الصحة  العقلية والدين والعلم الحديث

الصحة  العقلية والدين والعلم الحديث

ضامر موسى

  • ما المقصود بالصحة العقلية؟
  • ما هي الدلائل الداعمة لفكرة أن الحياة الروحية المتوازنة تسهم في تحسن الصحة العقلية؟

___

مقدمة في الصحة النفسية

الصحة النفسية والتي يشير إليها البعض بالصحة العاطفية هي أحد جوانب الصحة العقلية، وتتعلق بقدرة الفرد على تحديد عواطفه ومعالجتها وإدارتها. وللصحة النفسية مفهومٌ أوسع، وتتضمن العديد من العوامل الأخرى – مثل الحالة المزاجية والأداء المعرفي ووجود ظواهر غريبة مثل الذهان. ومع ذلك، من الواضح بشكل عام أن التمتع بصحة نفسية جيدة هو مفتاح الصحة العقلية الجيدة على المدى الطويل. في الواقع، تساعد بعض أشكال العلاج النفسي للمرضى على أن يكونوا قادرين على تنظيم عواطفهم بشكل أفضل كطريقة لتحسين حالتهم العقلية بشكل عام.

وفي عالمنا الحالي يشيع استخدام مصطلح «الصحة العقلية» وتحديدا بعد إبراز وتأكيد حملات الصحة العامة أهمية سلامة الصحة العقلية وحاولت الحد من وصمة العار التي يتعرض لها من يعانون من أمراض عقلية. ومع ذلك، يصعب على الكثير من الناس أن يفهموا بالضبط ما يكوّن الصحة العقلية أو حتى ما يعنيه المصطلح.

لقد تمت معالجة المرضى العقليين على مدار التاريخ وبطرق شتى. ففي عام 400 قبل الميلاد، كان الطبيب اليوناني أبقراط من أوائل الذين تعاملوا مع المرض العقلي كمرض، لا كتملُّك من قِبل الجن. ومن ثم تم في القرن 8 إنشاء دور لمرضى الصحة العقلية على يد العرب المسلمين الأوائل، وقد عُرفوا بمعاملتهم مع هؤلاء المرضى بعطف واحترام. وقام الأطباء المسلمون خلال العقود التي تلت ذلك بالبحث في الموضوع وكيف يتفاعل الجسم والعقل. ومنهم أبو زيد البلخي الذي ابتكر العلاج بالكلام لمساعدة من ليسوا على ما يرام عقلياً.

عاملت بعض دول أوروبا في العصور الوسطى المرضى العقليين بشكل سيء واتهمتهم بأنهم سحرة أشرار. وحتى أواخر القرن الثامن عشر، كان الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية غالباً ما يسجنون في الولايات المتحدة مع المجرمين ويحرمون من الخدمات الأساسية مثل الحمامات والتدفئة. لكن علماء الغرب مثل الطبيب الألماني إميل كريبلين بدأوا في العصر الحديث بدراسة الأمراض العقلية بطرق أكثر علمية وقسموها إلى فئات مختلفة. واليوم، بينما لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، لدينا فهم أفضل للصحة العقلية، ونحاول معالجة المرضى العقليين بأفضل طريقة ممكنة.

ما هي الصحة العقلية؟  

تتعلق الصحة العقلية بالرفاهية العاطفية والاجتماعية والنفسية. بمعنى آخر، يتعلق الأمر بمزاجنا وأفكارنا وسلوكنا مع مرور الوقت. فنحن نتعرض جميعاً لمواقف صعبة، ونمر بمشاعر مختلفة في حياتنا وعلى مدار الأيام وهذا طبيعي إلا أن من لديهم مشاكل في الصحة العقلية يعانون من صعوبات عاطفية مستمرة وطويلة الأمد يمكن أن تتضمن حالة تدني في المزاج كما لدى مرضى الاكتئاب، وحالة ارتفاع في المزاج بشكل غير طبيعي كما هو الحال في نوبات الهوس والاضطراب ثنائي القطب، وتتضمن حتى فقدان الاتصال بالواقع لدى المصابين بمرض انفصام الشخصية.  يصعب على هؤلاء الأشخاص تأدية ما يترتب عليهم في حياتهم اليومية، وغالباً ما يحتاجون إلى الاتصال بمختصي الرعاية الصحية، مثل الأطباء النفسيين وعلماء النفس، لمساعدتهم على التعافي.

ما أسباب المشاكل العقلية؟

هناك العديد من الأسباب المحتملة لمشاكل الصحة العقلية. ويمكن تلخيصها في فئتين رئيستين:

العوامل البيولوجية: وتشمل الجينات الخاصة بالفرد وتركيبة هرموناته وتوازن المواد الكيميائية في دماغه. فالتركيبة البيولوجية تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لمخاطر الإصابة باضطراب عقلي. فتظهر بعض الأمراض العقلية في العائلات وتستمر عبر الأجيال. وقد تساهم الجينات التي يرثها هؤلاء الأفراد في ذلك.

تجارب الحياة: يمكن أن يؤدي الإجهاد والصدمات وغيرها من تجارب الحياة السلبية أو الصعبة إلى مشاكل في الصحة العقلية لاحقاً، وعلى وجه الخصوص الذين تعرضوا لمعاناة كبيرة في طفولتهم، فهم أكثر عرضة للإصابة بمثل هذه الأمراض في مرحلة المراهقة أو البلوغ. فالأطفال الذين يتعرضون للإهمال من قبل الوالدين قد لا يتعلمون بشكل صحيح كيفية التحكم بعواطفهم أو تنظيمها. وإذا افتقروا إلى هذه المهارات الأساسية، فقد يشق عليهم بشكل عام الانخراط في الأنشطة اليومية العادية، مثل تكوين علاقات مع الآخرين. وبذلك، قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية.

في القرن 8 إنشاء دور لمرضى الصحة العقلية على يد العرب المسلمين الأوائل، وقد عُرفوا بمعاملتهم مع هؤلاء المرضى بعطف واحترام. وقام الأطباء المسلمون خلال العقود التي تلت ذلك بالبحث في الموضوع وكيف يتفاعل الجسم والعقل. ومنهم أبو زيد البلخي الذي ابتكر العلاج بالكلام لمساعدة من ليسوا على ما يرام عقلياً.

ماذا يقول الدين عن الصحة العقلية؟

أظهرت الدراسات أن وجود هوية دينية أو روحية قوية لدى الأشخاص يمكن أن يكون بمثابة عامل وقائي لهم ضد الإصابة باضطرابات الصحة العقلية. يوفر الإسلام على وجه الخصوص إرشادات واسعة تغطي جميع أساليب الحياة، ويمكن أن يؤدي اتباعها إلى خلق بيئة صحية للناس في شؤونهم الاجتماعية والمنزلية. فالإسلام يشجع مثلاً على اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة والتواصل الاجتماعي مع الآخرين من خلال صلاة الجماعة مثلاً. وكل هذه العوامل تعزز السلامة العقلية. وعلاوة على ذلك، فإن الإسلام ضد تعاطي المخدرات والكحول لأنها عادة ما تؤدي إلى جميع أنواع الاضطرابات النفسية.

ويشجع الإسلام الأنشطة التي تزيد من اتصال المرء بالله مثل الصلاة والصيام. ويُطمْئِن القرآن الكريم الناس أن بإمكانهم الوصول إلى الرضا من خلال تقوية صلتهم بخالقهم.

لكن لا يصح القول بأن التدين هو ضمان للصحة العقلية بنفس الطريقة التي يصاب بها بعض الأشخاص النحيفين بمرض السكري، أو يصاب بعض الذين لا يدخنون بسرطان الرئة، إذ هناك دائماً استثناءات للقاعدة العامة. فيمكن أن تؤدي جينات بعض الأشخاص أو بنيتهم البيولوجية أو تجارب مؤلمة في حياتهم إلى مشاكل عقلية لديهم، بغض النظر عن تقواهم أو تدينهم. لذلك، لا ينبغي الحكم على أولئك الذين يعانون من اضطرابات عقلية أو إدانتهم بل يجب معاملتهم بنفس الاحترام الذي يحظى به المرضى الذين يعانون من مشاكل صحية جسدية.

الخاتمة

رغم أن فهمنا اليوم للصحة العقلية أفضل مما كان عليه في الماضي، فإن انتشار الاضطرابات النفسية في العالم مرتفع نسبياً. ويمكن أن تظهر مشاكل الصحة العقلية بطرق مختلفة، ومنها مشاكل اضطراب المزاج أو سوء الانتظام العاطفي أو فقدان الاتصال بالواقع. وقد أظهرت الدراسات أن وجود هوية دينية قوية هو عامل وقائي ولكن أسباب هذه المشاكل كثيرة ومختلفة. يجب أن نحرص على معاملة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة العقلية بعطف ورحمة وأن نتأكد من حصولهم على ما يحتاجون إليه من مساعدة ودعم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك