في رحاب العربية ( 2 )
  • دعوة علمية إلى تصحيح الأخطاء باللسان العربي
  • تصويب الاستعمال في عدد من التراكيب اللغوية

__

“رحم الله رجلاً أصلح من لسانه”

أتابع موضوع الأخطاء الشائعة في لغتنا العربية، لغتِنا الجميلة التي كرمها الله وأعزها بجعلها لغة القرآن الكريم آخر شريعة ودستور لبني آدم إلى يوم القيامة. وهي أخطاء انتشرت وتسللت إلى ما نسمع وما نكتب حتى اعتدنا عليها وبتنا لا ننتبه لوجودها وسريانها، ومن تعودت عينه وأذنه على رؤية الخطأ وسماعه اعتاد عليه، ومن شبّ على شيء شاب عليه. وأعود وأقول إن شيوع خطأ لا يجعل له حق الاستمرار والوجود مع نسيان الصحيح الصائب واتخاذه كالمهجور. وكلي رجاء أن يستفيد من هذه الفقرات أكبر عدد من الكاتبين والناطقين بالضاد، وأن نكون ممن يرحم الله تعالى لإصلاحنا من لسانـنا مصـداقا لقول رسول الله : “رحـم الله رجـلاً أصلـح من لسـانه.” (شعب الإيمان للبيهقي)، وأن يجـعلنا من المرحومين والمغفـور لهم.

عـلى الرغْـم

كثيراً ما يساء استخدام كلمة (الرغم) في قولنا وكتاباتنا، و(الرغم) كلمة تستخدم للتعبير عن الكره وعدم الرغبة أو القسر أو المغالبة أو المعاناة. وقد جاء في (المعجم الوسيط): «الرَّغْم: الرَّغام (أي التراب). ويقال: فعله على رغمه، وعلى الرغم منه، وعلى رغم أنْفِهِ: على كُرْهٍ منه.»

والتراكيب التي تستخدم فيها كلمة الرغم في العربية هي التالية:

(على رغم كذا، وعلى الرغم مِن كذا، وبرغم كذا، وبالرغم من كذا).

ويقال مثلاً: (ما كنت أحبّ أن أتأخر، ولكني تأخرت رغْمًا).

فمن الخطأ القول:

* على الرغم من أن الأحمدية هي الإسلام الحق إلا أن أفرادها يعذَّبون ويُضطَهَدون.

* إن عمرًا على الرغم من فقره كريم.

* على الرغم من أن الولادة حدثت قبل أوانها إلا أن الوليد عاش.

والصـواب:

* مع أن الأحمدية هي  الإسلام الحق إلا أن أفرادها يعذبون ويضطهدون.

* إن عمرًا على فقره كريم.

* مع أن الولادة حدثت قبل أوانها إلا أن الوليد عاش.

ومن الاستخدامات الصائبة قول الشاعر:

 ما سَلِمَ الظبيُ على حُسْنِهكلاّ ولا البَدْرُ الذي يوصف

الظبْيُ   فيه  خَنَسٌ   بَيِّنٌ

والبدر   فيه  كَلَفٌ   يُعرف

يقول المسيح الموعود :

“…فَحَاصِلُ الْكَلاَمِ أَنَّ اللهَ كَانَ قَدْ قَدَّرَ لِلإسْلاَمِ الْعِزَّتَيْنِ بَعْدَ الذِّلَّتَيْنِ عَلَى رَغْمِ الْيَهُوْدِ الَّذِيْنَ كَانَ قَدْ قَدَّرَ لَهُم الذِّلَّتَيْنِ بَعْدَ الْعِزَّتَيْنِ نكَالاً مِنْ عِنْدِه كَمَا تَقْرَءُوْنَ فِي سُوْرَةِ بَنِي إسْرَائِيْلَ قِصَّةَ الْفَاسِقِيْنَ مِنْهُمْ وَالظالِمِيْنَ…” (الخزائن الروحانية، ج 7، كتاب حمامة البشرى، الباب الخامس)

ويقول :

“وكذلك فعل ربنا ليقُمّ المتكبرين من علماء السوء وليظهر قدرته رغم أنف المتعصبين، وأن مثل نزول المسيح كمثل نزول إيليا قد وعد الله نزوله ثم جاء يحيى مقامه، إن في ذلك لهدى للمتفكرين، وإن كنت لا تعلم فاسأل اليهود والنصارى وقد تواترت هذه القصة عندهم وما اختلف فيها اثنان، ففتش ولا تكن من المتقاعسين.” (الخزائن الروحانية، ج 7، كتاب تحفة بغداد)

 (كلّما) لا تتكرر في جملة واحدة

كثيراً ما نرى هذا الخطأ عند الترجمة من الإنجليزية أو الفرنسية إلى لغتنا فينتج الخطأ بالنسج على منوال التركيب الأعجمي، ومثله قولهم: «كلما زاد عِلمُ المرء، كلما قلَّ اعتراضه» والصواب حذْف (كلما) الثانية، والقول:

* كلما زاد علم المرء قلّ اعتراضه  وفي القرآن الكريم:

* كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا . (آل عمران: 38)* وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة: 26)

* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء :57)

يقول المسيح الموعود في وصف الخليفة الأول الحكيم الحاج نور الدين :

“…إني أرى الحكمة قد فاضت على شفتيه، وأنوار السماء قد نزلت لديه، وأرى تواتر نزولها عليه كالمتضيّفين، كلما توجه إلى تأويل كتاب الله بجمع الأفكار فتح ينابيع الأسرار وفجّر عيون اللطائف وأظهر بدائع المعارف التي كانت تحت الأستار ودقّق ذرات الدقائق ووصل إلى عروق الحقائق وأتى بنور مبين، يمدّ العقلاء أعناقهم في وقت تقاريره متسلمين لإعجاز كلامه وعجائب تأثيره…” (الخزائن الروحانية، ج 5، كتاب التبليغ، ذكر بعض الأنصار شكرًا لنعمة الله الغفار)

لا تقُل: (يَتَوجَّب)!

لقد شـاع مؤخرًا استعمال (يتوجَّب) بدلاً من (يجب)، وهو خطأ استفحل ولا يكاد حديث يخلو من هذا الخطأ الشائع. ومن عَلِمَ معنى توجب ترك هذا الخطأ وهجره هجرا مليا والتزم الصواب وأنزل كل كلمة منـزلـها؛ فقد جاء في (المعجم الوسيط): «تَوَجَّب فلانٌ: أكل في اليوم والليلة أكلةً واحدةً.» والوجبة: الأكلة الواحدة.

* ولا يفرّق بعض الناس بين (يجب) و(ينبغي) من حيث المعنى والتعدية، فيقولون: ينبغي علينا (!) أن نفعل كذا وقد جاء في (المعجم الوسيط):

«يقال: ينبغي لِفلانٍ أن يعمل كذا: يَحْسُن به ويُسْتَحبُّ له. وما ينبغي لفلانٍ أن يفعل كذا: لا يليق به ولا يحسُن منه.»

فالصواب إذن أن يُقال:

يجب على فلان، وينبغي له وفي القرآن الكريم:

مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ (الفرقان: 19)

وختـاما أقتبس من كلام المسيح الموعود ، وينبغي لنا أن نمعن النـظر بكـلامه الذي فـيه البـلاغة والهدى:

“يا أيّها النّاس اجتنبوا مجالس قومٍ متصوفةٍ… ويقولون إن البركات كلّها منوطة بالبيعة، وما لهذا الرجل شرف بيعة شيخ من المشايخ، وما بيعتهم إلاّ كصفقة المغبون، وإنْ قولهم إلاّ كذبٌ نَحَته الصوّاغون، يا حـسرة عليهم ألا يعلمون أنّ المسيح ينـزل من السماء بجميع علومه، ولا يأخذ شيئاً من الأرض مالهم لا يشعرون، ألا يعلمون أنّ الذين يُرسلون من لدن ربّهم لا يحتاجون إلى بيعة أحد، وهم من ربّهم يتعلّمون… فهم بروحه يتكلّمون، وبه يُنوّرون كُلَّ من سلم نظم فطرته، وبه يفيضون، وبه يُطلعون على كنوز العلم، ويقيمون حجّة الله على كلّ من لجّ بإنكار الحق وجحوده، ومن الله ينصرون، يُوْدع الله صدورهم معارف القرآن، ويُظهرهم على نوادر وقائع الزمان، ويعطيهم شيئاً ما لا يعطى غيرهم وهم من غيرهم يميّزون، ويهب لهم مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدهم وهم بعناياته يخصصون، وأنّى لكم هذا الفضل أيها المتمرّدون المكذبون، وإن كان في بيعتكم وبيعة مشائخكم أثر فأروني فيها هذا الأثر أيها الكاذبون…” 0الخزائن الروحانية، ج 5، كتاب التبليغ، رسالة إلى مشائخ الهند ومتصوفة أفغانستان ومصر وغيرها من الممالك).

Share via
تابعونا على الفايس بوك