أسلوب سيد المجددين في تبليغ الحق المبين
* خطبة جمعة ألقاها حضرة ميرزا طاهر أحمد -رحمه الله- الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود
أُلقيت في 19نيسان /أبريل 1985 في مسجد “الفضل” بلندن
* هي الخطبة الرابعة عشرة من سلسلة الخطب التي ألقاها سيدنا ميرزا طاهر أحمد، (رحمة الله عليه) الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ردًّا على تهم باطلة ألصقتْها بجماعته حكومة الدكتاتور الجنرال ضياء الحق في باكستان في “البيان الأبيض” المزعوم الذي نشرته بعنوان: “القاديانية، خطر رهيب على الإسلام.”
ولقد ردَّ الخطيب في كلمته هذه -من خلال المستندات التاريخية- على التهمة القائلة بأن الأحمديين يكفِّرون غيرهم من المسلمين، وقد عزلوا أنفسهم عن العالم الإسلامي قاطعين علاقاتهم الحضارية والاجتماعية والدينية من المسلمين فلنا الحق أن نعزلهم عن المجتمع الإسلامي.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسْم الله الرَّحْمنِ الرَّحيم * اَلْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين)
مازال مصطلحُ “الكفرُ دون الكفرِ والإيمانُ دون الإيمان” سائدًا منذ فجر الإسلام، والمراد منه أنه من الممكن أن يُدعى أحدٌ مسلمًا بناء على الفتوى الظاهرة أو بسبب إعلانه عن نفسه، وقد توجد فيه بعضُ دواعي الكفر أو أمورٌ تعارض معتقدات الإسلام الأساسية، أو قد تحتوي أعماله على نوع من الفسق مما يبيح إطلاق حكم الكفر عليه عند الله. ولكن فيما يتعلق بالملة الإسلامية فلم ولا يزال مثل هذا الشخص يُعتبر مسلمًا. هذا البحث مبنيٌّ على مختلف الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي قرأتها في مستهل خطبتي حيث أخبر اللهُ نبيَّه عن إعلان الأعراب بإيمانهم.
لا يحرم أحد من أن يُدعى مسلما
لا شك أن جميع هذه الآيات تتعلق بالموضوع الذي نحن بصدده، غير أن الآية التي لها علاقة مباشرة بالموضوع هي:
لم يعط الله أحدًا حقًّا ليفتي بعدم الإيمان في قلب أحد، غير أن الله أخبر نبيه وخوَّله هو دون غيره أن يقول لهم:
أي إنني أسمح لك يا محمد دون غيرك أن تقول لهم إنكم لستم بمؤمنين. ومن المعلوم أن ضدَّ المؤمن هو الكافر، وضد المسلم هو غير المسلم. فقد ميّز الله بين هذين المصطلحين هنا إذ قال:
فلا تدّعوا بكونكم مؤمنين، ولكن رغم ذلك لا نحرمكم من أن تسموا أنفسكم مسلمين فقال: قُولُوا أَسْلَمْنَا ، وذلك رغم عدم دخول الإيمان في قلوبكم.
تعريف المؤمن الحقيقي
أما فيما يتعلق بصدور الفتوى ضد شخص حين تكون الفتوى غير صائبة في حقيقتها، فليكن معلوما أنه لا خوف عليه في هذه الحالة لأنه إذا كان ذلك الشخص يطيع الله ورسوله فيقول الله تعالى عنه وعن أمثاله:
من الواضح أنه لا يُتوقع من الله الغفور الرحيم أن يضيع أعمال شخص مخلص بناء على فتوى الآخرين الخاطئة. فالآيات المذكورة أعلاه تضم إعلانا عن التصرفات السلبية لبعض الناس. ثم ورد بعد ذلك إعلان إيجابي أيضا متضمنا تعريف المؤمنين إذ قال الله تعالى:
فمن منطلق هذا التعريف للمؤمن نجد أنه لا يأتي في حياته الفردية ولا الاجتماعية وقتٌ حين لا يكون منشغلا في الجهاد بنفسه وبماله. فقال إن هؤلاء الناس هم الصادقون ويستحقون أن يسمَّوا صادقين، لأن فيهم علامات الإيمان التي أثبتوها بأعمالهم.
وحذرهم بالتكرار بأن يمتنعوا من تصرفاتهم هذه وإلا فلن يبقى لديه خيار إلا أن يعتبرهم كافرين حسب منطوق الحديث المذكور. وقال لهم مرارا وتكرارا بأننا قد أتممنا عليكم الحجة لذا يجب أن تكفوا عن هذه التصرفات وإلا سيعود تكفيركم هذا على أنفسكم، ولن يبقى لدينا خيار إلا ونعتبركم كفارا لأن هذا ما يأمرنا به الرسول ، والمؤمن لا يستطيع أن ينحرف عن أمر الرسول قيد شعرة.
سؤال من حكومة باكستان
كل الأمور التي ذُكرتْ في الآية الآنفة الذكر، أخبر بها اللهُ بنفسه نبيَّه الأكرم . فبالرغم من أن الأعراب قد مُنعوا من أن يسمُّوا أنفسهم مؤمنين لأنهم ليسوا بمؤمنين عند الله، ولكن سُمح لهم أن يُطلقوا على أنفسهم “مسلمين.” وبذلك فقد سُمح لكلِّ شخص أن يُدعى مسلمًا، ولا يحق لقُوَّة من قوى الدنيا أن تسلب منه هذا الحق. من المعلوم أنه لا يمكن أن يظهر كفرُ أحد للعيان بصورة أجلى وأوضَحَ من أن يخبر اللهُ عالِمُ الغيب والشهادة بذلك نبيَّه أصدقَ الصادقين . ومع ذلك يأمر الله نبيه ألا يسميهم “غير المسلمين”. وبالتالي لا نجد في حياته الطيبة أيَّ حادث قال فيه لهؤلاء الأعراب -الذين أخبره الله عنهم أن قلوبهم فارغة من الإيمان- إنكم لستم مسلمين. والغريب أنه لو أعلن هؤلاء الأعراب إيمانهم بعدما مُنعوا من ذلك لأدى ذلك -حسب أفكار المشائخ المعاصرين- إلى شنِّ الجهاد ضدهم على الفور. ولو كان هذا الموقف للعلماء المعاصرين صائبا لكان النبي قد اختاره قبل غيره، ولكن التاريخ يشهد بوضوح أن الذين قيل لهم:
سَمّوا واعتَبَروا أنفسَهم مؤمنين دائما، ولم يحرمْهم النبيُ قط من ذلك قهرا رغم قول الله المشار إليه آنفًا.
هذه هي عظمة الإسلام وعظمة محمد المصطفى . ولكن جاء فيما بعد المشائخ الذين شوَّهوا صورة هذا الدين العظيم. ولسوف أذكر حكاية تشويههم صورة الإسلام وكيفيتها في حينها، ولكنني في الوقت الحالي سوف أتناول ذكر تصرفات الحكومة الباكستانية الحالية التي نستنكرها من منطلق العقل والمنطق ونقول: إن تصرفاتها المعادية لجماعتنا تنافي القرآن الكريم، وتعارض قول النبي وسنته الطاهرة، لأن الحكومة تحرمنا من خلال تصرفاتها الغاشمة من حقوقنا الأساسية التي يأمر اللهُ الحكيم الخبير نبيَّه الأكرم ألا يُحرم منها أحد. لذا فلنا الحق أن نسأل: ماذا يبرر جسارة الحكومة على هذه التصرفات الشائنة؟
عذر واه
الأعذار الواهية التي تُختلَق تبريرًا للتصرفات الغاشمة والظالمة وبالغة العداوة ضد الأحمدية، قد ذُكرتْ في “البيان الأبيض” المزعوم تحت عنوان: “مضمرات الدين الجديد”، وحاول مؤلفوه أن يثبتوا في هذا الفصل أن الأحمدية تكفّر المسلمين الآخرين علنًا لذا من مقتضى العقل والمنطق أن نكفّرها نحن أيضًا، وهذا ما فعلناه، فعلى ماذا يعترض الأحمديون؟ هذا موقفٌ يقدّمونه أمام العالَم الخارجي الذي ليس لديه إلمام بهذه المسائل الدقيقة قائلين: هل من موقف أكثر معقولية من هذا الذي نعتنقه؟ إن الأحمديين يكفِّروننا، وقد ورد في كتبهم بأن الذين لا يعتقدون بمعتقدات الأحمدية إنهم كفَّارٌ، وعندما نكفِّرهم نحن مقابل ذلك يثيرون ضجةً ويشوهون سمعتنا في العالم كله، مع أن الذي نقوم به نحن هو المقتضى الطبيعي لإعلانهم السالف الذكر بحيث لا يبقى لدينا خيار سواه.
التبرير الثاني الذي قُدّم بهذا الخصوص هو قولهم: إن الأحمديين لم يكفِّرونا فحسب، بل قطعوا مع الأمة المسلمة على أرض الواقع جميع العلاقات التي بناءً عليها تستحق الأمة أن تُدعى أمة واحدة. لما عزل الأحمديون أنفسهم قاطعين علاقاتهم الحضارية والدينية معنا، اعتبرنا تصرفهم هذا انفصالا عن السواد الأعظم، فاغتاظوا وقالوا: لماذا تبعدوننا عنكم؟! الآن، وقد قطع الأحمديون علاقاتهم معنا في كل مجال، أفلا يحق لنا أن نقول بأنهم قد انفصلوا عنا؟ لذلك لم نرتكب أي خطأ بهذا الشأن.
هذا الكلام المعسول والموقف المنمق يبدو في منتهى البساطة والبراءة، ولكن حينما نستعرض الموضوع بدقة يتبين الأمر بوضوح أكثر ويظهر الوضع على عكس ذلك تماما.
حقيقة فتوى الأحمدية
أوّلاً من الخطأ البشع والاتهام الباطل القولُ إن الأحمدية بدأت بإصدار فتاوى التكفير قبل غيرها. هذا الاعتراض كان قد أثير في زمن سيدنا الإمام المهدي فردَّ عليه حضرته قائلا:
“هل يسع أحدًا من المشائخ أو المعارضين أو المتصوفين أن يُثبت أننا كفّرناهم قبل تكفيرهم إيانا؟ وإذا كنا قد نشرنا ورقة أو إعلانًا كفَّرنا فيه المسلمين المعارضين لنا قبل إصدارهم فتوى التكفير ضدنا فليقدموه، وإلا يجب أن يتفكروا في أنفسهم كم هي كبيرة هذه الخيانة، إذ يكفروننا ثم يتهموننا وكأنّنا نكفر المسلمين.” (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج 22 ص 123)
لا يحق لأحد أن يكفِّر الآخرين
وبالمناسبة أود أن أوضح بأنه بحسب منطوق الآية التي قرأتها في مستهل الخطبة لم يُعطَ أحدٌ حقًا باعتبار الآخرين غير مسلمين بل يسمح الله لكلِّ مَن يعلن إسلامه أن يُسمِّي نفسه مسلما، مهما كانت حالته الدينية منحطة، حتى ولو لم تكن في قلبه شائبة من الإيمان، ولكنه قد خوَّل مَن أخبره بنفسه عن حالة الناس القلبية، أو مَن لديه برهان قاطع، أن يكفِّر أحدًا بناءً على ذلك. ومن الواضح أن هناك فرقا كبيرا بين كلا الأمرين. فعندما قال الله سبحانه وتعالى عن الأعراب مخاطبًا نبيه : قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا أي لستم بمؤمنين فلا تسموا أنفسكم مؤمنين، ألم يكن ذلك تكفير النبي إياهم؟ إذن فقد أعطى الله نبيه حقا للتكفير، ولكن على أساس خبر قاطع وصادق منه ، وبناءً على برهان قوي، ولم يسمح لغيره أن يعبث بهذا الحق كيفما يشاء.
فحين كَفَّر سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود المعارضين كان فعله هذا مبنيًّا على تعليم القرآن الكريم وهدي النبي . وعندما أعاد عليهم حضرته تقديم جميع البراهين وتوضيحها التي تهيىء أساسًا لتكفير أحد في ضوء القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. فبهذا الخصوص قدم الحديث النبوي الشريف وعليه تبنَّى موقفه. فقد جاء في هذا الحديث الشريف:
هناك أقوال كثيرة جدا لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود تبرهن بجلاء على أن حضرته بذل قصارى جهده ليشرح للمعارضين حقيقة الأمر بالتفصيل وحذرهم بالتكرار بأن يمتنعوا من تصرفاتهم هذه وإلا فلن يبقى لديه خيار إلا أن يعتبرهم كافرين حسب منطوق الحديث المذكور. وقال لهم مرارا وتكرارا بأننا قد أتممنا عليكم الحجة لذا يجب أن تكفوا عن هذه التصرفات وإلا سيعود تكفيركم هذا على أنفسكم، ولن يبقى لدينا خيار إلا ونعتبركم كفارا لأن هذا ما يأمرنا به الرسول ، والمؤمن لا يستطيع أن ينحرف عن أمر الرسول قيد شعرة.
المشائخ بدؤوا بالتكفير
أما فيما يتعلق بإصدار سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود فتوى التكفير فتمتاز هذه الفتوى عن غيرها لا لصدورها بعد فتاوى المشائخ بتكفيره وجماعته فقط، بل لكونها أكثر ليونةً ولباقةً أيضًا حيث شرح حضرته للمعاندين حقيقة الأمر مرارًا بالبراهين فقال: إن تكفيركم سوف يعود عليكم بسبب تكفيركم المسلمين.
مَن الذي بدأ بالتكفير قبل غيره؟ هذا ما يتناساه بعض معارضينا أو ينساه بعض الآخرين دون قصد، أو جهلاً منهم بالحقيقة. وهذا الموضوع قد اتخذ صورة بشعة ومريعة لدرجة لا يمكن تقديمه أمامكم بكامله لذا فقد اقتبست بعض المقتطفات فقط بهذا الشأن.
أولاً أود أن أشرح الموضوع في ضوء كلمات سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لتعرفوا كيف عامَله المشائخ. يقول حضرته:
فتاوى التكفير ضد الأحمدية
هذا هو الموقف الواضح لسيدنا أحمد . أما فيما يتعلق بفتاوى المشائخ المعاندين التي ذكرها سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بإيجاز فسوف أقدم بعضًا منها على سبيل المثال، وسأذكر أولاً فتوى المولوي عبد الصمد الغزنوي إذ قال عن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود :
كذلك قال ميان نذير حسين الدهلوي المسمى بـ “شيخ الكل” في فتواه عن حضرته :
كذلك أصدر القاضي عبيد الله المدراسي عام 1893 فتواه ضد سيدنا الإمام المهدي وأسسها على فكرة أن الذي لا يعتقد بصعود سيدنا عيسى إلى السماء فهو كافر، جاء فيها: “إنه مرتد حسب الشرع الشريف، وزنديق وكافر وأحد الدجالين الثلاثين حسب نبوءة نبينا الأكرم . والذي يتبعه هو الآخر كافر ومرتد. ونكاح المرتد يفسخ شرعا، تحرم عليه امرأته، وإذا جامع امرأته فقد زنا. وأولاده في هذه الحالة يكونون أولاد الزنا. ولو مات المرتد مثله بغير التوبة فلا تصلوا عليه صلاة الجنازة ولا تدفنوه في مقابر المسلمين بل ارموا به في الحفرة مثل الكلاب بغير الغسل والكفن.” (الفتوى في تكفير من أنكر صعود عيسى الجسدي ونزوله، الطبعة الأولى ص 66-67 عام 1311هـ المطبعة المحمدية مدراس بالهند)
لقد قرأتم في فتوى المشائخ السالفة الذكر أنهم منعوا الأحمديين قسرًا من المسجد الذي كانوا يصلون فيه فاضطروا للاستئذان لبناء مسجد جديد، واليوم يعترض المشائخ أنفسهم على الأحمديين لبنائهم المساجد على حدة. ياللحياء!
محاولاتهم لإجبار الأحمدية على الانفصال
لاحظوا اللغة المستخدمة في فتاوى المشائخ المتعصبين، وهذه بضعة نماذج من الفتاوى الكثيرة المنشورة في أنحاء البلد على نطاق واسع جدا، ثم عملوا بحسبها على صعيد الواقع لأنها لم تقتصر على الكتب فقط بل نُشرت على مستوى البلد وأُجبر عامة الناس على تطبيقها، فثاروا ضد الأحمدية حيث قال المولوي عبد الأحد الخانبوري:
إذن هذه هي الظروف التي أدت إلى انفصال الأحمدية عن الفرق المسلمة الأخرى. أما اليوم فلا يمل المشائخ المتعصبون من القول بان الجماعة الأحمدية بدأت بفتاوى التكفير ثم انفصلت عن السواد الأعظم. إنهم يخفون الحقائق المذكورة أعلاه عن عامة المسلمين. هذه هي سيرتهم، وهذا هو تاريخهم الذي يبرهن على كيفية إجبارهم الأحمدية على الانفصال. لاحظوا فتوى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ثم قارنوها مع اللغة المستخدمة في فتاواهم.
لكل شيء حدود! ومن مقتضى الأدب أن يتقيد بها الإنسان. ومن المرجو أن يبقى في الإنسان شيء من اللباقة، ولكن المشائخ يكذبون ويفترون في فتاواهم ويتفننون في كذبهم وافترائهم لدرجة تقشعر لها الجلود وترتعد منها القلوب. يحرضون عامة الناس ويثيرونهم ضد الأحمدية بالأكاذيب، أما الدواعي الحقيقية التي تهيج الثوائر فيخفونها منهم. لقد قرأتم في فتوى المشائخ السالفة الذكر أنهم منعوا الأحمديين قسرًا من المسجد الذي كانوا يصلون فيه فاضطروا للاستئذان لبناء مسجد جديد، واليوم يعترض المشائخ أنفسهم على الأحمديين لبنائهم المساجد على حدة. ياللحياء!
من ناحية ثانية لاحظوا مدى التحمل والصبر العظيم لسيدنا الإمام المهدي إذ يقول في هذه الظروف القاسية أيضاً بأنني سوف أحاول الصلح وإذا تم الصلح فلا حاجة لبناء المسجد على حدة.
الفتوى المبنية على القرآن والسنة
وردًّا على فتاواهم المذكورة عندما أصدر حضرته فتواه في كتابه “محاضرة لدهيانة” كانت ضمن حدود يفرضها القرآن الكريم، وكانت آخذة بعين الاعتبار كافة الاحتياطات التي تقتضيها الآية القرآنية فقال حضرته:
“إن المسلمين في الوقت الراهن يدخلون في مجال [أسلمنا] ولكنهم لا يندرجون تحت قائمة [آمنّا].” (محاضرة لدهيانة، الخزائن الروحانية ج 20 ص 295) وحينما يقول حضرته ذلك بيّن كافة المضمرات أيضًا بكلمات وجيزة جدًّا وكأنه حصر النهر في وعاء، بمعنى أنه لم يسمح للأحمديين أن يتجاوزوا في أمر المسلمين حدًّا لم يتجاوزه رسول الله في أمر أولئك الذين أخبره الله تعالى عنهم أن أشخاصًا كذا وكذا لا يؤمنون. إذ قال الله مخاطبًا رسوله إنه لا يحق لك أيضًا أن تمنع أحدًا من أن يدعو نفسه مسلما. كذلك لا يحق لك أن تمنع أحدا من أن يدعو نفسه مؤمنا. فتفسير هذه الآية الذي يتجلى لنا في ضوء التاريخ والسنة النبوية الشريفة يبرهن بكل وضوح على أنه لا يحق لأحد أن يكفِّر أحدًا أو يدعوه غير مسلم. لذا فلم يستعمل سيدنا أحمد كلمة غير المسلمين بالنسبة إلى معارضيه قط. أما فيما يتعلق بتكفير المسلم بشكل عام فقال حضرته:
“هذه مسألة دينية أن مكفّر المؤمن يصبح كافرا بنفسه. أما الآن وقد كفّرني مائتان من المشائخ وأصدروا فتوى التكفير ضدي، فثبت من فتاواهم أنفسهم أن مكفّرَ مسلمٍ يصبح كافرًا بنفسه، وأن من يعتبر الكافر مؤمنًا يصير هو الآخر كافرا.” (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج 22 ص 168) فوضّح حضرته موقفه المبني على الحديث النبوي الشريف في كلامه هذا وقال: كيف أستطيع أن أكفّ عن الفتوى التي هي نتيجة طبيعية لظروف خلقها المعارضون بأنفسهم. وأورد حديثا حيث يقول رسول الله :
لاحِظوا كم هو موقفه مرتبطٌ بعضه ببعض ودون أي تعارض داخلي، ومبنيٌّ على هدي القرآن وهدي الرسول . ففي هذا الإطار أصدر حضرته فتواه الرصينة فقال في موضع آخر ردًّا على سؤال سائل:
اِنتبهوا جيدا أيها القراء الكرام! إن فتاوى المشائخ كانت تحتوي على لغة بذيئة للغاية وكانت مليئة بالسباب والشتائم القذرة لدرجة لا يمكن تسميتها بالفتاوى أصلا، ومع ذلك كله لاحظوا مدى صبر سيدنا أحمد حيث يقول: “… فقلت له: لا تجوز المباهلة بين مسلمَيْنِ.” ولكنه كتب ردا على ذلك: إننا نعتبرك كافرا أشد الكفر.
وبالرغم من هذا الشرح والتوضيح الذي قام به حضرته قال له السائل بكل عناد: إذا كانوا يعتبرونكم كفَّارا فليفعلوا، لكن ما الحرج لو لم تعتبروهم أنتم كفارًا؟ فردَّ عليه حضرته قائلاً:
تصرف غير منطقي لحكومة باكستان
وبغض النظر عمن بدأ بالتكفير، الأحمديون أم غيرهم، هناك سؤال يفرض نفسه أنه إذا كانت الحكومة صادقة في استنباطها، وإذا كان الحُكَّام متقين ويظنون أنه لا مندوحة لهم عن هذا الاستنتاج فيجب أن يصمدوا على موقفهم هذا على الأقل، وهو: أنه إذا كفَّر أحدٌ غيره وقطع علاقاته معه، فلا تجد الحكومة خيارًا إلا أن تصدر قرارها بكونه غير مسلم وأن تحرمه من كافة الحقوق الإسلامية. فإذا كانت حجة الحكومة الباكستانية التي تبنّتها ضد الأحمدية صائبة فما رأيها في أولئك الذين أصدروا الفتاوى بعضهم ضد بعض. وأقرأ عليكم الآن بعضًا منها:
فتوى البريلويين بتكفير الديوبنديين
وإليكم أولاً فتوى البريلويين الذين لا يعادوننا فقط بل يخالفون أيضا أولئك الذين هم مُدلَّلون أكثر من غيرهم لدى حكومة باكستان الحالية بمن فيهم الفرقة الوهابية والديوبندية. وهذه الفتوى أصدرها عالم كبير من علماء الفرقة البريلوية، وبما أنها طويلة لذا سوف أقسمها إلى أجزاء مختلفة، جاء فيها: “الطائفة الوهابية الديوبندية كافرة ومرتدة قطعًا بسبب أقوالهم التي تمثل الإساءة إلى كافة الأولياء والأنبياء وإلى سيد الأولين والآخرين أيضا، بل إلى الله . إن ارتدادهم وكفرهم قد بلغ أشد درجات الكفر والارتداد حتى إذا ارتاب أحد في كفر وارتداد هؤلاء الكافرين والمرتدين أدنى ارتياب فهو أيضا كافر مثلهم.” (الفتوى المتفق عليها الصادرة مِن قبل 300 عالم من أهل السنة والجماعة عن المعتنقين بعقائد الديوبنديين والبريلويين، المعلن محمد إبراهيم البهاغلبوري، مطبعة برقي اشتياق منزل شارع هيوت لكهنؤ بالهند ص 63)
فهل بقي الآن لدى حكومة باكستان أي سبيل للارتياب في كفرهم وارتدادهم؟ إذ لو ارتابوا في كفرهم أدنى ارتياب لخرجوا من دائرة الإسلام على الفور بحسب تلك الفتوى. وعلى الرغم من ذلك لم تصدر الحكومة فتاواها ضد الفرقة الوهابية الديوبندية، ولا ضد أولئك الذين يصدرون مثل الفتاوى السالفة الذكر.
إليكم الآن بعض التفاصيل الأخرى للفتوى التي نحن بصددها. إنهم يتهمون الأحمدية بقطع العلاقات، ولكن لاحظوا كيف قطعوا العلاقات فيما بينهم بناءً على فتاواهم أنفسهم. تقول الفتوى نفسها:
الطريق الأوسط في بلبلة التكفير
إن الأحمدية لم تؤيد الفصل قط بل حبذتْ دائما الوصل والتعايش وإنشاء العلاقات المتبادلة والأواصر الطيبة المبنية على الحب والإخلاص والوئام للقيام بالخدمة المتبادلة. وهذا ما يشهد به تاريخ الأحمدية كله. إلا أننا لا نصلي خلف غير الأحمديين، ولكن لماذا لا نصلي؟ إن موقفنا في هذا الصدد مبني على أسس معقولة وأسبابٍ لها ما يبررها. منها ما ذكرته من قبل وهناك أسباب أخرى سوف أتناول ذكرها فيما بعد. الحقيقة التي لا تقبل النقاش هي أن الأحمديين لم يمنعوا أحدا قط من الصلاة وراءهم، كما لم يمنعوا أحدا من الدخول في مساجدهم. هذا ما يشهد به تاريخ الأحمدية منذ يوم تأسيسها، بل إننا ندعو الآخرين إلى مساجدنا ونقول لهم: إن كنتم لا تريدون الصلاة خلفنا فمع ذلك لكم حرية تامة للصلاة في مساجدنا كيفما تشاءون، جماعة أو منفصلين. وهذا ما يحدث على صعيد الواقع كل يوم في مراكزنا ولاسيما في ربوة حيث كان الإخوة غير الأحمديين يحضرون في ندوات علمية فكنا نصلي جماعة وهم يصلون على حدة خلف إمامهم في بعض الأحيان. وذلك لأننا كنا نقول لهم: لكم أن تصلُّوا كيفما تشاؤون، ولكم الحرية الكاملة في ذلك. غير أن الفتوى التي نحن بصددها تمضي قائلة: “…يجب على المسلمين ألا يسمحوا لهم بالصلاة خلف المسلمين ناهيك عن صلاة المسلمين خلفهم، وألا يسمحوا لهم بالدخول في مساجدهم، ويجب ألا يأكلوا ذبيحتهم، وألا يشتركوا في أفراحهم وأتراحهم.” (المرجع السابق)
فتوى عن الوهابيين الديوبنديين
السؤال هو أية علاقات قطعها الأحمديون؟ أقول: إننا لم نقطع أية علاقة رغم وجود الفتاوى السالفة الذكر ضدنا، لأن الأحمدية لا ترى هذا الرأي. وتضيف الفتوى وتقول:
هذا هو ملخص فتاوى علماء أهل السنة التي لم يصدرها العلماء من الهند فقط، بل عندما أُرسِلتْ عباراتٌ مترجمة محتوية على موقف الوهابيين الديوبنديين إلى مختلف البلاد بما فيها أفغانستان وخيوا وإيران ومصر وبلاد الشام ومكة المشرفة والمدينة المنورة والكوفة وبغداد وغيرها، أفتى علماء أهل السنة بالإجماع من جميع أنحاء العالم بالفتوى نفسها وقالوا:
هذه هي فتاواهم، ولكن المشائخ المتعصبين يغضون الطرف عنها ويشيعون فتاوى الأحمديين التي تدعمها البراهين القوية، وهي مبنيةٌ على هدي القرآن الكريم وتحتوي على كلام مهذب ومؤدب. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو:
أية معاملة يستحق أولئك الذين استأصلوا شأفة الفرقة الوهابية الديوبندية بتكفيرهم؟ ومن أراد مزيدًا من الاطلاع على تلك الفتاوى فليرجع إلى الكتب التالية: تقديس الوكيل، السيف المسلول، عقائد الوهابية الديوبندية، تاريخ الديوبندية، حسام الحرمين، فتاوى الحرمين، الصوارم الهندية على مكر شياطين الديوبندية، وغيرها.
فتوى الديوبندية بتكفير البريلويين
وإليكم الآن فتوى أصدرها الديوبنديون ضد البريلويين. لقد لخصوا فتواهم في فقرة واحدة جاء فيها:
“كافة أنواع التكفير واللعنة هذه سوف تعود على البريلوي وأتباعه وتمثل لهم عذابا في القبر وتتسبب في خروجهم من الإيمان وفي إزالة التصديق والإيقان حين موتهم. وسيقول الملائكة للنبي” : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.” فيقول النبي : سُحْقًا سُحْقًا للدجال البريلوي وأتباعه، وسيطردهم من الحوض المورود والشفاعة المحمودة كما تُطرَد الكلاب أو أشد منه. وسوف يُحرَمون من أجر الأمة المرحومة وثوابها ومنازلها ونعيمها.” (رجوم المذنبين على رؤوس الشياطين المعروف ب “الشهاب الثاقب على المسترق الكاذب” ص 119-120 للمولوي سيد حسين أحمد المدني، الناشر: دار الكتب الإمدادية ديوبند، سهارنبور بالهند)
ذكرنا إلى الآن “الإنجازات” والفتاوى المتبادلة للفرقتين الكبيرتين اللتين تشكلان الأغلبية الساحقة في باكستان. فلو كان موقف حكومة باكستان مبنيا على التقوى والصدق والأمانة لكان من واجبها أن تعاملهما معاملة أكثر قسوة بكثير مما تعامل به الأحمديين.
الشيعة أيضا عرضة للتكفير
أما الشيعة فإليكم الآن الفتاوى الصادرة في حقهم:
لقد استخدموا في فتواهم هذه لغة بذيئة للغاية ومع ذلك يدّعون بكونهم علماء. لم يترك هؤلاء المشائخ أحدا إلا وقد أخرجوه من الإسلام بفتاواهم السخيفة. فتمضي الفتوى وتقول:
الحكومة تتفرج صامتة واجمة
هناك أكوام لمثل هذه الفتاوى التي أصدرها بعضهم ضد بعض وكأن هناك مصانع تعمل ليلَ نهار لإنتاج الفتاوى، ولا تخرج إلا نَكدًا ورجْسًا. ورغم ذلك كله يتهمون الأحمدية أنها تكفّرهم مع أن فتوى الأحمدية تقوم على برهان قوي، واستنباط يدعمه القرآن الكريم، كما أن فتوانا لا تحرم أحدًا من حقه الأساسي، بل تقول لهم بصراحة متناهية أن لكم كل الخيار أن تسموا وتحسبوا أنفسكم مسلمين ومؤمنين كما تشاءون، لا نمنعكم من ذلك، غير أننا مضطرون لاتخاذ هذا الموقف إزاءكم، لأنه موقف مبنيٌّ على فتوى النبي . لا تطيقون موقف الأحمدية هذا، وتزعمون أنها تقطع العلاقات لذا قلتم: أَخرِجوها من دائرة الإسلام، وحرِّقوا مساجدهم، وهدِّموا مآذنها، أو غيِّروا اتجاهاتها على الأقل. ثم قلتم في نهاية المطاف بأن الأحمديين قد ارتكبوا الارتداد، ومن واجب الحكومة -إذا كانت مسلمة فعلاً- أن تُنفذ المجازر في الأحمديين المرتدين ولا تترك أحدًا يفلت من أيديها. كل هذا، ولا تنتبهون إلى تلك اللغة البذيئة التي استخدمها المشائخ في فتاواهم ضد بعضهم بعضًا.
رأي الشيعة في معارضيهم
قد يظن بعضكم أن الشيعة يمكن أن يكونوا قد اتخذوا موقفا أكثر ليونة نسبيًّا تجاه مَن يخالفهم الرأي، لذا أرى مناسبًا أن نستعرض فتاواهم أيضا حتى تعرفوا رأي الشيعة عن أهل السنة.
تقول فتاواهم:
هنا قالوا قولا معقولا بعض الشيء لابد أن نشيد به. ومن هنا فهمنا أيضا سبب اعتبارهم أنفسهم مؤمنين. إنهم يؤسسون اعتقادهم على القرآن الكريم، وقد استخدموا العقل والحكمة أكثر من علماء أهل السنة إذ قالوا بأن القرآن الكريم يسمح لكم ألا تعتبروا أحدا مؤمنا إذا شئتم ذلك، ولكن إذا أحب أحد أن يُدعى مسلما فدعوه يفعل، وهذا موقف معقول جدا.
على أية حال لو عُقِد القِرانُ بين الشيعي وغيره فماذا يفتي به الشيعةُ في هذه الحالة؟ يقول نجل العلامة الحائري العالم الكبير من الشيعة:
وهناك فتوى أخرى تقول:
لا شك في أن اللغة المستخدمة في الفتويين الماضيين لينة نسبيًّا وتحمل قسطًا من المعقولية لكونها لا تحتوي على السب والشتم، وقُدِّمت فيها بعض البراهين أيضًا. أما فيما يتعلق بالأحمدية فإنها لم تصدر فتوى تحرم صراحة أو تلميحا مثل هذه الزيجات كما لم تحرم العلاقات بين الزوجين إلى هذه الدرجة حتى تضطر لاستخدام مثل الكلمات البذيئة المذكورة أعلاه.
كفر البرويزيين والجكرالويين
والآن لم تسلم من ضجة التكفير إلا الفرقة البرويزية والجكرالوية، ولكن البريلويين والديوبنديين أصدروا فتواهم ضدهم أيضا جاء فيها:
ويورد ولي حسن تونكي الأحكام السارية المفعول على الفئة البرويزية ويقول عن زعيمها:
“غلام أحمد برويز، كافر وخارج عن دين الإسلام بحسب الشريعة المحمدية، فلأجل ذلك لا يجوز لسيدة مسلمة أن تظل في نكاحه، كما لا يمكن إنكاحه من امرأة مسلمة، ولا تُصلَّى عليه صلاةُ الجنازة، ولا يُدفن في مقابر المسلمين. وهذه الفتوى لا تنطبق على “برويز” فحسب بل تنطبق أيضا على كل كافر، ومَن وافقه على عقائده الكافرة. وما دام برويز مرتدا فلا يجوز شرعًا إقامة أي نوع من العلاقات الإسلامية معه.”) الفتوى الصادرة من قِبل الشيخ ولي حسن تونكي مفتي ومدرس في المدرسة العربية الإسلامية، ومحمد يوسف البنوري شيخ الحديث في المدرسة العربية، إسلامية تاؤن كراتشي)
والآن أقرأ على مسامعكم ما أفتى به عنهم السيدُ أمين أحسن إصلاحي الذي كان فيما سبق على مسلك الشيخ المودودي، فجاء في الفتوى:
لاحِظوا أنهم يقولون بأفواههم إن كفر البرويزيين يشبه كفر القاديانيين بل هو أشد وأكبر منه، ولكنهم يعاملونهم على أرض الواقع معاملة غير التي يعاملون بها الأحمديين. لماذا هذا الفرق بين قولهم وفعلهم وما هي النتائج العقلية التي يمكن أن نستمدها من ذلك؟ سوف ألقي الضوء عليه في خطبة مستقلة بإذن الله. هذا، وهناك فتوى أخرى مفادها:
صلاة الجنازة على أطفال البرويزيين محرمة أيضا. (المجلة الشهرية “تعليم القرآن” الصادرة في راولبندي، عدد نيسان/أبريل ١٩٦٧ ص ٤٢-٤٣)
ارتداد أهل الحديث!!
علاوة على الديوبنديين هناك فرقة أخرى (أي الوهابية) تُدعى أهل الحديث. لا يوجد بين هاتين الفرقتين فارق كبير إلا أن أتباع إحداهما “مقلدون” والآخرين غير مقلدين. لذا فقد صدرت فتوى منفصلة عنهم، جاء فيها: “الوهابيون وغيرهم من المقلدين كفار ومرتدون بإجماع علماء الحرمين الشريفين، ومن لم يعتبرهم كفارا أو ارتاب في ذلك بعد اطلاعه على أقوالهم الملعونة فهو كافر أيضًا. لا تجوز الصلاة وراءهم، وذبيحتهم حرام، وزوجاتهم قد خرجن من نكاحهم. ولا يجوز زواجهم من مسلم، أو من كافر أو مرتد…. ولا تجوز العشرة معهم أو إلقاء السلام عليهم أو مؤاكلتهم أو الكلام معهم. والأحكام المفصلة عنهم مسجلة في كتاب مستطاب “حساب الحرمين.” (الفتاوى الثنائية ج 2 ص 209 المطبوعة في مومباي، للحاج محمد داود راز الخطيب في جامع أهل الحديث)
إن مأساة أهل الحديث المساكين شديدة لدرجة أنهم لا يستطيعون الزواج حتى مع الكفار والمرتدين!
نار الضغينة
هذا وهناك فتاوى أخرى كثيرة في هذا الصدد وهي “ممتعة” جدًا لكنني أتركها جانبًا لضيق الوقت. يقول أصحابها إننا نصدر هذه الفتاوى لنوضح أن زواج أهل الفرقة المذكورة أعلاه لا يجوز مع المسلمين فحسب، بل لا يجوز مع الكفار أو المشركين أيضًا، أي لا يجوز مع أي إنسان، وأولادهم لابد وأن يُعتبروا أولاد الزنا في كل الأحوال. لا تخمد نار غضبهم وغيظهم بعد إدلائهم بهذه البيانات القاسية أيضًا بل يتمادون في ذلك ويقولون:
إن نار الغيظ والضغينة هذه تتأجج في صدور هؤلاء المشائخ وتجري على ألسنتهم وأقلامهم بصورة موجات الظلم والاضطهاد، والناسُ عنها متعامون، فلا تتراءى لهم إلا فتوى الأحمدية رغم كونها الأكثر ليونة ولباقة ومعقولية. ولا يمكن أن يُخرجوا لنا من فتاواهم ما يحمل عشر معشار الأدب والليونة واللباقة التي تحتوي عليها فتوى الأحمدية.
المودودي دجال وضال وكافر
قد يظن البعض أن جماعة المودودي هي الوحيدة التي بقيت داخل دائرة الإسلام حسب رأي بقية العلماء لذا يجب أن تُعامَل معاملة مختلفة. ولكن الأمر ليس كذلك إذ يقول السيد محمد صادق، مدير المدرسة “مظهر العلوم” بكراتشي في باكستان:
قد يقول البعض إن صاحب هذه الفتوى شخص غير معروف في الأوساط الدينية فلا أهمية لفتواه. أقول: إن الشيخ المفتي محمود معروف لدى الجميع فهو يقول في فتواه:
التعارض بين القول والفعل
من المعروف أن حكومة باكستان الحالية تستند إلى دعامتين: إحداهما الفرقة الديوبندية التي يمثلها السيد المفتي محمود وندماؤه، والثانية: الجماعة الإسلامية التي كان يتزعمها الشيخ المودودي الذي قرأتم في حقه فتوى المفتي محمود آنفا. ويمكن أن تتأملوا الآن في خطورة الموقف السائد، فقد عمَّ الفسادُ والضلال والتناقضات الأجواء في كل حدب وصوب. يقولون شيئا بأفواههم ويفعلون شيئا آخر ثم يَشْكُون منا!! ومن أهم شكاويهم أن السيد ظفر الله خانْ الأحمدي لم يصلّ صلاة الجنازة على القائد الأعظم مؤسس باكستان، ولا يفكرون في أنهم بدورهم لا يملّون من إصدار الفتاوى بعضُهم ضد بعض قائلين: مَن صلى صلاة الجنازة على أصحاب مذهب كذا وكذا فقد خرج من الإسلام وحرمت عليه زوجته أيضا… ومن المعروف أيضا أنهم سمّوا القائد الأعظم مؤسس باكستان “بالكافر الأعظم”، بل قالوا إنه قد خذل الإسلام من أجل مومسة. ولكنه رغم قولهم هذا لم يخرج من دائرة الإسلام. وقالوا أيضا بأنه لا تجوز صلاة الجنازة على الشيعة ومن فعل ذلك أصبح كافرا تلقائيا *ورغم ذلك كله يعترضون أن السيد ظفر الله خان لم يصل عليه صلاة الجنازة. إذن لا تحتوي تصرفاتهم على منطق معقول أو حجة أو برهان، ولا تناسُقَ في أقوالهم بل هي مجموعة من التناقضات والهراء، ولا حقيقة لمعارضتهم إيانا أكثر من ذلك.
هناك أكوام لمثل هذه الفتاوى التي أصدرها بعضهم ضد بعض وكأن هناك مصانع تعمل ليلَ نهار لإنتاج الفتاوى، ولا تخرج إلا نَكدًا ورجْسًا. ورغم ذلك كله يتهمون الأحمدية أنها تكفّرهم مع أن فتوى الأحمدية تقوم على برهان قوي، واستنباط يدعمه القرآن الكريم، كما أن فتوانا لا تحرم أحدًا من حقه الأساسي، بل تقول لهم بصراحة متناهية أن لكم كل الخيار أن تسموا وتحسبوا أنفسكم مسلمين ومؤمنين كما تشاءون، لا نمنعكم من ذلك
رأي المودودي عن عامة الناس
وبقي أن نستعرض رأي الشيخ المودودي الذي يُعَدُّ عند البعض شخصا معقولا ويُظن أنه مسلم مثقف وقد يحمل رأيا متوازنا في مثل هذه القضايا. كما يُظن عادة أن له تأثيرا عميقا في المسلمين وأنه كان أوسع أفقًا وأكثر معرفة بالعلوم الحديثة بالمقارنة مع بقية المشائخ. تعالوا معنا نر ماذا يفتي به الشيخ المودودي بالنسبة إلى المسلمين الآخرين. لقد سبق أن قرأت على مسامعكم بعض المقتبسات في هذا الصدد من كتبه، أما الآن فسوف أكتفي بمقتطف واحد يُبيّن رأيه عن عامة المسلمين، يقول:
أما المكانة التي تحتلها الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي) مقابل الفرق الإسلامية الأخرى فتتضح بوضوح تام من المقتبس المذكور، إذ إن مكانة الفرق الإسلامية الأخرى إزاء الجماعة المودودية هي كمكانة أهل الكتاب إزاء المسلمين. ويقول أيضًا:
“إنني في الحقيقة مسلم حديث العهد. لقد آمنت به التعمق والتأني جيدا بالمسلك الذي شهد قلبي وذهني بأنه ليس للإنسان سبيل للنجاة سواه. فلا أدعو غير المسلمين فحسب إلى الإسلام بل أدعو إليه المسلمين أيضا. إن اعتبار جميع أفراد الأمة مسلمين مولدا، والأملَ أن كل ما يتم بسبب اجتماعهم يتم على أسس إسلامية إنما هو الخطأ الأول والأساسي؟” (العراك السياسي ج 3 الطبعة السادسة ص 105،106)
وكأنه يقول: إن المسلمين كلهم -ما عدا الفرقة المودودية- ليسوا بمسلمين. وكأنه يصدر هنا فتواه مقابل فتوى أصدرها المفتي محمود من قبل. لذا يقول إنهم ليسوا مسلمين فيدعوهم إلى الإسلام ليتبعوه ويسلموا من جديد. والآن إليكم فتواه عن الزواج. علما أن الشيخ المودودي هو الوحيد الذي كان قد أقام ضجة بأن الأحمديين أصدروا الفتوى بعدم زواج فتياتهم من غير الأحمديين وبالتالي قد خرجوا من الأمة المسلمة بأنفسهم. ولكن الحقيقة أن الأمة المسلمة كلها ما عدا الفرقة المودودية خارجة عن الإسلام حسب فتواه لذا فهو يدعو المسلمين أيضا إلى الإسلام، فإن النتيجة الطبيعية لهذا الموقف أنه لا يجوز الزواج معهم. فيقول الشيخ المودودي:
طُرحتْ في إحدى المرات قضية جواز زواج أفراد الرفقة المودودية من غيرهم على بساط النقاش في مجلس الشورى لجماعة المودودي، فأصدر المودودي قراره المذكور. وكأنه يقول لأتباعه: إنني أتحير لطرحكم هذه القضية للنقاش رغم كونها في غنى عنه. الأمر في غاية البساطة ولكنكم لم تفهموه يجب ألا تكونوا على صلة عادية أيضًا معهم ناهيك عن الزواج.
وقفة تأملية
هذا هو ملخص الأوضاع الحقيقية السائدة، والتهمُ التي تُلصَق بالأحمدية بناء على هذا الموضوع إنما هي باطلة كلها وتحتوي على مبالغة ومغالطة مفرطتين وتشويه للحقيقة. ولو تحققت مصداقية هذه التهم ضدنا، وكانت الإجراءات التي اتخذوها ضدنا تباعًا لذلك صائبة لما وُجد في العالم كله مسلم واحد ناهيك في باكستان. وذلك لأن هذا السكين سوف يبتر أعناق الجميع على حد سواء، ولن يسلم أحد من مضرة ضجة التكفير التي أثارها المشائخ المتعصبون بعضُهم ضد بعض بل سوف يُقتل ويُهلك الجميع بالسيف نفسه، ولا بد أن تتضرر كل فرقة من فرق الإسلام إذ ليست هناك فرقة واحدة إلا وقد أصدرت الفرقُ الأخرى ضدها فتاوى أكثر قسوة وشدة مما أصدروا ضد الأحمدية.
والآن أمامكم خياران اثنان لا ثالث لهما: إما أن تعترفوا بصحة هذه الفتاوى مما سوف يسفر عن قطع العلاقات كلها بين مختلف فرق المسلمين تلقائيا، وأنتم أعلم بما آلت إليه حالة المسلمين في العالم بسبب هذه الفتاوى، وأن تعترفوا وتقولوا إن هذه الفتاوى باطلة ولاغية كلها. والآن لا مفر ولا ملاذ لدى معارضي الأحمدية من أن يقروا بأنه لا بد أن يؤتَى بالإيمان وبالمسلمين أيضا من “الثريا.”