في عالم التفسير
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) البقرة: 27)

 شرح الكلمات:

يستحيي: استحيا: استفعالٌ مِن حَيِيَ. وحَيِيَ منه حياءً: احتشمَ. والحياء: انقباضُ النفس مِن شيءٍ وتركُه حذرًا من اللوم فيه. استحياه واستحيا منه: انقبض عنه وامتنع منه. واستحيا: خجِل. (الأقرب)

فقوله تعالى إن الله لا يستحيي أي لا يمتنع.

أن يضرب مثلاً: ضرَبه بيده: أصابه وصدَمه بها. ضرَبه بالسوط: جلَده. وضرَب له مثلا: وصَفه وقاله وبيّنه. (الأقرب)

مثلًا: المـَثَلُ لغةٌ في المِثْلِ للشَبَه والنظير؛ الصفةُ؛ الحجةُ، يقال أقام له مثلًا أي حجة؛ الحديثُ؛ القولُ السائر؛ العبرةُ؛ الآيةُ. (الأقرب)

فقوله تعالى (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا) يعني: أنه تعالى لا يمتنع عن بيان أمر من الأمور.

فوقها: الفوق من الأضداد، فإذا جاء بمعنى الكِبَر فيعني أنه أكبر منه، وإذا جاء بمعنى الصغر فيعني أنه أصغر منه. ويمكن تفسيره هنا بكلا المعنيين، أي ما هو أكبر من البعوضة، أو ما هو أصغر منها. يقال: فلان أسفل الناس وأرذلهم؛ فيقال: هو فوق ذلك؛ أي أكثرهم سفالةً من ذلك. (الكشاف)

آمَنوا: راجع شرح كلمات قول الله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة…) وقوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر….).

الحق: ضدُّ الباطل؛ الأمرُ المقضي؛ العدلُ؛ المِلْك؛ الموجود الثابت؛ اليقين بعد الشك. (الأقرب)

يُضِلُّ: راجع أيضا شرح كلمات قول الله تعالى: (ولا الضالين).

أضلَّه: دفَنه وغيَّبه؛ أضاعه؛ أهلكه. أضلَّ الله فلانا: صيّره إلى الضلال. أضلّ فلان الفرسَ والبعير: شرَدا وذهبا عنه ولم يَدْرِ أين أخذا. (الأقرب)

وإضلال الله تعالى للإنسان على أحدِ وجهين: أحدُهما أن يكون سببه الضلال، وهو أن يَضِلَّ الإنسانُ فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة، والثاني مِن إضلال الله هو أن الله تعالى وضعَ جِبِلّةَ الإنسان على هيئةٍ إذا راعى طريقًا، محمودًا كان أو مذمومًا، ألِفه واستطابه ولزِمه وتعذّرَ صرفُه وانصرافه عنه، ويصير ذلك كالطبع الذي يأبى على الناقل. وكلُّ ما هو سببٌ في وقوع شيء صحَّ نسبةُ ذلك الفعل إليه، فصحَّ أن يُنسَب ضلالُ العبد إلى الله مِن هذا الوجه. (المفردات، والكليات لأبي البقاء)

فمعنى قوله تعالى (يُضِلُّ به كثيرًا): أي بالقرآن، يحكم الله عليهم بالضلال.

يهدي: راجع شرح كلمات قول الله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) وقوله تعالى (هُدًى للمتّقين).

الفاسقين: الفاسقون والفَسَقة والفُسّاق جمعُ الفاسق. فَسَق: تركَ أمرَ الله؛ عصى وجار عن قصد السبيل، تقول: فسقت الركابُ عن قصد السبيل، أي جارت. وفَسَق: خرج عن طريق الحق؛ وقيل فَجَر؛ يقال: فسقت الرطبةُ عن قشرها: خرجت. فسق فلان مالَه: أهلكه وأنفقه. (الأقرب)

الفسوق: الخروجُ عن الدين. والفسقُ: العصيانُ والتركُ لأمر الله والخروجُ عن طريق الحق؛ الميلُ إلى المعصية؛ وكأَن الفأرة إنما سميت فُويْسِقةً لخروجها من جُحْرها على الناس وإفسادها (لسان العرب)

وأكثرُ ما يُقال الفاسقُ لمن التزمَ حكم الشرع وأقرَّ به، ثم أخلَّ بجميع أحكامه أو ببعضه. وإذا قيل للكافر الأصلي: فاسق، فلأنه أخلَّ بحكم ما ألزمه العقلُ واقتضته الفطرة. (المفردات).

