صدق الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام

صدق الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام

مصطفى ثابت

السيرة الطاهرة (12)

تحت سسلة “السيرة المطهرة” يتناول الكاتب سيرة سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني،

الإمام المهدي والمسيح الموعود

مبرزًا الوقائع والأحداث الهامة من حياته الطاهرة. (التقوى)

ومن دلائل صدق المبعوث الإلهي أن الله تعالى يوحي إليه بأنباء غيبية.. تأييدا له وتحقيقا لقول الله تعالى في كتابه العزيز:

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا $ إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ   (الجن:27-28)

وتتحقق بعض هذه الأنباء أثناء حياة المبعوث، ويتحقق البعض منها بعد وفاته، ليتبين أن الله تعالى هو الذي يحقق ما سبق وأنبأ به عبده، حتى بعد أن غادر مبعوث الله مسرح الحياة وانتقل إلى جوار ربه.

وغني عن البيان أن طبيعة تلك الأنباء الغيبية تكون من الغرابة بمكان.. حيث يصعب تصديق إمكان تحققها، فهي ليست من الأمور العامة التي كثيرا ما تحدث في حياة الناس.. كاحتمال السفر القريب، أو وقوع خير مرتقب، أو حدوث شر متوقع. ويمكن أن نذكر مثالا على تلك الأنباء الغيبية التي تحققت في زمن رسول الله حين غُلبت الروم في حربهم مع الفُرس، فأعلن رسول الله الوحي القرآني الذي تلقاه من الله تعالى مؤكدا انتصار الروم بعد هزيمتهم، وأن هذا الانتصار سوف يتم في بضع سنين.. أي في فترة زمنية لا تقل عن ثلاث سنين ولا تزيد عن تسع. صحيح أن كل جيش مهزوم يداعبه الأمل أنه سوف ينتصر في المعركة القادمة، ولكن رسول الله لم يكن طرفا في القتال، ولا كان له ارتباط مع المنتصر أو المهزوم، وكان يبعد مئات الأميال عن مسرح الحوادث، ولم يكن له تأثير يؤدي من قريب أو من بعيد إلى هزيمة أي جيش أو انتصاره. ورغم كل هذا.. فقد تحققت نبوءته إثباتا لصدقه، وتأكيدا على أن مصدرها هو الله تعالى عالم الغيب.. الذي لا يُظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول.

ونروي هنا بعض الأمثلة من الأنباء الغيبية التي أعلنها الإمام المهدي تحقيقا لنفس المبدأ الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز.. أي أنه سبحانه هو عالم الغيب، وأنه لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول.

إن الإمام المهدي تلقى من الله تعالى مئات بل ألوفا من النبوءات التي كانت تتحقق على رؤوس الأشهاد. ولا بد من الرجوع إلى كتب الجماعة الإسلامية الأحمدية للإلمام بهذه النبوءات وتفاصيلها، غير أننا في هذه العجالة نذكر تلك النبوءة التي ذكرها الإمام المهدي والتي تختص بقرب انتشار وباء الطاعون في الهند، ثم ما تضمنته هذه النبوءة من وعد الله تعالى لعبده الإمام المهدي أن الله تعالى سوف يحفظه هو وكل من في داره من ويلات هذا المرض الفتاك. وقد تحقق كل نبأ ذكره الإمام المهدي في هذا الشأن.. فجاء الوباء وانتشر في الهند.. وبالذات في البنجاب، وكان يحصد المئات من الأرواح في كل يوم. والطريف أن بعض أعداء الإمام المهدي قد تنبأ بأن الله سوف يهلكه بالطاعون، ولكن الله تعالى خيب ظنهم وحفظ عبده، وهلكوا هم بالطاعون، ولم يحدث لأي فرد من أولئك الذين كانوا يقيمون في داره أن وقع فريسة لهذا المرض اللعين. وسوف نتعرض لتلك الأمور بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله.

من أدلة صدق المبعوث الإلهي أيضا أن الله تعالى يؤيده بأمور خارقة للعادة.. وهي ما تُعرف بالآيات والمعجزات، وليست معجزات الأنبياء من صنف أعمال الشعوذة، أو الخدع التي يقوم بها بعض الناس ويوهمون المتفرجين أنهم يقومون بأمور خارقة للعادة. ويظن بعض الناس أن المعجزة يجب أن تكون أمرا لا يمكن أن يتحقق عادة، ولكن هذا الظن غير صحيح.. فالمعجزة يمكن أن تكون أمرا من الأمور العادية ولكنها تتحقق في ظروف غير عادية.

ونضرب على ذلك مثلا ما حدث لرسول الله أثناء هجرته مع أبي بكر ودخولهما الغار.. كانت آثار أقدامهما متجهة إلى الغار، ولكن فور دخولهما جاءت العنكبوت وبنت بيتها على فتحة الغار، وتصادف أن كان هناك عش حمامة، كانت هي الأخرى على وشك أن تضع بيضتها التي باضتها أيضا بعد دخولهما، فلما جاءت قريش.. ورأوا بيت العنكبوت.. ورأوا بيض الحمامة.. انصرفت أذهانهم عن النظر داخل الغار، رغم أن قصّاص الأثر قال إن محمدا إما أن يكون داخل الغار، أو إنه صعد إلى السماء. ومع ذلك لم يهتم أحد بالنظر داخل الغار بسبب بيت العنكبوت وبيض الحمامة. وكانت هذه إحدى المعجزات التي وقعت لرسول الله لكي ينقذ الله تعالى عبده ورسوله من أيدي أعدائه. والمعجزة هنا هي في التوقيت الذي توالت فيه الأحداث.. وإلا فإن العنكبوت تبني بيتها في أي مكان.. وهذا أمر عادي، والحمامة تضع بيضها في عشها الذي تبنيه .. وهذا أيضا أمر عادي، ولكن أن تحدث هذه الأمور في ذلك التوقيت بالذات، بعد دخول رسول الله وصاحبه، وقبل وصول مشركي قريش.. هو ما جعل من هذه الأمور العادية معجزة خالدة، كانت سببا في نجاة رسول الله من موت محقق.

ومن معجزات الرسول أيضا أنه أوتي بلاغة الحديث.. وهو الأمّي الذي لم يتعلم فنون اللغة وآدابها، ولم يحضر مجالس الأدب وندوات الشعر. وخلال مستهل حياته التي قضاها في رعي الغنم أو في أعمال التجارة.. لم تكن لديه الفرصة ليتعلم أصول اللغة وحسن أسلوبها، ومع ذلك فقد آتاه الله تعالى بلاغة الحديث، حتى إن كلامه كان أبلغ الحديث بعد القرآن، وصدق رسول الله حين قال: “أُوتيتُ جوامعَ الكَلِمِ”.

ورغم أنه لا يُشترط للأنبياء أن تتشابه معجزاتهم.. إلا أن من معجزات الإمام المهدي أيضا أن الله تعالى أعطاه بلاغة الأسلوب، وغزارة المعاني، والقدرة الفائقة على الكتابة في اللغات الثلاث التي كان يكتب فيها، وهي اللغة الأردية والفارسية والعربية. وأما اللغة العربية فلم يكن يعرف منها إلا مبادئها، وتعلم منها في صغره ما يمكنه من قراءة القرآن. وكما سبق بيانه.. إنه لم يتعلم في المدارس أو المعاهد، ولم يتلق علوما في الجامعات، وإنما استحضر له والده بعض المعلمين الذين كانت قدراتهم محدودة، ومواهبهم مغمورة، وعلومهم محصورة، وفطنتهم مطمورة. ولما أعلن دعوته.. ودعا الناس إلى الإسلام وإلى نهج رسول الله وسُنته.. عيّره علماء المسلمين لجهله بأصول اللغة وأساليبها، وقالوا: كيف لهذا الذي هو مهين ولا يكاد يُبين أن يفهم أسرار القرآن ويحيط بعلوم الفرقان، وهو الذي لا يعلم من اللغة إلا قشورها، ولا يدري من أدبها إلا سقط متاعها؟ فكان أن شكَى الإمام المهدي لربه قصوره في علوم اللغة، وقِصَر باعه في الإحاطة بأساليبها وفنونها، فعلّمه الله تعالى أربعين ألفا من مصادر اللغة العربية في ليلة واحدة، واستطاع بعد ذلك أن يكتب الكتب في هذه اللغة الكريمة، وتحدى مخالفيه أن يكتبوا أمامه أو يجاوروه في كتاباته، ولكنهم فرّوا من التصدي، وهربوا من التحدي، ومن تصدى له نال الخزي والهوان، وباء بالفشل والخسران، وسوف نتعرض لكل هذه الأمور بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله.

هذه هي بعض المعايير والدلائل التي يُستدل بها على صدق مدّعي النبوة أو على كذبه، وهي لا تتوقف على تحقق نبوءة معينة بشكل خاص أو عام، وإنما تتعلق بحقائق منطقية وضوابط عقلية. وكما نرى.. إنها جميعا تنطبق على رسول الله وتؤيد صدق نبوته. فإذا انطبقت نفس هذه المعايير على أحد من الناس.. كانت بلا شك دليلا على صدقه كما كانت دليلا على صدق رسول الله . وإذا لم تنطبق.. كانت حتما دليلا على كذبه وافترائه على الله.

ويمكن تلخيص تلك المعايير فيما يلي:

المعيار الأول يتعلق بطهارة حياة المدّعي قبل إعلانه الدعوى، ومدى تمسكه بالصدق والتقوى، وشهرة أمره بين الناس بالصلاح والورع وطاعة الله تعالى. فمن كان هذا أمره.. ومن لا يُسَوِّغ لنفسه أن يكذب على مخلوق.. لا يمكن أن يتحَوَّل في يوم وليلة ليكذب على الخالق.. فيدّعي كذبا أنه يتلقى وحيا من الله تعالى. وهذا المعيار يؤيده قول الله :

قُل لَّوْ شَآءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلآ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (يونس:17)

والمعيار الثاني هو حياة مدّعي النبوة بعد إعلانه الدعوى وإصراره على أنه يتلقى الوحي من الله تعالى، واستمراره في دعوة الناس إلى ذلك الأمر مدة طويلة، كما كان شأن رسول الله الذي استمر يعلن على الناس تلقيه وحي الله تعالى لمدة ثلاثة وعشرين عاما. ورغم تواصل مدّعي النبوة في دعواه فإن الله تعالى لا يُنْزل عليه عقابه، ولا يحل عليه عذابه، ولا يُسلط عليه من يقتله أو يهلكه، ليفضح ستره ويكشف كذبه. ويستمر ذلك المدّعي على قيد الحياة حتى يأتيه الأجل الذي قدّره له ربّه، فيتوفاه الله تعالى كما يتوفى الأنبياء والصالحين، فلا يقتله أحد من خلقه، ولا يُهلكه الله تعالى في بضع سنوات من إعلان دعوته. وهذا المعيار يؤيده قول الله :

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ $ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ $ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (الحاقة:46-48)

والمعيار الثالث هو العصمة الربانية التي يعد الله بها مبعوثه الصادق، ويحجبها عن كل مفتر كذاب، ويحاول الناس بكل وسيلة أن يقضوا على المبعوث الإلهي فلا ينالون إلا الخسران، ويسعون كل مسعى لاستئصاله فيأبى الله إلا أن يعصمه من عنده، ويحفظه بخالص فضله وعنايته. وهذا المعيار يؤيده قول الله :

وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 68)

المعيار الرابع لمعرفة الصادق والكاذب هو أن الله تعالى يكشف عن بعض غيبه لمبعوثه ونبيه ورسوله، فيخبره من أمور الغيب ما يتحقق أثناء حياته، فيكون دليلا على صدقه، وآية من الله على تأييده. ومنها ما يتحقق بعد وفاته، فيكون شهادة من الله تعالى على مصداقيته، وبرهانا من عالم الغيب على حقيقة أمره. وقد ذكر الإمام المهدي ألوفا من الأنباء الغيبية التي تحقق أكثرها أثناء حياته، ولا يزال البعض منها يتحقق الآن، ولعل أعظم تلك الأنباء ما يتعلق بمستقبل الإسلام، وحتمية انتصاره وانتشاره في العالم أجمع في خلال ثلاثة قرون من الزمان انقضى منها القرن الأول. وهذا المعيار يؤيده قول الله :

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا $ إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ (الجن:27)

والمعيار الخامس في بيان صدق مبعوث الله تعالى هو في الآيات التي يؤيده الله تعالى بها، والمعجزات التي يجريها الله تعالى على يديه، بشكل يبرهن لكل مخلص أمين يبتغي الحق.. أن الله تعالى يقف إلى جانب ذلك المبعوث ويؤيده ويعينه ويؤازره.

وكما ذكرنا من قبل.. إن كتب الجماعة الإسلامية الأحمدية زاخرة بتفاصيل هذه الأمور، ومن يبتغي الاستزاده يستطيع أن يجد بغيته في عشرات الكتب والنشرات التي نشرتها الجماعة.

بقي أن نجيب على سؤال هام.. لعله ما زال يفرض نفسه على أذهان القراء الكرام:

إن المعايير التي ذكرناها في هذا المبحث لم تتعرض للنبوءات التي ذكرها رسول الله عن الإمام المهدي، فماذا عن أمر هذه النبوءات؟ وإذا كانت الجماعة الإسلامية الأحمدية هي فعلا الجماعة المباركة التي أنشئت بأمر من الله تعالى، وإذا كان مؤسسها هو فعلا الإمام المهدي.. فلماذا لم تتحقق تلك النبوءات التي تتحدث عن انتصار الإسلام وظهوره على الدين كله؟

نعم.. لقد وعد رسول الله بأن الإمام المهدي سوف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت ظلما وجورا، كذلك وعد بأن الله تعالى سوف يُهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام. ولكن يجب أن نفهم تلك الوعود في ضوء الوعود التي يعد الله تعالى بها أنبياءه الصادقين.

لم يحدث في تاريخ البشرية بأكمله أن بعث الله تعالى نبيا ليهب الناس الملك السياسي، والزعامة القومية، والغلبة المادية، ويملأ جيوبهم بالأموال والخيرات، وهم على ما هم عليه من البعد عن الله تعالى.. تمزقهم الخلافات الدينية، وتفرقهم المشاحنات السياسية، وتوقع بينهم عداوات الأطماع الدنيوية. إن هذه ليست مهمة الأنبياء.. وإن كان يقوم بها بين الحين والحين بعض القادة والثوار الذين يقودون الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية.

إن مهمة الأنبياء.. في المقام الأول.. هي إقرار عبادة الله تعالى في الأرض. وأول أمر من الله تعالى ذكره القرآن الكريم كان في سورة البقرة، وهو قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:22)

ولإقرار عبادة الله تعالى أرسل سبحانه جميع الأنبياء والرسل لهذا الغرض، كما يقول :

وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ (النحل:37)

وقد فصّل الله تعالى هذا الأمر فقال عن أنبيائه:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ (المؤمنون:24) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ   (العنكبوت:17) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ   (هود:51)

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ   (هود:62)

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ   (هود:85)

وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ   (المائدة:73)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء:26)

ثم يأتي النداء الذي حمله رسول الله إلى الناس كافة:

يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:22)

وهذا هو نفس النداء الذي يرفعه اليوم الإمام المهدي لإحياء الدين فيقول بلسان القرآن للذين آمنوا:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُم وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ $ وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج:78-79)

وعبادة الله تعالى التي من أجلها أرسل الله تعالى كافة أنبيائه ورسله.. كما أرسل في زماننا هذا الإمام المهدي .. ليست هي فقط صلوات تُركع وآيات تُتلى وشعائر تُؤدى وحج يُشَد إليه الرحال ومسابح يُذكر عليها اسم الله بالتسبيح والتهليل. نعم.. إن كل هذه الأمور هي وسائل تعين الإنسان على عبادة الله تعالى، ولكن ليست هي في ذاتها العبادة، وإن أطلق عليها مجازا لفظ العبادة.

فما هي العبادة إذن؟

العبادة هي معرفة الله تعالى ومحبته، والتقرب إليه، والتخلق بأخلاقه، والاتصاف بصفاته، والاصطباغ بصبغته.. فيكون الإنسان رحيما كما أن الله رحيم، ويكون غفورا كما أن الله غفور، ويكون عفوا كما أن الله عفو، ويكون ودودا كما أن الله ودود. وهكذا.. تتجلى في الإنسان الصفات الربانية فيكون إنسانا ربانيا، وهذا معنى قوله : “تَخَلقوا بأخلاق الله”، وهذا هو الملخص الكامل لبعثته ورسالته الذي عبّر عنه حين قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

إن عبادة الله معناها أن يكون الإنسان إنسانا ربانيا، وهذا هو الغرض من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل كما يقول تعالى:

مَا كَان لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ (آل عمران:80)

وتحويل النفوس البشرية التي كانت تعيش في دنيا قد امتلأت ظلما وجورا.. إلى نفوس ربانية تملأ الأرض قسطا وعدلا.. ليس من الأمور التي تحدث في أيام أو في سنوات. إن الذين يتصوَّرون أن الإمام المهدي سوف يملأ الأرض قسطا وعدلا.. وأن الله سوف يُهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام.. بينما المسلمون على ما هم عليه من فُرقة، واختلاف الرأي، والبعد عن الله تعالى.. إنما هم واهمون. إن هذا يتعارض تماما مع سُنّة الله تعالى، ويتناقض مع ما قرره سبحانه في كتابه الحكيم حيث يقول:

إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ   (الرعد:12)

إن وعود الله تعالى بالنصر النهائي للإسلام لا بد وأن تتحقق حتما، ولكنها لا تتحقق بين عشية وضحاها. نعم.. إنها تتحقق في زمن المبعوث، ولكن هذا لا يعني أنها لا بد وأن تتحقق في حياته. وهذا هو الفرق الكبير الذي يغفله معظم الناس، فيتصورون أن كل هذه النبوءات عن الإمام المهدي لابد وأن تتحقق في حياته.. بينما لم يذكر رسول الله أبدا أنها سوف تتحقق في حياته.. وإنما في زمنه. إن حياة النبي هي تلك الفترة التي يعيشها في هذه الدنيا، وأما زمنه فهو تلك الفترة التي تبدأ منذ اختياره للمهمة التي أقامه الله تعالى من أجلها، إلى أن يأتي بعده نبي آخر بشريعة أخرى، فينتهي زمنه ويبدأ زمن النبي الجديد. وقد انتهى زمن الأنبياء جميعا عند بعث رسول الله .

وتعالوا نرى كيف كانت تتحقق وعود الغلبة والانتصار للأنبياء..

لقد جاء موسى إلى قومه.. يعدهم بأن الله سيجعلهم ملوكا، ويمكنهم من إنشاء مملكة عظيمة في الأرض المقدسة. فمتى تحقق هذا النبأ؟ لم يتحقق في حياة موسى ، بل إن موسى نفسه قد مات من قبل أن يضع قدمه في الأرض المقدسة. ولكنه أنشأ جماعة من المؤمنين..مرت عليهم أعوام وأعوام.. حتى إذا ما انقضت ثلاثة قرون من بعد موسى ، تحقق الوعد، وأسس بنو إسرائيل مملكة قوية في الأرض المقدسة، وصلت إلى أوج مجدها في زمن داود وسليمان عليهما السلام. وهكذا تحقق الوعد الإلهي.. في زمن موسى وليس في حياته، لأن زمنه يمتد إلى زمن بعثة رسول الله .

كذلك كان الأمر بالنسبة لعيسى .. فقد وعده الله تعالى بأنه سيجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، فمتى تم تحقيق هذا الوعد الإلهي؟ لقد أنشأ عيسى جماعة من المؤمنين كانت قلة من المستضعفين في الأرض، عانوا من اضطهاد اليهود والرومان العناء الشديد. كانوا يُقَتَّلون ويُصَلَّبون، ويُحرقون بالنيران ويُلقى بهم إلى الوحوش المفترسة. واستمر ذلك الاضطهاد مدة ثلاثة قرون، حتى إذا جاء القرن الرابع ودخل الإمبراطور قسطنطين في المسيحية، توقف اضطهاد أتباع المسيح وتحقق الوعد الإلهي.. في زمن المسيح وليس في حياته.. حيث يمتد زمنه أيضا إلى زمن بعثة رسول الله .

ولا يختلف الأمر مع سيد البشر وخاتم النبيين ، فإن الله قد بعثه للناس كافة ليكون نذيرا ورحمة للعالمين، وأمره أن يبلغ رسالته للناس أجمعين، ووعده بأنه سبحانه سيجعل لدينه الغلبة والانتصار على الأديان كلها، وأكد له أن الحق سوف يعلو ويظهر، وأن الباطل سوف يزول ويزهق. فهل تحققت تلك الوعود والأنباء في العالم أجمع وبالنسبة للناس كافة؟ هل تم انتصار الإسلام على اليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية وغيرها من أديان الأرض؟ هل ظهر الحق وعلا وزهق الباطل واندثر من الدنيا؟ لقد مات رسول الله ولم يخرج دين الإسلام من نطاق شبه الجزيرة العربية. نعم.. إن رسول الله حقق انتصارا عظيما على أعدائه في مكة والطائف، وفي خلال قرون ثلاثة كان الإسلام قد انتشر من الأندلس في أوربا إلى حدود الصين في آسيا. ولكن رسول الله لم يكن رسولا إلى مكة والطائف فحسب أو إلى أوربا وآسيا فقط، بل كان رسولا إلى الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الفارسية، وإلى الهند، والصين، واليابان، وإلى الهنود الحمر من سكان أمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية، وإلى سكان أستراليا، وهذه القارات الثلاث لم يكن قد تم اكتشافها بعد في ذلك الوقت. ولا يجرؤ أي عاقل أن يتخذ من عدم تحقق تلك النبوءات والوعود في حياة الرسول، دليلا على عدم بعثته مثلما يحاول بعض الناس اليوم أن يتخذوا من عدم تحقق امتلاء الأرض بالقسط والعدل، دليلا على عدم بعثة الإمام المهدي .

وحقيقة الأمر أن زمن رسول الله يمتد إلى يوم القيامة لأنه جاء بآخر الشرائع وخاتم الأديان، ولن يأتي بعده نبي ينسخ شريعته أو يبطل دينه، وعلى هذا فإن دينه باق لكل زمان ومكان، وزمنه مستمر إلى يوم القيامة، وكل الوعود المتعلقة بانتصار الإسلام وظهور الحق وزهوق الباطل، سوف تتحقق في زمنه وليس في حياته.

كذلك فإن هذه الوعود التي ذكرها رسول الله عن الإمام المهدي سوف تتحقق.. ولكن في زمنه.. وليس في حياته، فحيث إنه من أتباع رسول الله وخادم من خدامه.. فإن زمنه هو زمن سيده ومولاه.. ويستمر كذلك إلى يوم القيامة.

وقد أنشأ الإمام المهدي جماعة من المؤمنين، تتولى العمل والسعي والجهاد لتحقيق وعد الله تعالى. وهذه الجماعة ليست حزبا سياسيا يبغي السلطة ويتطلع إلى الحكم، فإن الحكم وسلطانه في أيدي الكثير من أهل الأرض، بل هو في أيدي الكثير من المسلمين، فماذا فعلوا به؟ إن تغيير الواجهات السياسية لا يغير شيئا من المأساة التي يعيشها المسلمون. ماذا فعلت إيران لخدمة الإسلام.. هل يبدو أن الإيرانيين اليوم أقرب إلى تحقيق أهدافهم لنشر الإسلام في العالم.. أين هم من اليوم الذي تحولت إيران إلى الحكم الإسلامي؟ ماذا فعل السودان لخدمة الإسلام؟.. هل يبدو أن السودانيين اليوم أقرب إلى تحقيق أهدافهم لنشر الإسلام في العالم.. أين هم من اليوم الذي تحول السودان فيه إلى الحكم الإسلامي؟ ماذا فعلت باكستان لخدمة الإسلام.. هل يبدو أن الباكستانيين اليوم أقرب إلى تحقيق أهدافهم لنشر الإسلام في العالم.. أين هم اليوم منذ أن قامت دولة باكستان، وهي التي لم تقم إلا على الإسلام؟ إننا إذا سألنا وكررنا نفس السؤال بالنسبة لكل الدول الإسلامية، لكان الجواب أيضا متكررا.. مهما كان ذلك الجواب.

إن تغيير الحكم بدون تغيير نفوس المحكومين وأخلاقهم، لا طائل منه، ولا خير فيه للإسلام. إذ لا بد أن يغير الناس ما بأنفسهم حتى يغير الله من أحوالهم، ومن غير المعقول أن يُطلب إلى الناس الذين يعيشون في عالم قد ملأه الظلم والجور، وانتشر فيه الإثم والفساد، أن يغيروا هم بأنفسهم.. ما بأنفسهم، فلو كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك لفعلوه خلال الأربعة عشر قرنا الماضية، وها هو كتاب الله وسُنة رسوله بين أيديهم طوال هذه القرون الخالية، ولكنهم مع ذلك لا يزدادون إلا فرقة وتشتتا، ولا يكتسبون إلا خلافا ونزاعا، ولا ينمو بينهم إلا العداوة والبغضاء والشحناء. فماذا ينقصهم؟

ينقصهم الإمام.. الحَكَمُ العدل.. الذي يجمع شملهم، ويُوَحد كلمتهم، ويغير ما بنفوسهم، ويصلهم بالله تعالى. ولذلك.. كان من رحمة الله تعالى على هذه الأمة أن أرسل الإمام المهدي، ليدعو من كان يعيش في ظلام الكفر إلى نور الإسلام، ويدعو المسلمين الذين مزقتهم الأحقاد والخلافات إلى طريق رسول الله وإلى مكارم الأخلاق.. أي يدعو الناس جميعا إلى العبادة الحقيقية.. عبادة الله تعالى.

إن هذا الأمر لن يتم في سنوات قليلة، وإن مئات السنين في عمر الشعوب وعمر الدنيا لهي برهة من الزمن، وها قد أنشأ الإمام المهدي جماعة المؤمنين.. فماذا حققت هذه الجماعة المباركة في القرن المنصرم؟

لقد قامت الدنيا كلها ضد هذه الجماعة المباركة، وحاولوا القضاء عليها بكل ما في وسعهم من قوة، ولكنها تزداد قوة وتقدما.. تمتص الصدمات وتكتسب منها قوة وطاقة جديدة.. تخوض غمار المحن والابتلاءات وتخرج منها أصلب عودا وأشد عزما.. يغتالون الأبرياء من أفرادها غدرا وغيلة، فينضم إليها الألوف والملايين من الأفراد الجدد.. يحكمون على أفرادها بالسجن ظلما وجورا، فيجعل الله لهم سبيلا.. يصمون أفرادها بالكفر ويخرجونهم من الإسلام زورا وبهتانا، فيبارك الله تعالى في أعمالهم وأقواتهم وأرزاقهم.. يحاولون أن يخرجوهم من أرضهم ويطردوهم من بلادهم، فيدخلهم الله تعالى مدخلا يرضونه في بلاد غيرها.. يهدمون مساجدهم ويخربون بيوتهم، فيمكنهم الله تعالى من بناء أضعاف أضعاف ما خربوه.. يفرضون عليها تعتيما إعلاميا، حتى لا يعلم الناس من أمرها شيئا، فيُهيء الله لها قناة فضائية لكي تصل بها إلى كل مكان من الأرض.

ويكفي أن ينظر المرء إلى أحوال العالم الإسلامي اليوم، وإلى أحوال الجماعة الإسلامية الأحمدية، ليرى كيف أن الله تعالى يقف إلى جانب هذه الجماعة الصادقة المخلصة، ويؤيدها بروح من عنده، لأنها جماعة الإمام المهدي . فعلى الرغم من أن العالم الإسلامي يجمع العديد من الدول التي تملك الجيوش، وتملك من مصادر الطاقة والمعادن والخامات والبترول القدر الكبير، وفاض المال فيها حتى إن دولة واحدة مثل السعودية.. يدخل في خزينتها مع مطلع كل شمس مبلغ مائتي مليون دولار من إنتاجها للبترول، ومع هذا فقد رأينا كيف كان المسلمون يموتون جوعا في الصومال، ورأينا كيف يموت المسلمون في البوسنة على أيدي الصرب، الذين يقتلون الرجال، ويغتصبون النساء، ويعتدون على الأطفال، بينما يقف العالم الإسلامي بأجمعه، وبكل قواته، وبكل إمكاناته، كأنه مغلول الأيدي مقيد الأطراف، فاقد القدرة على الحركة، بل إنه قد فقد القدرة على النطق والكلام. وحتى إذا ما استنكر وشجب، وأدان واعترض، فلا يكترث أحد باستنكاره، ولا يلتفت أحد إلى شجبه، ولا يهتم أحد بإداناته، ولا يأبه أحد باعتراضاته. فالعالم أجمع يعلم أن هذه الدول الإسلامية قد صارت كما وصفهم سيد الخلق : “غثاء كغثاء السيل”.

وفي الجانب المقابل نرى الجماعة الإسلامية الأحمدية.. على قلة مواردها.. تمشي من نصر إلى انتصار، ومن عزة إلى إكرام، ومن نجاح إلى تقدم، حتى إنها أرست أركانها في قارات العالم السِّت، وأسست مراكزها في مائة وخمسين دولة* من دول العالم. وكانت هي الجماعة الإسلامية الوحيدة التي كان لها سبق إنشاء أول مسجد في العديد من البلدان والعواصم الأوربية، كما أقامت المدارس وبنت المستشفيات وزودتها بالأطباء في الدول الأفريقية. وقامت بترجمة معاني القرآن الكريم إلى خمسة وخمسين لغة*، وتم فعلا طبع ونشر القرآن الكريم المترجم إلى هذه اللغات. وقامت كذلك بترجمة مختارات من القرآن الكريم، ومختارات من الأحاديث الشريفة، ومختارات من أقوال الإمام المهدي، وتم نشر هذه الترجمات في حوالي مائة لغة.. هذا عدا الآلاف المؤلفة من الكتب والنشرات والمجلات والمطبوعات التي تقوم الجماعة بنشرها في جميع أنحاء العالم. أضف إلى ذلك ألوف المساجد التي بنتها الجماعة على أرض القارات السِّت لنشر الإسلام بين ربوعها. وأخيرا.. تم بفضل الله تعالى إقامة قناة فضائية، تبث برامجها لمدة 24 ساعة يوميا، ويغطي إرسالها جميع أنحاء المسكونة.. من اليابان شرقا إلى سواحل المحيط الباسفيكي غربا، ومن سيبريا شمالا إلى جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية جنوبا. نعم.. إن الله تعالى قد أغدق على الدول الإسلامية الكثير من النعم والخيرات والثروات، ولكن رغم كل هذه الثروات.. فلن تستطيع أية دولة منها.. ولا حتى منظمة الدول الإسلامية.. ولا رابطة العالم الإسلامي.. أن تزعم بأنها قامت بمثل هذا العمل الذي قامت به هذه الجماعة المباركة.. جماعة الإمام المهدي .

غير أن أعظم الأعمال قاطبة، التي تفخر بها هذه الجماعة المباركة، هو الدعوة إلى الله تعالى، وتغيير نفوس الخلق وإيصالها بالله تعالى. نعم.. إنك لا تهدي من أحببت.. ولكن الله يهدي من يشاء، ولكن على المرء أن يسعى، وعليه أن يكدّ ويكدح.. ثم على الله التوفيق. لقد أعدت الجماعة كوكبة من الدعاة أرسلتهم في العشرينيات إلى أدغال أفريقيا، وإلى الشرق الأوسط، وإلى أوربا، وإلى أمريكا، وإلى دول آسيا. وراح هؤلاء يدعون الناس إلى عبادة الله تعالى، وإلى التخلق بأخلاق الله، وإلى التحلي بمكارم الأخلاق، فهذا هو طريق رسول الله، وهذا هو الإسلام الصحيح الذي ارتضاه الله للناس دينا.

ومنذ ما يقرب من مائة عام.. حين بدأت هذه الجماعة بداية متواضعة.. في ركن من بيت متواضع من مدينة لدهيانه، كان عدد أوائل الذين انضموا تحت لوائها لا يزيد عن عدد الصحابة الكرام الذين خرجوا في غزوة بدر.. أي حوالي 313 فردا، ولكنهم.. حسب تقدير تعدادهم منذ عشرين سنة.. كانوا قد بلغوا عشرة ملايين. ولو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم.. ولكن الله ألف بينهم. فرغم أن من بين أفرادها الأبيض والأسود.. والأوربي والأفريقي.. والأسيوي والأمريكي.. جاءوا جميعا من مختلف الأديان، فمنهم من كان يدين بالهندوسية.. ومنهم من كان يدين بالبوذية، ومنهم من كان يدين باليهودية، ومنهم من كان يدين بالمسيحية، بالإضافة إلى من جاءوا من بين المسلمين المخلصين، فقد صار الجميع الآن تظللهم راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكلهم.. يعتصمون بحبل الله.. جميعا.. ولا يتفرقون.. بل توحدت كلمتهم، واتفق أمرهم، واتحدت إرادتهم، وكلهم يدينون بالولاء والطاعة لقائد واحد.. وإمام واحد.. هو خليفة الإمام المهدي ، وهو حاليا (1996) سيدنا مرزا طاهر أحمد.. الخليفة الرابع للإمام المهدي.. أيده الله تعالى بنصره العزيز.. وبارك في عمره وأمره*.

إن الطريق ما زال طويلا، ولكن الجماعة بفضل الله تعالى تقترب اقترابا حثيثا من الهدف، وتستطيع العين المخلصة التي ترى بنور الله أن تشاهد في الغرس الذي يبدو اليوم صغيرا في أعين الناس.. ملامح الشجرة الباسقة الوارفة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. تلك هي شجرة جماعة المؤمنين.. جماعة الإمام المهدي .

لذلك.. فقد أكد الإمام المهدي .. على أن انتصار الإسلام وظهوره على الدين كله سوف يتحقق.. بمشيئة الله تعالى.. قبل أن ينقضي القرن الثالث من بعثته فقال:

“اِسمعوا جيدًا أيها الناس جميعًا! إنه لمما أنبأ به خالقُ السماوات والأرض أنه سوف ينشر جماعته هذه في البلاد كلها، ويجعلهم غالبين على الجميع بالحجة والبرهان. ولسوف تأتي أيام، بل إنها لقريبة، حين تكون هذه هي الجماعة الوحيدة التي تُذكَر في العالم بالعز والشرف. إن الله سوف يبارك في هذه الجماعة والدعوة بركاتٍ كبرى خارقة للعادة، ويخيِّب كلَّ من يفكر في القضاء عليها، وسوف تستمر هذه الغلبة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها….. ولن ينقضي القرن الثالث بدءا من هذا اليوم …..حتى لا يكون في العالم إلا دين واحد وإمام واحد. لقد جئت لأبذر البَذرةَ، وقد زُرعتْ تلك البَذرة بيدي، ولسوف تنمو الآن وتزدهر ولن يستطيع أحد أن يعرقل نموها.” (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية ج 20، ص 66-67)

والآن..  السؤال إليك أيها القارئ الكريم..

أين تقف اليوم؟

وأين ستقف غدا..

أمام رب العالمين..

في يوم الموقف العظيم؟(يتبع)

* أما الآن في عام 2006م فقد توطدت الجماعة بفضل الله تعالى في 182 قطرا من أقطار العالم. (الناشر)

* أما الآن في عام 2006م فقد تمكنت الجماعة من نشر ترجمة معاني القرآن الكريم إلى 62 لغة. (الناشر)

ð لقد انتقل حضرته إلى جوار ربه في التاسع عشر من شهر إبريل (نيسان) عام 2003م فإنا لله وإنا إليه راجعون. ونحن الآن (2006م) في عهد سيدنا مرزا مسرور أحمد الخليفة الخامس للإمام المهدي.. أيده الله تعالى بنصره العزيز.. وبارك في عمره وأمره. (الناشر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك