الكفر ملة واحدة

لما وُجدت إسرائيل بعد تمزيق فلسطين في سنة 1948م نتيجة للمؤامرات الدولية التي لعبت فيها بعض الدول الكبرى دورا رئيسيا، أدرك حضرة الحاج مرزا بشير الدين محمود أحمد إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية عندئذ ببصيرته النافذة، أن هذه الأوضاع ستدفع الإسلام والتراث الإسلامي المجيد إلى أعظم الويلات والدمار، فلم يلبث حضرته أن كتب مقالا هاما للفت أنظار العالم الإسلامي إلى تلك العواقب الوخيمة، وقد تُرجم ووُزّع المقال على نطاق واسع عندئذ. نقدم إلى القراء الكرام مرة أخرى ترجمة ملخصة لذلك المقال التاريخي الذي لم تنتبه إليه القيادات الإسلامية حينها، مما عرض البلاد الإسلامية في الشرق الأوسط لمحنٍ مستمرة إلى اليوم، عسى أن تصحوا القيادات الإسلامية من غفوتها، فلا تضع أيديها في أيدي الأعداء.              (المحرر)

إن الأيام التي أنبيء عنها في القرآن المبين والأحاديث النبوية منذ مئات السنين، والأيام التي أخبر بها في التوراة والإنجيل، والأيام التي قيل عنها بأنها تكون عصيبة، وذات شدة وعناء وحيرة للمسلمين، يظهر أنها قد اقتربت حيث بدأ اليهود يستعمرون بفلسطين مرة أخرى.

إن قضية فلسطين تهم العالم الإسلامي كله، إن فلسطين على مقربة من الأرض المقدسة التي فيها مرقد سيدنا ومولانا محمد المصطفى ، الذي كانت اليهود تخالفه في حياته وتُعارضه في أعماله بكل وقاحة، مع أنهم لم يرو منه إلا البر والخير والإحسان.

إن الحروب التي نشبت بينه وبين العرب أكثرها كانت بإغراء اليهود وتحريضهم. وهم الذين كانوا استثاروا كسرى على قتل سيدنا محمد ، ولكن الله خيبهم في مكرهم وسود وجوههم. ولا ريب أن اليهود لتحريضهم كسرى على قتله أبدوا ما حملوا ضده من حقد وعداوة.

إن القيادة في غزوة الأحزاب أيضا كانت بأيدي اليهود، تلك الحرب التي لم تجتمع العرب من قبل كما اجتمعت فيها. إن حشد هذا الجند العظيم والجيش العرمرم حول المدينة المنورة لم يكن إلا من أعمال اليهود المطرودين منها. إن العرب كما نعلم لم تكن عندهم قوة إدارية كهذه فاليهود، بلا شك، ما قصروا في مكرهم، ولكن الله خيبهم في تلك المرة أيضا.

ولا يخفى أن أعداء النبي في الحقيقة كان معظمهم من كفار مكة، لكنهم لم يسعوا أبدا لقتله غيلةً كما فعلت اليهود. لما ذهب رسول الله إلى الطائف رافضا، حسب القانون الرائج، جميع الحقوق المدنية في مكة، ثم أراد الرجوع إليها، تقدم عندئذ لنصرته ألد أعدائه من كفار مكة، وأعلن أنه يعطي محمد الأمان بمكة. ثم دخلها برفقة خمسة من أبنائه الذين قال لهم: إن محمد رغم كونه من أعدائنا، لكن المروءة العربية تأبى إلا أن نمنحه الأمان، ما دام يريد منا أن يدخل هذا البلد وبنصرتنا. وإننا إن لم نلبي طلبه لا تبقى لنا عزة بعد هذا اليوم. وكان أوصى أبنائه كل واحد منهم بالدفاع عنه إذا أراد أحد من أعدائه الهجوم عليه، وأن لا يدعو عدوه يصل إليه إلا أن يموتوا دونه.

هذا هو العدو الكريم من العرب. وإزاء هذا نرى أن اليهود الأشقياء، الذين يقول الله تعالى عنهم في القرآن المجيد أنهم أشد عداوة للذين آمنوا، دعوا رسول الله مرة إلى بيتهم بحجة الصلح والموادعة، ناوين اغتياله بإلقاء حجر الرحى من فوق سقف البيت على حين غرة منه. ولكن الله أعلمه بخطتهم هذه بوحي منه، فرجع سالما.

وكذلك دعته مرة امرأة يهودية إلى مأدبة، وقدمت إليه طعاما مسموما، لكن الله حفظه من مكرها أيضا. وهكذا بدا من اليهود ما كانت تكن صدورهم من الضغائن.

فهذا هو العدو اللدود الذي يريد أن يرفع رأسه الآن بصورة حكومة قوية على مقربة من المدينة المنورة، ربما بنيته التقدم نحوها ومهاجمتها بعد أن ترسخ أقدامه في فلسطين. إذا كان هناك مسلم يرى غير هذا ويظن أن الدواعي لتحقيق هذا الخطر غير قوية، فلا شك أن آفته هو الفهم السقيم. أما العرب فتفهم هذه الحقيقة جيدا وتعلم أن الصهيونية مزمعة على إجلائهم من وطنهم، ولذلك إنهم قاموا ضد الصهاينة كرجل واحد.

إن قضية فلسطين ليست بقضية عربية فقط، بل إنها قضية عالمية تهم العالم الإسلامي كله. إنها ليست قضية فلسطين فحسب، بل هي قضية المدينة المنورة. ولا تهمنا القدس فقط، بل تهمنا مكة المكرمة. هذه القضية ليست قضية زيد أو بكر، بل قضية عزة محمد وشرفه.

ألا ترون أن الأعداء مع شدة العداوة وكثرة الخلافات الداخلية قد وحدوا صفوفهم ضد الإسلام متفقين. فهلا لا يتحد المسلمون، ووجوه الاتحاد بينهم كثيرة، في هذه الآونة العصيبة؟

فحان لنا أن نفكر ونحكم أنفسنا: هل يليق بنا أن نموت متفرقين جماعة بعد جماعة، أم يجدر بنا أن نكون يدًا واحدة، ونبذل كل جهدنا للفتح متكاتفين مجتمعين.

أرى أن الوقت ينادي المسلمين بأعلى صوته أن يُبَيِّتُوا رأيهم ويعزموا على أنهم إما يموتون مجاهدين في سبيل نيل حقوقهم، أو يستأصلون الدسائس ضد الإسلام كل الاستئصال.

لا شك أن اليهود اليوم أقوى من العرب في القوات الجوية، ولكني أرى أن المسلمين في الزمن الحاضر أيضا قد بلغوا من العدد حيث أنهم لو قاموا ضد أعدائهم غير خائفين الموت ولا وجلين منه، فلا يمكن أن يهلكهم ويستأصل شأفتهم. ولو نصروا العرب بالأموال والأنفس فسوف تنتهي فتنة اليهود، إن شاء الله.

إن هذه الأيام أيام الضحايا إذا كان مسلمو باكستان يريدون أن يعملوا شيئا فعليهم أن يقترحوا على حكومتهم أن تأخذ على الأقل واحدًا بالمائة من أموالهم في الوقت الحاضر. وبهذه الطريقة يمكن لباكستان جمع ألف مليون روبية. وبهذا القدر من المال يمكن حل أزمات الإسلام الحاضرة إلى حد لا يستهان به. وإذا سلكت مسلكها الممالك الإسلامية الأخرى واتخذتها أسوة، وقدمت بدورها مثل تضحيتها، يبلغ المجموع من المال نحو خمسة أو ستة آلاف مليون من الروبيات. ويمكن بها شراء الأسلحة والمعدات الحربية لفلسطين، على الرغم من مخالفة الدول الأوروبية.

ها إني أذكِّر المسلمين وأنبههم كي يعرفوا خطورة الموقف وشدة الخطب، ويعلموا أنه قد ظهر صدق ما قال النبي بكل جلاء. لقد قام الصهاينة قومة رجل واحد لمحو عظمة الإسلام وشوكته. إن الأمم الأوروبية كانت من قبل تصول على الإسلام متفرقة أمة بعد أمة، وأما اليوم فقد هاجمت المسلمين في عقر دراهم. فهلموا أيها المسلمون، ندفع عنا شرهم متحدين. هلموا نقاومهم جميعا. فإذا لا يوجد خلاف بيننا في هذه القضية التي نحن متفقون عليها. إن القرآن المجيد يدعو للاتحاد حتى مع اليهود في المسائل المتفق عليها بقوله:

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ .

فالقرآن المجيد يدعو اليهود للاتحاد مع وجود الاختلافات الدينية. ألم يأنِ للمسلمين، سواء كانوا من باكستان أو أفغانستان أو إيران أو ماليزيا أو أندونيسيا أو أفريقيا أو تركيا أو غيرها من البلاد الإسلامية أن يوحدوا صفوفهم وكلمتهم، وهم ينظرون إلى أن الفأس قد وُضعت على جذور الإسلام، وأن المقامات المقدسة قد تعرضت للأخطار. ألم يأن لهم أن يقوموا كلهم مع العرب ويدفعوا الحملات الشعواء التي يريد بها العدو دحض قوة المسلمين وكسر شوكتهم وجعلهم أجلاء مهانين؟؟؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك