
يطالعنا معارضونا باعتراضات تتردد باستمرار فيقولون: كيف يمكن أن يكون الإمام المهدي قد أتى ولم نسمع به. وما الذي فعله وهو قد ظهر قبل ما يقارب المائة عام. ولماذا يكفركم كل المسلمين تقريبًا وكيف يمكن ألا تكونوا كذلك والرسول قد قال “لا تجتمع أمتي على ضلال”؟.
فبالنسبة للاعتراض الأول نقول لكم يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون. وانظروا إلى سنة الله فهل تجدون لسنة الله تبديلاً فيما مضى من القرون. هل جاء نبي فيما سمعتم أو قرأتم واستقبله قومه في أول بعثته بالفرح والسرور وقالوا أين أنت فقد كنا في انتظارك لتصلح شئوننا، أم أنهم لاقوه بالتكذيب والإعراض والتعذيب. هل تجدون مثالاً لذلك فيما مضى فَأتونا به إن كنتم صادقين.
وإن قلتم بأن الإمام المهدي ليس نبيًّا، فنقول إن ادعاءكم هذا ليس لكم به سلطان ولدينا به من القرآن الكريم والحديث وأقوال السلف ما يدمغ حجتكم، فتعالوا إلينا واسمعوا وعوا وانظروا بصدق إلى ما بأيدينا إن كنتم مؤمنين. واعلموا أن الصلحاء قد توقعوا أن يلاقي الإمامُ المهدي عند بعثته العداوة من المسلمين، وأشدُّ الناس عداوةً له سيكونون الفقهاء خاصة، فابحثوا عن ذلك في أقوال السلف أو تعالوا إلينا نريكموه إن كنتم للحق تطلبون. وفوق ذلك كله انظروا في تاريخ كبار المجددين والعلماء والفقهاء الذين هم ورثة الأنبياء وسترون أنهم قد لاقوا العذاب من الأمة وعارضوهم أشد المعارضة ومضت عليهم سنة النبيين. وفي كل الأزمنة كان المجددون يلاقون العذاب من معاصريهم الذين لم يعرفوهم وبعد ذلك يلقون من المتأخرين التكريم والإجلال. هذه سنة الله وهذه حجة عليكم وليست لكم إن كنتم تعلمون.
أما السؤال: ما الذي فعله وقد ظهر منذ قرن؟ فنقول لكم لقد فعل الشيء الكثير وإن كنتم لا تعلمون. وهل تريدون أن تكونوا آخر من يعلم ويداهمكم الفتح فتبصروا يوم يبصر الأعمى وتسمعوا يوم يسمع الأصم. هل تريدون أن تكونوا كمثل الأنعام التي تقاد إلى مأكلها ومشربها ومصيرها. ألا فاعلموا أن النبي إنما يبذر البذر وتتحقق أهدافه معظمها في أتباعه. فقد أُعطي النبي كنوز كسرى وقيصر بنبأ من الله فتحقق له ذلك أولاً في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وثانيًا بعد تسعمائة عام على يد العثمانيين. فهل لم يفعل المصطفى شيئًا. ما لكم كيف تحكمون. وإن كنتم تريدون أن تعلموا ماذا فعله الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام فتعالوا إلينا واسمعوا وعوا لتروا الآيات وما كنتم عنه غافلين.
أما قوله : “لا تجتمع أمتي على ضلال” فنقول إننا مظهر ذلك إن كنتم تعلمون. فلا يمكن أن تضل الأمة كلها ولكن لا بد أن يكون فيها من فيهم الخير إلى يوم القيامة وهم قليلون. والرسول يقول إن الأمة ستنقسم إلى بضع وسبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة. فتفكروا فستعلموا أن الفئات الضالة إن اجتمعت على شيء فستجتمع على ضلال. هذا حكم نبينا المصطفى فهل عند غير المصطفى تحتكمون. فإن اجتمعت فرق المسلمين على تكفير فرقة واحدة وارتضوا أن يكون ما سواها من المسلمين فهذا أدعى للعاقل أن يتدبر لأنهم بذلك كأنهم يقولون هذه هي الفرقة الصحيحة التي أشار إليها المصطفى ، فتدبروا يا معشر المسلمين. واعلموا أننا مسلمون، ليس لنا إله إلا الله، ولا نبي إلا محمد ، ولا كتاب إلا القرآن الكريم، ونحن نستقبل الكعبة، ونصلي صلاة المصطفى والمسلمين، ونحج البيت الحرام، ونصوم رمضان، ونزكي. فمن دعانا بغير المسلمين فقد أجحف وافترى وأفسد، والله لا يصلح عمل المفسدين.
فمعنى حديث المصطفى هو أن الأمة التي لا يمكن أن تكون ضالة كلها. والأحاديث الأخرى تشير أن الغالبية من الأمة ستكون على ضلال، والحال التي فيها المسلمون الآن هي أكبر دليل على ذلك. فلا يمكن أن يذل المؤمنون وهم الأعلون. ولا يمكن أن يهزموا وكان حقًا على الله نصر المؤمنين. ولا يمكن أن يكونوا لا حول لهم ولا قوة وهم كثير إلا إذا كانوا غثاءً كغثاء السيل. فلا تغرَّنكم الكثرة فالشجرة تعرف بأثمارها. ولا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث. واقرءوا القرآن الكريم لتعلموا أن أكثر الناس لا يعلمون، وأكثر الناس لا يؤمنون، وأكثر الناس لا يفقهون، وكثير من الناس عن آيات الله معرضون. فابحثوا عن القلة المؤمنة القليلة وابحثوا عن الغرباء وتذكروا قول المصطفى الذي أخبر أن الإسلام جاء غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء. وابحثوا عما ليس في أيديكم فقد ظهر المنسم وبانت حال الأمة وكشف عنها الغطاء. فحالها تسر الأعداء اليوم وتدمي قلوب الأحباء. فلا تركنوا إلى ما اجتمعت عليه الأمة من ضلال الآن، بل انظروا إلى من خالف هذا الإجماع ممن كان من الأمة ومن يحرص على ألا يحيد عنها وألا يخرج من الملة ومن أعلن الإسلام وقام بما يقوم به المسلمون من فرائض وأعمال. ولا يغرَّنكم ما ترون من مشايخ ذوي عمائم كبار وعلماء ومعاهد وخريجين. فانظروا إلى القساوسة ومعاهدهم وكبرائهم الذين ينفقون حياتهم في تعلم وتعليم عقيدة التثليث الباطلة السخيفة التي لا يقبلها عقل ولا ترتاح لها فطرة سليمة. انظروا كيف قد خلقوا من ذلك علومًا وطفقوا يحاولون نشر هذه العقيدة في الأرض وحققوا بعض النجاح. فهل وجود هذه المعاهد والمؤسسات وهؤلاء القساوسة هو دليل على صدق دعواهم. انظروا إليهم واسألوا العالمين مَن تصدى لهم وكسر صليبهم وأخرج الناس من فتنهم، وأعاد كثيرًا من الناس إلى الصراط المستقيم. انظُروا واستعلموا فستعلَمون أن الأمة كلها التي أنتم معجبون بكثرتها لم تفعل ما فعلته هذه الفئة القليلة، والتي هي الجماعة الإسلامية الأحمدية التي أنشأها الإمام المهدي بأمر من الله، من دفاع عن الإسلام وإشاعة للدين وتحد للقساوسة المبشرين. وانظروا إلى ما نشرت هذه الجماعة بلغات العالم دفاعًا عن الإسلام ومازالت لا عمل لها غير ذلك ولا تبتغي الأجر إلا من الله تعالى. اسألوا واستعلموا فستعلمون وأقبِلوا لكي يكون لكم نصيب في نصرة الإسلام إن كنتم على ذلك تحرصون.
يا معشر المسلمين، لا تغتروا بما لديكم وقد تعلمون الحال التي أنتم عليها. فعسى أن يكون بين أيدينا الحق وأنتم تعلمون. فلا تبادروا إلى التكذيب فماذا لو كان من عند الله وكذبتم به. فلا تتندموا وتعتذروا يومَ لا يؤذن لكم ولا أنتم إليها ترجعون. فابحثوا في أمرنا وتحققوا وتبينوا كي لا يكون لله عليكم حجة ولا تفوتوا الفرصة لتكونوا من أوائل المؤمنين. واطلبوا من الله العون فإنه لا يخيب من دعاه واسأله وهو الهادي وعليه الاتكال هو رب العالمين. ربنا اهدنا سبيلك وصراطك المستقيم ولا تجعلنا مع القوم المكذبين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.