مأساة التربية والتعليم بلا مؤاساة

مأساة التربية والتعليم بلا مؤاساة

تَقدّمَ أحدُ الطلبة من معلمه أثناء دخوله إلى الصف وقال له: تفضل يا أستاذ هذه الزهرة فإنني قد قطفتها لك من حديقة منزلي. ابتسم المعلم وشكره على الهدية. ثم اتجه الطالب إلى مقعده وفي داخله ضحكة وسخرية لما دبّره لمعلمه من مَقلَب “لن ينساه إلى آخر لحظة في حياته” على حد قوله للطلاب الآخرين.

وبما أن العادة المعروفة عند البشر أن يشم الوردة حين تسلُّمها.. وهذا ما قام به فعلا المعلم ولكنه لم يشم أي رائحة زكية بل شم فلفلا محرقا للأنف عطس من جراءه عطسات كثيرة.. ضحك كل مَن في الصف طويلا إلا أن المعلم لم يعجبه هذا الموقف وأحس بتحدٍ كبير لسلطته ومكانته.. جن جنونه ثم انطلق إلى الطالب غاضبا وبدأ بضربه.. وكانت نتيجة هذا الضرب المبرح كسر ساعد الطالب. ولما وصل الخبر إلى أهل الطالب حمل أبناء عمومته وإخوته العصايات وهرعوا إلى المدرسة يريدون الأخذ بالثأر من المعلم المجرم” وأخذوا السلطة في أيديهم مطبّقين مبدأ “العين بالعين والسن بالسن”. إلا أن مدير المدرسة قد توقع ما يمكن أن يدور في أذهانهم فأرسل المعلم إلى مركز الشرطة ليتم حجزه ووضعه في زنزانة مع اللصوص حتى يُسقط أهل الطالب حقهم عنه.

أثارت هذه الواقعة عدة تساؤلات لدى كثير من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم وفي جهات أخرى مختصة.. فهل كان على المعلم أن يغضب لنفسه لهذه الدرجة ويكسر يد الطالب. أم أن المطلوب منه معاقبة الطالب بطريقة أخرى.

بعد أسبوع عاد كل من المعلم والطالب إلى المدرسة.. استُقبِل الطالب من قبل زملائه استقبال البطل الشجاع أما عن المعلم فلا تُحَدِّث.. حيث هزت هذه الواقعة كيانه ولم يعد قادرا حتى على ضبط صفه. فتم نقله إلى مدرسة أخرى.

يعتبر الاختصاصيون في مجال التربية والتعليم أن المدارس ما هي إلا وعاء تصب فيه جميع المظاهر المنتشرة في المجتمع. وأنه ليس من الإنصاف توجيه أصابع الاتهام إلى التربية والتعليم. فالثقافة التي يقدمها الإعلام للطفل ما هي غالبًا إلا ثقافة مشبعة بالعنف، بالإضافة إلى كونها ثقافة تخاطب الغريزة الإنسانية في الطفل أكثر من كونها تخاطب عقله وتقدم له قيما ذات منفعة وجدوى. لذا نحس هنا بضرورة ترميم ثقافة المجتمع قبل الحديث عن الأعراض التي تفرزها الأمراض الاجتماعية الكثيرة التي يتعاطاها مجتمعنا. وتفرض الحاجة نفسها علينا حيث يتوجب الاستماع للمراهقين وتقبُّل آرائهم، دون المساس بأساسيات الدين والتقاليد، بعدها سيتمكنون من تفريغ طاقاتهم بشكل إيجابي يعود على المجتمع بكل خير ويمكنهم من النهوض به.

ويرى أحد المحللين عدم اعتبار المشاكل التي قد يسببها بعض الطلاب في مراحل مختلفة من العمر ظاهرة عنف، لأنها غالبا محاولات من هؤلاء الطلبة في هذه السن الحرجة لإثبات ذاتهم، أو كرد فعل للمشاكل الأسرية والاقتصادية التي يعيشونها.

فالكبت الناتج عن عدم تفريغ الطاقات لدى الشباب قد يولد انفجارات تقود إلى العنف، لذلك يجب علينا أن نكون حريصين على عدم تعدّينا حريات الشباب.

علّق مدير متقاعد لإحدى المدارس: إننا لم نعانِ ولم نحلم حتى بالمشاكل التي تشهدها ساحات مدارسنا في هذه الأيام. كان المعلم يحظى باحترام تام من الطلبة. حتى أنني أتذكر أن بعض الآباء كانوا يشكرون المعلم عند ضربه لابنهم لعدم قيامه بعمل ما!!

كانت الدنيا بخير، للمعلم احترام، وللمسن وقار، وللمرأة حياء.. أما اليوم فلا تعليم ولا احترام ولا وقار ولا بطيخ!!

كنا نعيش تحت مظلة الترهيب والترغيب، للطالب مسؤوليات كبيرة تنتظره..

معاش والده لا يسمح بتزويج أخته الكبرى ولا حتى لتسديد نفقات الدراسة على أخيه الصغير. استثمرت الأسرة كل ما عندها لكي يزاول هو دراسته ويتخرج. همه الوحيد أن يتحصل على شهادة عُليا كي يكون عند حسن ظن عائلته به ويلبي كل ما وُضع على عاتقه من مسؤوليات. أما اليوم فعن المسؤوليات فلا تُحَدِّث!.. الأفلام والملاهي وألعاب الكمبيوتر وغرف الدردشة ومظاهر كثيرة أفقدت شبابنا الكثير من الخصال الحميدة. فهذا هو سعر التمدن والتحضر أو سَمّيه ما شئت!!

كان للمجتمع تأثير على عقول العامة وكان لكلام الناس وزن عندهم.. أما اليوم فمن يبالي: الفضائح أصبح لها مسميات أخرى وفقدت ردة الفعل التي كانت تحظى بها في الماضي..

وعلى أي حال فالوقاية خير من العلاج. لذلك يجب التأكيد على الوقاية من الظواهر السلبية في مدارسنا قبل أن تنتشر ويصعب السيطرة عليها، يتم ذلك عن طريق الإرشاد الطلابي السليم المنطلق من ثقافتنا الإسلامية التي يفهمها الطالب وينصاع لها وإن كان يتمرد عليها في مرحلة من المراحل، وزد على ذلك المراقبة والمتابعة بين المدرسة والبيت، وأهم شيء تفريغ طاقات الطلاب بممارسة رياضات مختلفة.

مساهمة الأخت ت.ش (مصر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك