- لم يخلق الله الكون عبثاً
- لا ينجو من يخالف إرادة الله ويُكذب الأنبياء من العقاب الإلهي
- هلاك الأقوام عندما تنكشف نقائصهم
- الشيطان يظهر عيوب البشر، والملائكة تظهر حسناتهم
- ما يؤتينا الله جزاء على أعمالنا إنما هو عطاء وفضل منه
__
شرح الكلمـات:
يُذْهبكم: الذّهابُ: المُضِيُّ، وهو كنايةٌ عن الموت أيضاً، قال الله تعالى: إنْ يشأْ يُذهبْكم ويأتِ بخلقٍ جديد (المفردات)
التفسـير:
أي أن الله تعالى لم يخلق الكون عبثاً، فكيف يمكن أن يضع الله زمام الدنيا في يد هؤلاء الكفار الذين يأتون أعمالاً تبطل غاية خَلقهم؟ فيجب أن يتذكروا أنهم في حالة خطر لأنهم يخالفون المشيئة الإلهية.ولا يظنّنّ هؤلاء أنه لا أحد يقدر على أن ينتزع منهم ما يملكون أو يقوم مقامهم، كلا، بل إن الله قادر تماماً على أن يُهلكهم ويأتي مكانهم بقوم آخرين. والمراد من (الآخرين) هم جماعة أتباع الأنبياء عليهم السلام. ولم يقصد الله بهذا التأكيد على قدرته فقط، بل التأكيد أيضاً على عزمه الأكيد بتجهيز قوم يأخذون مكان هؤلاء المكذبين.
لقد ذكر الله تعالى هنا سراً عظيماً لهلاك الأمم… فإنه تعالى يذكّرنا أن الأمم لا تهلك بسبب وجود العيوب فيهم بقدر ما يهلكون نتيجة انكشاف عيوبهم على العالم. فإنهم بالرغم من وجود النقائص فيهم يستمرون في إحراز التقدم والرقي ما دامت هذه النقائص خفيّة مستترة…
شرح الكلمـات:
عزيز: يُقال: عزَّ عليّ كذا: صَعُب قال الله تعالى: عزيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ أي صَعُبَ (الأقرب)
التفسـير:
يا لغرابة أهل الدنيا! فعندما تُصاب أُمَّة بالانحطاط تقول: إن نهوضنا مستحيل الآن، وعندما تحقق الرقي تقول: إن انحطاطنا محال الآن. مع أنهم يرون نهوضَ الأمم المنهارة وانحطاط الشعوب المتقدمة في كلّ عصر. فكم من أمة نهض بها الله بعد سقوطها، وكم من شعب وضعه الله وألقاه في الحضيض بعد رقيٍّ وازدهار.
شرح الكلمـات:
مُغنون: أغنى عنه: أجزأَه. ما يُغني عنك هذا أي ما يُجدي عنك (الأقرب)
مَحيص: حاصَ عنه يحيصُ: عدَلَ وحادَ. المحيصُ: المحيدُ؛ المَهربُ (الأقرب)
التفسـير:
لقد استخدم الله تعالى في الآية صيغ الماضي بمعنى المستقبل، والدليل على ذلك أنه تعالى يتحدث هنا عن العذاب الذي لم يكن قد حلّ بهم. واستخدام الفعل الماضي مكان المضارع أسلوب قرآني للتأكيد، والمعنى أن هذا الأمر واقع لا محالة وكأنه قد وقع في الماضي. وهناك نظائر كثيرة في القرآن الكريم لهذا الاستخدام. وفي لغتنا الأردية أيضاً يقال لمن ينتظر قادماً فيملّ انتظاره: لا تقلق، فقد جاء. فالآية تعني أن الله تعالى حين يقرر هلاك قوم فلا بد أن يضطروا للبروز والمثول أمامه بمعنى أن عيوبهم ونقائصَهم التي تكون خفيّة من قبل تنكشف للناس شيئاً فشيئا.
لقد ذكر الله تعالى هنا سراً عظيماً لهلاك الأمم يجب أن نتذكره دائماً. فإنه تعالى يذكّرنا أن الأمم لا تهلك بسبب وجود العيوب فيهم بقدر ما يهلكون نتيجة انكشاف عيوبهم على العالم. فإنهم بالرغم من وجود النقائص فيهم يستمرون في إحراز التقدم والرقي ما دامت هذه النقائص خفيّة مستترة، وتهابهم الأمم وترتعب منهم. ولكن عندما يهتك الله سترَهم ويكشف عيوبهم للآخرين يأخذون في الانحطاط باستمرار، رغم محاولاتهم المضنية للنهوض. وهذا يعني أن الصِّيت أهم وأكثر نفعاً للأنسان من عمله أيضاً. وإلى هذا المعنى تشير الآية وتقول: إن الله تعالى عندما يريد إهلاكهم يفضحهم ويكشف عيوبهم للدنيا، وإلاّ فإنه تعالى عليم بكلّ صغيرة وكبيرة منهم في كل حين.
أما قوله تعالى فقال الضّعفاءُ للذين استكَبروا.. فمعناه أنه عندما سيأخذ هؤلاء الكفار في التردي والهلاك سيقول الضعفاء منهم لكبرائهم: تعالوا لحمايتنا من الهلاك فإننا كنا خاضعين لكم نتبع أوامرَكم، فيقول لهم الكبراء: لا نجد نحن أيضاً من الهلاك مخلصاً، فكل ما نبذله من جهود يبوء بالفشل، فكيف ننصركم ونحن الخاسرون، فما عليكم إلا أن تلتزموا الصبر.
وهنا أيضاً يبيّن الله تعالى سرّاً آخر في هلاك الأمم. إذ أن الأقوام التي لم يحن وقت هلاكها بعد لا تزال -رغم تعرضها للانهيار- جاهدةً ساعيةً سعياً حثيثاً للخروج من المآزق التي هي فيها. ولكن الأمة التي كُتب عليها الهلاك تركن إلى القنوط واليأس صابرة مستسلمة لما هي فيه. مع أن هذا ليس من الصبر في شيء، وإنما الصبر أن يواجه الإنسان هذه الشدائد بجَلَد وعزيمة محاولاً التخلص منها، لا أن يرضى بها مطمئناً.
كما أن الآية تشير إلى أن الناس يحُضّون بعضهم بعضاً على ارتكاب الجرائم والمعاصي قائلين لهم: افعل كذا ولا تبالِ، فنحن نتحمل المسؤولية. ولكن عندما يُنزل الله بهم العذاب فلا أحد يتصدى لنصرتهم إذ لا أحد يقدر على ذلك. ونفس الحال بالنسبة للجرائم الدنيوية. فكبراؤهم يحثونهم على القتل وغيره من المعاصي ويَعِدونهم بأنهم سوف ينقذونهم من العقاب، وعندما يُلقى القبض عليهم فلا أحد من هؤلاء الكبراء يتقدم لنصرتهم وإنقاذهم .
شرح الكلمـات:
الحق: (راجع شرح الكلمات للآية رقم 15 من سورة الرعد)
أخلَفْتُكم: أخلَفَه ما وعده: قال شيئاً ولم يفعله. أخلَفَ فلاناً: وجدَ موعِدَه خِلْفاً. أخلَفَ الغيثُ: أطمَعَ في النزول ثم نكَص. أخلفَ الدّواءُ فلاناً: أضعَفَه (الأقرب) فالمراد من (أخلَفتكم): (1) أنني أخلفتكم الوعد، (2) أنني أضللتكم بالوعود المعسولة الكاذبة.
مُصرِخ: أصرَخَ فلاناً: أغاثه وأعانه، تقول: استَصرَخَني فأصرخته أي استغاث بي فأغثتُه، وقيل: الهمزةُ للسلب أي فأزلتُ صراخَه (الأقرب). فالمراد من قوله: ما أنا بمُصرِخكم (1) لا أقدر على نجدتكم كما لا تقدرون على مساعدتي. (2) لا أستطيع إزالة صراخكم كما لا تستطيعون إزالة صراخي.
التفسـير:
إن الشيطان أو أظلاله من البشر يعلنون براءتهم ممن يتخذونه أداةً طيّعة لارتكاب الإثم، إذ يقولون له: لم نكرهك على ارتكابه، وإنما كنت بنفسك شريرًا لذلك رضيت بما أشرنا به عليك. لو كان فيك خير لما رَضِيت بقولنا. متى أكرهناك على ارتكاب المعصية؟
وهذا حق لا شك فيه. فإن الشيطان أو أظلاله من البشر لا يملكون في الواقع أي خِيار على الإنسان، وإنما هم وسيلة لكشف عيوبه فقط، مثلما تكون الملائكة سبباً لظهور كفاءاته الحسنة. والحق أن أهواء النفس البشرية هي التي تضله وتنحرف به، ولا دخل للشيطان في ضلاله، إلا أنه يمتحن الإنسان مشيراً عليه باختيار السيئة. شأنه شأن المعلم الذي يضع أمام الطالب أسئلة صعبة وقت الامتحان. فعند فشل الطالب في الامتحان لا يقول أحد بأن المعلم هو الذي تسبب في فشل الطالب وإنما يقولون: إنه فشل بسبب ضعفه العلمي، أما المعلم فقد كشف عليه الواقع. كذلك حال الملائكة والشيطان. فالملائكة يُظهرون للإنسان مستواه في الخيرات، بينما يكشف عليه الشيطان مستواه في السيئات، ولا يعني ذلك أن الملائكة تجعل الإنسان بارّاً، أو أن الشيطان يجعله فاسداً.
والمراد من قوله فلا تلوموني ولوموا أنفسَكم أنكم رأيتم وعود الله تتحقق دائماً ومع ذلك لم تكترثوا لها ولم ترضوا بها، وتقبلتم ما وعدتكم من وعود معسولة رغم انكشاف زيفها عليكم، فما ذنبي في ذلك.
وقوله إني كفرت بما أشركتمونِ مِن قبل .. أوليس غريباً أن نجد الشيطان يدّعي الإيمان بتوحيد الله تعالى، إذ يذكّرهم قائلاً: أنتم بأنفسكم اتخذتموني شريكاً مع الله بينما كنت أنكر ذلك.
والواقع أنه على حق، لأن الشيطان الذي يقوم باختبار الناس وكشف عيوبهم إنما يقوم بواجبه الذي فرضه الله عليه. ولا شكّ أن جبروت الله وعظمته تكون جليّة أمام عينيه، فكيف يمكن إذاً أن يقع في الشرك؟ وإنما يتولد الشرك في الإنسان عندما يقبل الوساوس الشيطانية ويـحوِّلها إلى معصية.
هناك سمٌّ اسمه “الزرنيخ” يستخدمه الأطباء كترياق ناجع في بعض الأمراض ولكن إذا أساء أحد استخدامه وتناول كمية أكبر من اللازم صار هذا الترياق سمّاً قاتلاً. هذا هو مثال الشيطان، فإن تأثيراته كالزرنيخ أو هي بمثابة اختبار المعلم للطالب، فإذا تصرّف تجاهها تصرفاً سليماً نجا وفاز وإلا فشل وهلك.
وقد يتساءل هنا أحد قائلاً: فلماذا يلقي الله بالشيطان في الجحيم إذن؟ والجواب: لقد سجّل القرآن قول الشيطان لله تعالى خلقتَني من نار (الأعراف:13). فالذي خُلق من النار لن يتعذب بدخوله فيها، فمثلاً لو ألقيتَ جمرةً ملتهبة في الموقد فلن يحدث لها شيء. ولذلك نجد الصوفية يميلون إلى الاعتقاد بأن أظلال الشيطان من البشر سوف يعذَّبون، ولكن الشيطان نفسه لن يعذَّب، لأنه إذ يختبر الناس فإنه يؤدي واجبَه الذي فرضه الله عليه.
فإن الشيطان أو أظلاله من البشر لا يملكون في الواقع أي خِيار على الإنسان، وإنما هم وسيلة لكشف عيوبه فقط، مثلما تكون الملائكة سبباً لظهور كفاءاته الحسنة.
شرح الكلمـات:
إذْن: الإذنُ: الإجازةُ؛ الإرادةُ؛ العلمُ (الأقرب)
تحيّتهم: التّحيةُ: السلامُ؛ البقاءُ؛ السلامةُ من الآفات. والتحيّةُ من الله: الإكرامُ والإحسانُ (الأقرب)
التفسـير:
لقد قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى خالدين فيها باذن ربِّهم إن الإنسان لن يدخل الجنة إلا بفضل الله ورحمته لا كحق ثابت له. كما ورد في الحديث الشريف أيضاً: “عن عائشة عن النبي قال: سدِّدوا وقـارِبوا وأبشِروا، فإنه لا يُــدخِل أحداً الجنةَ عملُه. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة ” (البخاري، الرقاق).
الواقع أن أعضاءنا وملكاتنا كلها عطاء من الله الرحمن، وهكذا تصبح أعمالنا أيضاً هبة من الله، لأننا إنما نؤديها بفضل هذه القوى الموهوبة من عنده سبحانه وتعالى. فما يؤتينا الله من جزاء على أعمالنا إنما هو عطاء وفضل منه، وليس حقاً لنا في الواقع.
وأرى أن للآية معنىً آخر أيضاً وهو أن المؤمن لا يريد بأعماله الجنة، بل ينشد بها رضوان الله. فلو أقام في الجنة فإنما لأنه تعالى قد أمره الله بهذا. وهذا المعنى يتأكد من حديث شريف قال فيه النبي : إن العاملين ثلاثة، فمنهم من يعمل الحسنات طمعاً في الجنة، ومنهم من يعمل خوفاً من النار، ومنهم من يعمل لوجه الله ومرضاته.
فلا شك أن الصنف الأخير منه سوف يظفر بالجنة أيضاً، ولكن كهدية لا كهدف منشود.
قوله تعالى تحيّتهم فيها سلام يعني أنهم سوف يتبادلون هناك فيما بينهم تحية السلام؛ أو أنه لن يصيب هناك أحداً شرٌ من أحد، بل سيعيشون في سلام تام؛ أو أن أفضل تحية يتلقونها من الملائكة أو من الله في الجنة هي السلام.. بمعنى أن الملائكة يثيرون ما فيهم من ملكات دقيقة خفية لتقوى الله، كما أن الله سوف يخصهم بأفضال ونعم خاصة.