كلاهما أهم

من الظواهر التي تستدعي النظر ما نلاحظه على بعض المسلمين من أنهم يهتمون بصوم رمضان ولا يبالون بفريضة الصلاة. وقد يكون هذا السلوك راجعًا إلى نوع من الاستهتار، فيظن هذا المقصر، أو ذلك المخادع لنفسه أنه على كل حال أفضل مِمّنْ لا يصوم ولا يصلي، وأنه سينال ثواب الصوم، خصوصًا وأن عدم الصلاة لا يُبطل الصوم. أو قد يرجع ذلك التقصير إلى التكاسل وعدم الصبر. فالصوم فريضة موسمية محدودة بمدة معينة تبلغ 29 أو 30 يومًا كل سنة. وعلى الخلاف من ذلك فإن فريضة الصلاة مستديمة. ثم إن الصيام حسب ما يفهمه عامة الناس لا يتطلب سوى الامتناع عن الطعام والشراب والجماع طوال النهار، وكأنه ليست على الصائم أية قيود أخرى لا بالنهار ولا بالليل، أي أنه مطلق الحرية في أن يزاول ما يشاء من أعمال وأفعال بصورة مستمرة سواء في طاعة الله تعالى أو في معصيته. وعلى الخلاف من ذلك فإن فريضة الصلاة تتطلب من الإنسان أن ينقطع عن صلته بالدنيا ما بين آونة وأخرى خمس مرات في اليوم، ومن ثم يبدو لعامة الناس أن الصوم أيسر من الصلاة ولا يحتاج إلى المثابرة والدأب عليها.

هذا، وقد ترجع رعاية فريضة الصوم وإهمال الصلاة إلى الظن بأن الصوم أهم من الصلاة وأجزل ثوابا. وقد يستدل على ذلك بتأويل خاطئ لحديث الرسول :

“كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ مَا شَاءَ اللَّهُ يَقُولُ اللَّهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ.”(سنن ابن ماجه، كتاب الصيام)

وكل هذه الأفكار وغيرها لا تراود إلا عقول الجهلاء أو المفتونين بحب الدنيا، ولا سند لها من القرآن المجيد ومن السنة النبوية الشريفة. قال الله تعالى في محكم تنزيله:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ( (البقرة:166).

وأمر سبحانه وتعالى رسوله الكريم:

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (آل عمران:32).

وقال :

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة:25)

ونخلص من هذه النصوص القرآنية أن من أهم علامات الإيمان حُبّ الله تعالى ورسوله الكريم، وأن الإيمان الحقيقي هو ذلك الإيمان الذي تبلغ فيه درجة ذلك الحب إلى الحد الذي لا يرتفع إلى مستواه حب الأهل والأقارب والعشيرة وأي شيء من عرض الدنيا.

ويستتبع ذلك أن المؤمن إذا كان حقا يحب الله تعالى ورسوله، وذلك بالسعي في القيام بما أمر به الشرع والانتهاء عما ينهى عنه، متخذا من سيرة الرسول قدوةً له. وإذا كان المؤمن مخلصا حقا في حبه لله تعالى ولرسوله فلا يجول بخاطره التفرقة بين أوامر الشرع، ولا يفرق أيضا بين النواهي، وأيها ينتهي عنها وأيها يعصي الله تعالى فيها. إننا نعرف من أخبار العشق الدنيوي أن العاشق الصادق في عشقه يتحرى كل رغبة لمعشوقه ويبذل غالية جهده لتحقيقها، غير ناظر إلى ما إذا كانت تلك الرغبة قيّمة أو تافهة.

وهكذا أيضا شأن من يتغلب على قلبه حبُ الله تعالى ورسوله، فلا يفاضل بين صنوف الأوامر ولا بين مختلف النواهي، فيأخذ منها ما يأخذ ويدع منها ما يدع. وإنما يرى أن جميع الأوامر الإلهية جديرة بالاتباع على السواء. وكذلك النواهي يعتبرها جميعا جديرة بالانتهاء عنها.

نعم قد يتفاوت المؤمنون في درجات الإيمان من هذه الناحية، أي من حيث الطاعة، أو بعبارة أخرى يتفاوتون في درجات حب الله تعالى ورسوله. وهذا التفاوت في درجات الحب يتمثل في مدى الفارق بين حب الله تعالى ورسوله وبين حب الأمور الدنيوية، بمعنى أنه كلما زاد ذلك الفارق كلما دلَّ ذلك على زيادة الحب وبالتالي زيادة الإيمان. وكلما قلَّ الفارق بين حب الله تعالى ورسوله وبين حب الأمور الدنيوية كلما دلَّ ذلك على ضعف الحب وبالتالي على ضعف الإيمان. والكفيل بعلاج ذلك الضعف هو النفس اللوامة. ذلك أن المؤمن الذي يكنّ قلبه قدرًا من حب الله تعالى ورسوله تلومه نفسه على أي تقصير في الطاعات، ولا يواريه أي شعور بأن هناك أفضلية بينهما. أما إذا ترك العنان للنفس الأمارة تلاشى من قلبه حب الله تعالى ورسوله بالتدريج، ويحل محله ازدياد حبه للدنيا الذي يتمثل في حب الذات وما يستتبع من التطلع إلى إرضاء الشهوات الجسدية، أو حب المال أو ما سوى ذلك من متاع الدنيا وزينتها. وتُسوِّل له نفسه ترك بعض العبادات والأخذ ببعضها الآخر.. وقد ينتهي به الأمر إلى ترك العبادات كلها.

ثم إن الذين يقولون بأن الصيام أهم من فريضة الصلاة، ولا يلومهم ضميرهم على تركها إيمانهم من ذلك الصنف من المسلمين الذين ينطفؤ في صدورهم نور الحب الإلهي. إذ لو كانت أفئدتهم تنطوي على قدر من الحب الإلهي لما وازنوا العبادات ببعضها وترك بعضها الآخر، وهي كلها من وسائل القرب إلى الله تعالى. ونحن إذ نجالس أمثال هؤلاء الناس نلاحظ على الفور ظالة حبهم لله تعالى ولرسوله الكريم، أو انعدام ذلك الحب حتى لو بدا في أحاديثهم ما يدل على تعظيم الله تعالى ورسوله. فهو تعظيم يفتقر إلى حرارة الحب، وهو أشبه بعبارات التقدير للشخصيات الدنيوية التي يبجّلها التاريخ.

ولكن علينا، قبل أن نتأمل غيرنا، أن ننظر إلى أنفسنا، ونصلح من أحوالنا، ونسعى إلى التقدم خلقيا وروحانيا، ونحذر من التوقف عند حد معين من الطاعات، لأن السكون بداية التخلف والتقهقر ثم الموت. ودعوة الأذان تنبهنا إلى ذلك، فكلمة “حي على الصلاة، حي على الفلاح” ليس معناها “تعالوا” فحسب، بل تتضمن أيضا معنى الإسراع والاهتمام. ثم إن كلمة “حَيَّ” اسم مشتق من الفعل حَيِيَ ضد مات. فعلينا، ونحن مقبلون على الصوم، أن نبادر إلى استكمال ما يكون فينا من تقصير أو نقص في القيام بهذه الفريضة.

وبعض الناس كما ذكرنا يدَّعون بأن فريضة الصوم أفضل من فريضة الصلاة، إما عن جهل أو عن تهافت على الدنيا لما بيَّنا آنفا، يحاولون أن يدللوا على صحة دعواهم بالحديث النبوي

“كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ مَا شَاءَ اللَّهُ يَقُولُ اللَّهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ..”.

والاستدلال بذلك الحديث القدسي على أن الصوم أفضل من الصلاة باطل وبهتان عظيم، فقد عرفنا من قول الرسول :

“إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ”(صحيح مسلم، كتاب الإيمان).

وعرفنا أيضا ما روي عن ابن مسعود قال:

“قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا قُلْتُ وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (صحيح مسلم، كتاب الإيمان) “.

فهل بعد هذا يمكن أن يقال بأن الصوم أفضل من الصلاة؟

هذا، ولا أظن أن أحدًا منا نحن المسلمين الأحمديين قد نَسي أن انتماءنا إلى الأحمدية كان مشروطا بإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها.

ومن الواضح أن ذلك الشرط هو بمثابة تجديد وتوكيد لشرط الرسول في قوله:

“الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ”.

فعلينا إذًا وقد اقترب موعد أداء فريضة الصوم أن نبادر على الفور بتلافي ما قد حدث في صلاتنا من نقص أو قصور، حتى نشرع في الصيام ونحن مطمئنون إلى أننا قد تخلصنا مما يقلل من بركات تلكم الفريضة.

بعد أن بيّنا خطأ من يزعمون أن فريضة الصوم أهم من فريضة الصلاة. قد يتبادر إلى ذهن البعض أن الصلاة أهم من فريضة الصوم. وهذا أيضا زعم خاطئ، فكل أركان الإسلام متساوية من حيث الأهمية. قال النبي :

“بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ.”(صحيح البخاري، كتاب الإيمان).

فهذه أعمدة خمسة يقوم عليها الإسلام الذي شُبه بالبناء أو السقف الذي يرتكز على خمسة أعمدة، ويؤدي ذلك أنه لا غنى عن أي عمود من هذه الأعمدة جميعا، ولا محل للمفاوضة بينها أو الإقلال من أهمية بعضها.. أي جماعة المسلمين أو الأمة الإسلامية ينبغي لها أن تقيم هذه الأعمدة الخمسة إذا شاءت العيش في ظل الحفاظة التامة والعزة الكاملة تحت السقف المرفوع على الأعمدة الخمسة. ويلاحظ أن إقامة هذه الأعمدة لا تكون إلا بواسطة الأمة في مجموعها، أو بعبارة أخرى تتوقف حفاظة الأمة وعزتها على قدر ما يشيع فيها من إيمان بالله تعالى ورسوله وصلاةٍ وزكاةٍ وحج وصوم رمضان. وليس ذلك فحسب، بل يجب ألا تكون تلك الأعمدة عبارة عن أسطوانات جوفاء تبدو ضخمة قوية في ظاهرها ولكنها في الواقع ضيقة وسريعة الزوال. الأمر الذي ينتهي إلى تهدم جدران البيت أو سقوط السقف على تحته، أو بعبارة أخرى زوال رضاء الله تعالى وحلول غضبه على تلك الأمة أو الجماعة على الرغم من أنها تنتسب إلى الاسلام، ولكنه في الواقع إسلام من حيث الظاهر يقوم على طقوس ورسوم فحسب بلا روح، وما هو إلا قول بلا عمل شأنه شأن الأسطوانة الجوفاء التي لا تصلح إلا للزينة ولا فائدة فيها .وقد أشار القرآن المجيد إلى ذلك النوع من الإسلام الظاهري ، في قوله تعالى عن الصلاة :

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (البقرة: 178) .

وقال عن ذبائح عيد الأضحى:

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (الحج: 38)

وفيما يتعلق بالزكاة فقد بين القرآن المجيد أن الزكاة الحقة المقبولة عند الله تعالى هي التي يؤديها الانسان عن طيب خاطر، أي ابتغاء وجه الله تعالى

وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (الروم:٤٠)،

معنى ذلك أن من يؤدي الزكاة وهو يرى الضررفي ادائها، فإن إسلامه يعد من قبيل الإسلام السطحي.

ويتضح مما تقدم أن الرسول عندما قال:

“بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ”

لم يقصد أن كل ما هو مطلوب من كل مسلم أن يقر بلسانه أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن يؤدي فرائض الصلاة والزكاة والحج والصوم ، ولكن ما يقصده الرسول هو لب هذه الأركان الخمسة لا ظاهرها فحسب، وإلا كانت كالأعمدة  الفارغة التي لا تصلح إلا للزينة فحسب .ولعلنا نذكر أننا حينما اعتنقنا الأحمدية قد تعهدنا فيما تعهدنا به أن نستغفر الله تعالى من جميع مانكون قد ارتكبناه من معاصٍ، وأن نقدم الدين دائمًا أبدا على كل الأمور الدنيوية، وأن نبذل أقصى جهد لاتباع تعاليم الإسلام، وأن  ندأب على السعي في طلب العلم، ونحرص على تعليم ونشر القرآن المجيد وسنة الرسول وتعاليم الإمام المهدي والمسيح الموعود . كذلك تعهدنا بأن نهجر الكِبْر والزهو ونقضي أيام حياتنا بالتواضع والقناعة. والشق الأول من هذه العهود يتعلق على وجه الخصوص بأمور ذاتية، أي أنها شروط تتعلق برفع مستوى الفرد خلقيًا وروحانيًا، ومن بينها السعي في طلب العلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام :

“مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا العلم بالتعلّم”. (صحيح البخاري)،

وعبارة “وإنما العلم بالتعلم “يتضمن معناها أن العلم لا يدرك إلا بالدأب على التعلم. ومن المسلم به أنه كلما ازداد الإنسان تعلمًا وفهمًا لدينه كلما ازداد هدى وتوفيقًا في السير على الصراط المستقيم وكل ذلك يختص بالشق الاول من العهد الذي قطعناه على أنفسنا أي رفع مستوانا الخلقي والروحاني. فكل فرد بعد أن أخذ يتدرج في الارتقاء فقد أصبح جديرًا بأن يكون مثالاً حسنًا للإسلام، وبالتالي صار من واجبه أن ينشر دين الله عن علم، وقد قال :

“مَثَلُ عِلْمٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَمَثَلِ كَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (سنن الدارمي، كتاب المقدمة)

“إذا كنا نعرف أن الجسم والنفس يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به. وإذا كنا نعرف أن فريضة الصلاة تعد تدريبًا لأعضاء الجسم الخارجية للخضوع والخشوع لله تعالى وحده الأمر الذي ينعكس أثره على النفس، وكذلك فريضة الصوم تعد تدريبًا لأعضاء الجسم الداخلية على خشية الله تعالى وإنكار الذات مما ينعكس أثره على النفس. ومن ثم تعمل كلتا الفريضتين على إبلاغ الانسان مقام العبودية الحقة

….”ولكن النجاح في مجال تربية النفس وتهذيبها وفي مجال هداية الغير يتوقف أيضًا إلى حد كبير على ما عاهدنا الله تعالى عليه من هجر الكبر والزهو والتحلي بالتواضع والقناعة. وقد قال “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ” (سنن أبي داوود، كتاب اللباس”، وقال :

“طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ”. (سنن الترمذي)،

ويلاحظ من هذا الحديث النبوي أن الكبر قد جاء في مقابل الإيمان الأمر الذي يدل على شدة شناعة رذيلة الكِبْر.

هذه من التعبيرات المألوفة الدائرة على الألسن أننا نطلق إبليس على الشخص الفاسق الفاجر الغارق في المعاصي، مع أن القرآن المجيد لم يذكر من صفات إبليس الذميمة سوى الكِبْر، وقد كان كبره هو الدافع الأول الذي أدى به إلى عدم الخضوع لآدم، وقد أشير الى ذلك في قوله تعالى:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة: 35)

وفي مقابل هذا النموذج لأحط الخلق، تجد القرآن المجيد يقدم لنا نموذج أشرف الخلق فيذكر من فضائله وسجاياه الطيبة خصله التنزه عن الكبر، فيقول:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك (آل عمران: 160)،

وسيرته وتوجيهاته مليئة بالشواهد التي تدل على التراحم وإنكار الذات، ومن ذلك ما روي عن عائشة رضى الله عنها قال:  .. “مَا اِنْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ اللَّهُ بِهَا” (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله) *. وهكذا أيضًا كان شأن تابعه وخادمه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، فيما كان يهتم لما يوجه إليه من مطاعن أو سباب، ولكنه يغضب أشد الغضب إذا ما تعرض أحد لدين الله تعالى والرسول بالنقد والتجريح.

وهكذا يكون إنكار الذات والإعراض عن الكبر وينشأ عنه من فظاظة وغلظة، وإذا كنا نعرف أن الجسم والنفس يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به، وإذا كنا نعرف أن فريضة الصلاة تعد تدريبًا لأعضاء الجسم الخارجية للخضوع والخشوع لله تعالى وحده الامر الذي يعكس أثره على النفس، وكذلك فريضة الصوم تعد تدريبًا لأعضاء الجسم الداخلية على خشية الله تعالى وانكار الذات مما ينعكس أثره على النفس ومن ثم تعمل كلتا الفريضتين على إبلاغ الانسان مقام العبودية الحقة، وهو مقام ينبغي ألا يخالطه أي تعال أو تكبر مما يكدر صفوة العبودية.

فجدير بنا أن ننتهز فرصة أداء فريضة الصوم لنخلص أنفسنا من أي شائبة من شوائب الكِبْر.

Share via
تابعونا على الفايس بوك