علاج الزكام الروحاني بقراءة في كتاب المسيح الموعود "بركات الدعاء"

علاج الزكام الروحاني بقراءة في كتاب المسيح الموعود “بركات الدعاء”

سامح مصطفى

كاتب وشاعر
  • ما الزكام الروحاني يا ترى؟
  • ومن المعرضون للإصابه به؟
  • كيف قدم المسيح الموعود في كتاب بركات الدعاء علاجا شافيا من الزكام الروحاني؟
  • وكيف وفق فيه بين الدعاء والعمل؟

__

 

 السيد أحمد خان والزكام الروحاني

نقول أن من ذاق عرف، ومن منطلق هذا القول فإن الواقعين في فخ سوء الظن أو سوء الفهم القائل بعدم قيمة الدعاء، يمكن أن يُلتَمس لهم العذر، فهم لم يذوقوا، فبأي حق نطالبهم بالإقرار بحلاوة طعام لم يتذوقوه؟! ناهيك عن أن يصفوا طعمه أصلاً!

وإذا كانت الإصابة بالزكام المادي غالبًا ما تودي بحاستي الشم والتذوق الماديتين لدى الشخص المصاب، فإن ثمة زكامًا روحيًّا قد يُبتلى به المرء، فلا يشمُّ أو يتذوقُ نعم الله تعالى عليه، فيفقد قناة الاتصال به .  وقد ظهر عبر التاريخ بعض مفكرين مسلمين ذاعت شهرتهم في الأوساط الإسلامية كدعاة نهضة وإصلاح، انطوت دعاويهم على إنكار قيومية الله تعالى وتصرفه في مجريات أمور الخليقة، بالطبع لم تكن هذه الدعاوى صريحة، وإنما ضمنية، تستشفُ من خلاصة أفكارهم، فكان من جملة ما روجوا له في كتاباتهم أن الدعاء لا يغير قضاء ولا يدفع بلاء، فهو تحصيل حاصل، وسواء دعا المرء أم لم يدعُ، فالنتيجة مرهونة بعمله!

والدخول في مناقشة لبّ هذه القضية، أي جدوى الدعاء وضرورته، يحيلنا إلى استعارة واحد من المؤلفات القيمة بهذا الخصوص، والذي ترجع قيمته إلى عدة أمور، منها أنه ليس مجرد مؤلَّف نظري في صياغة أدبية، بل لكونه مؤلفًا على خلفية تجربة روحية واقعية ثمة شهود عيان على تحققها ونتائجها الطيبة. إننا نتحدث عن كتاب «بركات الدعاء»، الذي ألفه المسيح الموعود في شهر أبريل من عام 1893م، تصحيحًا لسوء فهم حاصل لدى طائفة عريضة من مسلمي ذلك العصر، بل وكل عصر، غير أنه بلغ من الاستفحال في الزمن الأخير مبلغًا يدعو إلى التدخل العلاجي، ما لم يكن التدخل الجراحي!

وكان من نماذج إنكار جدوى الدعاء وضرورته في زمن المسيح الموعود السيد أحمد خان، وهو شخصية إسلامية مرموقة، ويرجع إليه الفضل في إنشاء جامعة عليكره في الهند، كمؤسسة علمية إسلامية على الطراز الغربي، بهدف فتح آفاق المسلمين في الهند على العالم، وإيرادهم من بحر العلوم الغربية بعد أن ظلوا مكتفين بدراسة العلوم الشرعية التقليدية قرونًا، فتأخروا عن ركب الحضارة الحديثة. في الواقع كانت مساعي السيد أحمد خان محمودة ولا شك، غير أن كون المساعي محمودة في حد ذاتها لا يضمن لها أن تكون ناجحة. ذلك أن تأثر السيد أحمد خان بالحضارة الغربية أصابه بنوع من الزكام الروحاني، الذي أثر على حاسة ذوقه ففقد الإحساس بأثر الدعاء في حياة الخلق، وعلاوة على ذلك فقد تأثر الرجل كذلك بمشهد التقدم الدنيوي الذي يحظى به أهل الغرب الذين لا يقيمون للدعاء أي وزن.

وإذا كانت الإصابة بالزكام المادي غالبًا ما تودي بحاستي الشم والتذوق الماديتين لدى الشخص المصاب، فإن ثمة زكامًا روحيًّا قد يُبتلى به المرء، فلا يشمُّ أو يتذوقُ نعم الله تعالى عليه، فيفقد قناة الاتصال به .

ونظرة على كتابين اثنين للسيد أحمد خان، تكفي لتكوين فكرة عن عقيدة الرجل بشأن الدعاء وجدواه وقيمته.. أحد الكتابين عنوانه «الدعاء والاستجابة» والثاني «التحرير في أصول التفسير»، وفيهما فسر مؤلفهما بعض المعتقدات الإسلامية بما ينافي منطوق القرآن الكريم منافاة صريحة، فأنكر الوحي اللفظي، كما أنكر وجود الملائكة، وإجابة الدعاء.. مما كان محفزًا رئيسًا للمسيح الموعود أن يؤلف بتأييد خاص من الله كتابه الموسوم بـ «بركات الدعاء» على خلفية كتابي السيد أحمد خان المذكورين.

التوفيق بين الدعاء والعمل

حين يشرع المسيح الموعود في عرض وحل قضية إنكار السيد أحمد خان عقيدة استجابة الله تعالى دعاء من يدعوه، فإنه يبين أن إنكار الاستجابة، وهي قضية فرعية، منشؤه عدم فهم واستيعاب القضية الأصلية، وهي مفهوم الدعاء في الأساس. وبطبيعة الحال، فمَنْ لا يدرك الأصل يواجه تعقيدات في الإلمام بالفروع.. فماهية الدعاء كما يشرحها سيدنا المسيح الموعود تكمن في علاقة التجاذب بين العبد السعيد وربه، بمعنى أن رحمانية الله تعالى تجذب العبد إليها أولا، ثم يتقرب الله تعالى إلى العبد نتيجة مساعي ذلك العبد الصادقة، وفي حال الدعاء تبلغ تلك العلاقة، أي علاقة الجذب، مبلغًا خاصًا، وتظهِر خواصها العجيبة (1). وبطبيعة الحال فإن تأثير علاقة الدعاء ذاك لا يتضح إلا في حالة الاضطرار، وذلك ما نص عليه القرآن في قوله تعالى:

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (2)،

فاستجابة الدعاء مرهونة بحال الاضطرار، التي تنشأ في قلب العبد الداعي.

الدعاء مخ العبادة

والحقيقة أن القرآن الكريم نفسه قد تناول فلسفة الدعاء هذه وروحه، وبصورة مفصلة، ولكن قلة التجربة الروحية لدى المتأخرين أوقعتهم في وهم أن الدعاء لا قيمة له بإزاء العمل(3). وهنا ينبغي التركيز على أمر هام، كان سببًا في حدوث سوء الفهم، ذلك أن كثيرًا من الناس يولون أهمية للعمل فيعتمدون عليه اعتمادًا تامًا، فتحبط مساعيهم، ومن الناس أيضًا من يتواكلون على الدعاء دون بذل أي جهد عملي منتظرين استجابة أدعيتهم، ولكن هيهات!

إننا إذًا ما فهمنا معنى أن يكون المرء مضطرًا إلى الدعاء، لأمكننا المصالحة بين الدعاء والعمل، وسنصل إلى نتيجة مفادها أن كلا من الدعاء والعمل من سنن الله تعالى، ولا يمكن بحال أن تتعارض تلك السنن وتتعاكس. ذلك أن الله تعالى لا يريد مجرد الدعاء، بل على المرء أن يستخدم كل مساعيه ومجاهداته(4)، فلكي يكون المرء مضطرًا، يجب عليه إفراغ ما في جعبته من محاولات عملية أولا، حتى لا يبقى في جعبته سهم، هنا يكون مضطرًا بحق، فيستأهل استجابة الله تعالى دعاءه حيث وعد باستجابة دعاء المضطرين.

من مظاهر قوة كتاب «بركات الدعاء»

إن كتابًا كـ «بركات الدعاء» على صغر حجمه، إذ لا يتعدى عدد صفحاته بضعًا وأربعين صفحة (5)، مُترَع بمظاهر القوة والجلال، فعلى امتداد صفحاته ينبري المسيح الموعود عارضًا نماذج لإراءة تحقق آية استجابة الدعاء أكثر من مرة، في وقت كانت فيه كل كلمات حضرته تحت سمع وبصر المناوئين له من كافة الفرق والأديان، فلم يملك أي منهم الشجاعة لتكذيبه في مسألة استجابة الله تعالى لأدعيته بشكل خاص، على الرغم من تكذيبهم له في كثير من القضايا العقائدية الأخرى!

وعجبًا لطوائف أخرى غيرهم  يجأرون بالشكوى والصراخ من أعلى المنابر قائلين: «اللهم ارفع بأسك وغضبك عنا»، يدعون بلسان القال، ولسان الحال يترجم حيرة: «ما لنا ندعو ولا يستجاب لنا؟!»، فالآن عرفنا سبب عدم استجابة الدعاء، وإذا عُرف السبب بطل العجب

ببليوغرافيا(6) عام 1893م

ولكتاب بركات الدعاء أترابه أيضًا، فقد تلا مولد هذا الكتاب القيِّم في عام 1893م، مولد ستة كتب أخرى، وقد حمل كل كتاب من الكتب السبعة من البراهين الدالة على صدق حضرته ، وعظمة الإسلام والقرآن المجيد ما لم يتوقعه المعارضون ولم يألفه حتى المؤيدون، وتلك الكتب السبعة بحسب ترتيب كتابتها هي: بركات الدعاء، وحجة الإسلام، وإظهار الحق، والحرب المقدسة، وكرامات الصادقين، وتحفة بغداد، وشهادة القرآن. وثمة قاسم مشترك يجمع بين تلك الكتب السبعة المؤلفة في ذلك العام، ذلك القاسم هو أن تلك الكتب جميعها في مجملها يسودها جو الردود والمناظرات الذي يتمخض في النهاية عن انتصار ساحق للإسلام، إلى درجة أن هناك العديد ممن رجعوا إلى حظيرة الإسلام بعد أن كانوا قد تنصروا، وكان رجوعهم إلى الدين الحق بفضل حضورهم بعض تلك المناظرات الحاسمة التي عُرضت فيها مضامين بعض تلك الكتب، وهي مناظرات كان فيها المسيح الموعود البطل المؤيد من الله تعالى بآيات الجلال والجمال(7). لقد كتب سيدنا المسيح الموعود تلك الكتب باللغة الأردية، عدا كتابين اثنين منها، هما «كرامات الصادقين» و«تحفة بغداد»، الذَينِ كتبهما حضرته بعربية مبينة، حبًّا ومواساة لأهل بلاد العرب.

المعادلة الروحية

من قبيل صور الحتمية الكونية أن قوانين الرياضيات المسيرة لعالم المادة، هناك ما يكافئها بالنسبة لعالم الروح، بل إنه بالفعل كَوْنٌ واحد تسيره جملة قوانين واحدة متجانسة. وثمة معادلة روحية تقول:

«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا»(8)،

 ومعلوم أنَّ ما من داء أفتك من ضياع الدين، فهو يؤدي إلى موت الأمة واندثارها عن بكرة أبيها، أوليس ضياع الدين هو البعد عن الله؟! أوليس ذلك البعد عن حضرة الربوبية هو الموت بعينه؟! فإذا كنا مأمورين بالتداوي، ليس فقط من الأدواء الجسمانية، ولكن الروحانية أيضًا، فنحن إذًا مطالبون بتلمس كافة السبل المؤدية إلى الشفاء الروحاني، ومن رحمة الله بنا أن جعل كل السبل مؤدية بسالكيها المتلمسين إلى المبعوث السماوي، ولنا في صحابة النبي الخاتم خير نموذج، فسلمان الفارسي لم يكن يومًا ما على شريعة الإسلام قبل أن يهتدي إلى ضالته بعثوره على حضرة سيدنا محمد المصطفى، بل إنه سلك سبل اعتقادات شتى واضعًا نصب عينيه في كل مرة أن الزمان زمان وابل الرحمات السماوية بما شاهد فيه من ضلالات بشرية. يبدو أن سلمان الفارسي قد قاس زمان بعث النبي الخاتم بمقدار الضلالات التي تفشت وعمت. فواعجبا لطوائف من المسلمين التقليديين ممن يفتعلون أعمال الهرج والمرج والإفساد في الأرض تعجيلا بفرج خروج مهديهم من مغارته، إنهم ما فعلوا أفاعيلهم إلا لاعتقادهم أن المخلص لا يأتي إلا وقت الضرورة وعموم الفساد. وعجبًا لطوائف أخرى غيرهم  يجأرون بالشكوى والصراخ من أعلى المنابر قائلين: «اللهم ارفع بأسك وغضبك عنا»، يدعون بلسان القال، ولسان الحال يترجم حيرة: «ما لنا ندعو ولا يستجاب لنا؟!»، فالآن عرفنا سبب عدم استجابة الدعاء، وإذا عُرف السبب بطل العجب، وانتهاءً نذكر حديث النَّبِيِّ حيث قَالَ:

«لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ»(9).

الهوامش:

  1. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، «بركات الدعاء»، المجلد 6 خزائن روحانية، ص 13، الطبعة العربية الأولى، 2016
  2. (النمل: 63)
  3. حضرة مرزا مسرور أحمد، خطبة الجمعة بتاريخ 2013-03-15
  4. حضرة مرزا مسرور أحمد، «مخ العبادة»، ص155
  5. ينبغي الإشارة هنا إلى أننا نتحدث عن عدد صفحات الترجمة العربية للكتاب حصرا.
  6. الببليوغرافيا Bibliography علم وصف الكتب والتعريف بها ضمن حدود وقواعد معينة، وهذا اللفظ مركب من مقطعين: الأول Biblion أي كتيب والثاني Graphiaأي نسخ أو رسم أو كتابة.
  7. انظر: مقدمة الناشر للمجلد 6، الخزائن الروحانية.
  8. مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين.
  9. سنن الترمذى، كتاب الدعوات.
Share via
تابعونا على الفايس بوك