زمن التردي والفراغ الروحي..؟!

زمن التردي والفراغ الروحي..؟!

التحرير

لا يختلف اثنان أن العصر الحديث شهد انتكاسات عديدة أصلت جروحا عميقة في قلب الإنسانية وتسببت في انعدام السلام والطمأنينة إلى حد كبير، مما عرض الخصائص الإيجابية لهذا العصر إلى مهب الريح فباتت عاتية وما خلفت سوى مظاهر الخراب والدمار وشتى صور البؤس والمعاناة لا زالت تعاني من جراح الماضي القريب، ولم تضمد جراحها بعد، وها هي تطعن من حين لآخر بخناجر قاسية تشطر جسدها الممتد على خريطة العالم حتى غذا التجرد من الصفات الإنسانية طابعا سائدا في العلاقات الفردية والجماعية كنتيجة مباشرة لصنوف المظالم وإهانة كرامة الإنسان، وغير ذلك الكثير من المواقف المحرجة للحس الإنساني الفطري بما يندى له الجبين، ويعكس في نفس الوقت مآزق الانحطاط الأخلاقي والحضاري لهذا العصر.

غير أن ما قدمه الإسلام للبشرية من هداية حقيقية كاملة عبر تعاليمه الحكيمة هو السبيل الأوحد الذي يحقق الأماني الفطرية التي يبحث عنها الإنسان في كل زمان ومكان، ولا نظن أن عالم اليوم سيتخلص من آفة التردي الأخلاقي والفراغ الروحي التي يعاني من ويلاتها إلا عن طريق الرجوع إلى الله تعالى وإلى الذي بعثه الله لجمع الناس على دينه الحنيف، وهذا في تقديرنا أهم إنجاز على الإطلاق لو فطنت إليه البشرية ويمكن أن يحدث أكبر ثورة في العصر الراهن.

لقد كانت الآمال معقودة على أن ترتقي البشرية وتتجاوز محن الماضي الأليم بكل أشكاله بحيث تمحى تلك الحقبة من مخيلتها بكل ما تختزنه من مآس، وتتطلع إلى مستقبل باهر لا ينتقص من حقوق الإنسانية الأساسية شيء، ليصبح الإنسان سيد نفسه عزيزا كريما لا يكدر صفو حياته أحد بسبب لونه أو عرقه أو فكره أو معتقده.. هذه الآمال تصطدم اليوم والواقع الإنساني المرير الذي يعيش متناقضات في زمن قطعت فيه المعرفة العلمية والثقافية أشواطا كبيرة فاصلة غيرت معالم هذا العصر وجعلت بينه وبين الأمس البعيد والقريب بونا شاسعا.. وبالرغم من هذا الرقي ما زالت البشرية ترى وتسمع صور وأصوات هذه المتناقضات.. بين اضطهاد وحرية، شقاء وسعادة، بين ثراء فاحش وفقر مقرف، وبين ضلالة وهداية.. إنها فعلا فوارق كبيرة المدى. البعض ينشد الجانبب المشرق الفاضل منها يقتفي الطريق المفضي إليها على أمل أن يندثر ما يناقضها. والبعض الآخر ربما يسير بلا هدف نبيل، ويكتفي بمشاهدة ظلمة هذا العالم من حوله ليكون جزءا من هذه العتمة في ضوء ما يبرر به موقفه من مخاض الحياة اليومية المضطربة ليبقى ضالا عن السبيل الذي يؤدي به إلى السلام والطمأنينة داخل النفس وخارجها. ولعل دوافع هذا التشكيك ناجمة عن الحيرة الهيبة من المستقبل بفعل الفراغ الروحي، ذلك الفراغ الذي يجعل حياة كثير من الناس في عصرنا على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تتسم بالضبابية وعدم اليقين، وهذا هو العامل الرئيس الذي يفرغ في شلّ وتعطيل القدرات لما ينجم عنه من قلق وتبرير للنفس وتحجر في الفؤاد ومن ثم إلى سلوك حالة من التردي الأخلاقي من جشع مادي بغضاء وقسوة ومظالم، وهي كلها أساليب تعامل اجتماعي خاطئ يمكن تتبعها في التاريخ الإنساني القديم لكنها اليوم غدت أكثر جلاء وخطورة مما كانت عليه لاختلاف الزمن وللتطور المادي وتأثيره على الحياة العامة، مع ما يرافقها من ضغوط وتوترات التي أصبحت من أعراض مجتمع العصر! ولما كانت حياتنا المعاصرة متسمة بالضوضاء والاضطراب وعقول نخرتها فلسفات مادية وإلحادية بما يؤثر على النفوس، كان من الطبيعي أن يقود ذلك إلى اضطراب السلوك البشري في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان مما يطرح تساؤلات عديدة عن سر بلوغ العصر الحديث لهذا الانحدار الأخلاقي والروحي الذي أكدته الدراسات الدينية والعلمية والمتخصصة في علم النفس المرضي والاجتماعي والطب السلوكي المعاصر.

وعلى رغم من أن الإنجازات النبيلة التي وصل إليها عالم اليوم – من برامج تشخيص اجتماعي ونفسي وتشريعات ومواثيق للحفاظ على سلامة الإنسان الصحية والنفسية والاجتماعية على أمل الوصول به إلى مستويات عليا من الصحة والتكامل – تعكس على نحو ما الرغبة الإنسانية في الوصول إلى السلام، إلا أنها للأسف تظل ناقصة وقاصرة عن بلوغ الهدف الذي تتوق الإنسانية إليه منذ القدم إلى اليوم، حيث البحث عن السلام الداخلي والخارجي هو الهاجس الأكبر الذي يؤرق الإنسان، وبالتالي فهي عديمة التأثير على سلوك البشر لارتكازها على جملة منطلقات مادية واجتهادات عقلية وفلسفية مختلفة أقصت البعد الروحي والإيماني!! لأنه لا يمكن للقلب والعقل أن ينعما بالهدوء والطمأنينة باجتهادات فكرية وأسباب مادية إلا إذا استمد القلب والعقل فعاليتهما وقوتهما من واهب السلام <<الله>> الذي هو وحده سبحانه الذي يهب الإحساس والطمأنينة والحفظ والنجاة والتآلف والرضى للبشر، لأن أول ما يحتاجه بلوغ ذلك الهدف هو أن يصل الإنسان إلى هداية حقيقية تغذي متطلباته الروحية وتجيب على تساؤلاته بحيث تعيد تنظيم تصوراته عن الحياة وتنتقل به إلى حالة سكينة وطمأنينة نفسية، وبالتالي إلى نشدان هدف نبيل يسعى به في الحياة. فالمشكلات النفسية والاجتماعية على اختلافها التي يواجهها الإنسان المعاصر إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه يبحث عن توافق بين احتياجاته المادية والروحية ولا يجد لهذه الإشكالية تفسيرا مقنعا يطمئن إليه.. غير أن ما قدمه الإسلام للبشرية من هداية حقيقية كاملة عبر تعاليمه الحكيمة هو السبيل الأوحد الذي يحقق الأماني الفطرية التي يبحث عنها الإنسان في كل زمان ومكان، ولا نظن أن عالم اليوم سيتخلص من آفة التردي الأخلاقي والفراغ الروحي التي يعاني من ويلاتها إلا عن طريق الرجوع إلى الله تعالى وإلى الذي بعثه الله لجمع الناس على دينه الحنيف، وهذا في تقديرنا أهم إنجاز على الإطلاق لو فطنت إليه البشرية ويمكن أن يحدث أكبر ثورة في العصر الراهن.

Share via
تابعونا على الفايس بوك