علامة الحب الكامل
ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (166)

شرح الكلمات

أندادا-جمعُ نِدٍّ وهو المِثل، ولا يكون إلا مخالفا. يقال: ما له ند.. أي ما له نظير(الأقرب).

لَوْ يَرى –”لو” أداة شرط جوابها محذوف تقديره: لو يرى الذين ظلموا.. يعلمون.

التفسير:

وردت في القرآن أربع كلمات تصف آلهة المشركين: الند، الشريك، الإله، الرب. وهذه الصفات الأربع تدل على أربعة أنواع من الشرك.

فالند هو الشريك في الجوهر.. أي ليس ما يُعبد فقط، بل يُعتبر إلها في ذاته ووجوده كما لله ذات ووجود.

والشريك ما يعتبر شريكًا في الأعمال والصفات مع الله تعالى.. سواء كلها أو بعضها، وسواء عُبد مع الله أم لم يُعبد.

والإله هو ما يعبدونه. وهو أوسع معنىً من النِّد.. لأنهم يعتبرون إلها ما لا يعتبرونه شريكا في الجوهر مع الله. ومثال ذلك آلهة الهندوس.

والرب هو ما يقبلون قوله بدون تمييز بين خير وشر، وبدون أن يعبدوه، وبدون أن يعتبروه شريكا في صفات البارئ.

وأمثلة هذه الأنواع الأربعة من الشرك أيضا موجودة في الدنيا. فالأمة المسيحية تعتبر المسيح –عليه السلام – إلها ندًا لله تعالى، فهم لا يعتبرونه إلها لاتصافه بالألوهية، وإنما إلها باعتباره أزليا أبديا، وشريكا في الجوهر مع الله تعالى. فهم يعتقدون أن جميع الصفات الإلهية التي لا بد من تواجدها في الله من حيث الذات لموجودةٌ في المسيح.

ومَثل آخر لذلك مثل الفُرس المجوس الذين اعتقدوا بوجود إلهين: “يزدان” إله النور، و”أهرمان” إله الظلام (موسوعة الأديان والأخلاق، تحت اسم الزردشتية)

Encyclopedia of Religions and Ethics-under Zoroasterianism

وهناك بعض الناس يشركون أشياء في صفات الله تعالى وإن كانوا لا يعبدونها، ويعتبرونها متصرفة في بعض الأمور.. كما كان العرب يظنون الجن يأمر ويتصرف مثل الله، ولم يكونوا يعتبرونها آلهة أو أربابا، وإنما كانوا يعتقدون أن الجن الفلاني هو سيد الوادي المتصرف فيه، فكانوا إذا مروا بالوادي يحترمونه ويخافونه كخوف الله، ولكنهم ما كانوا يعبدونه مع الله تعالى (القرطبي، سورة الجن).

وكما ذكرتُ، فإن كلمة إله أوسع وأعم من كلمة ند. وبعض الناس يعتقدن أن بعض الأشياء آلهة مع الله، فيعبدونها ولكنهم لا يعتبرونها شريكة في الجوهر والذات مع الله تعالى.. مثل الهندوس الذين يَعبدون آلهتهم ولكنهم لا يعتبرونها متصرفة في الأمور وشركاء في الجوهر مع الله. وكذلك يعبد بعضهم الآباء والأمهات أيضا، ولكن لا يعتبرونهم شركاء أو أندادا لله تعالى.

يريد الإسلام أن يسمو بالإنسان إلى أعلى مقام في عقيدة التوحيد، وهو بإيجاز: ألا يشرك الإنسان أحدًا في الجوهر مع الله، ولا يعتبر أحدًا شريكا له في الصفات والأفعال..

والاسم الرابع هو الرب.. ومعناه الأصلي من يخلق ويربي الشيء إلى أن يصل الكمال. ولكن في الاصطلاح الديني يُطلق الرب على كل مُرَبٍّ أو سيد، يتبعه الناس بدون تمييز بين خير وشر، كما يفعل الناس بشخصيات صالحة كبيرة من الأسلاف. الإسلام يبيح اتباع الناس في الأمور الاجتهادية، ولكن إذا أطاع الإنسان أحدًا خلافا للنصوص الصريحة من الله تعالى وأنبيائه فكأنه يعتبره ربًا، وقد ذكر القرآن هذا في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (التوبة: 31).

وكلمتا الإله والرب تستخدمان أيضا لله تعالى، أما الند والشريك فللآلهة الباطلة، ويتبين من هذا التفصيل أن كلمة الند تستخدم لمن يعتبرونه شريكا في الجوهر، وكلمة شريك تستخدم لمن يعتبرونه شريكا في الصفات، سواء عبدوه أم لا. وكلمة الإله “تستخدم لمن يعبدونه سواء اعتبروه شريكا في الجوهر أم لا. وكلمة: الرب يراد بها الشخصيات التي يتبعونها بدون تمييز بين خير وشر، معرضين عن أوامر الله ورسوله.

وقد ذُكرت هذه الأنواع الأربعة للشرك في آية واحدة: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران: 65). فبقوله تعالى (ألا نعبد إلا الله) أولا، (ولا نشرك به شيئا) ثانيا (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) ثالثا.. نفي الأنواع الثلاثة من الشرك: الإله، والشريك، والرب.. نفيا صريحا. ولكن هناك نفي ضمني للند.. لأن الند متضمن في الأنواع الثلاثة.. أي لا بد له من أن يُعبد ويُشرك في الصفات ويطاع. وما دامت عبادة غير الله، والإشراك في صفاته، وطاعة غيره.. تُعد إثما فقد تمّ نفي الند أيضا تلقائيا. ثم إن كلمة (ألا نعبد إلا الله) أيضا تنفي الند.

يريد الإسلام أن يسمو بالإنسان إلى أعلى مقام في عقيدة التوحيد، وهو بإيجاز: ألا يشرك الإنسان أحدًا في الجوهر مع الله، ولا يعتبر أحدًا شريكا له في الصفات والأفعال.. سواء عبده أم لم يعبده، ولا يعبد أحدًا إلا الله، ولا يطيع أحدًا فيما يخالف ما أمر الله به ورسوله.. لأن هذه الأمور الأربعة منافية للتوحيد الحقيقي.

قوله تعالى (يحبونهم كحب الله). له معنيان: الأول-أن الحب الذي لا ينبغي إلا لله وحده يصرفونه إلى أندادهم. والثاني – أن الحب الذي يدعونه لله يكنون مثله لأندادهم. أي أن قلوبهم رغم ادعائهم حب الله خاليةٌ من حب حقيقي لله. والمعنى الأول هو أن حبهم متساو لله وللأنداد.. والمعنى الثاني هو أن ادعائهم حب الله ادعاءٌ فارغ كاذب، لأن هناك بونا شاسعا بين الحب لله والحب للأنداد.

ولقوله تعالى (والذين آمنوا أشد حبا لله) أيضا معنيان: الأول-أن المؤمنين يحبون الله أكثر من حب المشركين لله، أو من حب المشركين لأندادهم. والثاني –أن حب المؤمنين لله يفوق حبهم لكل ما سواه؛ وإذا تصادم الحُبّان –حبّهم لله وحبّهم لغيره –فدائما يكون حبهم لله هو الأقوى والأهم.

ولقد فسر القرآن في موضع آخر هذا الحب بكلمات أخرى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (التوبة: 24).

فمن علامة الحب الكامل أن يضحي الإنسان لأجل حبيبه بكل غالٍ ورخيص، وإلا فادعاؤه بالحب كلام فارغ لا يجديه شيئا. كل إنسان يقول إنه يحب الله ورسوله، بل ليس هناك مسلم واحد يقول إنه لا يحب الله ورسوله؛ ولكن يجب أن يرى ما هو تأثير هذا الادعاء في أعماله وجوارحه وأقواله. نجد البعض يدّعون حب الرسول حبا شديدا، فيقرءون ويسمعون القصائد في مدحه، بل يقرضون الشعر في الثناء عليه، ولكنهم لا يلقون بالاً فيما يتعلق بطاعة ما أمر به الرسول . ويدّعون بحب الله، ولكنهم لا يسعون للقائه، في حين أن المرء إذا جاءه قريب أو صديق فإنه يترك أعماله ويسرع للقائه؛ ولو سنحت له الفرصة للقاء أحبائه وأصدقائه غمرته الفرحة؛ ولو تمكن من زيارة أحد الحكام لارتفع رأسه، ولكنهم يدعون بحب الله ومع ذلك لا يقتربون من الصلاة، أو يصلون ولكن لا يواظبون على الصلاة، وإذا واظبوا عليها أدُّوها بعجلة فلا يعرف أحدهم متى سجد ومتى رفع.. يسجدون كنقرات الدجاجة دون خشوع ولا خضوع. ومع أن الله قد أعلن أنه تعالى هو الجزاء للصائم.. ولكنهم رغم ادعائهم حب الله لا يحاولون التمسك بأهدابه والتقرب إليه. ويتظاهرون بحب الله مع ذلك يهضمون حقوق الناس، ويكذبون، ويتهمون، ويغتابون. يدّعون عشق الله، ولكن لا يقرءون القرآن الكريم ولا يتدبرون فيه. فالإدعاء بالحب شيء، والحب الحقيقي شيء آخر. يصرح القرآن الكريم أن الإنسان لا يمكن أن يكون مؤمنا صادقا ما لم يحب الله حبا عمليا يتضاءل أمامه حبه للوالدين والأولاد والأزواج والإخوان والقبيلة والقوم. لقد قال النبي : (ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار) (البخاري، الإيمان).

قوله تعالى (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا) وجّهَ فيه الأنظار إلى أن هؤلاء يعارضون الإسلام اليوم، ويشركون الأصنام مع الله تعالى، ولكنهم لو تصوروا المشهد الذي سوف يرون فيه العذاب لنسوا هذه الأشياء كلها، ولأدركوا أن الإشراك بالله ليس بالإثم الهيّن. إنهم يفعلون ذلك لجهالتهم الآن، ولكن لو تخيلوا المشهد الذي ينكشف فيه ضعف شركائهم ما فعلوا ذلك. وهذا ما حدث يوم فتح مكة، حين رأى المشركون بأعينهم أن أصنامهم لم تنفعهم شيئا، بل حُطمت وألقيت خارج بيت الله تعالى، وتمّ تطهير البيت لعبادة الله وحده.

وقوله تعالى (إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا) قد شرحه النبي في حديثه، وبيّن تفصيل العذاب الأخروي الذي سوف يصيب الكفار: إنهم سوف يرون على سبيل التمثيل والمجاز الثعابين والعقارب وغيرها من الأشياء المخيفة (مسند ابن حنبل ج4، ص191)، وهي في الحقيقة تمثيل لأعمالهم. كانوا في الدنيا يلدغون الناس كالثعابين، ويلسعونهم كالعقارب، ويفترسونهم كالضواري، لذلك يعاقبهم الله بنفس العقاب، ويسلط عليهم الثعابين والعقارب جزاء على أعمالهم.

إن لهذه الآية علاقة عميقة بالتي قبلها، بل كلتاهما تحتوي على موضوع واحد.. وهو أن هؤلاء رغم رؤية البراهين التي تميز بين الحق والباطل، ورغم رؤية كل ذرة من الكون تؤكد وحدانية الله تعالى، ورغم رؤية قدر الله الخاص جاريا في حق المؤمنين.. يجعلون له سبحانه أندادا يحبونهم كحب الله، وهذا دليل على أنهم هالكون.

 

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (167)

شرح الكلمات:

تبرّأ-تخلص (الأقرب). التبرّي: التقصّي [الابتعاد] مما يُكْرَه مجاورته (المفردات). فالآلهة الباطلة والشخصيات التي كانوا يشركونها بالله سوف تعلن كراهيتها لعابديها المشركين، وتعتبر نفسها بريئة، وتقول إننا لم نفعل مثل هذه الأفعال.

الأسباب –السبب ما يُتوصل به إلى غيره؛ الطريق؛ الحب؛ القرابة (لسان العرب).

التفسير:

يقول الله تعالى إنه سيأتي زمن يقول فيه هؤلاء الأنداد: يا رب، لا علاقة لنا بهؤلاء العابدين لنا. وهكذا يُظهرون براءتهم ونفورهم منهم بعد أن رأوا عذاب الله. قوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب).. الباء في بهم تكون بمعنى عن أو تكون للسببية، أو للتعدية. فإذا كانت الباء بمعنى عن يكون المعنى: أن الأشياء التي كانوا يظنون أنهم سيصلون بها إلى الله سوف تنقطع وتضيع، أو أن القرابات والصداقات التي كانوا يعتمدون عليها سوف تنقطع عنهم وتضيع من أيدهم.

وإذا كانت للسببية فالمعنى: أنه من جراء كفرهم تقطّعت أسبابهم ودُمِّروا.

وإذا كانت للتعدية فالمعنى: أن الأشياء التي كانوا يعتبرونها ذريعة للوصول إلى الله هي التي سوف تدمرهم وتقطعهم. ومثال ذلك ما ورد في موضع آخر من القرآن الكريم: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (الأنعام: 154).. أي تجعلكم تتفرقون وتنحرفون عن الصراط المستقيم، وتؤدي بكم إلى الدمار.

 

وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (168)

شرح الكلمات:

كرَّة –الكَرَّة: المرّة (الأقرب). الكرّ: العطف على الشيء (المفردات).

فتعني الآية أنهم سيقولون: يا ليت لنا فرصة للعودة ولو لمرة واحدة.

التفسير:

يقول الله إنكم تجعلون لله شركاء وتعتبرونهم أندادا له، ولكنكم في الآخرة سوف تتمنون العودة إلى الدنيا وتقولون: كنا نظن أن هذه الآلهة سوف تنفعنا في الوقت العصيب، وها هي قد خذلتنا.. فليتك يا رب، تُرجعنا إلى الدنيا كي نتبرأ منهم كما فعلوا بنا. يقول الله تعالى (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم).. أي ستتحول أعمالهم حسرات عليهم. وتعني كلمة (عليهم) هنا وبال حسراتهم تقع عليهم. هناك من الحسرات ما يقع على الغير، ولكن لن يتضرر من حسراتهم إلا هم.

وإذا كانت كلمة حسرات هنا حالا.. فتكون الرؤية هنا مادية أي رؤية العين، وإذا كانت مفعولا به.. فتكون الرؤية قلبية. والمعنى أنهم يقولون: يا ربنا لو أرسلتنا إلى العالم مرة أخرى مبشرين.. فسوف نملأ الدنيا إعلانا بأنه لا شريك لك.

أما قوله تعالى (وما هم بخارجين من النار).. يجب ألا ينخدع به القارئ فيظن أن أهل النار لن يخرجوا منها مطلقا. فالله تعالى لا يذكر هنا معاملته معهم وإنما يبين حالهم وعجزهم هم عن أن يخرجوا من جهنم بجهودهم الشخصية. ومثال ذلك أن تقول عن مريض: إنه لا يستطيع أن يتحرك خطوة واحدة.. ثم تأخذه إلى المستشفى للعلاج، فهو لم يتحرك بجهده، ولكنك ساعدته ونقلته؛ فضعفه لم يمنع من أن يعينه أحد. فالنفي هنا لخروجهم بأنفسهم، فلو حاولوا أن يخرجوا بقوتهم ما تمكنوا من ذلك.

فمن علامة الحب الكامل أن يضحي الإنسان لأجل حبيبه بكل غالٍ ورخيص، وإلا فادعاؤه بالحب كلام فارغ لا يجديه شيئا. كل إنسان يقول إنه يحب الله ورسوله، بل ليس هناك مسلم واحد يقول إنه لا يحب الله ورسوله؛ ولكن يجب أن يرى ما هو تأثير هذا الادعاء في أعماله وجوارحه وأقواله.

وقد صرّح الله بذلك في آية أخرى (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) (السجدة: 21). فلم تقل الآية إن الله لن يخرجهم من جهنم.. وأنه سيعاقبهم عقابا مؤبدا، وإنما لن يَخرجوا منه بجهودهم الذاتيّة.

وبالنسبة للجزاء والعقاب فهناك بون شاسع بين المؤمنين والكافرين. فالجنة حق للمؤمنين كما قال الله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) (التوبة: 111).. كأن هذه صفقة تمت بين الله جل جلاله وبين المؤمنين. صحيح أنه من ناحية المبدأ لا يمكن أن يكون لأحد حقّ على الله، ولكن إذا قال الله إنه حق علي فلا بد أن يعتبر ذلك حقا للعبد على الله. أما الكفار فيقول الله إنهم عندما لا يستطيعون الصبر على عذاب جهنم ويطلبون الخروج منه لن يستطيعوا ذلك. والباء في العربية تفيد التأكيد، فالمراد من قوله تعالى (وما هم بخارجين من النار) أنهم لن يتمكنوا من الخروج من جهنم بجهودهم الشخصية أبدًا. نعم، عندما يريد الله إخراجهم، فإنه يخرجهم منها، كما ورد في الحديث النبوي: (يأتي على جهنم يوم ليس فيها من بني آدم أحد، تخفق أبوابها (كنز العمال، كتاب القيامة).

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك