أحمدية أم قاديانية.. إسلام أم رِدة؟(2)

أحمدية أم قاديانية.. إسلام أم رِدة؟(2)

مصداقيّة المنشورات المضادّة للأحمديّة

الفصل الثاني

شواهد خاطئة، وأخرى خارج سياقها

وثمّة جانبٌ ثانٍ يُثير الاشمئزاز في معظم المنشورات المضادّة للأحمديّة. ذلك هو تماديهم في الخداع والغشّ.. إما بإيراد شواهد خاطئة من المنشورات الأحمديّة، أو بعزل عبارات عن سياقها ثم عرضها بحيث تُعطي معنىً مخالفًا لما أراده الكُتَّاب الأحمديون.

ومرةً أخرى أقول أننا لا نستطيع هنا حصر كل أخطائهم في الاقتباس أو ابتعادهم عن سياق النصوص لأنّ ذلك يتطلّب نشرَ كمٍّ هائل من المنشورات المضادة للأحمديّة. ولكن سوف نختار نماذج قليلة نعرض بها أسلوبهم البارع في التلاعب مع المنشورات الأحمديّة.

نبيّ الإسلام الكريم

عندما يرِدُ ذكر سيدنا وحبيبنا محمد المصطفى فإنّه يُثير في نفوس المسلمين أحاسيس الحبّ والإعجاب بقدرٍ لا يُعرف بالنسبة لأي زعيمٍ آخر. إنَّ سيدنا ونبيّنا المحبوب -فدىً له أرواحنا- كان مثلاً أعلى وأسوةً طيّبة1 لبني البشر جميعًا2 يوحد العالَم3 وينوِّر الإنسانيّة4. كان محبوب الله تعالى، وحَظِيَ بأسمى مراتب القُرب منه جلّ وعلا5. كان حضرته فخر الأنبياء6 والأب الروحي للجنس البشري كله7. عهد الله إليه وحده بعبءِ الشريعة الإلهيّة التي أبت الخليقة كلها أن تحمله8.

وبه وحده قدَّر الله تعالى إحياء بني البشر9.

لا يجرؤ مسلم يستحقُّ الانتساب إلى الإسلام أن يذكر سيدنا وحبيبنا محمد المصطفى بعباراتٍ تُقلِّل من مقامه المبارك، ولا يستطيع مسلمٌ أبدًا أن يُطيق إهانة تمسُّ منزلته المقدَّسة.

احترام النبي الكريم

ولقد حفظت لنا كتب سيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني ما يحمله قلبه من إعزاز وإجلال واحترام لنبي الإسلام الكريم. لقد آمن حضرته بأنّه جاء في هذا العالَم الملايين من ذوي الفطرة النقيّة الطاهرة، وسيأتي المزيد منهم في المستقبل.. بيْدَ أنّ الأفضل والأسمى بين رجال الله كلهم هو الذي كان اسمه محمداً10. وأعلن “لا يمكن لإنسان أن ينال المنزلة الموهوبة للنبي الكريم”11 وأنّ الأنبياء السابقين لم يُشاركوا في الامتيازات بالقدْرِ الذي حظيَ به المصطفى، ولا تستطيع الملائكة أن تدَّعي مساواةً معه12. وأكّد أنّه لا يمكن لأحد أن يصل إلى منزلة المحبّة والقبول عند الله تعالى.. وأن يكون أثيرًا إليه بدون طاعة النبي الكريم 13. وأنّ السير في ظلّه عشرة أيام فقط تزوِّد المرء بنورٍ ما كان ليناله قبل محمد في ألف عام14.

وفي إحدى مراتِ تكريمه لذكرى حبيبه وسيد المصطفى صرَّح مرزا غلام أحمد قائلاً:

“النور الأسمى الذي وُهِبَ للإنسان الكامل لم يُعطَ للنجوم أو القمر، ولم يُمنح للشمس أو البحار والأنهار، ولم يُعطَ للجواهر أو الأحجار الكريمة، بل بإيجاز  نقول أنّه لم يوهب لأيِّ شيءٍ أرضي أو سماويّ. وإنّما وُهب فقط للإنسان الكامل الذي كان مثاله الأسمى والأعلى والأكمل في سيدنا وإمامنا، سيد الخلق محمد المصطفى 15

   وكانت عقيدة حضرة مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية أنّ “من يدَّعي الإيمان بوحدانيّة الله دون اتِّباعٍ للنبي الكريم فإنّما يُمسك بعظمة جافة لا دسم فيها”16 وأكّد امتياز النبي الأكرم على سائر الأنبياء17 مُعلنًا:

  “لم يخلق الله إلهًا مثلَهُ، ولكنه خَلَقَ نموذجًا لوجودِه مُنقَطِع النَّظير.. إذ خلع على أحد مخلوقاته انعكاسًا لصفاته الربَّانيّة. لقد كان نبيُّ الإسلام انعِكاسًا لله تعالى أظهر فيه صفاته الربَّانيّة بدرجةٍ كاملة”18.

  كان حبُّ سيدنا مرزا غلام أحمد للنبيّ محمد المصطفى بالغ الشدّة حتى أنّه كان مستعدًا لقبول لعنة الكفر كما في قوله:

ثَمِلتُ بعدَ حُبِّ اللهِ في حُبِّ مُحمَّدٍفإنْ كانَ ذَا كُفرًا فَأنا أوّلُ كافرٍ

مزاعم الأفضليّة

من مهازل خصوم سيدنا مرزا غلام أحمد -بالرغم من مشاعره العميقة ومحبّته التي لا تُحدّ- أنّهم يزعمون -والعياذ بالله- أنّه “لوَّث شرف النبي وحقَّر كرامته بادِّعاء أفضلية عليه”19.

كَبُرتْ كلمةً تخرُجُ من أفواهِهِم!. هذا الزعم الباطل العاطل من أي أساس.. يروِّجونه بناء على قواعد مختلَقَة.. بأنّ مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية قال: «لقد كان للنبي 2000 معجزة فقط ولكن معجزاتي تربو على المليون”20. ويقول مروِّجو هذا الزعم الباطل بأنّه من ص41 في كتاب تذكرة الشهادتين لسيدنا غلام أحمد.21

ومن المثير حقًّا أنّ سيدنا أحمد لم يُشر حتى إشارة عابرة إلى معجزات النبي الأكرم في ص41 من هذا الكتاب، ولا توجد أي مقارنة مثل هذه في هذا الكتاب أو غيره. والعبارة الوحيدة الموجودة في ص41 من تذكرة الشهادتين هي:

«هل يمكن أن يُرمى بالكذب من كانت له حتى اليوم أكثر من مليون آية.. لمجرَّد أن بعض الجهلة لا يستطيعون رؤية الحق ويشتكون لأنّ بعض النبوءات لم تتحقّق بعد؟»

  هذه الفقرة من الأصل نفسه تُبيّن أن سيدنا غلام أحمد لم يعقد أي مقارنة بين معجزاته التي يدعونها وبين معجزات سيدنا الحبيب محمد المصطفى : وتكشف أيضًا أنه في الحقيقة لم يُلمِّح إلى موضوع المعجزات نفسه.

إنّ الظاهرة الوحيدة التي ذُكرت في هذه العبارة الأصلية بلا تحريف من المحرِّفين هي الآيات. وهذه ظاهرة مختلفة تمامًا عن المعجزات جوهرًا وشأنًا.

وثمّة حاجة للتأكيد على أن سيدنا مرزا غلام أحمد لم يدَّعِ أي فضل شخصي بشأن الآيات التي أُنعم عليه بها. الواقع أنّه أعلن في صراحة تامة أنّ هذه الآيات وإن كانت لصالحه.. فإنها لم تكن من حسابه.. وإنّما هي من رصيد سيده الحبيب المصطفى 22. فصرَّح:

   «كل ما شوهد في صالحي هو في الحقيقة من معجزات سيدنا محمد المصطفى »23

معجزات النبي الأكرم

اعتقد مؤسِّس الجماعة الأحمدية أنّ معجزات نبينا الحبيب، خاتم الأنبياء، سيدنا محمد المصطفى كانت عُصبة بنفسها، فلا يُجاريها ولا يتفوَّق عليها إنسان.. لأنّه كان صانع معجزات حقيقي؛ لا يجِفُّ نهر معجزاته أبدًا24، وأعلن:

لم يأتِ أيُّ نبيٍّ بمعجزات بالكثرة التي أتى بها نبيُّنا الحبيب .. لأنّ معجزاتهم وصلت إلى نهايتها بعد وفاتهم. ولكن معجزات نبيّنا الحبيب لا تزال تتنزَّل وستظلُّ تتنزَّل إلى آخر الزمان.25

الدليل الباطل الثاني

زعموا أنّ بعض الشواهد التي لفَّقوها في أكذوبة التفوُّق على النبيّ الأكرم موجودةٌ في كتاب “تذكرة الشهادتين”26، وفي أمثلةٍ أخرى ادَّعى الخصوم أنَّ شاهدهم المنتحل موجودٌ في عملٍ آخر لسيدنا مرزا غلام أحمد هو “تُحفة جُلرويّة”27. لقد اثبتنا آنفًا أنّ كتاب تذكرة الشهادتين لا يحتوي على أيّ مرجع كذلك الذي ادَّعاه خصومه.. لا في ص41 ولا في أيِّ موضعٍ آخر من الكتاب. ولحسن الحظ أنّ العبارة المنحولة التي أسَّسوا عليها تُهمتهم الكاذبة ضد مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية لا توجد في أي مكان من كتاب تحفة جلرويّة. والعبارة الوحيدة التي أشار بها إشارة عابرة إلى 3000 معجزة لنبيّنا الحبيب تظهر في ص 39-40 من التحفة الجلرويّة حيث قال:

«إنّها ليست نبوءاتٌ منفردة، ولكن هناك ما يزيد على 100 من هذه المعجزات مسجلة في كتاب “ترياق القلوب”. ومن هزْلِهم أنّهم يُشيرون إلى زوج ابنة أحمد بك والقس آثم دائمًا.. مع أنّهما لم يرد ذكرهما أبدًا.. بهدف خداع الجماهير البريئة. وهذا الموقف يشبه موقف الشرير الذي يرفض الاعتراف بثلاثة آلاف معجزة للنبيّ الأكرم .. وفي نفس الوقت لا ينفكُّ يردِّد نبوءة الحُديبيّة ليستشهد بها على فكرته السخيفة بأنّها لم تتحقَّق.

هذا الاقتباس الأصلي من كتاب تحفة جلرويّة لسيدنا مرزا غلام أحمد لا يتضمَّن أي مقارنة بين المعجزات كما يفتري الخصوم. والواقع أنّ هذه المقارنة المزعومة لا توجد في أي واحد من المنشورات الأحمديّة. والجماعة الإسلامية الأحمدية توجّه تحدِّيًا مفتوحًا لكل الفصائل المعادية للأحمديّة من الملالي وأشباه العلماء.. أن يدعموا فِريَتهم الكاذبة بدليل من نسخة واحدة أصدرتها الجماعة الأحمدية نفسها.

3000 معجزة للنبي الأكرم   

وجدير بالتأكيد هنا أنّ الآلاف الثلاثة من معجزات النبي الأكرم التي ذكرها سيدنا  مرزا غلام أحمد في الفقرة السابقة.. لا تمثّل المدى الكامل لمعجزات نبيّ الإسلام سيدنا محمد المصطفى . ولكن هذا الرقم يمثل فقط المعجزات التي وردت في أقوال صحابته الكرام. ولقد أوضح سيدنا مرزا غلام أحمد هذه النقطة في موضعٍ آخر قال فيه:

«لقد ثبت من شهادة صحابة الكريم وحدهم أنّ مثل هذه المعجزات بلغت 3000 معجزة».28

فهذه الآلاف الثلاثة من المعجزات تمثّل جزءًا ضئيلاً مما تحقَّق على يدي سيدنا محمد من معجزات. ورأى مؤسِّس الأحمديّة أنّ معجزات النبي الأكرم لن تتوقف لأّنه حقًا صانع معجزات لا ينضب معين معجزاته.29

مهارةٌ في خِداع الجماهير

لعلّه لم يعد خافيًا الآن على القارئ الكريم أنّ الشاهد الذي ساقه خصوم الأحمديّة تأييدًا لتُهمتهم ضدّ سيدنا مرزا غلام أحمد هو في الحقيقة ربطٌ ماكر بين فقرتين منفصلتين غير مترابطتين من كتابين منفصلين هما “تذكرة الشهادتين” و”تحفة جلورويّة”. لقد استخرج هؤلاء النقّاد المعادون من إحدى العبارتين من كتاب لسيدنا ميرزا غلام أحمد: وربطوها بخُبثٍ مع عبارة أخرى لا تمتُّ لها بصلة من كتابٍ ثانٍ لحضرته. وهكذا لجأ هؤلاء “الحُفَّاظ” الكذبة على الإسلام، إلى ذرِّ الرماد في عيون الجماهير البريئة.. يوحون إليهم بأنّ سيدنا ميرزا غلام أحمد يدَّعي بأفضليته على نبيّ الإسلام سيدنا محمد المصطفى .

ينبغي على علماء السوء هؤلاء -الذين أخذوا على عاتقهم تضليل العالَم بمثل هذا الكذب والخداع- أن يُدرِكوا أنّ الإسلام ينفِرُ من الزور نفورَهُ من الشرك. يقول القرآن الكريم:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 30

   وليعلم زعماء المزوِّرين المشاكسين أنّ الإسلام لا يستهين بهذا التحامل المتعمَّد الذي يقوم على عدم تحرِّي الحق. ينصح القرآن المسلمين فيقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ 31

  الآن ينبغي على المسلمين أن يصلوا إلى قرار: هل يستمرون في تصديق كلِّ تهمةٍ باطلةٍ ضد سيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني، أم يقفون وقفة صدقٍ مع تعاليم دينهم فيَتبيَّنوا تلك التُّهم ويتحقَّقوا منها؟ إذا اختاروا السماح لهؤلاء الملّات الكذَّابين ليظلّوا أنصاف آلهة فهذا شأنهم.. ولكن عليهم أن يتذكَّروا الحكمة القرآنية وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا(32، ويوم الدين يُسئل كلُّ امرئٍ عن سلوكه في الحياة. وفي هذا اليوم المحتوم وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ 33.. ولكن

إِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ 34.

أفضليةُ الرسول الأكرم مُطلقة

أما سيدنا ميرزا غلام أحمد فقد دانَ للأفضليّة المطلقة لنبيّ الإسلام سيدنا محمد المصطفى في صراحةٍ لا يشوبها الغموض. لقد أعلن أنّ النبي : «كان رجلاً كاملاً، تمَّ بهِ النِظامُ كُلّه، ووصَلتْ بهِ دائِرةُ القُدراتِ البشريّة إلى كمَالِها. الحقُّ أنّه هو أعلى قمةٍ في خلق الله تعالى الفسيح، وهو الغايةُ القُصوى لِكلِّ درجات الكمال. لقد بدأت الحكمة الربَّانيّة الخلق من أدنى نُقطة..  وارتفعت به إلى أعلى نُقطة اسمها محمد ، ومعنى الاسم المحمودُ كثيرًا.. أي التجلِّي الكامل للمحاسن. ولمـّا كانت منزلة النبيّ بطبيعتها هي الأعلى.. لذلك وُهِبَ في ظاهره أيضًا الوحي والحبَّ من المستوى الأعلى. هذا مقامٌ لا يستطيعُ الوصولَ إليه عيسى ولا أنا»35

لقد ارتأى مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية مجيءَ نبيّ الإسلام سيدنا محمد كأنّه مجيءُ الله جلَّ عُلاه.36 وعبَّر عن مشاعره هذه مُصرِّحًا: إنَّ مقام النبي الكريم من العظمة حتى إنّ الأنبياء من قبله شبَّهوا ظهوره كظهور الله تعالى وأنّ قدومه كقدوم الله جلَّ عُلاه.

إهانةٌ بالغة من خصوم الأحمديّة

ومع ذلك فإنَّ مثل هذا الولاء المطلق بلا تحفُّظ قِبَلَ النبيّ الأكرم لا يُتوقّع من مُعارِضي سيدنا ميرزا غلام أحمد.. بالرغم من أنّهم على حدِّ قولهم يزعمون الحبَّ للنبيّ الأكرم.. ذلك لأنَّ منشوراتهم تغصُّ باستدلالات وإسنادات معيّنة.. تمسُّ قداسة كلِّ نبيٍّ من الله تعالى، ليس هذا فحسب.. بل وتمسُّ قداسة سيدنا ومولانا محمد المصطفى .

فمع أنّ النبي الأكرم كان تجليًّا لرحمة الله على الإنسانيّة37، وأنّه الأسوة الحسنة38.. إلا أنّ المطبوعات المضادّة للأحمديّة والمنتهكة للحُرمات تعتدي على شخصيّة حضرته بقولهم إنّه -معاذَ الله- قد افتُتِنَ بالسيدة زينب بنت جحش عندما كانت متزوِّجة من سيدنا زيد بن حارثة39.

كما اتُّهِمَ سيدنا الحبيب بما يعَفُّ المسلم الصادق عن التفكير فيه. فمثلاً ذهب المولوي أبو الأعلى المودودي رئيس “الجماعة الإسلاميّة المودوديّة” إلى أبعد الحدود، إذ يرى -والعياذُ بالله- أنّ سيدنا الحبيب لم يعقد زواجه المبارك مع زوجته الكريمة مارية القبطيّة التي أنجب منها نبيُّنا الأكرم ابنه سيدنا إبراهيم40.

ومن العجيب أنّه عندما أبرز عالمٌ مسلم -هو حافظ محمد سرور- هذا الخطأ الفاحش الذي تردَّى فيه المودودي، وطالبه بأن يُعيدَ النظرَ في رأيه على ضوء التعاليم القرآنيّة والدلائل التاريخيّة المتاحة في كُتب الحديث.. استهانَ المودودي برسالته وأزاحها بغرورٍ واستعلاء41. وبدلاً من أن ينظر نظرةَ اعتبار جادة إلى أدلّة السيد /حافظ محمد سرور دفاعًا عن النبيّ الأكرم.. أبدى المودودي تشكُّكَهُ في سلامةِ عقل هؤلاء42.. الذين يُدافعون عن شرف نبيِّهم الأكرم .

ويدَّعي الملَّات المناوئِون للأحمديّة أيضًا بأنّ الشيطان أوحى آيةً للنبيّ الكريم -نبرأُ إلى الله من هذا العمى43.

وهناك جماعةٌ من علماء السوء – من جماعة ديوباند، ويُعرفون أيضًا باسم ندوة العلماء، وهي جماعة سياسيّة من أدعياء العلم في شبه القارّة الهنديّة، خلَقَ فكرها وأسَّسها الحُكم البريطاني44 كمنظمة جاسوسيّة مضادّة.. تحت عباءة هيئة من علماء المسلمين. تعتقد هذه الجماعة أنّ عِلمَ الشيطان أعظمُ من عِلمِ سيدنا ومولانا محمد المصطفى 45. وأيضًا يُعارِضون القول بأنّ النبيَّ الأكرم قد أُوتيَ من الله تعالى معرفة الغيب46.

المساواة التي يزعمها الخصوم

فبينما يعترف سيدنا ميرزا غلام أحمد بالأفضليّة المطلقة غير المشروطة لنبيّ الإسلام ، ويُعلن بجلاء تام أنّ الملائكة والنبيِّين جميعًا لا يستطيعون الوقوف معه على قدم المساواة أو ادِّعاء المساواة معه47.. فإنّ الذين ينتقدونه يزعمون أنّ قادتهم ومرشديهم الدينيين مساوون للمصطفى!. وعلى سبيل المثال يعتبرون أنَّ المولوي رشيد أحمد جانجوهي والمولوي أشرف الثانوي -لا سمح الله- من أولياء الله وفي مقام النبيّ الأكرم   48.

الأفضليّة على أولياء الأمّة

إنّ لأولياء الأمة الإسلاميّة مقامهم العظيم في عواطف المسلمين.. وبالنظر إلى أنّهم من ذُريّة نبيّهم الحبيب ومن ثَمّ لا يُتصوَّر من مسلم مُخلص أن يقبل أو يتحمَّل أيّ إهانة أو وقاحة توجَّهُ إليهم.

ولما كان الكُتّاب المناهضون للأحمديّة عارفين بهذه المشاعر العامة التي تشارك فيها عامة الجماهير الإسلاميّة.. فلا غرابة في أن يفتحوا جبهةً أخرى ضدَّ الجماعة الإسلامية الأحمدية عندما يزعمون أنّ مؤسِّسها يسخر من أولياء الأمة الإسلاميّة ويحتقرهم.

ويزعم أحد العَيَّابين أنّ مؤسِّس الجماعة لا يدَّخرُ كلمة في تأكيد فضله ورفعته على أولياء أمة محمد ، وليُثبت هذ الزعم انتحل العبارة التالية ونسبها إلى حضرة مؤسس الجماعة:

“ولا شكَّ أنّ آلاف الأولياء قد وُلِدوا في أُمّة مُحمَّد . ولكن لا أحد منهم مثلي”.. يعني أنّه فوق كل واحدٍ منهم49.

ويدَّعي المزوِّر أنّ هذه الفقرة في ص 29 من كتاب “تذكرة الشهادتين” لسيدنا مرزا غلام أحمد. والحقيقة أنّ هذه العبارة ليست في ص 29 من هذا الكتاب ولا في أي موضعٍ آخر منه، بل ولا توجد في أيّ واحدٍ من منشورات وكتب سيدنا مرزا غلام أحمد.

غِشُّ المجرمين

من الواضح أنّ إحسان إلهي ظهير.. شيخ الأكاذيب الكبير.. ومن رتبة علماء السوء الفَسَقَة. يتعمَّدُ الغِشَّ والتزوير في فقرة من كتاب تذكرة الشهادتين يعقد المؤلف فيها مشابهة.. وليس مقارنة.. بين المسيح الموسوي والمسيح المحمَّدي فيقول:

«المشابهة الأولى بين الخليفتين أنّ مجيئهما كان موعودًا من قبل. ومع أنّ مئات الأولياء الحُكماء قد مضوا في تاريخ الإسلام، لكن لم يكن أحدٌ منهم موعودًا. أمّا الذي كان سيأتي باسم المسيح فهو الشخص الموعود. وبالمثل لم يكن من الأنبياء قبل عيسى موعودًا. ولكن المسيح كان وحده الموعود50.

يتبيَّن من هذه الفقرة المنقولة من الكتاب الأصلي لسيدنا مرزا غلام أحمد أنّها لا تمتُّ بأي شبهٍ قريب أو بعيد من العبارة المزعومة التي انتحلها إحسان إلهي ظهير في مصنَّف بُهتاناته وأكاذيبه الفاسقة: القاديانيّة.. عرضٌ تحليلي.

الاستهزاء بزوجة الرسول وصحابته

لا ريب أنّ الجماعة الإسلامية الأحمدية هي الجماعة الإسلاميّة الوحيدة في قائمةٍ طويلة من الجماعات الإسلاميّة.. التي لا تزال تحترم أولياء أمّة الإسلام بغضِّ النظر عن مذاهبهم أو اتجاهاتهم. وربما كان المسلمون الأحمديون وحدهم بين المسلمين هم الذين يُجلِّون الأولياء عمومًا: سنّة أو شيعة على حدٍّ على سواء.

إنّ الدراسة التفصيليّة لتاريخ الأمّة ومواقفها تكشف أنّ شيوخ السوء في الأمة الإسلاميّة على مدى التاريخ.. رموا شخصيّات الأولياء وحُكماء المسلمين ببذاءةٍ لا تعرفها المجتمعات الدينيّة الأخرى عبر التاريخ، وعلى سبيل المثال.. في حياة نبيِّنا الحبيب سيدنا النبيّ الأكرم تحدَّثت طائفةٌ من الأمة بحديثِ الإِفك ضد زوجته الطاهرة الصدِّيقة أمّ المؤمنين السيدة عائشة رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها51. وكان سيدنا أبو بكر الصدِّيق، وسيدنا عُمر الفاروق وسيّدنا عُثمان ذو النورين.. ولا يزالون مُتَّهمين بأنّهم -معاذَ الله- دجَّالون مغتصبون للسلطة52. كما يتَّهِمون الخليفتين الراشدين: الصدِّيق والفاروق بأنّهما حرَّفا في نصِّ القرآن الكريم53.

“الخطوط العريضة” كتابٌ من منشورات مؤسِّسة مناهضة للأحمديّة تُسمَّى “جماعة مجلس الحقّ للنشر” في كندا.. قدَّمت قائمةً طويلةً عرضت فيها الإهانات التي تكيلُها بعض المذاهب الإسلاميّة غير الأحمديّة ضدّ عدد من أعظم الشخصيّات المحترمة المبجَّلة في الإسلام.. فتقول مثلاً:

لقد نشروا في السنوات الماضية كذبًا تقشعِرُّ منها الجلود وترتعدُ الأبدان من هول الصدمة مما كُتِبَ فيها. إنّ قراءتها تهدم تمامًا كلّ فكرة لترسيخ تفاهم متبادل وتقارب مع مؤلّفيها الشيعة ومن على شاكلتهم54.

وتمضي جمعية منشورات مجلس الحقّ في عرض مقتبسات من بعض المراجع المــُهينة، جاء في أحدها بشأن سيدنا عمر بن الخطاب أنّه -معاذ الله- أُصيبَ بمرضٍ لا شفاء منه إلا بماء الرجال55.

وإنّا نُقدِّم اعتذارنا للقارئ الكريم لأننا لم نجد في أنفُسِنا الجُرأة على ذكر العبارة كاملةً.. لأنّها تُمثِّل إهانةً جسيمة لصاحب نبيِّنا الأكرم الذي ذكرت بعض الأحاديث النبويّة انّه رفيقٌ وجارٌ للنبيّ الأكرم في الجنّة56.

وبعد وفاة النبيّ الأكرم سخِرت طوائف الأمة كلّها تقريبًا من الأولياء والعلماء من الطوائف الأخرى وأهانتهم. بل لقد تمادى البعض ووضع الأحاديث الكاذبة ونسبها إلى النبيّ لذمِّ بعض الأولياء والعلماء في الأمة.

كان الإمام محمد بن إدريس الشافعي (صاحب المذهب المعروف باسمه) رجلاً شديد التُّقى عظيمَ العلم. ومع ذلك فإنَّ أتباع الإمام أبي حنيفة بن ثابت (صاحب المذهب الحنفي) وضعوا حديثًا مُنتَحَلاً نسبوه إلى النبيّ قالوا فيه:

يكون من أُمتي رجلٌ اسمه محمد بن إدريس، سيكون أخطر على الأمة من إبليس. ويكون في أمتي رجلٌ آخر يُدعى أبو حنيفة سيكون سِراج الأمة57.

عمل مجيد مستحيل

قد تكون الدراسة المستفيضة التامة لما أبداه المسلمون نحو أولياء وعلماء الأمة غير ممكنة في كتابٍ واحد لأنّ التاريخ حافلٌ بالتُّهم والأحكام الجائرة ضدّ الأولياء والعلماء.

ومع ذلك.. فمن المهازل أنّ غالبية الأحزاب المناهضة للأحمديّة تختلق سببًا مشترًكً ضدّ الجماعة الأحمديّة لتتحالف تحت راية “المجلس العالمي لتحفظ ختم النبوة”.. وهي منظمة من المـــُلالي المرتزقة بالسياسة والمستترة وراء الدين، ولا تنفكُّ تزدري بأولياء كل جماعة أخرى أشدَّ الازدراء.

فمثلاً، معظم الهيئات المناهضة للأحمديّة على وئِام مع المدرسة الوهابيّة، وينظرون إلى مؤسِّسها الإمام محمد بن عبد الوهاب بتقديرٍ واحترام58.. ومع ذلك فإنّ شركاءهم في المنظمة المضادّة للأحمديّة – أعني أتباع المولوي شاه محمد أبو العليم صِديّقي.. يهيلون الشتائم المـــُقزِعة على الإمام المحترم وأتباعه، ويَصِمونهم بأنّهم عصابات السلب والنهب وكفار نجد59.

والحركة الوهابيّة التي قامت في الجزيرة العربيّة متَهَمة بأنّها تأسست وارتوت بدم آلاف الأبرياء من المسلمين الذين ذُبِحوا في البلدين المقدَّسين: مكة والمدينة60. وأنّ أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب مُتَّهمون بانتهاك حُرمة القرآن المجيد وسائر كتب التراث الإسلامي61. وتدَّعي “مجلة جنوب أفريقية” أنّ الوهابيّين مزَّقوا القرآن وكتب التفسير والحديث، وغطُّوا أقدامهم القذرة بأغلفة المصاحف والكتب الأخرى62.

وسواءً اعترف خصوم سيدنا مرزا غلام أحمد والجماعة الإسلامية الأحمدية أم لم يعترفوا.. تبقى الحقيقة بأنّ اتحاد الأمة المزعوم هذا الذي يتكوّن من العلماء المزيَّفين الذين يزكُّون أنفسهم بالباطل – قد أبدى طوال تاريخه كلّه احتقارًا مقيتًا ضدّ الأولياء عند الجماعات الأخرى. وكالوا الشتائم والإهانات ضدّ بعض الشخصيّات المحترمة بما لم يُشهد مثيلُه في تاريخ الجماعات الدينيّة، وما الأمثلة القليلة التي سجّلناها هنا إلا قطرة من بحر.

الواقع أنّ المرء لو جمع ذخيرة الإساءات والشتائم التي كَالها كل جانب من هؤلاء الملّات الــمــُــزكِّين أنفسهم.. والتي كالها أتباعهم نحو بعضهم البعض لاقشَعرَّ بدن الكاتب والقارئ. ومع ذلك يجد منتَحِلو التقوى وموحِّدو الأمة هؤلاء في أنفسهم الجسَارةَ بل الوقاحةَ على اتِّهام سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني بأنّه -معاذ الله- يحتقر أولياء الأمة وعلماءها.

اللهم احمِنا من أراجيفِ هؤلاء المــُبطِلين الذين يرتَزِقون بالكذب، وأنزل لعنتك على الكاذبين! آمين!

Share via
تابعونا على الفايس بوك