضونه، فمثلاً في المسيحية اليوم نجد كنيسة إنجلترا ملاحقة بالأدلة المتعارضة فيما هل يجب أن نقبل المرأة كقسيس، وباستمرار تسبب الانقسام بين رجال المفروض أنهم يريدون وجه الله.

حضرته: هذا التعارض هو في وجهات النظر. المهم هنا الحق، الحق الذي ينبع من الضمير. إذا ما قنعنا بأمر، ورأيناه حقًا على صورة ما، فيجب أن نتبعه على تلك الصورة. فالإخلاص في تتبع ما نراه حقًا هو ما يرضي الله. ليس من المستحيل لشخصين على تعارض كامل في مثالياتهما أن يكون كلاهما مخلصًا وأمينًا بالنسبة لما يعتقد به في ضوء الفلسفة الإسلامية. كلاهما سيحظى برضاء الله، ما دام مخلصًا وأمينًا على العمل بما يؤمن به.. أنظر إلى هذه المزهرية من الورد.. كلانا نراها من زاوية مختلفة.. وإذا لم يخطر لنا أن نتبادل مكاننا منها ووجهة نظرنا إليها، فلا نهاية لخلافنا، وسنظل نصفها من زاويتين مختلفتين، ويدوم التعارض فيما نراه.

من غير المعقول أن نتوقع من كل شخص أن يرى الأمور كما يراها الشخص الآخر. ولكن هذه الخلافات كالينابع المتفرعة عن مخزن واحد للمياه كفيلة مع الوقت باتجاهها جميعًا إلى أسفل الهضبة. فتتبع الانحدار، وتلتقي في نهر واحد تنضم إليه فروع كثيرة. هذه الخلافات ليست من مساوئ الدين. فقط عندما يلجأ الناس إلى الخداع، وخاصة إذا كانت للمخادعين القيادة في المراكز الدينية، يفرضون وجهة نظرهم الشخصية باسم الدين بهدف الاستغلال، عندئذ يحصل الانشقاق المعارض للاتجاه الطبيعي لمبدأ ومقصد الأديان. فكثيرًا من الانقسامات في الأديان تأخذ دورها نتيجة لهذا التفكير الفاسد عند بعض القادة.. سواء أعلنوا عن دوافعهم أو أسدلوا عليها الستار. فهناك شيء يجاوز جادة الصواب في تفكيرهم.

في حالة الخميني، الناس ما زالوا يتوقعون مني ويطلبون أن أصدر الحكم عنه بأنه فاسد، ولكني أقول فقط بأنه رجل جانب جادة الصواب وكان على الخطأ. ولا أقول إنه سيء. فكما أرى، كان رجلاً ليس فيه شيء من الرياء، يفعل ما يعتقد أنه الحق. إلا أن به شيئًا من الجنون.. وذوو الهوس العقلي قد يظهرون في السلك السياسي، وبين علماء الدين، وفي كل مجال، وعندما يظهرون في مجال السياسة فلا نلوم السياسية لفعلهم. فالحزب النازي مثلاً نشأ من وجهات نظر هتلر، فلماذا تحمل الدين الإسلامي مغبة أعمال الخميني. فحين لا تلوم السياسية ولا يبلغك اليأس منها فلماذا تتخلى عن الأديان، وتحكم أنها فاسدة وتفقد الأمل منها!

مستر بول: ونفس الشيء يمكن أن يقال عن سلمان رشدي؟

حضرته: نعم، يمكن أن يقال، ولكن من جميع الدلائل لدي أميل إلى القول بأنه ليس بالرجل الصادق أو المخلص، وإليك الأسباب: إنّه ولد في عائلة تشرّبت بالحياة الغربيّة، وتعيش على النّمط الغربي، وليست بالدّينيّة، ولكنّها لاتزال عائلة مسلمة. لم تُسأ معاملته بأيّ صورة. فلا سبب عنده في أن يشعر تجاه الإسلام بمثل هذه المرارة. فهو مرتزق جشع،حاول الظّهور واستلفات الأنظار بكتابة روايات بعضها اكتسبت شهرة، وأخرى باءت بالفشل. في كتابه الشّيطاني كثير من النّقاط الّتي استند عليها بمؤيّدات تاريخيّة ضعيفة جدًّا، مأخوذة من كتب غير موثوق بها مثل الطبري والواقدي. لم يقم بأيّ تحقيق عميق في التّاريخ الإسلامي، لأنّه لايبالي بالحقائق. إذ كلّما أراد أن يجد مآخذ ونقاطًا سلبية يلصقها بالإسلام. نراه يغوص عميقًا في ماضي التّاريخ ليشوّه لنا مولد حضرة إسماعيل الّذي نعتقد بأنّه ابن مبارك من الله. بدأ المسيحيّون يخوضون في الموضوع لأنّ محمّدًا من ذرّيّة إسماعيل، فينكرون أنّ إسماعيل كان أيضًا ابنًا مباركًا لإبراهيم. نحن نعلم أنّ تربية سلمان رشدي وثقافته لم تسمح له بالعودة إلى المصادر الإسلاميّة الصّحيحة، ولذلك دعا حضرة إسماعيل “ابن زنا”، الكلمة الّتي لايمكن ليهوديّ بكامل قواه العقليّة أن يطلقها على حضرة يسوع، بل يكتفون عادةً بأن يقولوا بأنّه ليس بابن الله. وهذا كلّ ماهنالك، ويتركون للسّامع أن يظنّ مايشاء. هذا الأسلوب المهذّب للمعارضة..أن تدعو مؤسّس دين من الأديان، والّذي يحلّ أسمى مكان من الاحترام والتّبجيل في قلوب مئات الملايين من البشر “ابن زنا”! إنّها ليست باللّغة الطّاهرة النّظيفة الّتي ترضي الأذواق، وليست من باب الفصاحة والأدب الّتي تستدعي الإعجاب. ولا أعتقد أنّ سلمان رشدي هو وحده المسؤول، بل من المؤكّد أنّ المؤامرة محبوكة من قبل جهة من الجهات، تريد أن تلقي قنبلة تعكّر بها صفو السّلام.. وتفجّر بها المشاعر في العالم الإسلامي والمسيحي كليهما، وتثير العداء. أشعر أنّها ليست فعلة شخص واحد كسلمان رشدي.

وشكرًا لصبرك واحتمالك معي.

مستر بول: لك الشّكر الجزيل، بالتّأكيد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك