مخاطر التعامل بالربا
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(277)

 شرح الكلمات: 

يمحق- محق الشيء أبطله ومحاه. ومحق فلانا أهلكه. ومحق الله الشيء: نقصه وذهب ببركته (الأقرب).

يُربي- أربى الشيء: جعله يربو أي يزداد (الأقرب)

التفسير:

يقول الله تعالى إنه يمحق الربا ويربي الصدقات.. أي أنه سوف يحقق ازدهارا لمن يتجنبون التعامل الربوي ويهتمون بالصدقات. وفي هذا نبأ بأنه سيأتي على الناس زمان يعملون فيه بتعاليم الإسلام بصورة كاملة، ويتم القضاء على الربا الذي يبدو سببا في زيادة المال.. أما الصدقات التي تبدو نقصا في المال فسوف يباركها الله تعالى ويزيدها. وكأن النظام القديم سوف يُستبدل بنظام جديد. وسوف يتوطد حكم القرآن والإسلام، وكل هذا سوف يحدث بيد الله تعالى.

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (278)

التفسير: 

ورد في الآيات السابقة حضٌّ كبير على الصدقات.. وقد يظن البعض بسببها أنه يكفيهم للنجاة أن يقوموا بالصدقات، فأزال الله هنا هذه الشبهة وقال: إن ترك الربا وإعطاء الصدقات لا يكفي، بل لا بد للإنسان من القيام بالأعمال الصالحة بكل أنواعها، وأن يقيم الصلاة مواظبا عليها، ويؤدي الزكاة. إن النجاة لا ينالها الإنسان بالاعتماد على جانب واحد من الأحكام.

وتفند هذه الآية الخطأ الشائع بأنه يكفي لدخول الجنة أن يقول المرء بلسانه (لا إله إلا الله)، ولا حاجة له في القيام بالأعمال الصالحة. يقول الله تعالى: إن قولكم هذا خطأ؛ ما لم يكن الإيمان مصحوبا بصالح العمل وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وما لم يكتمل الإيمان بالله والشفقة على خلقه.. لن تتيسر النجاة لأحد.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(279)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ(280)

شرح الكلمات: 

فأذَنوا- أذن بالشيء: علمه (الأقرب). فقوله تعالى (فأْذَنوا بحرب من الله) يعني اعلموا وتيقنوا بحرب من عند الله.

رؤوس أموالكم- رأس المال هو المال الخالي من الربح، يقال: “أقرضني عشرة برؤوسها، أي قرضا بلا ربح فيه فَيُرَدّ عليه رأس المال فقط” (الأقرب).

التفسير:

يقول الله تعالى: أيها المسلمون، اتركوا أموال الربا وإلا فاستعدوا لحرب من الله ورسوله. كان في هذا القول وعيد شديد للمسلمين ، ولكن الأسف أنهم خالفوا هذا التعليم، ورأوا النتائج الوخيمة لهذه المخالفة. فانتُزعت منهم أراضيهم وعقاراتهم، ووقعت في أيدي الآخرين، وأمسوا مفلسين محتاجين. بل إن التعامل الربوي هو الذي كان وراء سقوط كل الحكومات الإسلامية الأخيرة. لقد دُمِّرَت إما لأخذ الربا أو لإعطاء الربا. إذا اقترضوا بالربا بدأ المقرضون يثبتون أقدامهم في بلاد المقترضين شيئا فشيئا، مرة بعقد صفقة لإنشاء سكك حديدية، ومرة لحفر المناجم، وتارة لغير ذلك.. بالتدريج يستولون على البلد كله. أما إذا كان المسلمون هم المقرضون بالربا.. فكلما توترت العلاقات بينهم وبين البلاد الأخرى كان المقرضون منهم يميلون إلى العدو الأجنبي لحماية مصالحهم المالية لديهم، وهذا ما فعله المسلمون في ولاية (لكناو) وفي ولاية (أَوده) بالهند، فقد أقرضوا الآخرين بالربا، وجمعوا كثيرا من الأموال في البنوك الإنجليزية، وعندما هاجم الإنجليز ولاية لكناو، هددوا الأثرياء بمصادرة أموالهم المودعة في البنوك الإنجليزية، وكانت النتيجة أن هؤلاء قبعوا صامتين لا يحركون ساكنا لتأييد الحاكم المسلم. مع أنه لو قُتل لص أو قاطع طريق مجرم لثار أهله وأقاربه، ولكن هؤلاء المسلمين المرابين لم يكونوا مستعدين للوقوف مع حاكم الولاية المسلم أو أن يثأروا لقتله. فمن الناحية السياسية أيضا كان تعاطي الربا شرا وبيلاً على المسلمين .. ذلك لأنهم خالفوا أمرا إلهيا واضحا مخالفة صريحة. إن الحكومات الأخرى تتعامل بالربا ولا تتضرر كل هذا الضرر الذي لحق بالمسلمين، ولذلك سبب روحاني.. وهو أن الله تعالى ترك أتباع الديانات الأخرى وحالهم.. كما ينبذ الأب ابنه العاق ويتركه وشأنه ولا يبقى معه على صلة، ولكن المسلمين بالنسبة لله كالابن الحبيب إلى أبيه. كلما خالف المسلمون أوامر الله وجّه إليهم لطمة كما يفعل الأب مع ابنه ذلك لأنه الله -تبارك اسمه- يريد إصلاحهم. أما إذا ترك مسلم دينه الإسلام واعتنق دينا آخر فإن الله يقطع صلته به، ولا يمد يد الإصلاح نحوه في هذه الدنيا. المسلمون من ناحية يعترفون بكل قوة بصدق نبيهم محمد ، ومن ناحية أخرى يخالفون أوامره، فتمتد يد الله لعقابهم، وتقوم بتأديبهم من وقت لآخر. أما الكفر فلا يُعاقَب عليه الإنسان في هذه الدنيا بل في الآخرة. الكافر الذي لا يؤذي غيره، ويعمل بحسب ما يفهم عقيدته، فإنه لن يؤاخَذ في هذه الدنيا، ولكن الذين يدينون بالإسلام ومع ذلك يخالفون أوامره فإنه يُعاقبون في الدنيا كي يرجعوا إلى ربهم، ولا تنقطع صلتهم به كلية، صحيح أن الحكومات غير الإسلامية أيضا تعرضت للسقوط والانحطاط.. ولكن كان ذلك لأسباب سياسية، أما الحكومات الإسلامية فدُمّرت وقُضِي عليها فقط لأنها تعاملت بالربا مخالفة أوامر الله.

وقوله تعالى (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) يتبين منه أيضا أنه ينبغي مقاطعة الذي يتعامل أخذا وعطاء بالربا مقاطعة قومية.. لأنه يخرج على الله ويخالف الله ورسوله في صريح أوامرهما.

ثم يقول (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم). لنتذكر أن هذا الأمر خاص بأولئك الذين أَعطوا أموالا ليحصلوا منها على الربا، ولكنهم تابوا بعد ذلك، يقول الله لهم: إذا تبتم عن التعامل الربوي فيجوز لكم أن تستردوا رؤوس أموالكم، وقد يمكن أن تكونوا قد حصلتم إلى الآن على ما يزيد على رأس مالكم أيضا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك