من علامات آخر الزمان

ومن علامات آخر الزمان التي أخبر الله تعالى منها في القرآن واقعات نادرة تشاهدونها في هذا الزمان وتجدون. وقد بين لنا علاماته وقال: إذا الجبال سيرت، وإذا البحار فجرت، وإذا العشار عطلت،  وإذا النفوس زوجت، وإذا الصحف نشرت. إذا زلزلت الأرض…الآية، وإذا الأرض مدت، وألقت ما فيها وتخلت، وإذا الكواكب انتثرت، وإذا الوحوش حشرت. وفي كل ذلك أنباء آخر الزمان لقوم يتفكرون.

أما تسير الجبال فقد رأيتم بأعينكم أن الجبال كيف سيرت وأزيلت من مواضعها وخيامها هدمت، وقنونها لاقت الوهاد وصفوفها تقوضت، تمشون على مناكبها وتأفدون.

وأما تفجير البحار فقد رأيتم أن الله بعث قوما فجروا البحار وأجروا الأنهار وهم على تفجيرها مداومون. وأحاطوا على دقائق علم تفجير الأنهار وأفاضوها على كل واد غير ذي زرع، ليعمروا الأرض ويدفعوا بلايا القحط من أهلها وكذلك يعملون، لينتفعوا من الأرض حق الانتفاع فهم منتفعون.

وأما تعطيل العشار فهو إشارة إلى وابور البر الذي عطل العشار والقلاص فلا يسعى عليها، والخلق على الوابور يركبون. ويحملون عليه أوزارهم وأثقالهم، وكطي الأرض من ملك إلى ملك يصلون. ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون. جعل الله على قلوبهم أكنة أن يفقهوا أسراره، وفي آذانهم وقرا فهم لا يسمعون. وإذا وجدوا صنعة من صنائع الناس.. ولو من أيدي الكفرة.. يأخذونها لينتفعو بها، وإذا رأوا صنعة رحمة من الله فيردون.

وأما تزويج النفوس فهو على أنحاء.. منها إشارة إلى التلغراف الذي يمد الناس في كل ساعة العسرة، ويأتي بأخبار أعزة كانوا بأقصى الأرض، فينبئ من حالاتهم قبل أن يقوم المستفسر من مقامه، ويدير بين المشرقي والمغربي سؤالا وجوابا كأنهم ملاقون. ويخبر المضطرين بأسرع ساعة من أحوال أشخاص هم في أمرهم مشفقون. فلا شك أنه يزوج نفسين من مكانين بعيدين، فيكلم بعضهم بالبعض كأنه لا حجاب بينهم وكأنهم متقاربون. ومنها إشارة إلى أمن طرق البحر والبر ورفع الحرج، فيسير الناس من بلاد إلى بلاد ولا يخافون. ولا شك أن في هذا الزمان زادت تعلقات البلاد بالبلاد، وتعارف الناس بالناس فهم في كل يوم يزوجون. وزوج الله التجار بالتجار، وأهل الثغور بأهل الثغور، وأهل الحرفة بأهل الحرفة، فهم في جلب النفع ودفع الضرر متشاركون. وفي كل نعمة وسرور، ولباس وطعام وحبور، متعاونون. ويجلب كل شيء من خطة إلى خطة، فانظر كيف زوج الناس كأنهم في قارب واحد جالسون.

ومن أسباب هذا التزويج سير الناس في وابور البر والبحر، فهم في الأسفار يتعارفون. ومن أسبابه مكتوبات قد أحسنت طرق إرسالها، فترى أنها ترسل إلى أقاصي الأرض وأرجائها، وإن أمعنت النظر فتعجبك كثرة إرسالها، ولن تجد نظيرها في أول الزمان، وكذلك تعجبك كثرة المسافرين والتجارين. فتلك وسائل تزويج الناس وتعارفهم، ما كان منها أثر من قبل، وإني أنشدتكم الله.. أرأيتم مثلها قبل هذا أو كنتم في كتب تقرؤون؟

وأما نشر الصحف فهو إشارة إلى وسائلها التي هي المطابع، كما ترى أن الله بعث قوما أوجدوا آلات الطبع، فكأين من مطبع يوجد في الهند وغيره من البلاد. ذلك فعل الله لينصرنا في أمرنا، وليشيع ديننا وكتبنا، ويبلغ معارفنا إلى كل قوم لعلهم يستمعون إليه ولعلهم يرشدون.

وأما زلزلة الأرض وإلقاؤها ما فيها فهي إشارة إلى انقلاب عظيم ترونه بأعينكم، وإيماء إلى ظهور علوم الأرض وبدائعها وصنائعها، وبدعاتها وسيئاتها، ومكايدها وخداعاتها، وكل ما يصنعون.

وأما انتثار الكواكب فهو إشارة إلى فتن العلماء وذهاب المتقين منهم. كما أنكم ترون أن آثار العلم قد امتحت وعفت. والذين كانوا أوتوا العلم فبعضهم ماتوا وبعضهم عموا وصموا، ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا، وكثير منهم فاسقون، والله بصير بما يعملون.

وأما حشر الوحوش فهو إشارة إلى كثرة الجاهلين الفاسقين، وذهاب الديانة والتقوى، فترون بأعينكم كيف نزح بير الصلاح وأصبح ماؤه غورا، وأكثر الخلق يسعون إلى الشر وفي أمور الدين يدهنون. إذا رأوا شرا فيأخذونه، وإذا رأوا خيرا فهم على أعقابهم ينقلبون. ينظرون إلى صنائع الكفرة بنظر الحب، وعن صنع الله يعرضون.

(الخزائن الروحانية، مرآة كمالات الإسلام، ج 5، ص 468 إلى 474)

Share via
تابعونا على الفايس بوك