المراسلات المبكرة بين قاديان والقاهرة

المراسلات المبكرة بين قاديان والقاهرة

سامح مصطفى

كاتب وشاعر
  • كيف وصلت أنباء المسيح الموعود ع وأخبار جماعته إلى مصر للمرة الأولى؟
  • متى يا ترى كانت بوادر التواصل الأولى بين المسيح الموعود ع والمصريين؟
  • وهل من رؤى وإلهامات حقا للمسيح الموعود ع مصر؟

___

كلما هممنا بالعودة إلى الوراء قليلا لاسترجاع ذكرى تاريخية مميزة، فإن الحنين طالما يكتنف تلك العودة، وهذه الآونة التي تمر فيها الجماعة الإسلامية الأحمدية بين الفينة والفينة بابتلاءات الاضطهاد، العشوائي حينا والنظامي أحيانا، آخرها ما كان في أحد بلدان قارة ذوي الوجوه السمراء والقلوب البيضاء، في بوركينا فاسو يوم الأربعاء الموافق للثاني عشر من يناير 2023، يجدر بنا عند هذا الحادث أن نتذكر شيئا من تاريخ طلوع شمس الإسلام الحقيقي على قارة أفريقيا، ذلك الطلوع الذي عاصر حياة المسيح الموعود نفسه.

فتحُ بوابة الشمال الشرقي

يبدو أن جسور الاتصال بين الجماعة الإسلامية الأحمدية والديار المصرية، والتي هي بوابة أفريقيا من جهة الشمال الشرقي، كانت قد بدأت في الامتداد منذ زمن حضرة سيدنا المسيح الموعود نفسه، وبشكل غير رسمي، إذ وَجَّه إليها حضرته رسائله العربية العامة ضمن من كتب إليهم من بلاد العرب والمسلمين، هذا علاوة على رسائل أخرى خاصة أرسلها حضرته إلى أشخاص بعينهم، من أهل مصر، أو ممن نزحوا إليها وقطنوا فيها، فسمع الكثيرون بكتب حضرته العرببية كـ «مواهب الرحمن» و«إعجاز المسيح»، و«الهدى والتبصرة لمن يرى»، إذ ألَّف حضرته الكتاب الأول خصيصا لعلاج سوء فهم نشأ في قلب السياسي المصري المعروف «مصطفى كامل باشا»  بعد اطلاع الأخير على ما تداولته الصحف الإنكليزية الصادرة في الهند البريطانية أواخر عام 1902م، من امتناع حضرته بل وحثه جماعته كذلك على الامتناع عن التطعيم بالمصل الواقي من وباء الطاعون الذي استشرى في طول البلاد وعرضها في ذلك الحين. إن كتاب «مواهب الرحمن» بالإضافة إلى كونه تحفة عربية بشكل عام، فقد اشتمل على نبوءة موجهة إلى الشخص الذي أُلِّف هذا الكتاب العظيم بسببه، ففي مفتتح خطاب حضرته إلى «مصـــطفى كامــل»، خاطبه المسيح الموعود قائلا: «على رِسلِك يا فتى..» (1). قد تبدو هذه العبارة عبارة عابرة بادي الرأي، غير أنها في الحقيقة قد انطبقت على الزعيم الشاب مصطفى كامل باشا، والتصقت به في حياته وحتى بعد مماته، إذ وافته المنيَّة في ريعان شبابه وهو ابن 34 عاما، حتى أن لقب «الزعيم الفتى» ما زال يُطلق عليه حتى الآن.

أما الكتاب الثاني (إعجاز المسيح)، والذي كتبه حضرته تبيانا لمعارف سورة الفاتحة، وهو المضمار الذي تحدى فيه علماء شبه القارة الهندية وعلى رأسهم «بير مِهر علي» على الإتيان بتحفة تضاهيه، وهم الذين يُدعون علماء الهند ومفسري القرآن. ثم بعد ذلك ارتأى حضرته إرسال نسخة من هذا الكتاب العظيم إلى بعض أهل العربية، كونهم أعلم الناس بها، لتقريظه وقول كلمة حق، فوقع اختيار حضرته على بعض من محرري المجلات ذائعة الصيت وقتذاك، وهي «المناظر» و«الهلال» و«المنار». وقد تناول محرر الهلال موضوع كتاب «إعجاز المسيح» بأسلوب تغلب عليه الموضوعية والاتزان في إصدار الأحكام، فلم يصدِّق كليَّة ولم يُكذِّب كلية، وهذا في حد ذاته يعتبر موقفا مستحسنا من محرر مجلة ذي توجه مسيحي . أما صاحب المنار، الشيخ «محمد رشيد رضا» اللبناني الأصل والمولد، الذي استقر به المقام مؤخرا في مصر كونها حاضرة بلاد العرب في ذلك الحين، فقد نالت يداه ورقات «إعجاز المسيح» بينما صد عنها قلبه بالكلية، فكتب مستعجلا أن الكتاب مملوء من الأغلاط المنكَرة، وفي سجعه تكلُّف وضعف، وليس من الكلم المحبرة، والملح المبتكرة، ويوجد فيه ركاكة العجمة. وقال إن كثيرا من أهل العلم يستطيعون أن يكتبوا خيرا منه في سبعة أيام. لقد كان تعليق الشيخ «رشيد رضا» هذا على «إعجاز المسيح» محض ظلم واستعجال، ودون بيان أية أخطاء أو ركاكة كما ادعى، فكان ادعاؤه بغير دليل، شأن أغلب الأباطيل. لقد تأسف المسيح الموعود على إحسان ظنه بالرجل، ثم أنبأ بحقه بما يأتي: «سيُهزم فلا يُرى. نبأ من الله الذي يعلم السرَّ وأخفى» الشرح: سيتهرب من المواجهة ولن يُرى بعدها، هذه نبوءة من الله الذي يعلم أخفى الأسرار»(2).

لا شك أن نبوءة المسيح الموعود القائلة: «سيهزم فلا يُرى» قد صدقت بحق

رشـــيــــد رضـــا إذ لم يُطق جوابا على كلام المسيح الموعود، غير أن نفس النبوءة يبدو أن لها تجليا ماديا أيضا، فلقد مات هذا الشيخ بحسب النبوءة مهزوما أيضا، والهزم في العربية الحطم والكسر والرَّضُّ، وقد حصل له هذا نتيجة ارتجاج السيارة التي كان يستقلها على طريق طويلة غير ممهدة بين السويس والقاهرة، فحين أجهده ارتجاج السيارة تقيأ لافظا آخر أنفاسه.

ما نخلص إليه أن خبر المسيح الموعود ومبعثه في القاديان بالهند، نما إلى مسامع الناس في مصر وما حولها.

إن كتاب «مواهب الرحمن» بالإضافة إلى كونه تحفة عربية بشكل عام، فقد اشتمل على نبوءة موجهة إلى الشخص الذي أُلِّف هذا الكتاب العظيم بسببه، ففي مفتتح خطاب حضرته إلى «مصـــطفى كامــل»، خاطبه المسيح الموعود قائلا: «على رِسلِك يا فتى..» (1). قد تبدو هذه العبارة عبارة عابرة بادي الرأي، غير أنها في الحقيقة قد انطبقت على الزعيم الشاب مصطفى كامل باشا، والتصقت به في حياته وحتى بعد مماته، إذ وافته المنيَّة في ريعان شبابه وهو ابن 34 عاما، حتى أن لقب «الزعيم الفتى» ما زال يُطلق عليه حتى الآن.

رؤيا المسيح الموعود عن مصر

ونلمح كذلك بشارة عن مصر في رؤيا رآها المسيح الموعود وقصها على صحابته، واضعين في الحسبان أن رؤيا النبيين حق. لقد قص سيدنا المسيح الموعود في التاسع عشر يناير 1903 قبل صلاة العشاء رؤياه الآتية: «رأيت أنني واقف عند شاطئ النيل، ومعي كثير من بني إسرائيل. كنت أرى نفسي وكأنني موسى، وأرى أننا هاربون. وعندما أنظر إلى الوراء أرى أن فرعون يتبعنا بجمع كبير ومعه عدة وعتاد من الخيل والعربات وغيرها، وأنه قد أوشك أن يدركنا. لقد اضطرب رفقائي بنو إسرائيل كثيرا، وفَقَدَ معظمهم الهمة والعزيمة، وتمكن منهم اليأس، فرفعوا عقيرتهم بالصراخ قائلين: يا موسى، إنا مُدرَكون! فقلت لهم بصوت جهوري: كلا إن معي ربي سيهدين. ثم استيقظت وأنا أردد هذه الكلمات» (3)

الصحافة توصل الخبر السعيد

لقد كان لدعوة الأحمدية التي انطلقت من القاديان دار الأمان عام 1889م صدى واسعا بلغ مسامع كثير من المصريين عبر الحركة الثقافية التي ازدهرت حينذاك بفضل نشاط حركة النقل والمواصلات بين شبه القارة الهندية ودول الشرق الأوسط، وعلى رأسها مصر، نظرا لما تمتعت به مصر خصوصا من موقع جغرافي جعل منها ملتقى لخطوط النقل البحري عبر موانئها البحرية على البحرين المتوسط والأحمر. فقد علمت طائفة لا بأس بها من المصريين بخبر مبعث المسيح الموعود، وذلك عن طريق الصحافة الواردة من الهند أولا، ثم عن طريق الصحافة الصادرة من مصر ثانيا..

ومما هو معلوم أن الجرائد الهندية الناطقة بالإنكليزية كانت تصل إلى مصر ويطلع المصريون على مضامينها، حتى أن «مصطفى كامل باشا» قد بلغه خبر المسيح الموعود ونبوءة الامتناع عن مصل الطاعون عبر صحيفة إنكليزية كانت وصلت مصر من بلاد الهند، ويجدر ذكر أن «مصطفى كامل» قد نما إلى مسمعه إعلان حضرة مرزا غلام أحمد كونه المسيح الموعود.

ولم يتوقف الأمر عند اطلاع المصريين على صحف خارجية تُعلِمهم بمبعث المسيح الموعود ، بل تعداه إلى صدور صحف ومجلات مصرية تروج هذا الخبر السعيد أيضا، بصرف النظر عن الطريقة التي روجته بها، ففي مجلة الهلال، العدد العاشر، الصادر بتاريخ الخامس عشر من  فبراير 1902، نشر صاحب المجلة المحرر المسيحي المعروف «جرجي زيدان» مقالا له بعنوان «قبر المسيح في كشمير، (4) ضمَّنه رسالة تلقاها من أحد قاطني قرية القاديان، ويدعى «السيد عبد الله كشميري» يستفسر فيها عن مدى صحة ادعاء حضرة مرزا غلام أحمد القادياني بشأن نجاة المسيح الناصري من الصلب بهجرته إلى الهند، ومن ثم استقراره بكشمير وموته ودفنه هناك. لم يتسنَّ لنا معرفة ما إذا كان صاحب الرسالة مسلما أحمديا أم لا، فقد غلب على الرسالة طابع التساؤل المهذَّب ربما بهدف الإعلام وربما بهدف الاستعلام. وبصرف النظر عن أسلوب تناول صاحب المجلة للخبر، فما يهمنا هو أنه نشر الرسالة كما هي، بما يضمن إعلام القراء بالأمر، بل قد أشار المحرر بنفسه إلى أحد أعداد مجلة الهلال، العدد السابع عشر الصادر في السنة التاسعة من تاريخ صدور العدد الأول، ذكر فيه شيئا عن كتاب «إعجاز المسيح» والذي تلقَّاه من مؤلفه «حضرة مرزا غلام أحمد في وقت سابق.

يثبت من مقالات محرر مجلة الهلال تلقيه لرسائل من القاديان، من المسيح الموعود نفسه ومن آخرين أيضا، الأمر الذي نوقن معه بأن دعوة الأحمدية لم تكن طي الخفاء، ولم يكن المصريون بمعزل عنها منذ بواكيرها.

 

الهوامش:

  1. مرزا غلام أحمد القادياني، مواهب الرحمن
  2. مرزا غلام أحمد القادياني، الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية، مجلد 18، ص 254
  3. جريدة «بدر»، مجلد 2، عدد 1-2، يوم 23-30/1/1903، ص 7، و»الحكم»، مجلد 7، عدد 4، يوم 31/1/1903، ص 15
  4. انظر: جرجي زيدان، مجلة الهلال، العدد 10، بتاريخ 5 فبراير 1902.
Share via
تابعونا على الفايس بوك