تلك إذًا قِسمة ضيزى!

ربما كان فهمنا نحن المسلمين الأحمديين لمفهوم خاتم النبيين هو أشد ما أُسيء فهمه من قِبل معارضينا. ويمكننا أن نعلن جازمين أن فهمهم المغلوط لهذا المفهوم هو السبب الرئيسي للكارثة التي تحل بالأمة الإسلامية وإن كانوا عن ذلك لغافلين. فهم بسبب إصرارهم على أن خاتم النبيين تعني آخرهم فحسب، قد أوقعوا أنفسهم في مآزق عديدة وأساءوا إلى المصطفى ولبسوا على الناس دينهم وأوقعوهم في شرك خفي وظنوا أنهم مهتدون. وجعلوا الدين الحنيف عرضة للهجوم والانتقاد من أعدائه وجعلوه في موقف ضعيف بسبب إصرارهم على تلك العقائد الباطلة. ولا يمكن لعاقل أن يفهم سبب إصرارهم على تلك المعتقدات وتمسكهم بها وليس هنالك ما يدعمها من قرآن كريم أو حديث شريف، إلا أنهم قد ألفوا عليها آباءهم فهم على آثارهم مقتدون. فالقرآن الكريم هو الفرقان والكتاب المبين، وفيه يُفرق كل أمر حكيم. فطوبى لمن حكّمه ورضي بحكمه والخيبة والخسران لمن ارتضى بغيره حكمًا فمن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.

ونحن قبل أن نستعرض بإيجاز عسى أن يكون كافيًا شافيًا لطلاب الحق ومن شاء بعد ذلك أن يزداد علمًا ويتبين الصراط المستقيم، إنما ندعو من وصل إليه هذا المقال أن يتمهل ويوسع صدره ويتوجه إلى الله سائلاً إياه الهداية، وأن يخضع في حضرته القدسية وأن لا يكون من المستعجلين. فالحق لا يخفيه ستار ولا يحجبه حجاب. وندعوه أن يتفكر ويتدبر فالحق ليس حكرًا على أحد من العالمين. ولا كهنوت في الإسلام فالإسلام لكل المسلمين. ولا تستمعوا إلى ما يقول مشايخ زمان الانحطاط هذا إلى أن الفصل في أمور الدين يحتاج إلى دراسة ودرجات علمية. فأمور العقيدة واضحة جلية وقد جعله الله تعالى في مقدور جميع الناس لأن الإيمان إنما هو شأن كل نفس وكل امرىء بما كسب رهين. فإن قلتم ما يقولون فلستم بمفازة من العذاب إن كانوا مخطئين. وسيحملون أوزارهم وأوزارًا مع أوزارهم ممن يضلونهم من المسلمين. وكثير منهم لا يتعلمون إلا ما يلبسون به الحق بالباطل ويحرفون به الكلم عن موضعه ويقعدون بكل صراط يُودعون ويصدّون من آمن ويبغونها عوجًا وتلك هي سيرة المكذبين. بينما لو تركتم فطرتكم السليمة تفصل في هذه الأمور مستعينين بالله لما ضللتم ولهداكم الله إلى صراطه المستقيم. فاستعرضوا هذا الحديث وانظروا أي الأمرين أنفع لكم، ما ألفيتم عليه آباءكم، أم ما هو الحق والذي يهدي إلى صراط العزيز الحميد. وقدموا قول الله على كل قول إن كنتم بالله وآياته تؤمنون. ولا تتخذوا مشايخكم أربابًا من دون الله كما فعل النصارى بأحبارهم ورهبانهم، وانظروا كيف فسر المصطفى تلك العبادة لابن حاتم الطائي كما قرأتم وتقرؤون. فسيكون في مفهوم خاتم النبيين ما فيه شفاء لما في الصدور لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. واستعان بالله ولم يتبع كل شيطان مريد.

خاتم النبيين كما يراه أكثر المعارضين

يعتقد عامة المسلمين بأن سيدنا محمد المصطفى هو آخر الأنبياء لا نبي بعده. ويقرون بأفضليته على جميع الأنبياء السابقين. ولكنهم مع ذلك يعتقدون بأن للأنبياء السابقين بعض المزايا التي لم ينلها المصطفى فإبراهيم  كان الخليل ولم يكن المصطفى لله خليلاً. وموسى كان الكليم ولم يكلم الله رسوله تكليمًا. وأوتي سليمان مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وعُلّم منطق الطير والحشرات وسُخّر له الجن، ولم يكن ذلك للمصطفى، بل كان يذكِّر الجن بعهدها مع سليمان إذا رأى أفعى وظن أنها عفريت من الجان؟! وكان عيسى يحيي الموتى ويخلق الطيور بإذن الله، ويبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله، بينما لم يُقدّر للمصطفى أن يحيي بعوضة أو أن يخلق ذبابة. وعندهم المصطفى قد مات وعيسى حي في السماوات. وهم وإن كانوا يقرون بأن الدين عند الله الإسلام وأن المصطفى هو خير الأنام، إلا أنهم يفضلون عليه غيره بغير علم. ويفهمون نص

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب: 40)

على أنه تصريح بأنه النبي الأخير لا غير، ولا ذكر للفضل هنا ولا للخير. وكثير منهم ينكر المعاني الحقيقية لمعنى “الخاتم” التي تقر وتصرح بأفضليته على سائر الخلق والمرسلين. بل يظنون بأن كونه النبي الذي لن يبعث بعده نبي فإن في ذلك تفضيلاً عظيمًا. مع أن كون النبي في آخر السلسلة لا يعطيه الفضل بل في كثير من الأحيان يكون إيذانًا بزوال الفضل كما كان عيسى إيذانًا بانتقال النبوة إلى بني إسماعيل. كذلك كان تابعًا لشريعة موسى فلم ينقض الناموس بل جاء ليتمم كما هو مذكور بنص الإنجيل. وقد تعلمون أن إبراهيم كان أعظم الأنبياء قبل المصطفى ومع ذلك كان أبا الأنبياء وفي أول سلسلتهم. ويقر عامة المسلمين أنه بالرغم من أن الأنبياء بعثوا بعده إلا أن ذلك لم يكن فيه منقصة لمكانته بل كان تأكيدًا لعهد الله معه في نسله. كذلك فهم يعتقدون بأن الأنبياء السابقين كان لهم من القدرات والمعجزات ما لم يكن للمصطفى وبرروا ذلك بأن الظروف في أزمنة هؤلاء الأنبياء كانت مختلفة وكان الناس بحاجة إلى معجزات حسيّة لكي يؤمنوا، بينما كان يكفي العرب بلاغة القرآن الكريم. فموسى أُعطي عصا تتحول إلى أفعى وتشق البحر وتفلق الصخر وتفجر الأنهار والينابيع وكلّمه الله تعالى وكان الكليم. وداود ألان الله له الحديد وجعله بين يديه كالعجين، وأرسل الجبال معه يسبحان بحمد الله. ولسليمان أرسل الله معه الرياح والطير، وسخر له من الجن كل بناء وغواص وجعل له ملكا لا ينبغي للمصطفى، وأعطاه سلطة على الحشرات وهوام الأرض واستمع إلى بلاغة النملة التي خطبت في معشر النمل تحذرهم منه ومن جنوده. كل ذلك لأن الزمن كان يحتاج هذا الأمر بينما لا يحتاجه زمن المصطفى الذي حمل إلى العرب الأميين كتابا مبينًا وكلاما بليغا لكي يكون أفضل من شعرهم الذي ظلوا عليه عاكفين، ويكون ذلك حجة عليهم فيأتوه مهرولين. وكان عيسى عندهم يتكلم في المهد ولم يمسسه الشيطان هو وأمه من دون العالمين. وأعطاه الله القدرة على إحياء الموتى وخلق الطيور من الطين. كل ذلك بإذن الله بينما لم يأذن بذلك للمصطفى لأن إحياء الموتى وخلق الطيور لا ينفع العرب بل ينفعهم الكلام البليغ. ثم بعد ذلك عندما حاول اليهود والرومان إلحاق الأذى بعيسى رفعه الله إلى السماء ومنع عنه الأذى واحتفظ به حتى يعود في آخر الزمان لإصلاح حال الأمة الإسلامية، بينما تعرض المصطفى للأذى وأُثخن بالجراح في مناسبات عدة، ثم لم يرفعه الله إلى السماء بل أماته ودفن بالمدينة المنورة، والمسيح حي في السماء حتى هذا الحين. فأي فضل للمصطفى على الأنبياء ولم يعط معجزات ولم يتحصل على قدراتهم؟!، نبئوني بعلم إن كنتم صادقين. والأسف كل الأسف أنهم جعلوا القرآن الكريم سببًا لضلالهم ففهموا بأفئدتهم السقيمة وأحلامهم المريضة ما ينال مقام المصطفى ويضرب القرآن بعضه ببعض وما كانوا من المتدبرين. وكان القرآن عليهم عمىً وهو الكتاب الذي لا ريب فيه هدىً للمتقين.

خاتم النبيين كما نراه نحن المسلمين الأحمديين

بينما لو نظروا إلى ما بأيدينا وإلى فهمنا لوجدوا أننا نقدر النبي الكريم حق قدره ونجعله في مقام لا يبلغه أحد من الأولين والآخرين. فهو صاحب الشريعة الكاملة التامة والكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يمكن أن يُنقص منه حرف أو يُزاد إليه حرف، ومن يفعل ذلك فأؤلئك ليسوا من المسلمين. وهو سيد الأنبياء والمرسلين لم ينل أحد مقامه ولم يتحصل أحد على فضله. ولقد نال أضعاف ما ناله غيره من المرسلين من المعجزات والآيات. وهو الذي تلقى كلمات الله التامات اللواتي حُفظن بنص اختاره الله وحفظه إلى يوم الدين. لم يختلط كلام الله عنده بقول البشر فكان كمعين صاف يروي عطش العطاشى والصادين. ولقد أوتي من الآيات ما لم يجتمع لنبي قبله من الأنبياء السابقين. وتجلى الله في زمانه تجليًّا عظيمًا لم تشهد الدنيا له مثيلاً. فلقد أوتي عصا سلطان دنيوي وديني ما سبقه إليه أحد من العالمين. فأين عصا موسى من هذه العصا. لقد اعترف بفضله ونقائه وصفائه الأعداء كما الأحبة والأصدقاء. وما علم أحد عليه من سوء وما كان من المتهمين. ولقد جعل له ملك لا ينبغي لأحد من بعده من العالمين. بينما لم ينبغي لبني إسرائيل ملك أكبر من ملك سليمان . وشتان بين دولة سليمان وبين دولة امتدت من بحر الصين إلى محيط الظلمات. وشتان بين من أسر الجن وبين من أتته الجن طائعين مؤمنين فصدقوا بكلمات ربهم ورسله وجعل الله منهم أممًا من المسلمين. وارجعوا إلى ما نقول في الجن ولا تظنوهم من غير الناس وتحسبوهم مخلوقات أخرى، فاستمعوا حديثنا ولا تعجلوا علينا. واعلموا أن ملك المصطفى ما زال يمتد حتى يحيط رعبه بالأرض كلها. فيرتعب الأشرار وأعداء النور وتكسو الأرض حلل من السرور والحبور. وما زال أمر دين المصطفى ينتظر هذا اليوم العظيم يوم ظهور الدين على الدين كله ولو كره الكافرون.

أما إحياء الموتى فإن كان عيسى قد أحيا بعض الموتى فقد أحيا المصطفى وما زال يحيي من الناس ملايين الملايين، فتدبروا في القرآن في آيات الإحياء لعلكم تكونوا من المهتدين. وإن كان الله تعالى لم يقدِّر لأحد أن يبقى خالدًا إلى الأبد إلا أنه جعل المصطفى حيًّا إلى أبد الآبدين. وجعل له نسلاً في كل الأمم من متبعيه حتى يرث الأرض ومن عليها وجعل المسلمين في ذلك من المتنافسين.

وأما خلق الطير من الطين فلقد خلق المصطفى من الطين طيورًا من الربانيين الروحانيين حيث شكلهم ونفخ فيهم من روح الله فأصبحوا طيورًا تحلق في فضاء الروحانية تسر الناظرين. وعيسى هو ميت كما مات المصطفى ومن خلا من النبيين. وما كان لبشر من قبل المصطفى ولا من بعده الخلد أفئن مات المصطفى فمن ذا الذي يكون من دونه من الخالدين؟! . لسنا هنا في معرض سوق الحجج فقد ذكرنا ذلك في مواضع كثيرة وهي متوفرة للسائلين. ولكننا هنا في معرض مقارنة ما نقول وما يقولون. آثرنا أن نخاطب عقولكم وقلوبكم وأن لا ننغمس في الجدال قبل أن نعلم ما الذي نريده من الإصرار على موقف ليس في مصلحة الدين. وليكون في ذلك بيانًا للذين عن الحق يبحثون. وللذين على كرامة المصطفى يغارون. ولا يقبلون أن يكون نبيهم دون غيره وقد فضَّله الله على العالمين. وينبغي على الذين هم على دينهم يحرصون، أن يجتهدوا في الدفاع عمَّا نقول لا أن يحاولوا دحضه لأن فيه نجاة لهم وفيه قوة أمام المعتدين. أما إبطال ما نقول فإنما هو في مصلحة أعداء الإسلام، فهل إلى صف أعداء دينكم تقفون؟!. وما جئنا بحديث مفترىً ولكن تصديق القرآن الكريم وارتكازًا عليه. واعلموا أن ما فهمتهم إنما فهمتموه من تناولكم للقرآن بشكل سطحي ففهمتم ما لا يقوله الذكر الحكيم. بينما إن قبلتم ما جئناكم به من كل الوجوه فستجدونه كمفازة أُحكم خرزها. فليس تقطر ولا تمطر يا معشر المسلمين. فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، وخذوا ما ينفعكم ولا تعرضوا عنه تعصبًا وتكونوا كالعمين.

ما يخلقه فهمهم من إشكاليات

واعلموا أن فهمكم هذا يخلق الكثير من الإشكاليات ويوقع الدين والاعتقاد في الشكوك والشبهات. فأكبر هذه الإشكاليات مسألة المسيح . وما لحق به من شبهة وظلم وجور وافتراءات. فلم يحدث قط أن حدثت شبهة حول نبي من الأنبياء كما حدث حول عيسى . فقد ولد بغير أب من أم فاضلة صدِّيقة في قوم قست قلوبهم وغُلِّفت عقولهم. فما كان لهم يصدقوا هذه الولادة البتولية المريمية فافتروا على مريم بهتانًا وإثمًا مبينًا. ثم ما لبث هذا المولود إلا أن أعلن أنه ملك اليهود الذي بُشِّر به على لسان داود، فجن جنونهم وحملوه إلى الرومان لكي يحاكم بتهمة الثورة والعصيان. ثم رأوه معلّقًا على الصليب وظنوا أنه قد مات ملعونًا مطرودًا من رحمة الله. وظنوا بأن حكم التوراة بقتل المتنبئ الكذاب قد تحقق عليه، فاطمأنت قلوبهم وهدأت نفوسهم، وما زالوا حتى اليوم ظهور ملك اليهود ينتظرون. وضاعت منهم فرصة أن يُرحَموا باتباعهم له وأن يعودوا إلى مجدهم المفقود. فكان عيسى عند اليهود مشكوكًا في مولده ملعونًا في وفاته، وكان عند النصارى هو الذبيح الذي لُعن ليفتدي البشر من خطأ أبيهم. فلم يتضح أمره ولم ينكشف سره ولم يُطَّهر إلا على يد سيده وإمامه المصطفى خاتم النبيين. فأظهر المصطفى للعالم طهارة السيدة مريم وصحة المولد دون أن يمسها بشر. ثم رَفَع المصطفى المسيح بأن بيّن بأن الله قد طهّره من الميتة الملعونة على الصليب، فلم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن شبِّه لهم فهم في شك وما هم إلا يظنون. وذَكَر القرآن الكريم في بضع آيات وفاته وموته بعد أن آواه الله هو وأمه إلى ربوة ذات قرار ومعين. ولقد اتخذ النصارى هذا النبي الكريم إلهًا فجعلوه الله وابن الله، فكان لا بد من تطهير هذا الأمر وإظهاره للعالم وإبطاله عندما يأذن الله. وذلك عندما يغلب عبدةُ عيسى ويكونون ظاهرين في الأرض، وعندما يطوفونها من أقصاها إلى أقصاها ويعيثون فيها الفساد. فكان إبطال موته على صليب كافيًا لتحطيم الصليب وتهشيمه، وكسر العقيدة المبنية عليه وذوبانها كما يذوب الملح في الماء.

والأسف كل الأسف أنه ما كان من عامة مشايخ المسلمين إلا أن اعتقدوا بما يدعم عقيدة المتنصرين، وجعلوا من نبيهم وكتابهم الكريم عرضة لهجوم تلك الذئاب المفترسين. فاستند هؤلاء الأشرار إلى القرآن في ضرب القرآن ورسول الإسلام، وحاوروا من استطاعوا من المسلمين بهذا الكلام، فقالوا متسائلين: هل تعلمون أين نبيكم الآن يا معشر المسلمين؟. فما كان من المسلمين إلا أن يجيبوا أنه متوفىً ومدفون بالمدينة المنورة في روضته الشريفة. فعندئذ بادروا قائلين: هل تعلمون أين عيسى ؟. فيقولون هو حي وقد رفعه الله تعالى إلى السماء بنص القرآن، ويسوقون الآيات التي لم يفهموها والتي يرددونها بنص صحيح وفهم سقيم. فيرد النصارى قائلين: ألا تقرأون في كتابكم

أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً (الإسراء:94)

فيقولون: بلا. فيقولون: ألا تقول هذه الآية أن البشر والرسول لا يرقون إلى السماء ولا يستطيعون. فيحاول المشايخ ومن تبعهم مرة أخرى تحريف الكلم عن مواضعه ويقولون: لا، إن هذه الآية تعني عدم قدرة الرسول أن يتخذ هذا القرار، فهو مأمور من الله وليس بيده حق الاختيار، أما الرفع إلى السماء فقد حدث للمصطفى ليلة المعراج والتقى هنالك بعيسى في السماء الثانية كما التقى بغيره من الأنبياء. فيقول الأعداء عندئذٍ: ألا ترون أن نبيكم قد رفع بضع ساعات بينما تجدون المسيح مرفوعًا منذ ألفي عام، هل يستوي هذا المقام وذلك المقام؟. فسيقولون: إن ذلك من تقدير العزيز العليم الذي هو على كل شيء قدير. فسيقول الأعداء: ألا ترون، والمسيح حي ونبيكم ميت، أن كتابكم قد صرح

وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ (فاطر: 22)،

وصرح

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (الأنبياء: 34).

فحياة عيسى وموت نبيكم أقل تقدير تعطي الفضل للمسيح عليه بدرجات، وبالإضافة إلى أن الآيات تؤكد أن عيسى ليس ببشر لأن كل البشر قد ماتوا من قبل نبيكم فما قولكم؟!. فهل يملك من يعتقد تلك العقائد جوابًا أمام هؤلاء المتنصرين. ألا ترون أن الله قد جعل للذين كفروا سلطانًا عليكم من أفهامكم السقيمة وتأويلاتكم العقيمة.

وماذا لو استرسل المتنصرون وقالوا: هل أحيا نبيكم ميتًا أم هل خلق من الطين طيرًا؟. فلا بد لهم أن يجيبوا بكلا، فما كان ذلك في سيرة المصطفى. فعندئذ سيسألون: هل أحيا عيسى أمواتًا أم هل خلق طيرًا؟. فسيقولون مرددين آيات الذكر الحكيم: نعم لقد قام بذلك كما يقول القرآن الكريم ولكن كان ذلك بإذن الله. فسيقول المتنصرون: ألا ترون أن الذي يهب الحياة ويحي الموتى هو الله أو ابنه الذي هو منه ومن ذاته وصفاته. وألا ترون أن الله هو الخلاق المصور. ألا ترضون بحكم كتابكم الذي يقول

أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ .

ولماذا لم يأذن الله لنبيكم أن يفعل هذا إن هو خير النبيين؟! فماذا عساكم عند ذلك تفعلون؟.. أترضون يا إخواننا المسلمين أن يموت نبينا ويحيا عيسى في السماء. أترفضون تأويلنا للآيات وتظنون أننا نحن المسلمين الأحمديين ننكر المعجزات وتقبلون أن تنال عقيدتكم هذه الإهانات. من أجل ماذا تصرون على ما تعتقدون؟. أتريدون أن يحيا عيسى ويموت هذا الدين المتين. فلا تعجلوا وتحسبوا أن ما نقول إنما هو تحميل للكلمات معاني لا تحتملها، بل اعلموا بأنه هو التأويل الصحيح والصريح. وما تعتقدون بأنه تأويل مباشر واضح كل الوضوح وتبنون عليه عقائد ما أنزل الله بها من سلطان، فما هو إلا ضرب من الهذيان. فلا حياة لعيسى في السماء إلى هذا الزمن في القرآن، ولا ذكر للرفع إلى السماء، ولا تجدون كلمة “السماء” أبدًا فيما يخص هذا البيان. وما ذُكرت وفاة رسول كما ذكرت وفاة المسيح بالتصريح لا بالتلميح. فلا تحرفوا الكلم عن مواضعه ولا تكونوا أول المنكرين.

وحول المعجزات التي تذكرونها وتقصونها على الناس، فاعلموا أن القرآن الكريم ما سماها بالمعجزات وإنما سماها الآيات. وفي ذلك تذكرة لأولي الألباب والحصاة. فهي أمور عظيمة لم تخرق السنن التي أوجدها الله ولن تجدوا لها تحويلاً ولا تبديلاً. وما ظهرت آيات على وجه الأرض أعظم من آيات المصطفى . فهل ترون في آياته شيئًا من الخرافات أم سننًا معروفة سيّرها الله ورعاها وسخّرها لنصره ولظهور دينه. واعلموا أن آيات الأنبياء السابقين لم تكن واضحة وضوح الشمس إذن لآمن كل من رأوها ولم يجدوا من دون التصديق محيصًا. ولكن واقع الحال يظهر أن تلك المعجزات لم تنفع معهم بل بادروا إلى التكذيب. ألا ترون أن أعظم المعجزات التي تعتقدون بها كانت مع عيسى ومع ذلك لم يؤمن به سوى اثني عشر رجلاً من بني إسرائيل. أفئن كان قد أحيا الموتى فهل بعد إحياء الموتى من برهان على صدقه أو دليل. ألم يسأل أحد في ذلك الزمان هؤلاء الموتى الذين أُعيدوا إلى الحياة هل هذا النبي صادق أم هل هو من المفترين؟. وهل معجزة خلق الطيور التي تعتقدون بها هي أمر غير كاف لتصبح لها رقاب الخلق خاضعين. ألم تكن الأسراب التي خلقها كافية كي تظهر صدق دعواه في جو السماء.

يا معشر المسلمين اقبلوا تأويلنا كي يحيا دينكم الذي قتلتموه بالأباطيل. وساعدتم أعداءكم في الكر عليه والإجهاز عليه بفهمكم القليل. ولا تخافوا على القرآن فهو محفوظ من الرحمن. ونحن لا ننكر حرفًا منه ولا نعتقد بنسخ شيء منه كما تعتقدون. فخافوا على أنفسكم من أفهامكم ولا تحسبوا الله غافلاً عما تفعلون. فقوموا مسرعين بذبح هذه العقائد الفاسدة تحت أقدام نبيكم المصطفى وتعالوا إليه معتذرين. ولا تخافوا على مقامات الأنبياء السابقين فسيدكم وسيدهم قد صانها وكان عنهم خير المدافعين. ولا ضير في فهمنا لمعجزاتهم بل إن في ذلك تكريمًا لهم في نظر مَنْ كان في ذلك من المتدبرين. فنحن نجلُّهم ونحترمهم ونصدق بهم أجمعين. ولا نقبل الإساءة إليهم ولعنة الله على من كان في ذلك من الراغبين.

من فيوض الخاتمية النبوية الشريفة

يا معشر المسلمين، إن من فيوض خاتمية النبوة أن المصطفى قد جعلكم ورثة فضل الأمم والرسالات والنبيين أجمعين. فلقد جُمعت في شخصه فضائل الأنبياء وقدراتهم كلهم وانضووا جميعًا تحت لوائه. وأنتم إلى يوم القيامة مؤهلون لتكونوا كمثلهم تحت قيادة المصطفى ومن أصفيائه. هو الذي جعل الله العهد في آله إلى يوم الدين وفتح الباب لكم لتكونوا من آله إن كنتم في ذلك من الراغبين. وإن غفلتم عن ذلك فما الذي تسألونه الله في كل صلاة في سورة الفاتحة عندما تقولون

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ؟!.

وما هي تلك النعمة إن كنتم لذلك من الواعين. وماذا تسألون الله في الصلاة الإبراهيمية عندما تسألون الله أن يجعل الصلاة والبركة في آل محمد كما كانت في آل الخليل إبراهيم. ما هي تلك الصلاة وتلك البركة غير النبوة والكتاب اللذين كانا في آله من بني اسماعيل وبني اسحق. أتتوجهون إلى الصلاة وتسألون ما لا تعلمون؟!. ومَن هم آل محمد الذي لم يكن أبا أحد من رجالكم ولكنه كان رسول الله وخاتم النبيين. أليس آله هم الأبرار من المؤمنين المتقين من الناس كافة ممن هم له من المتبعين. ومن أجل ذلك لم يشأ الله أن يحيا من نسل من صلبه ويعمرون. إذن لكانوا هم الأنبياء فحسب والصدّيقون، ومن أجل ذلك قال المصطفى وهو يواري ابنه إبراهيم الثرى: “لو عاش لكان صدّيقًا نبيًّا”. لذا فقد قضى الله أن لا يكون المصطفى أبا أحد من المسلمين بل أراد أن يكون أبًا للمؤمنين إلى يوم الدين، من العرب والعجم والناس أجمعين.

فسابِقوا كي تكونوا من آله ويتحقق الوعد بكم وفيكم. فالنبي هو أبوكم وأولى بكم من أنفسكم وأزواجه أمهاتكم يا معشر المؤمنين. وأعلموا أن صلاتكم لا تراوح أفواهكم إذا كان الدعاء الأسمى والهدف الأعظم منها قد غادرها. فأي صلاة لمن لم يعتقد بأن المصطفى هو خاتم النبيين. وأي صلاة لمن غفل عن أعظم دعاء فيها.

يا أيها الناس هذه بعض من فيوض المصطفى ومن علوم خاتم خلفائه وسيد أولياء أمته الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام. تعالوا إليه وبايعوه ولو حبوًا على الثلج، وغُبُّوا من معين المصطفى النقي الصافي الذي لم يعكر، واتركوا سواقيكم الملوثة وآباركم الآسنة. تعالوا لتحطّموا الأوثانَ، فقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا. سارعوا إلى ما فيه خيركم وتعالوا لله خاضعين مستكينين مستغفرين. عسى ربكم أن يرحمكم ويرفع عنكم عذابكم وأذى المعتدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك