صدق أحمد سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

صدق أحمد سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

محمد ظفر الله خان

قال الله في القرآن الكريم:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (التوبة: 30-31)

إذا تأمل الإنسان هاتن الآيتين من القرآن الكريم تبين له أنه في وقت ما سيشتد أذى اليهود والنصارى، وستتخذ دعايتهم ضد الإسلام شكلا جديدا. وفي الآية التي تلي هاتين الآيتين مباشرة يقول الله تعالى:

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة: 32)

هذه الآية تبين بوضوح أن دعايتهم ضد الإسلام ستكون في الغالب شفهية.. عن طريق الخطب والمؤلفات والنشرات والكتب وغيرها من المواد المطبوعة. ولكن كل مجهوداتهم ستفشل بالهجمات المضادة التي ستستمد قوتها من القوة الروحانية للرسول . وهذا قد أعلنه الله بقوله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون (التوبة: 33)

وقد اتفق المسلمون من كل المذاهب تقريبًا أن انتصار الإسلام على الأديان الأخرى في الأيام الأخيرة سيتحقق على يد المهدي الذي سيظهر في بداية القرن الرابع عشر من الهجرة. وبسبب انحطاط المقاييس الأخلاقية والروحانية بينهم ولكون معظم علمائهم أنفسهم محرومين من المعرفة العميقة بالقرآن الكريم وفلسفته السامية الدقيقة، فقد قنطوا وبدأوا في ترويج الفكرة الانهزامية الباطلة تماما بأن انتصار الإسلام على الأديان الأخرى سيكون باستخدام القوة من قبل المهدي. وهذه الفكرة ليست فقط مقزِّزة للنفس ومعارضة للمنطق والفكر السليم، ولكنها أيضا تناقض تمامًا الإعلان الرباني الصريح في القرآن الكريم:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة: 257)

وبالطبع لا يمكن اعتبار عقيدة أو مذهب أو فلسفة أنها مؤسسة على الحق إذا كان المطلوب قبولها بالقوة.

وكان مقضيا أن المهدي سيوطد تفوق الإسلام من خلال عرض مفصل ومنطقي لفلسفة الإسلام المذكورة في القرآن الكريم، وكان سيُنار فكره بالوحي الإلهي، وسيُلهم بفضل الرسول الذي سيكون مشابها له شبها تامًا في الروحانية كما صرح الرسول في بيانه أنه المهدي: “يُدفَن معي في قبري” وهكذا فإن مجيئه كان بمثابة بعث روحاني ثانٍ للرسول ، كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى:

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الجمعة: 4)

ولقد بين المصطفى وقت مجيء المهدي بطريقة لا يمكن إنكارها، فقد قال:

“إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السموات والأرض، ينخسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس في النصف منه” (سنن الدارقطني)

وذلك يعني أن مجيء المهدي الذي سماه الرسول باسم (مهدينا)، سيتميز بخسوف القمر في شهر رمضان في الليلة الثالثة عشرة وبكسوف الشمس في نفس الشهر من رمضان بعد خمسة عشر يوما من ذلك، لأن الخسوف القمري يحدث في الليالي الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة للقمر، والكسوف الشمسي يحدث في يوم من الأيام الثلاثة الأخيرة من الشهر القمري. وهذه الظاهرة الخاصة تجلت في النصف الشرقي من الكرة الأرضية يوم 21 مارس بالنسبة للقمر ويوم 6 أبريل للشمس في عام 1894. وقد تكررت في النصف الغربي من الكرة الأرضية في نفس التواريخ عام 1895م.

وهذه الظاهرة تدعو إلى التفكر الجدي. فمن جهة كانت تجليات حددتها القوانين الطبيعية المحكمة في حركات الكواكب، ولم يكن هناك أي مجال للتدخل البشري فيها. ومن ناحية أخرى كانت آية عظيمة على صدق الرسول . فمن المستحيل أن يكون قد عرف أو خمَّن أن هذه الظاهرة ستحدث بعد 1260 عاما من وفاته، وحتى إذا كانت هذه الظاهرة قد حدثت بنفسها فإن في التنبؤ بها قبل حدوثها باثني عشر قرنا ونصف لدليلاً قاطعًا على صدق الرسول . ولكنها لم تكن وحدها، فقد كان لها وجه بهيٌّ جليل آخر.

لقد كان الغرض من حدوثها الإنذار بأن المهدي قد ظهر، وأنه يجب على الذين ينتظرون مجيئه أن يبحثوا عنه، ويؤمنوا به، ويطيعوه حتى يمكنهم أن يشاركوا في النهوض بالإسلام الذي قضى الله أن يتم على هذا الخادم المخلص للرسول … المهدي وأتباعه. فإن صدق الرسول سيكون عرضة للشك من قبل أعداء الإسلام والرسول . ولكن إذا تبين أنه قبل حدوث هذه الظاهرة كان هناك عبد مخلصٌ للرسول قد عاش حياة طاهرة بريئة طبقا لتعاليم الإسلام، وكان قد تلقى الوحي الإلهي المستمر، وكان بأمر من الله قد أعلن أنه المهدي، فإنه يمكن الترحيب بهذه الظاهرة كتأكيد جازم وجليل لصدق الرسول وكذلك لصدق هذا المدعي وأيضا صدق الإسلام.

إن حضرة مرزا غلام أحمد من قاديان في الهند، الذي وُلد في يوم 20 فبراير 1835م وتُوفي يوم 26 مايو 1908م، تلقى أول وحي إلهي حوالي عام 1876م، وقد استمر في تلقي الوحي بتكرار واستمرار على مدى بقية حياته. وفي الفترة من عام 1878م وحتى عام 1886 ألف كتابه التاريخي (البراهين الأحمدية) الذي أثبت فيه تفوق الإسلام على الأديان الأخرى بأسلوب رائع حتى إن أئمة علماء المسلمين في الهند اعترفوا بالإجماع بأنه أعظم بطل للإسلام. فمثلا نشر الشيخ محمد حسين البطالوي زعيم طائفة أهل الحديث في جريدته: “إشاعة السنة” المجلد السابع، العدد 6 إلى 11، استعراضًا مفصلاً للكتاب، وفي المقدمة قال:

“إن مؤلف البراهين الأحمدية، طبقًا لشهادة الأصدقاء والأعداء، يعيش حياته طبقًا لشريعة الإسلام. وهو إنسان تقي صادق. وفي رأينا، وبالأخذ في الاعتبار العصر والظروف المحيطة، إن هذا كتاب لم يُنشر مثله عن الإسلام حتى يومنا هذا. وإن المؤلف قد أثبت أنه مثابر على خدمة الإسلام من كل ناحية بحيث لم يسبق له مثيل بين المسلمين. وإذا ظن أحد أن قولنا هذا إنما هو مجرد مبالغة آسيوية فعليه أن يشير إلى كتاب واحد على الأقل ينقض أدلة أعداء الإسلام بهذه الدرجة من القوة والشدة. وعليه أن يذكر أسماء ثلاثة وأربعة من مناصري للإسلام صمموا على خدمة الإسلام بكل ما لديهم، وتحدوا الأعداء الذين ينكرون احتمال نزول الوحي الإلهي عليهم.”

“من المعروف أن الإيعازات الشيطانية باطلة على العموم، ولكن حتى يومنا هذا لم يثبت كذب أي وحي مما تلقاه مؤلف البراهين الأحمدية. أيمكن أن يصدق أي مسلم متبع للقرآن أن الشيطان يمكن أن يطلع على الغيب مثل الأنبياء والملائكة بحيث لا يخلو الحق من أي من الأنباء الغيبية له” وقد اختتم قائلا:

“إن مؤلف البراهين الأحمدية قد صان بتأليف هذا الكتاب كرامة المسلمين، وقد تحدى أعداء الإسلام بقوة وبشدة. وقد أعلن للعالم كله أنه إذا ارتاب أحد في صدق الإسلام فعليه أن يأتي إليه، وليشهد أدلته الفكرية والروحانية على صدق القرآن والتجليات الفائقة للطبيعة على صدق نبيه محمد

وكتب المولوي الصوفي حضرة أحمد جان من لدهيانة قائلا:

“هذا الإنسان ذو الشخصية البارزة العظيمة، الجواد على البشرية، منبع الإحسان والجود، الدليل الشخصي على صدق الإسلام، فخر العامة والنبلاء حضرة مرزا غلام أحمد، (اللهم بارِكْ فيه)، زعيم قاديان، قد ألف كتابا سُمي “البراهين الأحمدية” باللغة الأردية. هذا الكتاب يثبت صدق الإسلام ونبوة محمد وصدق القرآن الكريم بثلاث مائة دليل قوي، ويُنقض كل الأديان المعادية للإسلام بالمنطق المقنع. والآيات القرآنية التي ذكرت في المواضع المناسبة من هذا الكتاب تبلغ حوالي ثلثي القرآن بأكمله. وفي قرننا هذا وهو القرن الرابع عشر للإسلام، تعم البلبلة الشديدة بين متبعي كل دين. وفي هذا الوقت كانت هناك حاجة لكتاب مثل البراهين الأحمدية، وكانت هناك حاجة لمصلح مثل حضرة مرزا غلام أحمد الذي كان مستعدا دائما لإثبات حقائق الإسلام حتى يقتنع الأعداء””إن مؤلف البراهين الأحمدية ليس من عامة علماء الدين والمعلمين الروحانيين، ولكنه قد اختص بالتكليف من الله، وهو يتلقى الوحي الإلهي. وقد ذكر في هذا الكتاب مئات الأمثلة من هذا الوحي والنبوءات والرؤيا الصداقة والإشارات الإلهية والبشارات السماوية بالنصر الإلهي والهداية الإلهية بلغات متنوعة. وقد تأكد ذلك بشهادة المئات من أعداء الإسلام. مما يوطد صحتها، ويثبت المؤلف أن قد كتب هذا الكتاب بلا شك بالتوجيه الإلهي. وواضح أيضا أنه بناءً على أحاديث الرسول إن الله المجيد ذا الجلال سيقيم بين المسلمين عند بداية كل قرن من يجدد الدين. ومؤلف هذا الكتاب هو مصلح القرن الرابع عشر. وهو عالم متبحر. وهو من أكمل الأفراد في المجتمع الإسلامي. وهذا أيضا يؤيده حديث آخر للرسول حيث روى عنه أنه قال: “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل” (تأثرات قاديان، من 66 إلى 88).

والمولوي محمد شريف من بنغلور في جنوب الهند كتب في جريدته (منشور محمدي):

“هذا الكتاب، البراهين الأحمدية، كتاب فريد من نوعه في إثبات صدق القرآن وصدق نبوة الرسول . والمؤلف قد أثبت صدق الإسلام بالحجج الإيجابية بحيث أن كل إنسان عادل سيضطر إلى الاعتراف بأن القرآن كتاب الله، وأن نبوة الرسول لا شك فيها، وأن الإسلام دين الله، وأن ما أُمِر به المسلم هو الحق. وهناك العديد من الأدلة التي لم تترك للعدو أي فرصة للفرار ولا أي مجال للإنكار. كل حجة بيّنة وكل دليل واضح. والكتاب مرآة للدين، وهو مملوء بالقرآن. يهدي إلى الطريق المستقيم. إنه المصباح الذي يضيء الطريق الصحيح. إنه مخزن للحق وكنز للهداية، ويقوم بمقام الصاعقة على الأعداء، ويحرق كل حججهم. وبالنسبة للمسلمين هو سند قوي للكتاب الكريم. وهو دليل واضح لأم الكتاب قلقل وأزعج كل عدو للدين”.

وفي مارس من عام 1889م أسس حضرة مرزا غلام أحمد الجماعة الإسلامية الأحمدية. وفي عم 1890م ألَّف حضرته ثلاثة كتب: فتح الإسلام، توضيح مرام، إزالة أوهام. وقد نُشرت هذه الكتب في الجزء الأول من عام 1891م. وأعلن حضرته في هذه الكتب تحت التوجيه الإلهي أنه المهدي والمسيح الموعود الذي تنبأ بمجيئه في الأيام الأخيرة الرسول الكريم . (البخاري، كتاب الاعتصام. والترمذي، أبواب الإيمان، باب افتراق هذه الأمة. ومسلم، كتاب الفتن، باب نزول عيسى بن مريم وذكر الدجال).

وأثار هذا الإعلان معارضة عنيفة، وتجمع العلماء المسلمون بقيادة المولوي محمد حسين البطالوي الذي كان مُعجبا أشد الإعجاب به ومؤيدا متحمسا له، وتقريبا بالإجماع اتهموه بأنه كافر وأنه خارج عن دين الإسلام. وقد قذفوه بالشتائم الرذيلة، وأعلنوا أنه مرتد عن الإسلام، حتى أعلن بعضهم أن قتله عمل ثواب عظيم، وأن من يفعل ذلك يدخل الجنة مباشرة.

وكما ذكرنا فيما سبق أن آيتي ظهور المهدي اللتين تنبأ بهما الرسول ظهرتا بوضوح بعد فترة تزيد بقليل على ثلاث سنوات من إعلان حضرة مرزا غلام أحمد بأنه المهدي. وقد كان هذا دليلا واضحا على صدق دعواه. ومن الجدير بالملاحظة أن القرن الرابع عشر كان قد انقضى بدون أن يعلن أحد غير حضرة مرزا غلام أحمد، انه المهدي الذي تنبأ بمجيئه الرسول . إذنْ فإن رفض الإيمان به سيعادل رفض الإيمان بنبوءة عظيمة للرسول ، ويعطي أعداء الإسلام فرصة للتشكيك في صدق الرسول . وهو ما يجب تجنبه.

ولكن الآيتين اللتين أعلن عنهما الرسول ليستا وحدهما الدليل القاطع على صحة ادعاء حضرة مرزا غلام أحمد، بل هناك أدلة كثيرة يصعب ذكرها في مثل هذا البيان المختصر، ولكن يمكن أن نذكر واحدًا أو اثنين من الأدلة الجوهرية.

إن المسألة الحاسمة هي أن حضرة مرزا غلام أحمد قد أكد أنه منذ أن بلغ حوالي الأربعين من عمره قد تلقى الوحي الإلهي بانتظام. وإذا كان قوله هذا صادقا فمن الضروري أن يكون كل ادعائه المبني على الوحي الإلهي أو المستنتج منه حقًّا ويجب قبوله. إما إذا كان قوله هذا باطلا فإنه يكون، والعياذ بالله، محتالاً ويجب أن يدان بذلك.

إن أحد المعايير التي وضعها القرآن الكريم لتحديد صدق أو كذب أحد يدعي أنه يتلقى الوحي الإلهي هو ما نجده في قوله تعالى:

قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (يونس: 17).

هنا يوجه القرآن انتباه الكفار إلى الطهارة الكاملة لحياة الرسول حتى قبل تلقي الرسالة الإلهية، ليتبين لهم أن من عاش عيشة تقية طوال حياته لن يبدأ فجأة، عندما يصل إلى سن النضوج الكامل، في اختراع الأكاذيب على الله.

وفي حالة حضرة مرزا غلام أحمد أيضا، في الوحي الذي أُنزل إليه، وجّه الله القدير الانتباه إلى طهارة حياته منذ البداية كدليل على صدق دعواه بنفس الكلمات التي استخدمت في القرآن الكريم بالنسبة إلى الرسول ؛ أي: “فقد لبثتُ فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون” (نزول المسيح، ص 212). وإن حضرته بنفسه لفت انتباه الناس إلى طهارة حياته بالكلمات التالية:

“إنكم لا تستطيعون أن تشيروا إلى أي ذنب أو احتيال أو كذب أو خداع في حياتي السابقة حتى يمكنكم أن تقولوا إن الذي استسلم للكذب والاحتيال من قبل قد أضاف إلى كذبه السابق خدعة أخرى. من منكم يستطيع أن ينتقد أي شيء في حياتي السابقة. إنه لمن فضل الله أنه منذ البداية قد جعل حياتي على منهج التقوى. وإن في هذا لدليلاً لقوم يتفكرون”. ­ (تذكرة الشهادتين ص 26)

وحقًا لم يتهمه أحد أبدا طوال حياته بالتفوه بأي كذب. فلا يمكن التصور إذنْ أن الإنسان الذي كان قد عُهد منه الصدق الكامل في كل نواحي حياته يكون قد اقترف هذا الذنب وكذب هذا الكذب الشنيع بأن الله تكلم معه والله تعالى لم يكلمه فعلاً.. إن كل المسلمين يؤمنون إيمانا قويًا بأنه طبقًا لما قال القرآن الكريم إن الذي يلفق شيئا من نفسه وينسبه إلى الله يمكن أن يفلح أبدا، ومؤكد أن الله سيحبط عمله ويهلكه. وهذا الاعتقاد مبني على الآيات التالية من القرآن الكريم:

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين (الحاقة: 45 – 48).

وهذا تحذير يوقع الخوف والرهبة في نفس كل محتال جريء. يمكن أن يدعي الإنسان الضال ضلالا كاملا أو المعتوه أنه هو الله، ولا يصيبه أي ضرر مرئي. فقد ترضى الرحمة الإلهية بالتغاضي عن شذوذه، لأن مثل هذا الادعاء لا يمكن أن يضلل أو يحير أي إنسان عاقل. والحالة تختلف تماما عندما يدعي إنسان أنه يتلقى الوحي الإلهي. فإذا كان ادعاؤه كاذبا وهو متعمد مصر على ما يقول، فإنه قد يسبب في انتشار الإثم والضلال لكثير من الناس. ولذلك ذكر الله القدير في هذه الآيات تحذيره القوي الواضح بأن المحتال لن يفلت من غضبه وعقابه. ومنذ وقت الرسول ظهر الكثير من الكاذبين الذين ادعوا أنهم تلقوا الوحي الإلهي، ولم يحدث في أي حالة أن أحدًا منهم انفلت من القدر المشئوم المعلن في هذه الآيات، بل في كل حالة لحق قضاء الله بالمجرم، وهلك هلاكًا على مرأى من الناس.

وحضرة مرزا غلام أحمد تلقى الوحي الإلهي بانتظام على مدى فترة تزيد بكثير على 30 سنة. وقد حمل الوحي نفسه عددا لا يُحصى من الأدلة على أصالته وصدقه. وكان ممتلئا بالنبوءات العظيمة والبصيرة الروحانية والعلم الإلهي بالغيب والظاهر والبشارات للأصدقاء والإنذارات للأعداء والهداية الروحانية في أعلى مستوى.

وقد تعرضت حياته إلى كل المخاطر. فقد قيل له إنه كافر ومرتد عن الإسلام. وقد أعلى زعماء المسلمين أنه قتله ثواب عظيم، وأن من يتمكن من قتله يستحق الجنة. ومع ذلك فإنه لم يُحفظ من العقاب الإلهي المعين كجزاء للمحتال فحسب، بل مضى قدمًا من نصر إلى نصر طوال حياته. وكان واضحا أن الله أنعم عليه كثيرا بالمعنى الموجود في الآية السادسة من سورة الفاتحة الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ . فبجانب كونه أبعد ما يكون من التعرض إلى غضب الله على احتياله الجريء المزعوم، كما تصور وادعى أعداؤه، فإنه قد مُنح ضمانا إلهيا بالأمان، بنفس الكلمات التي ضمن بها الأمان للرسول :

وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 68).

وهذا الضمان قد تحقق بالكامل في حقه كما تحقق في حق سيده الكريم رسول الله . فلم يحفظ ويُعصم عصمةً مادية، بل أيضا صان الله حريته وكرامته وشرفة بالكامل. فقد اتُّهم بالتهم الباطلة، وسيق إلى المحكمة بسببها. وفي كل قضية كان يبرأ ويُخلى سبيله بشرف، وساءت كل خطط أعداءه الخبيثة بالفشل الكامل. وفي إحدى هذه القضايا اتُّهم بتهمة خطيرة: التآمر على القتل، ولكن إجراءات المحاكمة أكدت على براءته تمامًا حتى إنها لم تحبط مساعي أعدائه في خططهم الشريرة فقط، بل سببت لهم الإهانة الشديدة، حيث تعرضوا إلى المحاكمة على التهمة الباطلة التي اتهموه بها. ولكنه أعلن أن قضيته مرفوعة أمام الله القادر، وأنه لن يتخذ أي إجراءات قانونية ضد أعدائه في محكمة الأرض.

ولقد قال الرسول أن المسيح في بعثته الثانية سيدافع عن الإسلام وسيكسر الصليب، ويقتل الخنزير. (أبو داود، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال). وهذه النبوءة للرسول قد تحققت بأسلوب مدهش على يد حضرة مرزا غلام أحمد الذي سماه الله في الوحي الذي أنزل عليه “جري الله في حُلل الأنبياء”(التذكرة ص 148).  وقد اعترف حتى أعداؤه بدفاعه البارز عن الإسلام ضد النصارى. وقد كتشف بقوة وشدة عن زيف زعم النصارى بأن عيسى مات معلقا على الصليب. وبذلك دمر الأساس الكامل الذي يستند عليه عقائد النصارى عن الفداء والبعث والصعود بالجسم المادي إلى السماء. وبالتوجيه الإلهي استطاع أن يبين أن عيسى قد نجي من الصليب، ثم التقى بتلاميذه عدة مرات بجسمه المادي؛ ثم رحل عنهم، وسافر متنقلا بين البلاد التي تفرقت فيها القبائل المسماة خراف بني إسرائيل الضالة، بعد السبي البابلي. وفي النهاية استقر في كشمير حيث توفي ودُفن “خانيار” وهي ضاحية مدينة “سري نجر”. وقد وضح كل هذا في كتابه. “المسيح الناصري في الهند”. ومنذ أن نشر هذا الكتاب أصبحت مقبرة عيسى في “سري نجر” حرمًا ومزارا. ونتيجة لكشف حضرة مرزا غلام أحمد لخرافة موت عيسى معلقا على الصليب اعتبر بعض ذوي المراكز الرفيعة في الكنيسة أن عقيدة ألوهية عيسى هي في الحقيقة أسطورة. وبذلك كسر حضرته الصليب فعلاً. وبتأسيس الجماعة التي شعارها بأن الدين يجب أن يكون له الأولية على كل المصالح الدنيوية، أعلن حضرة مرزا غلام أحمد الحرب على كل أنواع الرذائل والدنائس. وكان هذا هو القتل المجازي للخنزير. وقد عاش هو نفسه حياة بريئة طاهرة خَيِّرة تماما متأسيًّا بالأسوة والنموذج الذي أقامه الرسول   بأدق التفاصيل. وقد أسس جماعة كان على أفرادها أن يطبقوا في حياتهم اليومية كل القيم الاجتماعية والأخلاقية والروحانية التي ينادي بها الإسلام، والتي كان أسمى مثال لها في حياة رسول الإسلام . وقد جاءوا من كل الطبقات في الحياة. وهم رجال عاملون يقومون بالأعمال المفيدة في كل المجالات طبقًا لتعاليم الإسلام. لا يرفضون الاهتمامات الطبيعية في الحياة. وهم مثال طيب للحياة الكاملة الناجحة المفيدة للغاية. والصفة المميزة لحياتهم هي التمسك بالأخلاقيات والروحانيات وتفضيلها على المادة في نموذج متناسق مفيد. وكما يعلمهم الإسلام يؤمنون بأن الكفاءات والطاقات التي أنعم بها الله القدير على الإنسان، هي نعمة ثمينة يجب تطويرها للاستفادة منها، ويجب استخدامها في محلها الصحيح، ويجب ألا تُقمَع أو تُبطَل. والدستور الأخلاقي والروحاني الذي يطلَبون العمل بموجبه لا يفرض عليهم أي عرقلة. وبفضل الله ورحمته ظهر من بينهم أشخاص ذوو مكانة عالية في أغلب مجالات الحياة البشرية.

وبفضل الله نَعِمَ حضرة مرزا غلام أحمد بالمعرفة والواسعة، والفهم العميق للقرآن الكريم، وبالبراعة المعجزة في اللغة العربية، والبصيرة الخارقة للعادة بالأسرار الإلهية التي ينعم بها فقط رسل الله. وهذا طبقا للقرآن الكريم في قوله تعالى:

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (الجن: 27 -28).

وبيَّن في كتابة “منن الرحمان” أن اللغة العربية هي أم اللغات. وقد كانت هذه مفاجأة سارة حتى على مؤلفي المعاجم العرب المرموقين. ولكنه لم يدّع أبدًا أنه أتى بشيء من عنده. فقد أكد تكرارا أن كل فضل قد أنعم عليه كان من الفيض الروحاني للرسول الذي كان حضرته هائما ومخلصا في الولاء له . وقد عبَّر عن حبه المشتعل للرسول بالنثر والشعر والمثيرين للمشاعر باللغات العربية والفارسية والأردية.

وقد كان حبه وولاؤه للقرآن الكريم بمثل حبه الطاغي وولاءه الكامل للرسول . ولقد أنذر بأن أسلوب الحياة البشرية كان على وشك أن يصاب من نواح جوهرية، وأن الله قد أقامه حتى يبين بناء على التوجيه الإلهي ومن القرآن الكريم، الهدايةَ والفلسفةَ التي سيحتاجها البشر في هذا العصر. وبذلك يوطد سيادة الإسلام على كل الأديان الأخرى. وقد تنبأ بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة: 34).

ويمكن تكوين فكرة بسيطة عن عظمة الخدمة التي قام بها في هذا المجال بمطالعة كتابه “فلسفة تعاليم الإسلام”، وقد أُلِقيَ كمحاضرة في مؤتمر الأديان الذي عُقد في لاهور في الأسبوع الأخير من ديسمبر عام 1896م.

وفي الختام وعلى سبيل المثال يمكن ملاحظة الأسلوب المدهش الذي تحققت به إحدى النبوءات المبكرة المستوحاة إليه التي ما زالت تتحقق حتى الآن. فقد كان ينتمي إلى قاديان التي كانت قرية صغيرة في أكثر المناطق تأخرا في الهند. وكانت تبعد 11 ميلا عن أقرب مدينة فيها مطبعة. وفي هذا الوضع عندما كان غير معروف للعالم ولم يكن لديه أي موارد مادية، جاءته الدعوة الإلهية بأن عليه أن يعد نفسه لخدمة الإسلام وليبين سيادته على كل الأديان الأخرى. وقد عزّاه الله بالتأكيد أنه سيحمل رسالته إلى أطراف الأرض. (التذكرة: ص184).

وبالمعايير الدنيوية بدا هذا وكأنه تفاخر إنسان معتوه، ولكنه منذ البداية لبّى دعوته بعض أتقياء النفوس، وبالرغم من السخرية وأنواع الاضطهاد أصبحوا مثالا طيبا لقوة الإيمان والإخلاص والولاء والطهارة في الحياة. ولكن كان التقدم بطيئا، وعند وفاته عام 1908 لم يزد عدد أفراد جماعته عن نصف المليون ولم تخرج رسالته عن حدود الهند إلا قليلا. ومع ذلك وبالرغم من المعارضة الشديدة التي لاقتها جماعته والاضطهاد العنيف الذي تعرض له أتباعه القليلون المخلصون، فقد انزعج أعداؤه بشدة من الزيادة اليومية في أعدادهم. وقد تنفسوا بارتياح عند وفاته، لأنهم اعتبروه ضلالا دينيا خطيرا كان سيلقى الآن هلاكه الطبيعي، ولن يحتاجوا أن يسحبوا له أي حساب بعد ذلك. ولكن تعالوا نرى ما حدث الفعل.

لقد تأسست الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1889. وقد أعلن حضرة مرزا غلام أحمد أنه المهدي والمسيح الموعود في بداية عام 1891م. وعند وفاته لم يزد عدد أتباعه عن نصف المليون، وقد عاش القليل منهم خارج الهند.

واليوم فقد بلغ عدد أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية حوالي 10 ملايين. هذا العدد يتزايد باستمرار وبصورة هندسية. وقد تأسست فروعها في العالم في كل القارات. وتعتبر أنشط الجماعات التبليغية الإسلامية. وأفرادها مثال فريد للتمسك بالقيم الأخلاقية والروحانية للإسلام. وهذا ليس بعمل البشر. إنه تجلٍّ لفضل الله.

وليس لدى أعدائها ما يقدمونه إلا التفاصيل المشوشة البالية. وقد اتصفوا بالانحراف مما سبب هلاكهم. وهم محرومون من روح التقوى التي وحدها تبعث الحياة وتمنحها. وهذه الروح يمكن إحياؤها وتنميتها فقط بفضل الله الذي يمكن أن يناله الإنسان بالصبر والصلاة كما يوجهنا القرآن الكريم بقوله تعالى:

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (البقرة: 46).

والسبب الأساسي في الانحراف الذي أصاب المسلمين هو ابتعادهم عن الله وسعيهم وراء المعالجات التي ابتكروها من أنفسهم. إن العلاج الحقيقي الفعال هو أنه يجب عليهم أن يتجهوا إلى الله ويتمسكوا به ويتبعوا خططه من كل ناحية بدلا من ابتكاراتهم.

ندعو الله برحمته وفضله أن يمكننا بتواضع وبإخلاص أن نتبع الهداية التي أمدنا بها حتى نصبح وسيلته لإتمام السيادة المجيدة للإسلام، أمين.

 

نبذة من حياة المؤلف

ولد الحاج السيد شَودري محمد ظفر الله خان لأبوين كريمين هما السيد شُودري نصر الله خان والسيدة حسينة بيبي في السادس من شهر فبرابر(شباط) سنة 1893 ميلادي في مدينة سيالكوت في ولاية البنجاب بالهند.

*بدأ تعليمه في مدينة لاهور، وأكمل المراحل العليا في جامعة لنفر بلندن، وحصل على شهادة المحاماة. ثم رئيسًا لتحرير جريدة “قضايا الهند” سنوات طويلة.

*عيِّن عضوا في الجلس التشريعي الإقليمي في البنجاب.

*أُختير في عام 1931 رئيسا للرابطة الإسلامية الهندية وهي التي طالبت باستقلال الهند وتأسيس باكستان كدولة مستقلة للمسلمسن.

*في سنة 1935 ميلادي عيِّن وزيرًا للتجارة في مجلس الحاكم العام للهند، ثم وزيرًا للعدل، ثم وزيرًا للتموين.

*في سنة 1941 عيِّن قاضيا في المحكمة العليا الفدرالية في الهند.

*في سنة 1942 رأَسَ وكالة حكومة الهند في الصين.

*في سنة 1947 تقبل دعوة مؤسس باكستان محمد علي جَناح للتعاون معه كوزير الخارجية الباكستانية، وبقي في هذا المنصب عدة سنوات.

*ثم عين ممثلا لبلادة في الأمم المتحدة.

*ثم انتخب رثيسا للدورة السابعة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبرز كأبلغ خطيب عرفته هيئة الأمم المتحدة. وقد استغرقت بعض خطاباته سبع ساعات تقريبا منها ثلاث ساعات متواصلة بلا انقطاع أثناء مناقشة قضيتي فلسطين وكشمير. ويشهد له معارفه وأقرانه بأنه صاحب حجة ومنطق سليم وهدف واضح، متعمق في العلوم الإسلامية، ويقتبس كثيرا من الآيات القرآنية في خطبه. وشهد له بعض رجالات مصر بأنه المسلم الوحيد الذي كان يصلي الفرائض الخمسة بأوقاتها في قاعات وأروقة هيئة الأمم المتحدة حتى واضطر أحيانا إلى ترك الجلسة أثناء انعقادها.

  • انتخبته الأمم المتحدة قاضيا دوليا في محكمة العدل الدولية في لاهاي في السادس من فبراير، شباط سنة 1964. (يوم ولادته)!
  • بتاريخ 18/02/1970 انتخبه زملاؤه القضاة الدوليون السبعة عشر رئيسا لمحكمة العدل الدولية.
  • بتاريخ 10/03/1967 قام بأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة وزيارة قبر النبي في المدينة المنورة. وكان أثناء الحج ضيفا على الملك السعودي الراحل فيصل، وفتح له الملك فيصل أبواب الكعبة المشرفة!
  • قام في خدمة الإسلام والإنسانية بأعمال جليلة يحتاج تفصيلها لمجلدات، وأختصر بذكر القليل منها ليكوّن القارئ الكريم فكرةً عن السبيل الذي سلكه لإظهار الإسلام خدمة لبني البشر وهدايةً لهم. ومن تلكم الأعمال ترجمة القرآن المجيد إلى اللغة الإنجليزية، وترجمةُ ما يزيد على ألف وتسعمائة حديث مجموعة في كتاب “رياض الصالحين”، وترجمة كتب عديدة لسيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود . وألَّف كتبا شتى من أبرزها كتابه الشهير “محمد خاتم النبيين ” و”دعوة الإسلام” و”الإسلام وحقوق الإنسان” و”حقوق المرأة في الإسلام” و”سيرة الخليفة الأول” و”الخليفة الثاني” لسيدنا المهدي والمسيح، وكتابه “النجاة من الصليب” وغيرها من الكتب التي انتشرت في مختلف البلاد، ويعد بعضها مرجعا للدارسين والباحثين في العديد من المعاهد والجامعات.

كان يغتنم أوقات فراغه لإشاعة الإسلام ومبادئه السمحة بالمحاضرات في أماكن عديدة، من واشنطن إلى الجامعة الأمريكية في بيروت. وما زلتُ أحتفظ له بخبر نقلته جريدة محلية بأنه ألقى خطابا في 1/11/1954 بواشنطن أمام جمع من اليهود والنصارى، وكان موضوعه: “علاقة الإنسان بأخيه الإنسان والأخوة الإسلامية”.

كان عمره عند وفاة سيدنا أحمد خمسة عشر عاما، ولذلك يعد من أصحابه. ولقد وافاه الأجل في 1-9-1985 في لاهور، باكستان، رضي الله عنه وأرضاه.

وإليكم بعض الشهادات التي صدرت بحقه رضي الله عنه.

كتبت جريدة “الأهرام” القاهرية بتاريخ 27/06/1952 ما يلي:

مواقف يفخر بها الشرق

  1. “تحدث أحد ممثلي مصر في الجمعة العمومية لهيئة الأمم المتحدة عن موقف يفخر بها الشرق كله وقفها السيد محمد ظفر الله خان وزير خارجية الباكستان. ففي الجمعية العمومية للأمم المتحدة ألقى عن فلسطين الشهيدة خطبة استغرقت ثلاث ساعات كاملة لم يتناول خلالها جرعة ماء واحدة.. وأثبت قوة إيمانه بالدين الإسلامي وبالوطن العربي. ولقد بكى واستبكى.. وشهد له الجميع بأنه رجل عظيم، مسلم كريم، وطني صميم، سياسي حكيم، ومتمكن من اللغة الإنجليزية كأحد أبنائها من العلماء الأفذاذ”.

وأضافت الجريدة قولها استنادا إلى المعلومات التي تلقتها عن مصادر موثوقة الاطلاع: “ولعل صاحبنا السيد ظفر الله خان هو الشخص الوحيد من الشخصيات السياسية البارزة في العالم بالوقت الحاضر الذي لا يفارقه القرآن المجيد أبدًا! ويصلي خمس صلوات مستقبلا القبلة الشريفة تحت كل سماء وفوق كل أرض وفي جو السماء حيث تحمله الطائرات من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب! ولا يتأخر عن بيان فضائل الإسلام ومحاسنه بالقلم واللسان، والعمل بأحكامه حتى في قاعات هيئة الأمم المتحدة”

  1. قال عنه سعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية:
“ظفر الله خان رجل مسلم لم نشهد عليه إلا قولا حسنا وعملا حسنا. وقد أُوتيَ حظا كبيرا في الدفاع عن الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وله مواقف دولية مشهورة دفاعا عن الإسلام قدرها الناس، وشكره عليها المسلمون. وهو كذلك من أكفأ رجال الإسلام لتولي الشؤون العامة” (جريدة الأخبار القاهرية عدد 23/06/1952)
  1. كتبت جريدة “المصري” في عددها الصادر يوم 27/06/1952 ما يلي:

“إن ظفر الله خان أحد رجال الدولة الإسلامية القلائل في العصر الحديث بل هو في الصدارة منهم! فهو الرجل الذي درس السياسة، ولم يسلك سبيله فيها على قواعد سياسية نظرية، وإنما أخضع ثقافته السياسية لفكرة القرآن ولنظرة الإسلام في تكوين الدولة، وسار بمنهاجه العصري الفريد الذي يجمع بين آراء العصر ونظرة الإسلام.

وظفر الله خان هو الرجل الذي درس الاقتصاد ووازن مالية أمة كبيرة العدد، كبيرة الغايات والأغراض، قريبة عهد الانسلاخ من دولاب الاستعمار الاقتصادي، ولم يقم في تطبيقه للنظام الاقتصادي على علوم الاقتصاد المجردة، وإنما أخضع ثقافته الاقتصادية لتعاليم الإسلام، ونظرته الشاملة في بناء الدولة الإسلامية من حيث حقوق الأفراد وواجباتهم نحو الدولة وموازنة ذلك بحقوق الدولة وواجباتها نحو الأفراد”

  1. قال سعادة أحمد خشبه باشا:
“إن الخدمات التي أداها السيد ظفر الله خان للإسلام والمسلمين والتي لا تحصى، لا يمكن إلا أن تكون محل تقدير وإعجاب من الجميع” (جريدة “الزمان” عدد 25/06/1952)

لقد كانت عزة الإسلام وكرامته أغلى وأرفع هدف يتمناه في قلبه وعقله وذهنه، ويعمل من أجله طيلة أيام حياته، وفي كل مناسبة كان يواجه فيها أي انتقاد على الإسلام، كان باستطاعته إفحام المنتقد بما وهبه الله تعالى من علم ومعرفة للقرآن الكريم والسنة النبوية، وبأسلحة البراهين ا لساطعة والدلائل النيرة التي زودنا بها حضرة أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود على صدق الإسلام وطهارة تعاليم القرآن المجيد.

ولكن الانتقادات التي كان يواجهها من أتباع مختلف الديانات والملل ضد المسلمين ورؤسائهم وملوكهم بسبب سلوكهم المنافي لتعاليم القرآن، والذي وصل في بعض الحالات إلى الفسق والفجور السافر بلا خجل ولا حياء ولا تأنيب الضمير، ناهيك عن خشية الله التي لم يبق منها شيء في قلوبهم وتنشره وسائل الإعلام في العالم، فكانت تؤلمه وتوجعه، ولم يكن بوسعه إلا إسداء النصيحة والموعظة لمن أتيحت له فرصة الاجتماع بهم ومحادثتهم والدعاء من الله تعالى لهدايتهم.

هذه لمحة وجيزة وخاطفة ونبذة من حياة ذلك الإنسان المؤمن البار الذي تحلَّى بتقوى الله، وكان من عباده المخلصين. خدم الإسلام وأهله وقومه والإنسانية جمعاء بأمانة وإخلاص ووفاء. وأثبت بمواهبه وجرأته وتواضعه وبلاغته، صدقَ الإسلام وأفضليته وصلاحيته المثلى كسبيل وحيد يحتذى لخير وسعادة البشرية جمعاء وكقانون إلهي كاملا متكامل منفرد بكماله، يبدي تطبيقه الحقيقي عمليا بمعانيه “الأصلية السليمة”، إلى ما تنشده البشرية جمعاء، على اختلاف معتقداتها ونحلها وأقوامها وشعوبها من حرية وإخاء وأمن وسعادة ورخاء وعدل حازم وسلام ثابت دائم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك