الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمدٍ وآله وأصحابه أجمعين.
أما بعد.. فبما أن الله قد أخبرني بوحيه المتواتر أنّ موعد وفاتي قد دنا، وقد تواتر هذا الوحي إلى درجة هزّت أصول كياني وفَتَرتْ فـيّ الحياةُ، لذلك رأيتُ من المناسب أن أسجل بعض النصائح لأحبتي وكذلك لجميع الراغبين في الاستفادة من كلامي. فأولا أطلعكم على ذلك الوحي المقدس الذي أخبرني بقرب أجلي مما دفعني لأُقدم على هذه الخطوة. وفيما يلي ذلك الوحي الذي نزل باللسان العربي، كما سأورد فيما بعد الوحي الذي نزل بالأردية:
واعلموا أن لوحي الله: “ولا نُبقي لك من المخزيات ذكرا” معنيَين: أولهما أننا سنمحو ما يُشاع ضدك من اعتراضاتٍ بنية الإهانة، فلن يبقى لها اسمٌ ولا أثرٌ.
وثانيهما أننا سنطمس من صحيفة الوجود أولئك المعترضين الذين لا يرتدعون عن شرورهم وإثارتهم المطاعن، فبهلاكهم سوف تنمحي اعتراضاتهم السخيفة أيضًا.
ثم بعد ذلك خاطبني الله باللغة الأردية عن وفاتي بما يلي: “قلّتْ أيامُ حياتك. يومئذ يستولي الحزن على الجميع. سوف يحدث كذا وكذا ثم تقع حادثتك. بعد وقوع جميع الحوادث وإراءة عجائب القدرة سيقع حادث وفاتك.”
أما الذي أُعلِمت به عن الحوادث فهو أن الموت سوف يعم العالم في كل حدب وصوب، وستقع الزلازل وبكل شدة بحيث تكون نموذجًا للقيامة، وتجعل عالي الأرض سافلها، وتضيق الحياة على الكثيرين. أما الذين يتوبون عن الذنوب ويتورعون فسيرحمهم الله تعالى. وكما أن كل نبي كان قد أخبر عن هذا الزمان، فإن كل ذلك واقع لا محالة. ولكن الذين يصلحون قلوبهم ويسلكون سبل مرضاة الله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لقد خاطبني الله قائلا: أنت نذير مني، بعثتك ليُميَّز المجرمون من الصالحين. وقال أيضًا: جاء نذير في الدنيا فأنكره أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبَله ويُظهر صدقَه بصول قوي شديد، صول بعد صول. وإني أباركك ببركات عظيمة حتى إن الملوك يتبرّكون بثيابك. وأخبرني عن الزلزلة الشديدة القادمة فقال: “لقد عاد الربيع وتحقق كلام الله مرة أخرى.”
لذلك لابد من وقوع زلزلة شديدة، ولكن الصادقين في مأمن وسلام منها. فكونوا صادقين، واتقوا لتنجوا. خافوا الله اليوم واخشوه كي تأمنوا شر ذلك اليوم. فلا بد أن تبدي السماء أمرًا وتظهر الأرض شيئًا. ولكن الذين يخشون الله فأولئك مع الناجين.
يخبرني كلام الله أن الحوادث واقعة والآفات نازلة على الأرض، فمنها ما يقع أثناء حياتي ومنها ما يقع من بعدي. وإنه سوف يرزق هذه الجماعة كل تقدم وازدهار، بعضه على يدي وبعضه الآخر من بعدي.
هذه هي سنة الله الجارية، ومنذ أن خلق الإنسان في الأرض مازال يبدي هذه السنة دون انقطاع أنه ينصر أنبياءه ومرسليه. ويكتب لهم الغلبة، كما يقول:
والمراد من الغلبة هو أنه كما أن الرسل والأنبياء يريدون أن تتم حجة الله على الأرض بحيث لا يقدر أحد على مقاومتها، فإن الله تعالى يظهر صدقهم بالبينات، ويزرع بأيديهم بذرة الحق الذي يريدون نشره في الدنيا، غير أنه لا يكمِّله على أيديهم. بل يتوفاهم في وقت يصحبه الخوفُ من الفشل باديَ الرأي، فيُفسح بذلك المجالَ للمعارضين ليَسخَروا ويستهزئوا ويطعنوا ويشنّعوا. وحينما يكونون قد أخرجوا كل ما في جعبتهم من سخرية واستهزاء يُظهر الله تعالى يدَ القدرة الثانية، ويهيئ من الأسباب ما تكتمل به الأهداف التي كانت إلى ذلك الحين غير مكتملة لحدٍّ ما.
فالحاصل أنه تعالى يُري قسمين من قدرته: أولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته بعد وفاة النبي حين تواجه المحن ويتقوى الأعداء ويظنون أن الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أن هذه الجماعة سوف تنمحي، حتى إن أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتنقصم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء، عندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق ، حيث ظُنَّ أن وفاة الرسول قد سبقت أوانَها، وارتد كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة من شدة الحزن كالمجانين، عندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق ، وأظهر نموذجًا لقدرته مرة أخرى، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك. وهكذا أتم وعده الذي قال فيه:
أي أنه تعالى سوف يثبّت أقدامهم بعد الخوف. وهذا ما حدث بالضبط في زمن سيدنا موسى حين اختطفته يد المنون وهو في الطريق ما بين مصر وأرض كنعان قبل أن يوصل بني إسرائيل إلى غايتهم المنشودة حسب الوعد. فقام بموته مأتم كبير بين بني إسرائيل. وكما ورد في التوراة أن بني إسرائيل ظلوا يبكون وينوحون إلى أربعين يوما جراء صدمة موته المفاجئ. وهذا ما حدث في زمن عيسى أيضا حيث تشتت الحواريون كلهم عند حادث الصلب وارتدّ واحد منهم أيضًا.
فيا أحبائي، مادامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا، إذ لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله : إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة.
فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلـهنا إلـهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها. لقد بُعثتُ من الله تعالى كمظهر لقدرته ، فأنا قدرة الله المتجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون، سيكونون مظاهر قدرة الله الثانية. لذلك كونوا منتظرين لقدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين. ولتجتمع كل جماعة من الصالحين في كل قطر وليدعوا حتى تنـزل القدرة الثانية من السماء، وتُريَكم أن إلهكم إله قادر كل القدرة. أيقِنوا أن موتكم قريب، إذ لا تعلمون متى ستحل تلك الساعة!
وينبغي لصلحاء الجماعة ذوي النفوس الطاهرة أن يأخذوا البيعة من الناس باسمي من بعدي.ð فالله يريد أن يجذب إلى التوحيد جميع الأرواح ذوي الفطرة الصالحة من مختلف أقطار المعمورة، سواء كانوا من أوروبا أو آسيا، وأن يجمع عباده على دين واحد. هذه هي غاية الله التي أُرسلت من أجلها إلى الدنيا. لذلك اجعلوا هذه الغاية نصب أعينكم، ولكن باللطف وحسن الخلق وكثرة الدعاء. (الوصية)