من كلام الإمام المهدي
مقتبسات من كلام حضرة مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام
ولما ثبت موت عيسى وثبت ضرورة مسيح يكسر الصليب في هذا الزمان – فما رأيكم يا فتيان – أيُهلِك الله هذه الأمة في أيدي أهل الصلبان، أو يبعث رجلاً يجدد الدين ويحفظ الجدران. فوالله إني أنا ذلك المسيح الموعود، فضلاً من الله المنان الودود، وأنا صاحب الفصوص، والحارس عند غارات اللصوص، وترس الدين من الرحمان عند طعن الأديان.
ألا تفكرون في السلسلتين: سلسلة موسى وسلسلة سيد الكونين. وقد أقررتم أنه صلى الله عليه وسلم جُعل في مبدء السلسلة مثيلَ موسى، فما لكم لا ترون في آخر السلسلة مَثيلَ عيسى.
واعلموا أنكم تعلمون ضرورة مرسل من الله ثم تتجاهلون، وترون مفاسد الزمان ثم تتعامون، وتشاهدون ما صُبّ على الإسلام ثم تنامون، ودُعيتم لتكونوا أنصار الإسلام ثم أنتم للنصارى تحاجّون. أتحاربون الله لتعجزوه والله غالب على أمره ولكن لا تعلمون. وقد قرب أجلكم المقدر فما لكم لا تتقون. أتظنون أني افتريت على الله وتعلمون مآل قوم كانوا يفترون. ألا لعنة الله على الذين يفترون على الله وكذلك لعنة الله على الذين يكذبون الحق لما جاءهم ويُعرضون. ألا تنظرون إلى الزمان، أو على القلوب أقفال من الطغيان. أتطمعون أن تصلحوا بأيديكم ما فسد من العمل والإيمان. ولا يهدي الأعمى أعمى آخر وقد مضت سنة الرحمان. فاعلموا أن السكينة التي تطهر من الذنوب وتنزل في القلوب وتنقل إلى ديار المحبوب وتخرج من الظلمات وتنجي من الجهلات، لا تتولد هذه السكينة إلا بتوسيط قومٍ يُرسَلون من السماء ويُبعثون من حضرة الكبرياء، وكذلك جرت سنة الله لإصلاح أهل الأهواء. فيُكذب هؤلاء السادات في أول أمرهم والابتداء ويؤذون من أيدي الأشقياء، ويُقال فيهم ما يؤذيهم من البهتان والتهمة والافتراء. ثم يرد الكرة لهم فيُلقى في قلوبهم أن يرجعوا إلى ربهم بالتضرع والابتهال والدعاء. فيُقبِلون على الله ويستفتحون ويبتهلون ويتفرّغون. فينظر الله إليهم بنظرٍ ينظر إلى أحبائه ويُنصرون. فيخيب كل جبار عنيد معتدٍ في الظنون، ويجعل الله خاتمة الأمر لأوليائه الذين كانوا يُضحك عليهم ويُستضعفون. ويقضى الأمر ويُعلى شأنهم ويُهلَك قوم كانوا يُفسدون. كذلك جرت سنن الله لقوم يطيعون أمره ولا يفترون ولا يبتغون إلا عزة الله وجلاله وهم من أنفسهم فانون. فينصرهم الله الذي يرى ما في صدورهم ولا يُتركون. وإنهم أُمناء الله على الأرض، ورحمة الله من السماء، وغيث الفضل على البرية. لا ينطقون إلا بإنطاق الروح ولا يتكلمون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة. يأتون بترياق لا يتيسر لأحد من المنطق ولا من الفلسفة، ولا بكلمات علماء الظاهر المحرومين من الروحانية، ولا بحيلةٍ من الحيل العقلية، بل لا يحيى أحد إلا بتوسيط هذه الأحياء من يد الحضرة. وكذلك اقتضت عادة الله ذي الجلال والعزة. ولا يُفتح ما قفّله الله إلا بهذه المقاليد، ولا ينزل أمره إلا بتوسيط هذه الصناديد. وإن الأرض ما صلحت قط وما أنبتت إلا بماء من السماء. والماء وحي الله الذي ينزل في حلل سحب الأنبياء.
وكفاك هذا إن كنت من ذوي الدهاء. وإن كنت لا تقبل الحق ولا تطلبه فاطلب النور من الخفافيش، والثمرات من الحشيش. وقد نبهناك فيما مضى وأشرنا إلى عبد اختاره الله لهذا الأمر واصطفى. ولا يراه إلا من هداه الله وأرى. فادع الله ليفتح عينك لتوانس عيناً جرت للورى. فإن القوم قد أشرفوا على الهلاك في بادية الضلالة كإسماعيل من العطش في أرض الغربة. فرحمهم الله على رأس هذه المائة وفجّر ينبوعاً لأهل التُّقى ليروي أكبادهم وأولادهم وينجيهم من الردى.
فهل فيكم من يطلب ماءً أصفى.
وهذا آخر ما قلنا في هذا الكتاب لمن اتعظ ووعى. والسلام على من اتبع الهدى.
(الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية ج 18 ص 375 و376)