ظهور كامل للصفات الإلهية

في آخر وأفضل حلقة في سلسلة الحياة

أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عـَلِيمٌ بِـذَاتِ الصُّدُورِ (هود: 6)

شرح الكلمات:

يَثنون: ثَنَى الشيءَ ثَنْيًا: عَطَفَه (الأقرب)، والإنسان يثني فمَ القربة أو الكيس كيلا يسقط منه ما فيه. فمعنى الجملة: أنهم يسعون لإخفاء ما في قلوبهم من أفكار.

يستغشون: استغشى ثوبه وبثوبـه استغشاء: تغطَّى به كيلا يُسمع ويُرى (الأقرب).

التفسـير:

لقد ذكر الله هنا عيبين للكفار يحرمانهم مــن الهدى. الأول: إنهم يخفون ما يتولد في قلوبهم من أفكار مريضة ولا يكشفونها لأهل الحق، وهكذا لا يمكن شفاؤهم منها، مع أنه يجب على الإنسان الذي يبحث عن الحق والهدى أن يصرّح للآخرين بما يصده عن قبول الحق، لأنه ما لم يتم إزالة العقبة الحقيقية لا يمكن له نيل الهدى. وقد لوحظ هذا المرض في كثير من الناس، فإنهم لا يذكرون أثناء الحديث عن قضيةٍ ما هي العقبةَ الحقيقية التي تقف أمامهم وإنما يناقشون الأمور الهامشية، وهكذا ينتهي الحوار وهم على ما كانوا عليه من الشك والريبة.

والمرض الثاني هو أنهم يحاولون أن لا يغيّروا ما في قلوبهم، ودأبهم في ذلك أنهم لا يريدون الحوار وسماع موقف الخصم إطلاقًا. وكيف يمكن أن يهتدي للحق من ليس مستعدًا لسماع ما يقوله الآخرون. وهذا المرض أشد فتكًا من الأول، وهو عامٌّ وشائع. فلكي يبقوا على ما هم عليه يحاولون جاهدين – عند رؤية تأثير الحق والصدق – أن ينأوا بأنفسهم عن الاستماع لأهل الحق، كما ينهون غيرهم عن الإصغاء إليهم قائلين: إن هؤلاء سحرة مشعوذون فلا تسمعوا لحديثهم.

والله تعالى يُنبّهُهم هنا أنهم يتعاملون مع الذي هو عالم الغيب، فهل سيجديهم قولهم بأنهم لم يقبلوا الحق ولم يعرفوه لأنه لم ينكشف عليهم، ولم يروا حجة ولا برهانًا. إن الذين يفرون خلسةً كي لا تقام عليهم الحجة، قد أقاموها هم على أنفسهم فعلاً. فلا يحق لهم بعد الادعاءُ بعدم العلم أو عدم الاطمئنان إلى الحقيقة. اللّهم إلا من سعى منهم جاهدًا لفهم الحقيقة ومعرفة الحق، ولكنه لم يستطع ذلك، أو الذي لم يبلغه الحق رغم بحثه الأكيد عنه بخلوص النيّه وصفاء القلب.

وقد تعني الجملة أن الله العليم مطّلع على مكائدهم الظاهرة والخفية ضد دينه الحنيف.

والمراد من ذات الصدور هو الأفكار والنوايا، وذلك أن صدر الشيء يعني أفضله، وأفضل ما في الإنسان أفكاره ونواياه لأنها منبع جميع أعماله وإنجازاته. فتعني جملة إنه عليم بذات الصدور أنه عزّ وجل مطّلع على خفايا قلوبهم، وأنه لم يبعث رسوله إليهم إلا بسبب فساد نيّاتهم، فلا حقيقة إذًا لدعواهم بأنهم على خير حال وفي غنًى عن أيّ مصلح سماوي.

إنّ علاقة هذه الآية بما قبلها هي أن الآيات السابقة لها تعلّم الإنسان طريق الترقيات الروحانية وتتحدث عن العقبات التي تعوق تقدمه رغم أنفه، وتدلّه كيف يستطيع تذليلها. أما هذه الآية فتتـحدث عن العـوائق التي يخلقـها الإنسـان بنفسه، والتي تتوقّف إزالتـها على إرادته وجهوده هو.

لأنه تعالى جاء بهذه الجملة بعد قوله (وكان عرشه على الماء) ليبين أننا إنما نتجلى بهذه الصفات لكي تقوموا بأحسن ما يمكن من الأعمال، مما يؤكد أنه تعالى إنما يتجلى بها لكي يسعى الإنسان إلى تقليدها والاتصاف بها.

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (هود: 7).

شرح الكلمات:

دابّة: الدابة: ما دبّ من الحيوان، وغلب على ما يُركَب ويُحمل، ويقع على المذكر، والهاء فيها للوحدة (أي للواحد) كما في الحمامة. (الأقرب).

مستقرّها: المستقرّ: موضع الاستقرار. والشمس تجري لمستقر لها: أي لمكان لا تجاوزه وقتاً ومحلاً (أي زمانًا ومكانًا) (الأقرب).

مستودَعها: استودعه مالاً: استحفظه إياه. والمستودَع: مكانُ الوديعة والحفظ؛ مكانُ الولد من البطن (الأقرب).

التفسـير:

تعني الآية أن الله تعالى وحده الذي يهيئ الرزق لكل مخلوق، سواء كان من الآدميين أو من حشرات الأرض أو وحوش الغاب، وكل ما على المخلوق هو أن ينتفع بهذا الرزق. إن العقل الإنساني يقف مذهولاً حيالَ كيفية حصول كل هذه الحشرات التي لا تعد ولا تحصى على رزقها الميسّر. إن الإنسان لا يعرف حتى الآن نوعية غذاء بعض الديدان. إن ما يزرعه الإنسان لنفسه يجعل الله فيه نصيبًا للحيوانات أيضًا، فإذا كانت حبات القمح تصبح غذاءً له فإن التبن يصبح علفاً للمواشي. لو نبتت حبات القمح دون السيقان والأوراق التي تصير تبنًا للماشية فلربما لم يعتنِ الإنسان بغذاء هذه الحيوانات المسكينة كما ينبغي.

ثم إن الله تعالى قد جعـل بعض الأطعمة ضـارة لبعض المخلوقـات ونافعة لغيرهـا. فمثلاً تصلح الأعشاب والأشجار ذات الأشواك طعامًا للإبل، وتصير النجاسة غذاءً للغنم. ثم إنه جلّ شأنه قد هيّأ للديدان المتولدة في جسم الإنسان غذاءها حيث هي. وبالاختصار، قد جعل الله تعالى لكل مخلوق غذاء مختلفا. حتى إن أغذية الحيوانات المفترسة تختلف من حيوان لآخر. فكل هذه الحيوانات التي تبلغ عشرات الملايين تعيش على أغذية متنوعة جدًّا. وهذا الإنسان الذي يدّعي اكتشاف أسرار الطبيعة لا يستطيع الإحاطة حتى بأنواع هذه المخلوقات، ناهيك عن معرفة نوعية أغذيتها التي هيّأها الله لها.

وأشار الله بقوله تعالى كلٌّ في كتاب مبين إلى أن المخلوقات لم توجد بنفسها عبثًا، بل إن الله تعالى هو الذي خلقها وقد حدّد لكل فرد منها مدىً وجعل له غاية محددة.

وتبيّن الآية أنه لما كان الله تعالى هو الذي يهيئ الرزق لكل مخلوق، من صنوف الحيوانات التي لا حصر لها، ويلبي كل حاجة لها – مهما ضَؤُلَتْ – فكيف يمكن إذن أن يُغفل الله سبحانه هذا الكائنَ الذي هو أشرف المخلوقات وأرقاها، فلا يهيئ له الرزق الروحاني الذي هو سبب فضيلته في الواقع.. أي كيف يمكن أن يتغاضى سبحانه عن إنزال تعليم سماويّ لهذا المخلوق الراقي لتنمية ملكاته الروحانية وقواه الأخلاقية. إن العقل السليم لا يقبل أبدًا أن يكون الله هو الذي يسدّ حاجات هذا الكائن منذ أن كان مضغةً من الدم في الرحم، ثم يتخلى عنه عندما يستوي إنسانًا ويكون بحاجة إلى ما ينمي به ملكاته الروحانية والأخلاقية. فلا بد إذن أن يكون الله قد هيأ أسـبابًا لتـربيته الروحـانية، وترك له الخـيار كي ينتـفع بها على الوجه الذي يتراءى له.

ولقد قال الله تعالى من قبل ويعلم مستقرَّها ومستودَعَها ، والمستقر مكان استقرار الشيء وإقامته إقامةً دائمة، والمستودع مكان إقامته إقامة مؤقتة. لقد أضاف هذه الكلمة هنا لأنه لا يقدر على إمداد المحتاجين بالغذاء إلا الذي يعرف مكان إقامتهم، كما أنه لا يهيئ الغذاءَ المناسب النافع إلا من كان عالمًا بمدى قدرات أولئك المحتاجين. أما الذي لا علم له بمنازل المخلوق وقدراته فيمكن أن يخطئ في كيفية تزويده بالغذاء. ومن أجل ذلك نجد أن ما اخترعه الإنسان من عند نفسه من مبادئ وتعاليم فإنه لم يراعِ فيها الاتزان، بل إنما راعى فيها مستودعه فقط أو مستقره فحسب. فإما أنهم بالغوا في التركيز على الجانب الروحاني وحده، غاضين النظر تمامًا عن حاجات الإنسان الجسمانية، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى حرمانه من الرقي الروحاني أيضًا، لأن فساد الإناء يسري إلى الغذاء الذي فيه؛ أو أنهم بالغوا في التركيز على الجانب الجسماني فقط، مهملين الحاجات الروحانية تمامًا، مع أن الإنسان إنما يفضل على غيرِه من المخلوقات بروحانيته وآدميته لا غير. وهكذا فكأن هؤلاء المقترحين يُفسدون غاية الخلق الإنساني.

فالحق أن عقل الإنسان وحده لا يقدر على إدراك الغذاء المناسب له الذي يُراعى فيه الجانبان الروحاني والجسماني معًا، لأنه لا علم له بحالات ما بعد الموت في قبره وبعد بعثه في الآخرة، في حين هو بحاجة إلى الغذاء الروحاني من أجل العالم الأخروي. إذًا فلا يستطيع هو أن يقترح بعقله الذاتي ما ينفعه في الآخرة من عقائد وأعمال.

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُـونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقـُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِـحْرٌ مُبِين (هود: 8).

شرح الكلمات:

الماء: جسم رقيق مائع يُشرب، به حياةُ كل نامٍ (الأقرب).

سَحَرة: السِحر: كلُّ ما لَطُفَ مأخَذُه ودَقَّ؛ وقيل: إخراجُ الباطل في صورة الحق؛ وإطلاقُه على ما يفعله من الحيل حقيقة لغوية (أي مجاز). سَـحَرَه: عـمل له السـحرَ وخدعه (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى: انظروا كيف أن الله هيأ بالتدريج أسبابًا لخلقكم وظروفًا لرقيكم، حيث لم يزل يطوّر الحياة إلى أن خلق الإنسان. ألا تدركون من ذلك أنه جعله غاية خلق الكون كله؟ ثم فكِّروا لماذا جعله غاية الخلق؟ لا شك أن سبب ذلك هو ما أُودع هذا الإنسان من ملكات روحانية. فكيف يمكن أن يهمل الله ملكاته الروحانية هذه، ولا يهيئ لتنميتها وتطويرها ظروفًا ملائمة؟

أما قوله تعالى وكان عرشه على الماء ، فاعلم أن القرآن الكريم قد صرّح في عدة أماكن فيه أن الماء منبع الحياة كقوله تعالى ألم نخلقكم من ماءٍ مَهينٍ (المرسلات: 21)، وقوله فلينظرِ الإنسانُ مِمّ خُلِقَ. خُلق من ماءٍ دافق (الطارق: 6و7)، وقوله وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نَسَباً وصِهْرًا (الفرقان: 55)، وقوله أولم يرَ الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رَتقاً ففتقناهما، وجعلنا من الماء كلَّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون (الأنبياء: 31).

وهكذا يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الحياة خُلقت من الماء. فالمراد من قوله تعالى وكان عرشه على الماء أن صفات الله الكاملة إنما ظهرت من خلال كائنات ذات حياة. وأيُّ شك في أن الصفات الإلهية إنما تظهر ظهورًا كاملاً عن طريق الإنسان الذي هو آخر وأفضل حلقة في سلسلة الحياة.

وإن قوله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملاً أيضًا يؤكد المعنى الذي ذكرته آنفًا. ذلك أن العرش لو كان موضوعًا على الماء المادي في الحقيقة – كما يزعم البعض- فكيف يتم به اختبار الأعمال الإنسانية؟ ولكن ما ذكرته من معنى لا يُبقي أي إشكال وينحسم المعنى في الجملتين تمامًا، إذ إن المراد الحقيقي منهما أن الله عز وجل قد قدر ظهور صفاته الكاملة من خلال المخلوقات الحية، لكي يرى سبحانه أيّ الناس سينتفع بهذه الصفات ويسبق غيره في مضمار الرقي الروحاني.

الإسلام لا يعترف بكون الإنسان مخلوقا قد تطور من القرد أو أي حيوان آخر، غير أنه يعترف بكل تأكيد بأن الحياة لم تزل في تطور تدريجي إلى أن خُلق الإنسان، وإن كان الله قد دبّر تطوير بذرة خلقه منذ البداية بحيث لا يخرج منها في آخر المطاف إلا الإنسان.

كما أن قوله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملاً يشير إلى أن غاية خلق الإنسان أن يسعى ليكون مظهرًا للصفات الإلهية، لأنه تعالى جاء بهذه الجملة بعد قوله (وكان عرشه على الماء) ليبين أننا إنما نتجلى بهذه الصفات لكي تقوموا بأحسن ما يمكن من الأعمال، مما يؤكد أنه تعالى إنما يتجلى بها لكي يسعى الإنسان إلى تقليدها والاتصاف بها.

كما أن قوله تعالى وكان عرشه على الماء يعني أيضًا أنه ما دامت قدرته تعالى لم تزل تتحكم في كل حلقة من سلسلة خـلق الإنسان فـكيف يمكن أن يخرج هذا الإنسـان عن دائرة قدرة الله تعـالى وحكمه.

وهناك معنى ثالث لقوله تعالى وكان عرشه على الماء وهو: أن الله قد جعل ظهور صفاته منوطاً بوحيه وكلامه. ذلك أن القرآن قد شبّه الوحي الإلهي بالماء في مواضع عديدة منه، ولذلك فقد يراد بالماء هنا الوحي، والمعنى: أننا قدرنا ظهور صفاتنا من خلال الوحي لكي تهتموا بالعمل وتنتفعوا بهذه الصفات. والحق أنه تعالى لو لم يجعل الرقي الروحاني مشفوعًا بالنعم المادية لحُرم الكثيرون من هذا الرقي الروحاني، ولكنه تعالى قد أعلن سنته هذه بقوله كتب الله لأغلبن أنا ورسلي (المجادلة: 22). فالذين يتشرفون بنعمة الوحي الإلهي يحققون هم وأتباعهم غلبةً مادية أيضاً، لكي ترى الدنيا كيف يعمل هؤلاء بوحي الله بعد نيل القوة والحكم.

إن الآية تشير أيضًا إلى النظرية الإسلامية عن الارتقاء والتطور البشري حيث يعلن سبحانه قائلاً إننا جعلنا عرشنا على الماء أي على عملية الحياة لكي يتم بين الكائنات الحية سباق يُظهر فيه كلُّ كائن حي ملكاتِه وقدراته، حتى يتضح في آخر المطاف أيّ من هذه الكائنات الحية جدير بأن يصبح غاية للحياة. بمعنى أن الهدف الأخير من عملية خلق الحياة إنما كان ينحصر في أن يخلق الله تعالى كائنًا قادرًا على التجلي بالحياة على أكمل الوجوه. وهذا يبيّن جليا أن الإنسان لم يُخلَق إلا في آخر مرحلة من مراحل شتّى مرت بها عملية الخلق وتطورت. وهذا يعني أن الإسلام لا يعترف بكون الإنسان مخلوقا قد تطور من القرد أو أي حيوان آخر، غير أنه يعترف بكل تأكيد بأن الحياة لم تزل في تطور تدريجي إلى أن خُلق الإنسان، وإن كان الله قد دبّر تطوير بذرة خلقه منذ البداية بحيث لا يخرج منها في آخر المطاف إلا الإنسان.

وأما قوله تعالى ولئن قلتَ إنكم مبعوثون من بعد الموت فبيّن فيه أن خلق الإنسان بهذا الأسلوب نفسه يشكّل دليلاً على أنه لا بد من حياة بعد الموت، لأن خلق هذا الكون الشاسع الواسع كي يعيش فيه هذا الكائن البشري ذو الإرادة يُوضّح بكل جلاء أن حياته لا تخلو من غاية أسمى. ولكنا نجد – من جهة أخرى – أن حياته في هذا العالم حياة اختبار وابتلاء، ومكان الاختبار يكون دائمًا مكان إقامة مؤقتة غير ثابتة مثل قاعة الامتحانات، فهي ليست بمكان يمكث فيه الطالب على الدوام، بل يبقى فيه إلى حين انتهاء الامتحان. ثم إننا نجد أن دار الابتلاء يغلب عليها عنصر الغموض والخفاء، وأما دار الجزاء فيغلب عليها عنصر الوضوح والجلاء. وهكذا نجد هذه الحياة الدنيا إذ يغلب عليها عامل الخفاء والغموض إلى أن حدا ذلك بالبعض إلى إنكار وجود البارئ سبحانه وتعالى. وإذن فلا بد من أن يؤخذ الإنسان من دار الخفاء والابتلاء هذه إلى دار الجلاء والجزاء. وهذا ما يقول الله تعالى هنا لرسوله الكريم، بأنك إذا قلت لهم: ألم تروا أنّ الله ظلّ يُطوّر الكون والحياة شيئًا فشيئًا إلى أن خلق الإنسان وجعله الغاية من خلق هذا العالم كله، أجابوك بنعم – كما يفعل اليوم الملحدون الذين يعتقدون بنظرية التطور والارتقاء – ولكنك حينما تقدّم لهم النتيجة المنطقية الحتمية وتقول: إذن فلا ينبغي أن تنتهي دورة الحياة هنا فقط، بل لا بد من حياة بعد الموت، تراهم يكذّبونك ويعرضـون عنك!

Share via
تابعونا على الفايس بوك