- الحال المتردية للعالم الإسلامي وسببها.
- السبيل المُجرب للنجاة الحقة.
__
حياةٌ ملؤ باطنها الخوف والرعب، وسطحها الظلم والفساد.. كلمات وجيزة تصف وصفًا دقيقًا حالة الشارع الإسلامي الذي يتخبط في النكبات بعد فقدانه العيش في ظل الأمن والسلام. ورب سائل يستفسر: هل هذه هي الحياة التي ارتضاها الله لخير أمة أخرجت للناس؟ وهل هذا الوضع المزري هو هدف الاستخلاف في الأرض؟!
ولا شك أن قائمة الاستفسارات ستطول وإلى هذا الحد الفاصل ستؤول: هل الغدر، الخيانة، السرقة، الجشع، النفاق، التمرد، البغضاء وإراقة الدماء تستطيع أن ترضي النفوس لتنعم بالأمان والسلام؟!
صيحات عديدة تعلو من هذه الربوع وتلك يطلقها الباحثون عن الخلاص من براثن هذه العلل. لقد غاب الأمن والسلام عن الكثير من الربوع والأقطار وانتشرت النـزاعات والحروب وذاب سلام الإنسان الداخلي والخارجي وأصبح العالم ينام ويستيقظ على أخبار الفواجع والنكبات والمآسي والجرائم! ولا شك أن كل ما يحدث هو بسبب نسيان الهدف النبيل الذي خُلقنا من أجله، وما لم يُدرَك كنهُه وهو أن تصير البشرية منصبغة بصفات الله تعالى كوننا فُطِرنا على فطرته أي لدينا مؤهلات لكي تنعكس فينا صفاته .
إن السبيل إلى السعادة والسلام والرضى مع النفس والمجتمع لا يناله أحد بذهب وفضة ولا بالمساعي الذاتية والمقولات الفلسفية ولا بامتلاك القوة والسلطان، لذلك نرى أنه من سنن الله أنه يرسل أنبياءه إلى الناس ليرشدوهم إلى سبيل السعادة والسلام الحقيقيين بعد الإيمان به سبحانه وإخلاص العبودية له والتزام تعاليمه التي أوحاها إلى رسله.
لقد تحدى كثير من المخالفين عبر التاريخ الأنبياءَ واستهانوا بدعوتهم بسبب اغترارهم بما عندهم من مناهج وعلوم ومكتسبات مادية فظنوا أنها الضامن لتحقيق السعادة والسلام وليس باتباع ما يدعوهم إليه المرسلون..
وإلى يومنا هذا ما زالت البشرية بسبب قلة فهمها وإدراكها لغاية وجودها مغرورة معجبة بسعيها الحثيث وراء المقاصد المادية والأماني الكاذبة، وانصرفت عن مائدة السماء وانهمكت في المفاسد والموبقات من شرب الخمر والمقامرة والكذب واللهو.. لقد غاب عنها حقيقة أن امتلاك الأسباب والانشغال في المتع والملاهي لا يمكنه أن يمنح السكينة والسلام الداخلي والطمأنينة القلبية، لأن السلام والسكينة تأتي من واهب السلام وهو الله الواحد القهار. ويستحيل تحصيل هذا الفردوس بمال أو ذهب أو سلطان. فسلام الله نعمة جليلة لا يمكن الوصول إليه إلا بمعرفة الله وصفاته والسعي الصادق عملا بتعاليمه وتطهير القلب من كل الأسقام والأرجاس حتى يصير مهبط أنواره .
ولا شك أن هذه الحالة الرديئة المتردية تستلزم مصلحا من السماء وطبيبا حاذقا يخرج جسد الأمة المنهك من غرفة الإنعاش لعل الحياة تُبعث فيها من جديد.
بوسع الإنسان المادي أن يتباهى بغناه الذي لا يحوي آلية استشعاره بالسكينة والطمأنينة التي هي مدار السعادة الروحانية والاستقرار النفسي. إنها نعمة عظيمة عجز الملوك عن تحصيلها بسلطانهم وجبروتهم، وأنْهَكَتْ الفلاسفة والحكماء رغم منطقهم وحكمتهم، وافتقر إليها الأثرياء رغم كثرة أموالهم وعقاراتهم، وغابت عن الكهنة والمشعوذين والمنجمين رغم معابدهم وطَلاَسِمِ كُتُبِهم ومراصدهم.. بلى من تَسَامَتْ أرواحهم وقلوبهم إلى السماء فأولئك هم الوارثون لهذه النعمة، إذ لا يصل إليها أحد إلا بتزكية النفس ومجاهدة الأهواء والأماني الشيطانية بصدق وإخلاص. لقد فاز بهذه النعمة على مدى التاريخ الأنبياء عليهم السلام ومن اهتدى بهديهم، وفازوا بما اسْتَيْقَنَتْهُ أنفسهم على بصيرة من أمرهم بوصال الله تعالى حتى بذلوا نفوسهم وأرواحهم واسترخصوها في سبيل الإيمان ومعانيه العظيمة. فالسرّ الذي جعل كل هؤلاء الصديقين والربانيين الأبرار في مختلف العصور يضحون بكل غال ونفيس في نشوة وسعادة روحية ما هو سوى ذلك البريق الذي لمع في قلوبهم فصارت مفعمة بمحبة الله وسلامه ثم عرشا لصفاته.
إن الإسلام من السلام، والسلام من أسمائه تعالى، وفي هذا الاشتقاق اللفظي دلالة روحية على أن هذا الدين يحوي تعليمُه الطمأنينة والسكينة الروحية إن استسلم المؤمن لله تعالى استسلاما كليا. إن عبادات الإسلام كلها تؤدي بالإنسان إلى خالقه وتمنحه الطمأنينة والوئام، وهكذا يحظى بجنة الدنيا، أما جنة الآخرة فما هي إلا انعكاس آخر لها بتجليات أقوى وأعظم. فيا ليت أبناء ديننا يستشعرون بالأسقام الفتاكة التي تأكل جسد الأمة يوما بعد يوم. ولا شك أن هذه الحالة الرديئة المتردية تستلزم مصلحا من السماء وطبيبا حاذقا يخرج جسد الأمة المنهك من غرفة الإنعاش لعل الحياة تُبعث فيها من جديد. وخير ما نستحضره بهذا الخصوص وصفة علاجية لإمام الزمان سيدنا أحمد عليه الصلاة والسلام: “ووالله إني جئت الناس لأجُرَّهم من الـمَحْلِ إلى غرارة السُحُب، ومِن الجهل إلى العلوم النُخَب، ومن التقاعس إلى الطلب، ومن الهزيمة المخزية إلى الفتح والطَرب، ومن الشيطان إلى الله ذي العجب، وأريد أن أضع مرهم عيسى مواضع النُّقَب…” (لجة النور)
عزيزي القارئ إحياء لذكرى أول بيعة أخذها سيدنا أحمد في 23 من آذار سنة 1889 نود أن نرفع من على منبر “التقوى” دعوة للباحثين عن سبل النجاة أن يلتحقوا بسفينة السلام وذلك بالانضمام إلى جماعة إمام الزمان الذي قال في حقه سيد الرسل عليه أفضل صلاة وسلام: “وبايعوه وعلى حبوًا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي.”
هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين.