التجارة الإلكترونية وبداية اللانهاية

التجارة الإلكترونية وبداية اللانهاية

محمد نعيم الجابي

 

لم يتبلور حتى الآن مفهوم نهائي للتعاملات التجارية التي تتم عبر الانترنت، والتي تدعى حاليًا، التجارة الإلكترونية. وأقول  “حاليًّا” لأننا نشهد كل يوم تطورات جديدة تضاف إلى شكل ومضمون المفهوم الحالي للتجارة الإلكترونية. وقد يؤدي تبني اللاعبين الكبار في سوق تقنيات المعلومات. أحد المفاهيم الجديدة مستقبلاً، إلى إبطال استخدام هذا الاسم وإحلال اسم جديد محله. لكن يجمع العاملون في عالم تقنية المعلومات على أن التجارة الإلكترونية ستغير أساليب التعاملات التجارية التي عرفتها البشرية إلى الأفضل مثلما غيرت الإنترنت في عالمنا أساليب التعليم والاتصال، وتبادل البيانات وحتى اللعب. الأمر الذي أدى إلى تصنيفها كأفضل اختراع تم التوصل إليه في السنوات الخمسمائة الماضية!

انطلاقة واسعة لمفهوم غامض

مازال المفهوم الحالي للتجارة الإلكترونية غامضًا بعض الشيء، على الرغم من أنه مضى على استخدام تقنيات هذه التجارة عدة سنوات، وعلى الرغم من الانتشار الهائل الذي تشهده الأعمال التجارية عبر الانترنت. وتظهر يوميًا، مفاهيم موازية جديدة، مثل التسوق الإلكتروني، والأعمال الإلكترونية، ومقدمي خدمات التطبيقات، والأعمال المصرفية عبر الانترنت وغيرها من المفاهيم. ويوجد ارتباط وثيق بين هذه المسميات، إذ تدخل جميعا تحت مظلة التجارة الإلكترونية، بحيث يصعب إعطاء تعريف لأحدهما من دون الإشارة إلى المفاهيم الأخرى. ويتوقع كثير من المحللين بأنه سيشكل كل واحد من هذه المفاهيم الجديدة، التي تنمو يومًا بعد يوم، ويُجمع المحللون على أن التقنيات التالية سترسم بعض التوجهات الرئيسية للتجارة الإلكترونية في المستقبل القريب.

تجارة المعلومات

لم تعد عملية نشر المعلومات محصورة في عدد من الجهات الإعلامية، بل أدت الإنترنت إلى تحول جميع مستخدميها إلى ناشرين للمعلومات، حيث يمكن لأي مستخدم أن ينشر المعلومات عبر الانترنت بطرق عديدة، تبدأ من مجرد وضع المعلومات في إحدى ساحات الحوار، إلى إنشاء جريدة إلكترونية متكاملة. وتتضمن الإنترنت حاليًا حوالي 800 مليون وثيقة (أو صفحة ويب نصية). وإذا أردت تصفح كل هذه الوثائق بحيث لا تقضي أكثر من دقيقة من الزمن في قراءة كل منها لاحتجت إلى ما يزيد على 1540 سنة من القراءة المستمرة!

وشكل هذا الكم الهائل من المعلومات ثروة يمكن الاستفادة منها تجاريًا. فقد تحولت المعلومات في عصرنا إلى سلعة متداولة تكون مجانية أحيانًا، وتباع وتشترى أحيانًا أخرى، حيث يتجه كثير من مقدمي المحتويات والمعلومات إلى بيع أو تسويق هذه المعلومات عبر الانترنت، وهو نوع من أنواع التجارة الإلكترونية المستقبلية التي بدأت تنتشر بكثرة.

ويعتبر هذا التوجه أمرًا منطقيًا، حيث اعتمدت جميع الأساليب التي اتبعها مقدمو المحتويات خلال القرن الماضي بمختلف مجالات عملهم على تقديم المعلومات للقارئ أو المستمع أو المشاهد، مقابل مقدار من المال يحصل عليه المقدمون منه أو من طرف ثالث كالمعلن، كما هو الحال اليوم في كل من الراديو والتلفزيون والمطبوعات من جرائد ومجلات. وكان المورد المالي الوحيد لمقدمي المحتويات في ويب خلال السنوات الماضية محصورًا في الطرف المعلن، ويبدو أنه آن الأوان للاعتماد على مستخدمي الإنترنت، كمورد مالي إضافي.

ثورة جديدة

انتشر في الأشهر القليلة الماضية توجهٌ ثوري جديد في مجال التجارة الإلكترونية عبر الانترنت، حيث باشرت العديد من شركات البرمجيات في طرح برامجها للإيجار عبر الإنترنت، عوضًا عن بيعها للمستخدم!

وتشكل هذه الخدمة الجديدة نوعًا جديدًا من أنواع التجارة الإلكترونية، يقدم فيها البائع، وهو ممثِّل هنا بمقدم خدمة التطبيقات، برنامجًا عبر الإنترنت يتم استخدامه عن طريق المتصفح مقابل أجرة مالية محددة. ويمكن أن يكون الطرف المؤجر شركة البرمجيات المنتجة للبرامج ذاتها، أو طرفًا ثالثًا يقدم هذه التطبيقات باتفاق مع شركة البرمجيات.

ويلقى هذا التوجه ترحيبًا من المستخدمين في كثير من دول العالم وخاصة تلك التي تكون فيها خدمة الإنترنت مجانية، أو ذات أجور استخدام منخفضة. لكنه لم يلقَ بعد أصداء إيجابية في بقية الدول. وتعبر فكرة تأجير التطبيقات عملية ومنطقية جدًا، فمن لا يرغب في أن يستخدم جميع تطبيقات طقم أوفيس الذي تقدمه شركة مايكروسوفت، مقابل عدة دولارات في السنة، عوضًا عن شراء الطقم كاملاً وترقيته إلى إصدارة أحدث كل سنة أو سنتين؟

وقد بدأ عدد كبير من الشركات في وضع المخططات لتأجير بعض التطبيقات عبر ويب، كشركة مايكروسوفت وكورل، بالإضافة إلى عدد من الشركات الأخرى التي باشرت في تقديم تطبيقاتها فعليًا عبر ويب، مثل شركة مكافي التي تؤجر العديد من برامجها الشهيرة في عالم مكافحة الفيروسات وصيانة الحواسيب الشخصية عبر متصفح ويب مباشرة، في الخدمة المسماة “عيادة مكافي”، في الموقع مقابل عدة دولارات سنويًا. ولاحظت شركة أوراكل، وغيرها من الشركات المصممة لتطبيقات ويب أهمية هذا التوجه، فبدأت بطرح عدد من الحلول في مجال تقديم خدمات التطبيقات، يمكن أن تتبنياها الشركات التي تنوي دخول هذا المجال الجديد من مجالات التجارة الإلكترونية. وأعلن منذ عدة أشهر عن تشكيل اتحاد صناعة مقدمي خدمة التطبيقات، الذي يضم أكثر من 200 شركة تعمل في مجال تقنية المعلومات، ويهدف إلى وضع قواعد هذا التوجه الجديد.

البوابات مستقبل الإنترنت

يرى كثير من المحللين أن بوابات الإنترنت تشكل أرضًا خصبة للعمل في مجال التجارة الإلكترونية، حيث إن معظم مستخدمي الإنترنت يحتفظون بأحد المواقع التي تقدم بوابة إلى الإنترنت، مثل Yahoo ! أو كصفحة البداية home page في متصفحاتهم، ويدخلون إلى هذه البوابة، ثم ينتقلون منها إلى مواقع الإنترنت الأخرى. وتستفيد مواقع بوابات الإنترنت تجاريًا بعدة طرق من شعبيتها.. تحتوي الكثير من مواقع بوابات الانترنت على أقسام خاصة بالتجارة الإلكترونية، أو ما يسمى مراكز تسوق افتراضية. وهي إحدى الميزات التي يمكن أن تستفيد هذه المواقع منها بسبب شعبيتها. فكما أن لكل شخص محلاً تجاريًا أو سوقًا أو مركزًا تجاريًا مفضلاً اعتاد على ارتياده بشكل مستمر ويشتري منه معظم حاجاته، تشكل هذه البوابات مكانًا مفضلاً للكثير من الناس في عالم الإنترنت الافتراضي. وتشير الاحصائيات أن 80 في المائة من المواقع التي ينتقل إليها مستخدمو بوابات الإنترنت، بعد دخولهم إلى صفحة البداية، هي مواقع مدرجة في هذه البوابة، أي أن البوابة تتضمن وصلات إليها. فتستفيد مواقع بوابات الإنترنت ذات الشعبية الواسعة من هذه الحقيقة في أخذ أجور مقابل وضع الوصلات إلى مواقع التجارة الإلكترونية الأخرى، وهي ميزة أخرى للبوابات.

الأعمال المصرفية عبر الانترنت

لا تعتبر الأعمال المصرفية عبر الانترنت نوعًا من التجارة الإلكترونية بحد ذاتها، لكنها خدمة مرافقة دائمًا لهذا النوع من التجارة. وأصبح هذا النوع من الأعمال المصرفية ضروريًا للحصول على عمليات تجارة إلكترونية متكاملة، حيث سمح بإجراء التعاملات المالية المختلفة عبر الانترنت. وتندرج عمليات التحقق من شرعية بطاقات الائتمان تحت الأعمال المصرفية عبر الانترنت، وهي عملية رئيسية لتأمين إجراءات التجارة الإلكترونية.

أدى الانتشار السريع لخدمات الأعمال المصرفية عبر الانترنت، إلى السماح لمالك الحساب المصرفي لأول مرة في تاريخ التعاملات المصرفية، بالحصول على معلومات تتعلق بحسابه الخاص من بيته أو مكتبه بعدة نقرات على أزرار الماوس بأمان تام ومن دون أن يعرف الموظف المختص الجالس خلف شباك الصرافة أيّ معلومات عن حساب الزبون. من المؤكد أن تلقى الأعمال المصرفية عبر الانترنت نشاطًا كبيرًا، مع زيادة الأعمال المعتمدة على التجارة الإلكترونية، خاصة في مجال تقديم خدمات التحقق من شرعية بطاقات الائتمان ومنح الشهادات الرقمية. تعتبر المعلومات العملة المتداولة في عالم الانترنت حيث تقدم مواقع الانترنت بمختلف توجهاتها المعلومات للزائر أو الزبون، وتتلقى منه معلومات شخصية. وينطبق هذا الأمر على مواقع التجارة الإلكترونية، حيث تعرض الجهة التجارية معلومات عن منتجاتها في مواقع الأنترنت، وتتلقى معلومات شخصية ومالية من الزبائن، أو من الموزعين والوكلاء ويشير ذلك إلى أهمية وجود بنية معلوماتية قوية وقاعدة معرفة Knowledge Base ذات أساس متين وإدارتها بشكل سليم، حتى يستمر تبادل المعلومات بسلاسة بين الأطراف المختلفة في الانترنت، أو تبادل العملة المعمول بها شبكة الإنترنت.

في النهاية.. إذا قررت أن تتبنى توجهًا جديدًا في التجارة الإلكترونية في أعمالك، فعليك أن تدرس بتمعن جميع الأبعاد، وأن تضع في حسبانك احتمال حدوث أخطاء، وأن تأخذ الاحتياطات المادية المناسبة.. فجميع توجهات التجارة الإلكترونية الموجودة اليوم جديدة، ولم تخضع لتجارة حقيقية لوقت كافي بعد.  لكن الأمر المؤكد هو أن أي توجه نحو التجارة الإلكترونية سيؤهل أعمالك لدخول الألفية الثالثة والمشاركة في اقتصاد الإنترنت العالمي.

Share via
تابعونا على الفايس بوك