شرح الكلمات:
يضاعف- أقل الضعف محصور وهو مثل الواحد، وأكثره غير محصور (كليات أبي البقاء).
التفسير:
في الآيات السابقة ضرب الله ثلاثة أمثلة للإحياء القومي، وفي هذه الآية ضرب المثال الرابع وقال: إذا أنفقتم أموالكم في خدمة الدين.. فكما ينبت الله من حبة واحدة سبعمائة حبة كذلك سوف يبارك الله في أموالكم بل يزيد على ذلك. وقال وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ . والتاريخ شاهد على أن هذا ما حدث تماما. صحيح أن أبا بكر قدم تضحيات جسيمة، ولكن أين هذه التضحيات من تلك النعمة العظيمة التي أسبغها الله على أبي بكر.. إذ جعله الخليفة الأول للرسول !؟ كذلك أنفق عمر كثيرا، ولكن ما أعظم الجائزة التي نالها! وبالمثل نال عثمان في هذه الدنيا آلاف أضعاف لما أنفق في خدمة الدين. وإذا تحرينا حال كل فرد من الصحابة وجدنا أن الله قد عامله بنفس المعاملة. خذوا على سبيل المثال عبد الرحمن بن عوف، عندما توفي ترك ما يساوي ثلاثين مليونا من الروبيات، فضلا عما كان ينفقه في حياته في سبيل الله بالملايين. (أسد الغابة). وكذلك الصحابة الذين تركوا أوطانهم وجدوا أوطانا أفضل، والذين تركوا إخوانهم وأخواتهم وجدوا أفضل منهم، والذين غادروا آباءهم وجدوا أفضل أب في النبي . لم يحرم الله أحدا ممن ضحوا في سبيله من جزاء أفضل مما بذلوا وأنفقوا.
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ قال: ما المبرر أن يبخل الله، جل علاه؟ كان من الممكن أن يبخل لو كان يعاني من قِلة فيما عنده، ولكنه وَاسِعٌ .. ذو سَعة ورخاء كبير. ثم هو عَلِيمٌ .. يعلم كم يستحق كل واحد من الجائزة. فإذا كان أحد يستحق الملايين فهو قادر على أن يعطيه الملايين. إننا نرى كل يوم في حياتنا أن الفلّاح يرمي الحبّة في الأرض فيخرج الله له سبعمائة حبة. فالذي ينفق أمواله في سبيل الله.. كيف يمكن أن يضيع الله أمواله؟ لابد أن يعيدها إليه مضاعفة إلى سبعمائة ضعف. والله قادر على أن يعطيه أكثر من ذلك. لو إنه حدد حدًّا أقصى لعطائه لكان معنى ذلك أن ذات الله سبحانه محدودة، وهذا عيب لا يجوز لله تعالى، ولذلك قال: لو أنفقتم في سبيل الله حبة واحدة لأعادها إليكم سبعمائة حبة على الأقل.
أما الزيادة على ذلك فلا حد لها كما لا نهاية لأنواع هذا الجزاء. لقد قال المسيح في الانجيل «اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يُفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون» (متى6:20)، أما القرآن فيقول عن الأموال أنكم لو جمعتموها في خزانة الله فلا يكون احتمال فساد أو سرقة، فضلا عن أنها سوف ترد إلكم هذه الأموال بزيادة تبلغ سبعمائة ضعف على الأقل، ويمكن أن تزيد عن ذلك بلا حدود. أما عن الغلال فيقول المسيح أنه في السماء لا يصيبها السوس، ولكن القرآن يقول إن حباتكم التي تحفظونها عند الله لا مجال للتفكير في إصابتها بالسوس، بل هناك الزيادة والربح الذي يصل إلى سبعمائة ضعف وأكثر.
لا شك أن الله تعالى ليس بحاجة إلى معونة من أحد، ولكنه -رحمة بعباده- يتيح لهم الفرص لأداء خدمة يرفع بها درجاتهم. فعندما يبعث الله أحد أنبيائه لا بد أن ينشئ جماعة تكون بدايتها بسيطة.. بحيث لا يتصور عنها أهل الدنيا أنها تفلح في مرامها، ولكن الله يغيِّر نظام العالم فعلا عن طريقهم، وعندئذ يدرك أهل الدنيا أن الله تعالى موجود وحيٌّ. وليس هناك مستحيل أمامه. وفي زمن الأنبياء يهيّء الله الفرصة لأممهم لخدمة الدين. وبما أن ذلك الوقت هو وقت إقامة عالم جديد، لذلك تفتح أمامهم أبواب بذل التضحيات وهذا هو وقت نيل الثواب.
وعلاوة على المعنى المذكور آنفا فإن الآية توجه النظر إلى إمكانية زيادة الغلال أيضا، وتبين أنه في بعض الأحيان تنبت الحبة الواحدة سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة.. ويمكن أن تكون الزيادة أكبر من ذلك. في بلادنا مثلا يُبذر الحب بمعدل ثلاثين كيلوجراما للفدان الواحد، وبحسب الآية الكريمة يمكن أن يكون المحصول 700×30= 21000 كيلوجراما أي واحد وعشرين طنا من القمح. بل تفتح الآية مجالات لزيادة المحصول أكثر من ذلك إذا أراد الله. ولو بلغ محصول الفدان هذا القدر، ولو دون زيادة فوقها.. فإن محصول القمح في العالم يمكن أن يكفي أضعاف ما في الأرض من سكان حاليا. وهناك كثير من المناطق في الأرض لا تزال بدون استزراع، ولو عُمرت وزرعت لزادت المحاصيل كثيرا. فعلاً هناك مناطق في أفريقيا واستراليا وكندا لم تعمَّر إلا قليلا. وهناك مساحات شاسعة في روسيا لم تعمر بعد. لو اهتم الناس بزراعة هذه المناطق مستفيدين من التجارب العلمية لحدث تغير عظيم في مقدار المحاصيل في العالم، ولاتسعت الرقعة المعمورة من الأرض أضعافا.