- حوار الرسل المنذرين مع نبي الله لوط
- حقيقة مصير زوجة لوط
- حقيقة لماذا هجم أهل المدينة على لوط وفرحوا بوجود الضيوف؟
شرح الكلمات:
منكَرون: أنكَرَه: جهَله. وأنكر حقَّه: جحَده. وأنكر عليه فِعلَه: عابَه ونهاه. والمنكَر: ما ليس فيه رضى الله من قول أو فعل، والمعروفُ ضدُّه (الأقرب). إذن فمن معاني قوله: إنكم قومٌ منكَرُون أنكم أجانب وغرباء عن هذه المنطقة.
التفسـير:
لقد أكد القرآن الكريم بقوله المرسَلون ثانيةً على كون هؤلاء الضيوف بشرًا. ولكن حال التوراة عجيب حيث تصفهم مرة رجالاً، وتارةً تقول أنهم ملائكة! (انظر تكوين 18: 2 -16 و19: 1-3)، ومع ذلك تزعم أن سيدنا لوطًا قدّم لهؤلاء الملائكة خبزًا فطيرًا فأكلوه (المرجع السابق 19: 3). أليست هذه الخرافات دليلاً قاطعًا على أن أهل التوراة قد دسّوا فيها كل رطب ويابس.
هذه الآية تشكل دليلاً قاطعًا على إيمان بضعة أفراد من أهل القرية بلوط ، وإن كان عددهم ضئيلاً جدًّا.
شرح الكلمات:
يمتَرون: امْتَرَى في الشيء: شكَّ فيه (الأقرب).
التفسـير:
لما قال لهم لوط : يبدو أنكم مسافرون قد جئتم من منطقة غريبة، ردّوا عليه: لسنا مسافرين، بل جئناك لأمر خطير وهو أن نخبرك بموعد العذاب الذي يشك فيه قومُك.
وقولهم بما كانوا فيه يمتَرون دليل على أن لوطًا كان قد أنذر قومَه بالعذاب من قبل، ولكنه لم يعرف بعد موعد نزوله، ولذلك نجد هؤلاء الرسل يقولون له: إن العذاب الذي يشكّون فيه لموشك، فاخرُجْ معنا الآن من القرية.
شرح الكلمات:
الحق: حقَّه حقًّا: غَلَبَه على الحق. وحَقَّ الأمرَ: أثبتَه وأوجبَه؛ كان على يقين منه. حقّ الخبرَ: وقَف على حقيقته. والحقُّ: ضدُّ الباطل؛ الأمرُ المقضيّ؛ العدلُ؛ المِلكُ؛ الموجودُ الثابت؛ اليقينُ بعد الشك؛ الموتُ؛ الحزمُ (الأقرب)
التفسـير:
لقد سبق أن هؤلاء الضيوف لما أتوا إبراهيمَ سألهم فبِمَ تبشّرون ، فلذلك فكّروا أن لوطًا أيضًا سيوجّه إليهم نفس الأسئلة، فأخبروه بدون أي سؤال من قِبله: وأَتَيناكَ بالحقِّ وإنّا لصادقون .. أي لقد جئناك بخبر مبني على وحي الله تعالى، فلا تشك فيما نقول لأننا صادقون في دعوانا.
شرح الكلمات:
أَسْرِ بأهلِك: سَرَى الرجلُ: سارَ عامّةَ الليلِ. وأَسْرَى الرجلُ: مِثلُ سَرَى. وقيل: “أسرى” لأول الليل و”سرى” لآخر الليل. وأسرى به: سيَّره بالليل أي سيَّره ليلاً (الأقرب).
بقِطْعٍ من الليل: القِطْعُ ظلمةُ آخرِ الليل؛ وقيل: القطعة منه؛ وقيل: مِن أوله إلى ثُلثه (الأقرب).
التفسـير:
الإسراء يعني الخروج في أي وقت من الليل، غير أن الأقرب إلى القياس أن الرسل أشاروا على لوط بالخروج في آخر الليل، وتدعم ذلك كلمة مصبِحين الواردة في الآية التالية. وإذا كان هذا هو المراد فكلمة بقطع من الليل تكون شرحًا لآخر الليل.
وكانت الحكمة في اختيار هذا الموعد هي ألا يستطيع العدو مطاردتهم. ذلك أن العذاب كان سيحل على القوم بعد رحيل قافلة المؤمنين من القرية في آخر الليل مباشرة، فما كان بإمكان أهل القرية، وقد حلّ بهم العذاب، مطاردةُ القافلة المؤمنة وإن علِموا بهروبها.
وأما قوله تعالى للوط واتَّبِعْ أدبارَهم فهو دليل على عظيم رحمة الله . ذلك أن الحماية الحقيقية من العذاب إنما تكون للنبي فقط، فما كان العذاب لينـزل بالقرية ما لم يصل سيدنا لوط إلى مأمنه، لذلك نصحه الرسل أن يكون وراء القافلة المؤمنة حتى يضمن نجاةَ كل فرد منها.
هذه الآية تشكل دليلاً قاطعًا على إيمان بضعة أفراد من أهل القرية بلوط ، وإن كان عددهم ضئيلاً جدًّا. تزعم التوراة أنه لم يخرج من القرية إلا مع بنتَينِ لـه فقط لا غير (تكوين 19: 16)، ولكن القرآن الكريم يخبرنا أنه قيل للوط: واتَّبِعْ أدبارَهم ، والواضح أن ضمير (هم) يُستخدم لثلاثة أو أكثر من الرجال، أو لمجموعة من الذكور والإناث، إذ من عادة العرب أنهم في حالة وجود الجنسين في مجموعة يكتفون باستخدام ضمير المذكر للجنسين (انظُرْ سورة النور الآية 13). فلو لم يكن أحد من رجال القرية قد آمن بلوط ولم يخرج معه إلا بنتان له للزم أن يقال: (أدبارهما)، أو إذا كانت مع بِنتَي لوط نسوةٌ أُخَر لقيل: (أدبارهن)، ولكن يستحيل أن يقال من أجل بنتيه: وَاتَّبِعْ أدبارَهم ؛ مما يؤكد بشكل حاسم أن القافلة المؤمنة المهاجرة من القرية كانت تتضمن رجالاً مؤمنين إلى جانب لوط وبنتيه، ولهذه المجموعة من الذكور والإناث استخدم القرآن الكريم ضميرَ المذكر (هم).
بل ورد في التوراة نفسها في موضع آخر ما يؤيد موقف القرآن الكريم، حيث تقول إن الرسل لما انصرفوا عن إبراهيم تقدم إلى الرب قائلاً: أتُهلِك البارَّ مع الأثيم؟ عسى أن يكون خمسون بارًّا في المدينة؟ أفتُهلِك المكان ولا تصفَحُ عنه من أجل الخمسين بارًّا الذين فيه؟ فقال الرب: إنْ وجدتُ خمسين بارًّا في القرية إني أصفح عنها كلِّها مِن أجلهم. ولم يزل إبراهيم ينقص العددَ متوسلاً إلى ربه من أجل نجاة القرية حتى قال: عسى أن يوجد فيها عشرةٌ من الأبرار؟ فقال الله : لن أُهلكها من أجل العشرة أيضًا. وعندها لزم إبراهيم الصمت حيث أدرك أنه لا يوجد فيها حتى عشرة من الصلحاء (تكوين 18: 22 – 32).
وهذا يوضّح أن إبراهيم كان على علم بإيمانِ بعض أهل القرية؛ إذ كان يعيش على مسافة غير بعيدة من قرية قوم لوط، ولا جرم أن أخبارها كانت تصله من حين لآخر؛ فكيف يمكن أن يبتهل هكذا إلى ربه لنجاة القرية لو كان يعلم أنه لا يوجد فيها ولا مؤمن واحد. فثبت أنه كان يعلم بالتأكيد أن في القرية بعض المؤمنين وأن عددهم قليل جدًّا، ولأجل ذلك توسل إلى الله تعالى في البداية من أجل الخمسين، ثم ظل ينقص العددَ حتى ترك الدعاء عندما بلغ عددَ العشرة. وهذا يعني أن المؤمنين بلوط كانوا أقل من العشرة. ولما كان ضمير (هم) يُستخدم لثلاثة وأكثر فيبدو أن عددهم كان يتراوح ما بين الثلاثة ودون العشرة.
وأما قوله تعالى ولا يلتفِتْ منكم أحدٌ فليس نهيًا عن الالتفات الظاهري، بل المراد ألا يكترثوا بالكفار ولْيَدَعوهم يهلَكوا بالعذاب. وأما قول التوراة عن امرأة لوط بأنها “نظرتْ من ورائه فصارتْ عمودَ ملح” (تكوين 19: 26).. فلا أعلّق عليه بل أتركه لعقول اليهود والنصارى لتحكم فيه كيفما تشاء. إلا أنني أود أن أوضح هنا أن القرآن الكريم يعلن أن زوجة لوط لم تغادر القرية معه أصلاً، بل كانت من الغابرين. وإن براءة القرآن الكريم من مثل هذه الخرافات الواردة في التوراة وخُلُوَّه منها يشكّل برهانًا ساطعًا على أنه كلام الله حقًّا. أليس غريبًا أن التوراة التي هي أقرب زمنًا من القرآن إلى هذا الحادث تسجله بهذا الأسلوب الخرافي، بينما نجد بيان القرآن الكريم خاليًا من هذه الخرافة؟ وأما قولـه تعالى وَامْضُوا حيث تُؤمَرون فأيضًا يؤيد ما قلت من قبل من أن هؤلاء الضيوف الرسل كانوا من البشر الذين أخبرهم الله بالإلهام باقتراب موعد العذاب، وأرسلهم إلى سيدنا لوط ليدلّوه على المكان الذي يهاجر إليه بعد مغادرة القرية. فيبدو أنهم بعد أن وصفوا للوط معالم المنطقة التي سيهاجر إليها تركوه في بيته ليستقبلوه هناك في مهجره الذي قدره الله له.
شرح الكلمات:
قضينا: قضى بين الخصمين: حكَم وفصَل. وقضى الشيءَ قضاءً: صنَعه بإحكام وقدَّره. قضى الأمرَ عليه: ختَمه وأوجبَه وأَلْزَمَه به. وقضى الشيءَ: أعلَمَه وبيَّنه. وقضى لك الأمرَ: أي حَكَمَ لك به (الأقرب).
دابِر: الدابر: التابعُ؛ آخرُ كل شيء، يقال قطع اللهُ دابِرَهم أي آخرَ مَن تبقَّى منهم؛ الأصلُ (الأقرب). فالدابر يعنى أحيانًا كبار القوم لأنهم يكونون كالأصل للآخرين، وتارةً يراد به القوم كلهم. والمراد منه هنا سائر القوم إذ يخبر الله هنا بنجاة آل لوط فقط.
التفسـير:
قد تكون الآية الماضية من مقولة الله وليست من قول الرسل، وأما هذه فهي بالتأكيد من كلام الله تعالى أنـزله على لوط تصديقًا منه بأنه هو الذي أرسل إليه الضيوف، وأن العذاب نازل حتمًا الليلةَ قبيل الصباح.
شرح الكلمات:
المدينة: مَدَنَ بالمكان: أقام به. والمدينة: المصرُ الجامعُ؛ وقيل: الحصنُ يُبنى في أُصْطُمّةِ الأرض (الأقرب).. أي الحصن الذي يبنى في أرض خلاء وينفع كمركز القوم.
التفسـير:
لقد سمّى القرآن قريةَ قوم لوط بالمدينة، مما يعني أنها كانت تتمتع بمكانة خاصة، وبالفعل يتضح من التوراة أن تلك القرية كانت تُعتبر مركزًا لعدة قرى (تكوين 19: 18-31).
أما قولـه تعالى يستبشرون فيعني أن أهل المدينة فرحوا بأنهم وجدوا في حضور الضيوف الأجانب فرصةً لإدانة لوط. وليس المراد أبدًا أنهم فرحوا لارتكاب الفاحشة مع الضيوف، كما ظن بعض المفسرين حيث قالوا أن عدد الرجال في القرية كان قليلا، ففرحوا بسماع خبر الضيوف طمعًا في ارتكاب الفاحشة معهم (تفسير البغوي).
شرح الكلمات:
لا تَفضحونِ: فَضَحَه: كشَف مَساوئَه، وفي الدعاء: “لا تَفضَحْنا بين خَلقك”.. أي استُرْ عيوبَنا ولا تَكشِفْها عنا (الأقرب).
لا تُخزُونِ: أخزاه إخزاء: أوقعَه في الخزي أو الخَزاية وأهانه (الأقرب).
التفسـير:
كان أهل المدينة قد نهَوا سيدنا لوطًا عن استضافة الغرباء، فلما جاءوه أدرك أنهم سوف يلومونه على إحضار الضيوف. فأخذهم ناحية وتوسل إليهم قائلاً: نعم لقد أحضرتُ الضيوف، ولكن بالله عليكم لا تُحرجوني أمامهم، ولا تهينوني؛ فالضيافة عمل حسن، فلا تعترضوا علي بسببها.
الواقع أن الزعم أن قوم لوط كانوا يريدون فعل الفاحشة مع ضيوفه زعمٌ منافٍ للعقل تمامًا، وقد نقله بعض المفسرين عن التوراة … والحق أن التوراة مليئة بكثير من الرطب واليابس من هذا القبيل، كما يوجد فيها تناقضات عديدة، لذا من الخطورة بمكان الاعتمادُ على ما ورد في التوراة ما لم يدعمه القرآن الكريم أو التاريخ الصحيح أو المنطق السليم.
التفسـير:
كان هناك نزاع بين سكان تلك القرية وبين القرى المجاورة، فكان قوم لوط حذِرين من الغرباء مخافة أن يتآمروا مع العدو، فيفاجئوهم على حين غفلة منهم (انظُر تكوين 14: 1 – 1)، ولذلك كانوا ينهَون سيدنا لوطًا عن إحضار الأجانب. ولكن تلك المنطقة كانت بؤرة للشر والفساد، فلذلك كان لوط يستضيف في بيته المسافرين الأجانب خشية أن ينهبهم القوم إذا ما باتوا في الخارج. ولما جاء لوط بالضيوف هذه المرة قرر أهل القرية معاقبتَه، فرِحين بأنه قد وقع الآن في قبضتهم وأن الفرصة مواتية لطرده من القرية ولحل القضية نهائيًّا. وكانوا من قبل مترددين في طرده لزواج اثنتين من بناته بينهم، وبالتالي كانت القرية وطنًا لـه أيضًا، فما كانوا ليطردوه منها من دون حجة.
يتضح من هذه الآية أيضًا أن قوم لوط لم يأتوه طمعًا في ارتكاب الفاحشة مع هؤلاء الأجانب. لو كانوا يرتكبون الفواحش مع الأجانب لما قالوا لـه أَوَلم ننهَك عن إحضار الغرباء، بل كان لا بد أن يفرحوا على إحضاره إياهم.وليس من المعقول الظن أنهم ما ارتكبوا الفاحشة مع الضيوف من قبل، وإنما اكتفوا بنهي لوط عن إحضارهم، أما هذه المرة فصمّموا على ارتكاب الفاحشة معهم!
الواقع أن الزعم أن قوم لوط كانوا يريدون فعل الفاحشة مع ضيوفه زعمٌ منافٍ للعقل تمامًا، وقد نقله بعض المفسرين عن التوراة التي ورد فيها أن أهل المدينة كانوا ينوون فعل الفاحشة مع هؤلاء الملائكة (تكوين 19: 5 و6). والحق أن التوراة مليئة بكثير من الرطب واليابس من هذا القبيل، كما يوجد فيها تناقضات عديدة، لذا من الخطورة بمكان الاعتمادُ على ما ورد في التوراة ما لم يدعمه القرآن الكريم أو التاريخ الصحيح أو المنطق السليم.