فالفاسق: العاصي؛ التارك لحكم الله؛ والرافض له؛ تارك الحق بعد قبوله.

التفسير:

قول الله تعالى أن يضرب مثلًا لا يعني أن يذكر بعضا من الأمثلة السائرة، بل يعني أن يذكر أمرًا أو يبيّن حقيقة من الحقائق، ذلك أن المثل معناه بيان حقيقة أو أمرٍ، قال الله تعالى وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (إِبراهيم: 46). فقوله تعالى (وضربْنا لكم الأمثالَ) يعني بيّنّا لكم أحوالهم. وليس في الآية قيد التفسير أي مناسبة لضرب مثل من الأمثلة السائرة، بل المعنى واضحٌ وهو وصف أمر وبيان حقيقة. فالله تعالى يقول هنا إنه تعالى لا يمتنع من بيان أمر ولو كان بقدر بعوضة أو أصغر منها شأنًا. وسبق أن ذكرنا لدى شرح قوله تعالى فما فوقها أن معنى (فوق) يُفهَم بحسب السياق، فإذا أردت بيان عظمة الشيء فتقول فما فوقه، وإذا أردت ضآلة الشيء فتقول كذلك فما فوقه. فمثلًا إذا قيل لك إن فلانًا محترم، فتقول هو فوق ذلك، أي هو أكثر شرفًا ونبلًا. وإذا قيل لك إن فلانا حقير، فتقول هو فوق ذلك، أي أنه أكثر خسة ودناءة. فلأن الله تعالى ذكر هنا مثال شيء حقير أي البعوضة، فقوله تعالى فما فوقها يعني أن الله تعالى لا يمتنع من بيان أمر وإن كان أهون شأنًا من البعوضة أيضًا.

و(ما) في قوله تعالى مثلًا ما نكرةٌ، والمراد: أيَّ شيء أو أمر، بمعنى أن الله تعالى لا يمتنع عن بيان أيِّ شيء.

أما بعوضة فقد اختلف المفسرون في إعرابها، فقال بعضهم منصوبة لكونها صفة لــِ ما التي هي بدلٌ من مثلًا ، و مثلًا مفعول به لـِ يضرب . وقال بعضهم أن ما هي عطف بيان لـ مثلًا . وقال بعضهم إن ما بدلٌ من مثلًا . وقال بعضهم أن ما مفعول به ثان ليضرب الذي هو بمعنى ليجعل، بينما قال بعضهم أن مثلا مفعول به أول مؤخر. وقال بعضهم: بَعُوضَةً منصوبة بحذف الجار، وتقدير الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها، وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء. (ابن كثير)

وأرى أن هذا الرأي الأخير هو الأصح، لأن من قواعد العربية أنه إذا حُذف الجار كان المجرور منصوبًا لفظًا أو تقديرًا. فلأن “بين” -وهي تفيد الجر- محذوفة هنا، جاء المجرور، أي بَعُوضَةً ، منصوبًا. وعليه فيكون معنى الآية أن الله تعالى لا يمتنع من بيان أمرٍ مهما كان ضئيل الشأن، ولو كان بقدر بعوضة أو أقل منها شأنًا، ما دام في بيانه فائدة، ولا يبالي بقول الناس ما الفائدة من ذكره.

أرى أن هذا التأويل هو الأنسب، غير أني أرى أن المحذوف ليس (بين) بل هو (مثل)، أي (مثل بعوضة)، والمعنى أن الله لا يستحي أن يضرب مثلًا ما مثلَ بعوضة أو أقل منها شأنًا.

يُضرب البعوض مثلًا في اللغة العربية لبيان حقارة الشيء، فقد ورد في الحديث: «لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» (الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله، باب ما جاء في هوان الدنيا). هذا الحديث يُلقي الضوء على هذه الآية لفظًا ومعنى؛ أما معنىً فذلك أنه ليس بين حياة الدنيا وحياة الآخرة مشابهة حقيقية بتاتا، إذ يخبرنا هذا الحديث أن نعم الدنيا لا تساوي شيئا عند الله حتى بمقدار جناح بعوضة، أما من الناحية اللفظية فذلك لأن هذا الحديث ضرب مثال جناح البعوضة لبيان حقارة الدنيا. ونظرًا لمعنى هذا الحديث نفسر المراد من قوله (فما فوقها) بأنه جناح البعوضة، وعليه فستعني هذه الآية: إن الله لا يمتنع عن بيان أمر ولو كان مثل بعوضة بل مثل جناحها أيضا.

بعد شرح كلمات وجمل هذه الآية أتناول الآن تفسير معانيها.

لقد بين الله تعالى في الآية السابقة نِعم الجنة ومشابهتها لنعم الدنيا، وذلك ردًّا على تفاخر الكفار بما لديهم من متع الدنيا، وبثًّا للطمأنينة في قلوب ضعاف المسلمين، بتصوير نعماء الجنة لهم على الاستعارة. ولكن من ناحية أخرى قد صرح القرآن في آيات أخرى أنه ليس هناك مماثلة حقيقية بين الحياة الدنيا والحياة الأخروية، فالآخرة حياة روحانية سامية، والدنيا حياة مادية متدنيةٌ تمامًا، وكان الكفار مدركين لهذه الحقيقة، لذا فكان لا بد من دفع هذا التناقض الظاهري، لكيلا يقول المعارضون ما الهدف من ذكر التشابه بين هذين الأمرين المتغايرين كلية، إذ لو كان القصد بيان مشابهة بسيطة جدًا فما الذي دعا اللهَ العظيم لذكر مشابهة ضئيلة جدًا كهذه، وقد ردّ اللهُ على هذا السؤال هنا مبينًا أنه سيعترض البعض قائلا: ما الداعي من هذا الوصف القرآني التمثيلي الغير دقيق للجنة والنار؟ فأجاب الله تعالى أنه لا يمكن أن يمتنع بسبب هذا الاعتراض عن بيان هذه الأمور، ولو استعارةً ومجازًا، ما دام في بيانها نفع، لأن هذه التمثيلات والاستعارات تزيد الإنسان علمًا، ويتمكن المؤمنون بها من تقدير تلك الأمور الغيبية إلى حد ما قائلين: إن هذا واقع لا محالة كما قال الله تعالى، ولا ضير إن لم ندرك الحقيقةَ إدراكًا كاملًا، غير أنه قد ساعدنا على تقريبها إلى أفهامنا على الأقل، مما زادنا إيمانًا.

أما قوله تعالى: فيعلمون أنه الحق من ربهم فالعلم هنا ليس بمعناه المعروف بل هو بمعنى اليقين، لأنه إذا كان للفعل (عَلِمَ) مفعولان به أفاد اليقين، وقد ورد هنا للفعلِ يعلمون مفعولان، وعليه فمعنى الآية أن المؤمنين يعرفون حق المعرفة أنه الحق من ربهم. و الحق هو الحقيقة الناصعة القاطعة التي لا شك ولا شبهة فيها. و الحق مصدر، والمصدر يأتي بمعنى الفاعل حينًا، وبمعنى اسم المفعول حينًا آخر (الرضي، شرحُ الكافية)، وعليه فالمراد من قوله تعالى فيعلمون أنه الحق من ربهم أن المؤمنين يدركون كل الإدراك أن هذا الأمر واقع لا محالة، أو أن هذا الأمر ثابت متحقق من عند الله تعالى يقينًا.

وعليه، فمفهوم هذه الآية كالآتي: لا جرم أن القرآن الكريم قد وصف الجنة بتشبيهات عميقة للغاية، والتي لا تصور الجنة تصويراً حقيقيا حرفياً، بل هي مجرد استعارات ومجازات، كقولنا للرجل إنه الجبل، ويراد به أنه طويل ولا يتحرك من مكانه، بل المراد أنه في عالم الأخلاق كالجبل في عالم الأجسام، وأنه قوي العزيمة لا ينثني عن موقفه، لكن بالإضافة إلى هذه الاستعارات والتشبيهات قد ذكر القرآن لنعماء الجنة مواصفاتٍ مميزةً أيضا، ويتذكر المؤمنون فورًا تلك المواصفات الأخرى للجنة عند سماع هذه الاستعارات، ويقولون إن ما قال ربنا هو الحق، وأن هذه الحقيقة ليست ببسيطة، بل هي ما جاءنا من عند ربنا، بمعنى أن هذه الاستعارات والتشبيهات تتفق تمامًا مع ما ورد في آيات أخرى من كيفيات روحانية للجنة. وكأن المؤمنين ينوهون بصحة تلك الاستعارات وتوافُقها مع تلك الكيفيات الروحانية، وتستمتع قلوبهم بلذتها، ولكن الكفار يجهلون تلك الكيفيات الأخرى المذكورة عن الجنة في الآيات القرآنية الأخرى (وقد ذكرتها بالتفصيل قبل قليل)، أو لا يريدون أن يعرفوها، فيقولون لدى سماع هذه الاستعارات والتشبيهات ماذا أراد الله بهذا مثلا ، أي فماذا يريد الله بذكره، إنه لا يعني شيئا؟ والحق أن استنكارهم هذا نتاج التعصب والجهل، لأن الاستعارات والتشبيهات نافعة جدًا، وهي جزء هام في كل اللغات، ويستخدمها الكتَّاب البارعون. ما دام بإمكاننا أن نسمي الشجاع شجاعًا، فلماذا نسميه أسدًا؟ وإذا كان بإمكاننا تسمية الكريم كريمًا فلماذا نسميه حاتمًا يا ترى؟

الحق أن الأشياء اللطيفة غير المرئية لا يمكن تقريبها إلى الأفهام إلا بالتشبيه والاستعارة. فمثلا ليس عند الإنسان معيار لبيان ما في الصوت الجميل من ارتفاع وانخفاض، ولينٍ وشدة، وإذا أردنا وصفَ جمالِ لحنِ شخصٍ نقول ما أحلى صوته. إن الحلاوة تكون في المأكولات والمشروبات ويتذوقها اللسان، ومع ذلك لا نطمئن عند بيان روعة صوت عذب بقولنا إن صوته جيد جدًا، بل نلجأ إلى الاستعارة فنقول إن صوته حلو. كما أن وصف الطِيب والعطر أيضًا صعب، فلذلك يقرّبون مواصفات وتأثيرات العطور المختلفة إلى الأذهان بتعابير مماثلة، فيقولون إنها رائحةٌ منزلقة أو دائرية أو مبسطة، مع أن الرائحة لا تكون مدورة أو مبسطة، إن هي إلا استعارات لا غنى لنا عنها لوصف روعة العطور كما ينبغي، ولتقريب المراد إلى الأفهام جيدا.

باختصار، إن الاستعارات والتشبيهات هي من لوازم اللغة، وهي لا تفيد المبالغة في الكلام فقط، بل تساعد على تقريب الحقائق إلى الأفهام. فقول الكفار ماذا أراد الله بهذا مثلا يدل على جهلهم وتعصبهم فحسب.

وكلمة مثلًا في قوله تعالى ماذا أراد الله بهذا مثلًا منصوبة لكونها تمييزًا، حيث يُحدد المقصود أكثر، والمعنى: ماذا يريد الله تعالى ببيان هذا الأمر.

وقال تعالى يُضِلُّ به كثيرًا ويهدي به كثيرًا ، فبيّن فيه الغاية من هذا البيان “الناقص” لنعم الآخرة، وقال كيف تقولون أن هذا البيان غير مفيد، كلا بل هو مفيد، فإن المؤمنين قوم روحانيون قد استمتعوا باللذات الروحانية، وإنهم حين يقرءون هذه الاستعارات والتشبيهات في القرآن تدرك قلوبهم حقيقة تلك النعم إداركًا لا بأس به. إنهم قوم قد تذوقوا طعم النعمتين بنوعيهما، فقد تمتعوا بلذة الصلاة، وعرفوا متعة الصيام، ونالوا لذة الصدقات، كما استمتعوا بلذة فواكه الدنيا أيضا، ويدركون، بسبب ما يتمتع به أصحاب الكمال من ذوق رفيع لطيف كُنْهَ التشابه بين الثمار الدنيوية والمتع الروحانية، وعندما يقرأون في القرآن ذكر النعم المادية على سبيل الاستعارة والتشبيه تشعر قلوبهم نتيجة ذوقهم السليم ما بين نعم الدنيا ونعم الآخرة من توافق وتشابه، مما يزيدهم إيمانا على إيمانهم. ولكن الكفار الذين خمد شعورهم الروحاني، ولم يعرفوا لذة العبادات ولم يتذوقوا طعم ما ينزل من عند الله نتيجة العبادات الممتِعة، فمثلهم كالأعمى الذي توصف له الألوان، فلا يفهم منها شيئًا ولا يحرّك ذكر المناظر الخلابة وترًا من أوتار قلبه، فبدلًا من أن ينتفعوا مما يُذكر أمامهم، يسارعون إلى الاعتراض عليه مدللين على ما في قلوبهم من ضلال، شأنهم شأن إنسان سليم العين في الظاهر، ولكنه لا يرى بها شيئًا في الواقع، فإذا أشار له الناسُ إلى مشهد خلاب، قال: لا يوجد هناك شيء كهذا، فلا شك أنه يفضح بذلك نفسه، إذ يُطلع الناسَ على عماه. فالله تعالى يقول هنا إن هذا الوصف القرآني المجازي لنعم الآخرة فيه فائدتان: إحداهما أن هذا الوصف يكشف للناس ما عند المؤمنين من ذوق لطيف، وفائدته الأخرى يفضح الكافرين بكشف ما في بواطنهم من غواية وضلال.

لقد ذكرنا عند شرح معاني الكلمات أن فعل يُضِلُّ في قوله تعالى يُضِلّ به كثيرا قد أُسند إلى الله تعالى، ولكن من معاني الإضلال (1) الإهلاك و(2) إظهار نتيجة الضلال، وذلك كما ذكر أئمة اللغة وكما تدل على ذلك الفقرةُ التالية من الآية: وما يُضِلُّ به إلا الفاسقين ، أي أن الله تعالى لا يُضلّ بذكر هذه التشبيهات والاستعارات إلا الفاسقين، وحيث إنهم ضالون سلفًا، فليس المراد من إضلال الله لهم إلا أنه تعالى يكشف ضلالهم ويصدر قراره بكونهم ضالين.

الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (البقرة: 28)

 شرح الكلمات:

ينقضون: نقضَ العهد والأمر: ضدُّ أبرمَه؛ أفسده بعد إحكامه. (الأقرب)

عهْد: العهد: الوفاء؛ الضمان؛ المودة؛ الذمة؛ الوصية؛ الموثق. عهِد فلان الشيءَ: حفِظه وراعاه حالًا بعد حال، قيل هذا أصله، ثم استُعمل في الموثق الذي يلزم مراعاتُه. (الأقرب)

يفسدون: راجعْ شرح كلمات قول الله تعالى (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض…).

الخاسرون: خسِر (يخسر) التاجرُ في بيعه: وُضِع في تجارته؛ ضدُّ ربِح، وخسِر الرجل: ضلَّ؛ هلَك. (الأقرب)

لقد بحثتُ كثيرًا، فوجدت أن الفعل “خسِر” لا يستعمل إلا لازمًا، ولكن الغريب أن جميع المفسرين فسّروا كلمة خسِروا أنفسهم متعدية بمعنى أَهلَكوا أنفسهم، غير أن صاحب “تاج العروس” قال: “ولا يُستعمل هذا الباب إلا لازما كما صرح به أئمة التصريف”. ثم يقول: وقد أخطأ هؤلاء الأئمة لأن القرآن قد استخدمه متعديًا.

والواقع أن هذا الفعل لازم، ولكن المؤسف أن معاجمنا وقواميسنا واقعة تحت التأثير الديني، حتى جعلوا اللغة أيضًا خاضعة للتفاسير، وهذا لم يخدم الإسلام شيئًا وإنما أضر به، إذ أدى هذا التصرف إلى اختفاء كثير من معارف القرآن الكريم عن أعين الناس. ليت هناك مَن يشمّر عن ساعد الهمة والجدّ ويصنف قاموسًا لغويًا حرًّا تماما عن تأثير التفاسير الدينية، حتى يتحرر الناس كليةً من هذا القيد الضاغط المجافي للحق، فيسهل عليهم فهم القرآن الكريم!

والحق أننا لو التزمنا بقواعد اللغة بدلاً من الخضوع أمام رعب التفاسير لحللنا مشكلة فعل “خسِر”، بدون أن نجعله متعديًا خلافًا للقواعد. فيمكننا أن نعامله كما نعامل الفعل “سَفِه” كما في قوله تعالى سَفِهَ نفسَه ، حيث نقول: هناك حرف جر محذوف وهو “في” والتقدير: سفِه في نفسه؛ أو نقول جاءت كلمة “نفس” هنا تمييزا، والتمييز يأتي معرفةً في الحالات الشاذة. وبالمثل نقول في قوله تعالى خسروا أنفسهم ، ونقول تقديره: خسروا في أنفسهم، أو نقول: إن أنفسهم تمييز، والمعنى أنهم صاروا خاسرين بشأن أنفسهم، بمعنى أن خداعهم انقلب عليهم. وهذا المعنى أقوى من المعنى الذي ذهبوا إليه.

التفسير:

تذكر هذه الآية صفات الفاسقين الذين يُضلّهم الله تعالى. فهم أولا: ينقضون ما عاهدوا الله عليه، وثانيا: يقطعون الصلات التي أمر الله بإحكامها، وثالثا: يفسدون في الأرض.

أما الأمر الأول أي نقض العهد، فيراد به أمران: أوّلُهما تركُ التوحيد، لأن الله تعالى يقول: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (الأعراف: 173)، أي أن الله تعالى خلق كلَّ روح بجِبِلّةٍ تشهد بلسان حالها على أن الله ربُّها. ثم إن الله تعالى يقول للأرواح من خلال الظهور الخفي لصفاته هل تشهدْنَ على هذا الأمر، فيقلن بلسان حالهن: نعم نحن شاهدات على ذلك. وهذه شهادة لطيفة من قِبل الفطرة الإنسانية قد ذكرها القرآن الكريم، ولكن بعض الناس ينسون هذه الشهادة الفطرية الموجودة في كل نفس بشرية ويقعون في الشرك، وهكذا ينقضون العهد الذي تعهدت به كل فطرة إنسانية عندما بلغت رشدها من أنها ستتمسك بالتوحيد.

والمعنى الثاني لنقض العهد هو أن كل نبي يأخذ من قومه عهدًا بأنهم سيؤمنون بأي نبي يرسله الله إليهم، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (آل عمران: 82)، أي أننا أخذنا من كل نبي عهدًا بالإيمان بكل وحي أو كل نبي يأتي بعده من عندنا. والفاسقون هم قوم ينسون هذا العهد ويكفرون بالمبعوث الرباني في زمنهم.

أما قول الله تعالى ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل فمعناه أن محبة الله ومحبة الحقائق تذوي في قلوبهم، ولا يسعون لإنشاء صلة مع الله تعالى، بل يحبون الدنيا بشدة ويتكالبون على متعها كلية.

ثم قال الله تعالى ويفسدون في الأرض ، أي أنهم ليسوا مخلصين في حب الدنيا أيضًا، ذلك أن العاقل يحافظ على ما يحبه، ولكنهم يفسدون في الدنيا ويبدّلون أمنها فسادًا وجمالها دمامة. وهذه نتيجة حتمية لكفرهم، ذلك لأن الدنيا لا يمكن أن يجعلها جميلة إلا خالقها وصانعها، أما الذين يعرضون عن خالقها، فأنى لهم أن يستوعبوا كيفية نظام هذه الدنيا، ومن لم يعلم طريقة عمل آلة من الآلات، لابد أن يخرّبها بدلاً من أن يصلحها، ولذلك قال الله تعالى أولئك هم الخاسرون ، أي أنهم يزعمون أن المؤمنين فقدوا طعم الحياة ومتعتها بسبب حرمانهم من النعم المادية، لكن الواقع أن هؤلاء أنفسهم قد حُرموا الحياة الأبدية لأنهم قطعوا صلتهم عن الله الذي هو منبع الحياة.

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) البقرة: 29)

 شرح الكلمات:

تكفرون: كفَر بالله أي أنكر وجوده، أو صفاته وأحكامه.

(راجعْ أيضا شرح الكلمات لقول الله تعالى (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون).

أمواتًا: جمعُ ميْتٍ وميّتٍ. والميّت: الذي فارقَ الحياة. (الأقرب)

والموت له معانٍ شتى، وبحسب شكل حياة الشيء يكون شكل موته.

(للمزيد راجعْ شرح كلمات قول الله تعالى (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت).

ثُمَّ: حرفُ عطف يدلّ على الترتيب والتراخي، وربما أدخلوا عليه التاء كما قال:

ولقد أمرُّ على اللئيم يسبُّني   فمضيتُ ثُمّتَ قلتُ لا يعنيني.  (الأقرب)

التفسير:

قال الله تعالى: كيف تكفُرون بالله . والكفر بالله تعالى نوعان، الأول: الكفر بذات الباري تعالى، والثاني: الكفر بأحكامه أو صفاته. أما هنا فليس المراد الكفر بذات الباري تعالى، بل الكفر بكلام الله المـُشار إليه في قوله تعالى من قبل: إن كنتم في ريب مما نزّلْنا على عبدنا (البقرة:24). كان الموضوع الأساس في الآيات السابقة هو كلام الله تعالى، وفي سياق إنكاره تطرّقَ الحديث ضمنيًا إلى عقاب الكافرين وجزاء المؤمنين، وهذه الآية عودٌ إلى الموضوع الأصلي حيث ساق الله هنا دليلًا عقليًا على نزول كلامه تعالى، وقال كيف تنكرون صفة الكلام لله تعالى، مع أنكم كنتم أمواتًا ثم أحياكم. والسبب وراء إيراد هذا الدليل هنا هو أنه يتضح من القرآن الكريم أن الحياة الروحانية مستحيلة بدون وحي الله تعالى، لأن حياة الروح تعني أن تكون صالحة لنيل الحياة الأبدية، والحياة الأبدية سرٌّ من أسرار قدرة الله تعالى، ولا يمكن أن يدركه الإنسان بعقله. هناك وسيلة واحدة لمعرفته، وهي أن يُعلّمه الله بوحيه علمَ حقيقة الحياة الأخروية، وكيف يصبح صالحًا للحياة الآخرة. فالحياة الروحانية مستحيلة بدون الوحي الإلهي، ويستحيل على العقل أن يدرك بنفسه وسائل الحياة الروحانية. فالآية الكريمة تلفت الأنظار إلى ضرورة التفكر في أن الله تعالى قد هيأ لجسم الإنسان جميع الوسائل اللازمة لحياته الدنيوية، فكيف يمكن أن يحرمه وسائلَ حياته الأخروية، مع أنها هي الأهم والأسمى بكثير؟

وقوله تعالى وكنتم أمواتًا . فالأموات جمع ميت، والموت ضد الحياة. ومن معاني الحياة لغةً:

  • ظهور القوة النامية، كما قال الله تعالى: يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (الحديد: 18)، أي يُحيي الأرض بعد جفافها وخرابها، أي يخرج نباتها.
  • إصلاح القوة الحاسّة، والموت إزالتها، قال تعالى: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا (مريم: 24)، أي عندما أجاء مريمَ المخاضَ قالت ليتني فقدت الوعي. فالموت هنا ليس حقيقيًا، بل يعني تمنّي فقدانِ الوعي من شدة الآلآم.
  • القوة العاقلة، أي العلم والعرفان، والموت هو الجهل، قال الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ (الأَنعام: 123)، أي هل يستوي الجاهل ومن وهبنا له العلم الروحاني؟ وكذلك قال الله تعالى فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى (الروم:53)، أي ليس بوسعك إقناع الجاهلين.
  • الأفراح والمسرّات، والموت يعني الحزن المكدِّر للحياة، وإياه قصد الله تعالى بقوله: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ (إِبراهيم: 18)، أي أن الذي يدخل الجحيم يحيطه الموت من كل طرف بدون أن يموت، أي ستحيط به الهموم والغموم.
  • التيقّظ والانتباه، والموت هو المنام.
  • تنفُّس الحيوان، والموت هو انقطاع النفَس.

وعليه فقوله تعالى كنتم أمواتًا فأحياكم يعني أنكم كنتم عَدَمًا بلا حياة، وبلا وجود -وليس أنكم كنتم ميتين- فأوجدكم الله تعالى ووهبكم الحياة.

ثم قال تعالى ثم يميتكم ، أي ثم يقبض الله تعالى أرواحكم ويميتكم.

ثم قال تعالى ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ، أي يعيدكم إلى الحياة، وفي نهاية المطاف إلى الله تعالى ترجعون.

فالإنسان يمر بمراحل أربع: عدم، ثم حياة، ثم موت، ثم عودة إلى الحياة، ثم النتيجة النهائية للمراحل الأربع وهي العودة إلى الله، أي المثول أمامه تعالى.

في هذه الآية أخبرنا الله تعالى أن الذي يمنحكم الوجود والحياة من العدم، ثم يميتكم بعد الحياة، كيف يصحّ الظن أنه لن يعيدكم إلى الحياة؟! إنه ظنٌّ منافٍ للعقل. وإذا كانت الحياة الآخرة حقًا، فلا بد أن يهيئ الله من عنده هديًا للإنسان يُعدّه لتلك الحياة.

ما أبسطَه وما أروعَه من استدلال! حيث بين الله تعالى أنه لماذا يوجِد اللهُ الإنسانَ من العدم ويهب له الحياة، إذا لم يكن هناك غاية معينة يحققها الإنسان. ولو قلنا جدلًا ليس هناك غاية لخلق الإنسان، فالسؤال لماذا أمات الله هذا الإنسان صاحب العقل والفهم؟ إذا كانت سعادة وراحة هذه الدنيا هي قدَرُ الإنسان فحسْب، فلماذا خلقه الله من العدم بعد عملية طويلة من التطور ووهب له الحياة، ثم أذاقه الموت دون أن يجعل له بعد موته حياة أسمى؟!

تمثِّل هذه الآية ردًّا أيضا على الذين يظنون أنه ليس هناك عذاب القبر بعد الموت، بل سيدخل الجنة أو في النار حين يدخل. لقد ذكر الله تعالى هنا خمسة أزمنة: (1) زمن العدم، (2) زمن الحياة الدنيا، (3) زمن الموت المادي، (4) زمن الحياة الجديدة، و (5) زمن المثول أمام الله تعالى، أي الحشر. واستعمال ثم قبل قوله تعالى إليه تُرجَعون يدل على أن الميت ينال حياة عاجلة بعد موته الدنيوي مباشرة، ولكن الحشر يكون بعد فترة. وهذه الحياة التي تكون بعد الموت مباشرة لا تخلو من ثواب وعقاب، وإلا كانت مهملة ولا لزوم لها. وإذا كان في تلك الفترة ثواب وعقاب، فثبت أن هناك ثوابًا وعقابًا موجزًا قبل الحشر، وهذا ما يسمى عذاب وثواب القبر. والأحاديث النبوية تدعم هذا، كما أن القرآن الكريم يدل على وجود هذا العذاب دلالة واضحة حيث قال الله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر:47)، أي أن آل فرعون سيظلون يعذَّبون صباحًا ومساءً قبل الجحيم، وكانوا يذوقونه وقت نزول القرآن الكريم أيضًا.

وكما أن هذه الآية قد ذكرت وعد الحياة بعد الموت للأفراد، كذلك قد تتضمن هذه الآية الإشارَة إلى الموت القومي والحياة القومية في الدنيا؛ بمعنى أن العالَم كان ميتًا فأحياه الله تعالى بالقرآن، وسوف يموت ثانية وسوف يحييه الله أيضًا مرة أخرى. وكأن هذه الآية تتنبأ بفترتين من رقي الإسلام؛ الفترة الأولى في أول الإسلام، والثانية في هذا الزمن الأخير، أعني أن هذه الآية تمثّل إشارةً إلى النبوءة المذكورة في قوله تعالى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِم (الجمعة: 4)، ونظرًا إلى هذا المعنى، فالمراد من قوله تعالى: ثم إليه ترجعون أن القيامة ستقوم بعد ذلك، وفي هذا إشارة إلى أن الإسلام هو آخر الأديان، ولا دين سواه إلى يوم القيامة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك