أليست الجماعة الإسلامية الأحمدية جماعة مسلمة؟!!الحلقة الثالثة

أليست الجماعة الإسلامية الأحمدية جماعة مسلمة؟!!الحلقة الثالثة

أ.س. موسى

مسألة النبوة

ذكر الشيخ اللدهيانوي سببًا آخر لإصدار فتوى الزندقة ضد الأحمدية قائلاً: إنها تؤمن بأنه يأتي نبي داخل أمة المصطفى . ونرد عليه بقولنا إذا كان هذا هو السبب لإصدار هذه الفتوى ضدنا فلقد ارتكب نفس (الجريمة) بعض أولياء الأمة وعلمائها أيضًا، وكان موقفهم كمثل موقف الجماعة الإسلامية.

وهؤلاء هم:

  • العلامة حكيم الترمذي
  • السيد عبد الكريم الجيلاني
  • الصوفي محيي الدين ابن عربي
  • العلامة عبد الوهاب الشعراني
  • العلامة القُمي
  • حضرة عبد القادر الجيلاني
  • المُلا علي القارئ
  • العلامة توربشى
  • حضرة عبد الرحمان الجامي
  • حضرة مجدد الألف الثاني

وغيرهم رحمهم الله جميعا.

وقال مؤسس الفرقة الديوبندية الشيخ محمد قاسم النانوتوى وهو من كبار علماء فرقة هذا الشيخ:

لو نفترض أنه سوف يُولد نبي ما بعد النبي فهذا لا يُخل بخاتمية سيدنا محمد . (تحذير الناس، للشيخ محمد قاسم النانوتوى، الناشر مطبعة قاسمي، ديوبند، الهند، ص28).

لماذا لا يطبق تعريف الزنديق على مؤسسة هذه الفرقة التي هي فرقته هو مثلَ ما طبقه على المسلمين الأحمديين ما دام مؤسس فرقته يعتقد اعتقادًا مماثلاً للأحمدية. نحن نرى أن تعريف الشيخ هذا لا ينطبق على مؤسس الديوبندية ولا علينا، وإذا حاول تطبيقة فإنما قطع غصنًا يجلس عليه.

هل يأتي نبي بعد المصطفى ؟؟

كتب هذا الشيخ: لا يأتي نبي بعد محمد ، ولن يُعطى أحد النبوة بعده. ولا أقصد بقولي هذا بأنه لا يمكن مجيء أي نبي من الأنبياء السابقين، فلو افترضنا أن يعود جميع الأنبياء في عصر النبي وبعده فيكونون خدامًا له، ويظل هو النبي الأخير لأن أحدًا منهم لم يحصل على نبوة بعده وإنما قبله، وإن قائمة الأنبياء التي كانت في علم الله كان فيها الاسم الأخير والنهائي هو اسم النبي ، وبمجيئه أصبحت تلك القائمة كاملةً. (ص10)

أيها القراء الكرام، انظروا إلى هذا الشيخ كيف أنه لا يشعر بالعار بنسبة تفكيره الضال والمضل إلى الله تعالى، وكيف يظن أنه إذا وُهب شخص النبوةَ بعد الرسول فلا حرج في ذلك ولا مساس بخاتمية المصطفى ؟!

إن تفكير الشيخ هذا ليس إلا جهلاً وفكره مرفوض كليًا. فلو كان سيدنا محمد نبيًا أخيرًا بهذا المعنى أي بأن لا يُعطى أحد النبوة بعده ولكن تبقى هناك حاجة للنبوة فأي توقير وشرف وفضل في هذا المفهوم لسيدنا المصطفى بصفته النبي الأخير، لأن معنى ذلك أن سيدنا محمدًا هو آخر الأنبياء وهو آخر من وُهب النبوة وأُغلق بعده باب أية نبوة، ولكن الناس يبقون بحاجة للنبوة ولا يستطيع أحد سد هذا الفراغ، وكأن الله تعالى وقع في أزمة لأن النبوة انتهت والناس لا يزالون بحاجة!

واخترع هذا الشيخ الحلَ لهذه الأزمة قائلاً بأن عمر عيسى سيطول على غير السنّة الإلهية ويُرسله الله تعالى لسد هذه الحاجات الجديدة بعد النبي ، ومع ذلك يبقى محمد النبي الأخير.

لا ندري كيف استساغ عقل الشيخ أن ينسب إلى الله تعالى هذه التفكيرات الصبيانية غير المتوازنة.

هناك سؤال يفرض نفسه: هل هنالك حاجة لمجيء نبي بعد محمد المصطفى أم لا؟ فإذا قيل أنه ليس هناك حاجة للنبوة التشريعية فالأحمديون وغيرهم متفقون بأنه ليس هنالك حاجة للنبوة التشريعية أبدًا بعد الرسول . ثم هناك سؤال: هل هناك ضرورة للنبوة غير التشريعية أم لا؟ وتجيب الأحمدية على هذا السؤال بنعم. وفرقة الشيخ اللدهيانوي أيضًا مضطرة أن تقول نعم، ذلك لأن المشائخ وأئمة المساجد أصبحوا غير قادرين على إصلاح المسلمين المنحرفين ولا بد من نبي من الله تعالى للقيام بهذه المهام العظيمة. فلا يوجد اختلاف بيننا وبين هذا الشيخ في الإجابة على هذا السؤال.

ويرى هذا الشيخ وزملاؤه أن احترام المصطفى يقتضي بأن لا يُوهب أحد من خدامه مقام النبوة مهما وصلت طاعته لله ولرسوله محمد، بل يُبعث نبي قديم من الماضي من أمةٍ أخرى لسد حاجات أمة المصطفى ولحل مشاكل العصر الحاضر. ولكن الجماعة الإسلامية الأحمدية لا ترى هذا الحل حلاً مناسبًا وإنما تعتبره فكرة صبيانية لا تزيد شيئًا في شرف الرسول وفضله بل تنقص من قدره واحترامه.

ولقد قدم لنا القرآن الكريم حلاً واضحًا وسديدًا لهذه المسألة في قوله تعالى:

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (النساء: 70).

إن مقام النبوة والصديقية والشهادة والصالحية يوهب لمن أطاع الله ورسوله حق الطاعة، وكل واحد ينال من هذه المراتب حسب مواهبه. فالذي يكون أهلاً لنيل مقام النبوة التابعة للرسول بسبب طاعته الكاملة يهبه الله تعالى هذا المقام لإحياء دين الإسلام وإقامة شريعة خير الأنام في العالم مرة أخرى. وبهذا الحل لا يكون سيدنا المصطفى مدينًا لنبي من أمة إسرائيلية مبعوثٍ إلى بني إسرائيل فقط حسب قول الله تعالى:

وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ .

والآن هناك حلان بين يدي القارئ، وكل لبيبٍ يُدرك بلا تردد بأن عودة أي نبي قديم من خارج أمة المصطفى ينافي مفهوم ختم النبوة مخالفة صريحة ويمس بخاتمية الرسول مساسًا واضحًا. ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل يسبب إهانةً لأمة المصطفى وكأنها أصبحت عقيمة لا تستطيع أن تُنجب فردًا أهلاً لنيل منصب نبي من داخل الأمة ليدفع عن الإسلام هجمات الشيطان والأعداء ويتغلب عليهم ويسد حاجات هذا العصر.

هل من المعقول أن تكون هنالك حاجة لبعث نبي ومع ذلك يرسل الله تعالى آخر الأنبياء وتبقى الحاجة كما هي!؟ وواضح لكل عاقل أن مثل هذه العقيدة إهانة، والعياذ بالله، لله سبحانه وتعالى ولمحمد ، لأن إغلاق باب النبوة مع حاجة الناس إليها لا يلائم الحكمة الإلهية.

وإذا أصبح من المتفق عليه بين الجماعة الإسلامية الأحمدية وغيرها بأنه لم تبق هناك حاجة لمجيء نبي تشريعي جديد فنتوصل إلى نتيجة حتمية طبعية بأن سيدنا محمدًا كان آخر نبي صاحب شريعة ولم يعد بعده بنو نوع الإنسان بحاجة إلى شريعة غير شريعته إلى الأبد. ولا يقبل العقل قولاً آخر غيره، إذ من الواضح بأنه ما دامت شريعتنا شريعة متكاملة محفوظةً فإذا تصور أحد رغم ذلك بمجيء شريعة أخرى بعدها فتصوره باطل ومرفوض بالبداهة. فالضرورة هي التي تُقرر من هو الأخير وليس مجيء أحد أو ولادة أحد قبل غيره، ومن الذي أُعطي النبوة أولاً ومن الذي بعده هو الذي يقرر هذا. وعلى سبيل المثال إذا وُهب أي نبي نبوة في الماضي وبقيت ضرورة عودته مرة ثانية فمن الطبيعي بأن الذي يسد حاجات العصر هو النبي الأخير بحسب الزمن. فجماعتنا ترى أنه لا فضيلة أو امتياز لمحمد بسبب مجيئه في الأخير بل فضيلته تكمن في كونه النبي الأخير الذي جاء بالشريعة الأخيرة المتكاملة الدائمة حسب مقتضيات العصر، ولن يأتي بعده عصر يقتضي شريعة جديدة، وهذه هي الفضيلة العظيمة التي يمتلكها نبينا محمد . ونتوصل من هذا البحث أيضًا إلى النتيجة الثانية بأن كونه النبي الأخير صاحب الشريعة يجعل عملته الروحانية هي التي ستُستعمل إلى الأبد ولا يمكن أن يأتي نبي يخرج عن أمره ويغيّر حكمه، لأن العقل يتطلب بأن الذي عنده قانون أبدي هو الذي يحكم إلى الأبد. وبهذا المعنى كان النبي النبي الأخير وهنا تكمن فضيلته العظيمة. هذه هي عقيدة الجماعة الإسلامية الأحمدية. ولكن الشيخ اللدهيانوى وزملاءه يعتقدون بأن النبي أفضل بسبب ظهوره في آخر سلسلة الأنبياء أجمعين. وهذه العقيدة سخيفة لأن ظهور المسيح عليه السلام في آخر الزمان يجعله هو النبي الأخير زمنًا وبالتالي النبي الأفضل، معاذ الله، بحسب تعريف الشيخ، لأنه وإن كان ظهر قبل النبي ولكنه سيظهر بعد الرسول أيضًا لسد حاجات العصر.

من هو الأفضل

يقول الشيخ اللدهيانوى: إذا قلت أن فلانًا هو آخر أولادِ فلانٍ فيعني ذلك أنه وُلد عند أبويه بعد أن وُلِد كل أخوته وأخواته الآخرين ولم يُولد لهما بعده أحد. ولا يعني كونه آخر الأولاد أن يموت أيضًا بعد جميع إخوته وأخواته، بل أحيانًا يُولد أحد بعد إخوته وأخواته جميعا، ولكنه يموت قبلهم ومع ذلك يُسمى آخرهم مولدًا. ولطالما سمعتم الناس يقولون: كان آخر أولادي هذا الذي تُوفيَ. (ص10و11)

إن المقارنة التي قدمها الشيخ اللدهيانوى للأول والأخير بضرب مولد الطفل يمكن أن تُقدم بطرق متعددة، وليس من العقل في شيء أن نأخذ وجهةً واحدةً لمثالٍ ونتوصل بها إلى نتيجة حتمية صحيحة. ففيما يتعلق بالمنصب والمقام لا يُقال لأحد أنه هو الأخير مقامًا إلا إذا عاش بهذا المنصب حتى بعد وفاة غيره، ولا يدخلون في نقاشٍ حول مولده. مثلاً إذا قيل أن الملك بهادرشاه كان آخر الملوك المغول في الهند فالمجنون هو الذي سيقول أنني لا أقبله آخر الملوك المغول إلا بعد التحقيق في تاريخ ولادته. هكذا الحال بالنسبة لأهل المناصب. فالطبيب الأخير أو المفكر الأخير أو المفسر الأخير يُعتبر بحسب تاريخ وفاته وليس بحسب تاريخ ولادته.

والخطأ الآخر الذي يصر على ارتكابه هذا الشيخ أنه يتمسك فقط بكملة الأخير، ولا يرى إلى السياق. إننا لا نرى من الفضل والشرف شيئًا أن يكون الإنسان أخيرًا فقط من حيث الزمن فيجب ألا نرى إلى هذا المثال ما إذا كان هذا المولود ولد أولاً أو أخيرًا أو مات أولاً أو أخيرًا وإنما يجب أن ننظر إلى نواحي الفضل والعظمة في ولادته وفي وفاته. فبدلاً من إضاعة الوقت في تقديم أمثلة غامضة مبهمة على الشيخ أن يقارن نظريته ونظريتنا بالنسبة لسيدنا محمد وعيسى . وعندئذ سيدرك كل من عنده شيء من العدل بأن موقفنا هو الذي يُعتبر موقف التكريم والاحترام للرسول وليس موقفه الصبياني.

يقول الشيخ أن عيسى وُلد قبل النبي بزمن طويل ونال النبوة قبله أيضًا، وسوف يموت بعده أيضًا وأن النبي الأخير الذي سوف يمارس النبوة ويؤدي واجباتها في الدنيا هو عيسى . هذا هي الصورة التي يقدمها هذا الشيخ بإصراره على كون النبي هو الأفضل لمجيئه في آخر سلسلة الأنبياء.

ونحن نقول أن هذا الاعتقاد ليس تكريمًا للنبي بل هو إهانة صارخة له، والعياذ بالله. فأولاً يعتقد الشيخ بأن مجيء أحد الأنبياء في الأول أو الأخير هو السبب لتفضيله على الأنبياء، ثم يعتقد أن الأنبياء الآخرين كانوا بُعثوا قبله منصبًا ومولدًا. وبحسب موقف الشيخ هذا يكون سيدنا عيسى قد نال أفضليةً مزدوجةً حيث جاء قبله وسوف يموت بعده. لقد بُعث نبيًّا قبل نبينا ثم سوف يُبعث نبيًّا في آخر الزمان بعد الرسول ، وليس هذا فحسب بل له فضيلة ثالثة، وهي أن النبي كان نبيًا لأمته وأما عيسى فلم يكن نبيًا لأمة موسى بني إسرائيل فحسب، بل أيضًا كان نبيًا لأمة محمد .

إننا نعتقد بأن المصطفى هو النبي الوحيد الذي بُعث لكل العالمين وليس له مثيل في هذا الفضل، ولكن الشيخ يعتقد اعتقادًا راسخًا بأن عيسى عليه السلام شريكه في هذا الفضل، وليس هذا فحسب بل له فضيلة أخرى وهي كونه رسولاً إلى بني إسرائيل أيضًا إلى جانب كونه رسولاً إلى المسلمين والناس أجمعين.

إذًا فلم يعد النبي حسب اعتقاد الشيخ، ونعوذ بالله من هذا الاعتقاد، لم يعد النبي الأخير ولا النبي الأول. فبأي وجه سيقابل الشيخ ربه يوم القيامة؟ وأما موقف الجماعة الإسلامية الأحمدية التي لا ترى أي فضيلة في مجيء أحد أولاً وأخيرًا من حيث الزمن وإنما ترى أن الفضيلة تكمن في مرتبته، فلا يمكن أن يرد أي اعتراض عليه. فلو بُعث قبل النبي من حيث الزمن ملايين الأنبياء لم ينقص هذا من أفضليته شيئا لأنه الأول والأخير أي الأفضل بين الأنبياء عند الله. ولو أن هؤلاء الأنبياء بُعثوا بعده زمنًا كان لا بد أن يكونوا مطيعين وتابعين له ولشريعته، فبالتالي لم يضر مجيئهم بعده زمنًا بخاتميته شيئًا، بل كان خاتمهم أيضًا. وأما هذا الشيخ فهو أيضًا يعتقد نفس الاعتقاد إذ يرى أن مجيء عيسى مرة أخرى بعد الرسول لا ينال من ختم نبوته شيئًا لأنه سيصبح من أمته ويكون مطيعًا له ولشريعته . فتبين من ذلك لكل عاقل أن بعث نبي من حيث الزمن أولاً أو آخرًا لا يزيد في فضيلته شيئًا وإنما الفضل يُعرف من حيث مكانته ومرتبه الروحانية عند الله.

وإذا لم يستوعب الشيخ الحقيقة من هذا البحث فنقدم له مثالاً آخر. لا بد أن يكون هناك إنسان يعتبر أول الناس خَلقًا على الكرة الأرضية. فهل يعتقد الشيخ المذكور بأن هذا الذي خُلق أولاً وفي البداية من ناحية الزمان كان أفضل من جميع الناس الذين خُلقوا بعده. ثم إذا قامت القيامة فلا بد أن إنسانًا أو بعض الناس يموتون في آخر لحظة فيكون هو أو هم آخر الناس مغادرة لهذه الدنيا وبالتالي يكونون آخر الناس بقاء فيها. فهل ذلك الذي يكون آخر أهل الدنيا بقاءً يكون أفضل من جميع الناس الذين غادروا الدنيا قبله مرتبة ومقامًا؟ كلا. ليس الأمر هكذا، بل العكس صحيح. فلقد أخبرنا سيدنا محمد بأن القيامة تأتي على أشرار الناس حيث ورد في الحديث: “ولا تقوم الساعة إلا على شِرار الناس” (ابن ماجه، كتاب الفتن/باب شدة  الزمان). فآخر من يغادر الدنيا يكون أشقى الناس ومن شرارهم. قل لنا أيها الشيخ بعد هذا التوضيح: أما زلت تعتقد بأن الفضيلة تتعلق بالزمان؟ وأن الذي جاء في الأخير يحتل مقام الأفضلية بسبب قدومه في النهاية؟

وعلاوة على هذا فحينما نبحث عن مقام الرجل أو درجته فلا يؤخذ بعين الاعتبار متى ولد ومتى مات. فعلى سبيل المثال كان آخر خليفة لبني أُمية مروان الثاني بن محمد بن مروان. فهل يقول الشيخ أو أحد زملائه أن مروان الثاني كان خاتم الخلفاء الأمويين لأنه كان آخرهم. كذلك هل يستطيع أحد أن يطلق كلمة “خاتم الخلفاء” العباسيين على المعتصم بالله الذي كان آخر خليفة لبني العباس؟ كلا لأن كلمة “خاتم” تقتضي كون المرء آخرهم أي أعلاهم مرتبة ومقامًا. إذن فحسب تفسير الشيخ لا يجوز أن تقوم القيامة على أشرار الناس بل تقوم على أفضل الناس، لأن الشيخ يعتقد بأن الذي جاء في الأخير أو بقي في الأخير هو الأفضل.

أيها الشيخ حاول أن تفهم بمثال آخر. فأينما تقرأ فضائل الصحابة أو مناقب الخلفاء هل تفحص عمن كان أولهم مولدًا ومن كان آخرهم وفاةً لتقرر لهم الفضيلة حسب ذلك؟  وعلى سبيل المثال هل تعطي مقام الأفضلية لأبي بكر أو لعلي رضي الله عنهما حسب تاريخ ولادتهما ووفاتهما أو حسب المقام والمرتبة في الروحانية؟ إننا لم نسمع ولا مرة أن فلانًا من الصحابة أو من الخلفاء كان أفضل من جميع الصحابة لأنه مات بعد غيره. فأيها الشيخ عليك أن تتعقل وافتح عينيك واقرأ ما كتب مؤسس طائفتك مولانا محمد قاسم النانوتوى، وحاول لاستيعاب الحقيقة في كلامه فهو يقول:

“يحسب عامة الناس بأن رسول الله كان خاتم النبيين، لأن عصره كان بعد الأنبياء السالفين، وكان آخر نبي مبعثًا. ولكن فليكن واضحًا لأصحاب الفهم، بأنه لا توجد أية أفضلية في التقدم أو التأخر الزمني في حد ذاتها. فإذا كان الأمر كما تقولون فكيف يصح القول بأن قوله تعالى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ورد في مدح الرسول . نعم، إذا كنتم لا تعتبرون هذا الوصف الرباني مدحًا للرسول، ففي هذه الحالة تكون خاتميته صحيحة باعتبار التأخر الزمني. ولكنني أعرف بأنه لن يقبل هذا القول أحد من المسلمين. (تحذر الناس، للشيخ محمد قاسم، مطبعة: قاسمي، ديوبند، الهند ص3)

فتدبر يا شيخ قول مرشدك لن يقبل أحد من المسلمين، وتقبَّل نصيحة مرشدك ومعلمك، واقبلْ عقيدة الجماعة الإسلامية الأحمدية لإصلاح أعمالك وعاقبتك، لأن في هذه العقيدة احترامًا وإكرامًا أكثر لسيدنا محمد .

تأثير خاتم النبيين

يقول الشيخ اللدهيانوى:

“يقول القاديانيون بأن كون الرسول “خاتم النبيين” لا يعني أنه كان آخر نبي وأن باب النبوة مغلق بعده، بل يرون أن خاتَمَ الرسول سوف يصنع الأنبياء” (ص11).

إن موقف الجماعة الإسلامية الأحمدية الذي أورده الشيخ المذكور بأسلوبه الخاص، ناقص جدًا، ولو كان فيه قليل من التقوى لقال بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية تفسر “خاتم النبيين” كما فسرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، في أحد أقوالها:

“قولوا خاتَم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده” (الدار المنثور، للعلامة جلال الدين السيوطي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، المجلد الخامس ص204)

أي كان على الشيخ أن يقر بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية تعتبر مسلك عائشة رضي الله عنها صوابًا صحيحًا.. أي لا يجوز الاستنباط من خاتم النبيين بأنه لا يأتي أي نبي بعد سيدنا محمد المصطفى ، وإنما المقصود منه أنه النبي الذي حَظِيَ بالمقام الأعلى والمرتبة العليا بين الرسل، وليس هناك فضل في كونه في آخر سلسلة الأنبياء والرسل.

وإذا كان الشيخ لم يقرأ هذا القول من عائشة رضي الله عنها، فكان من المستحسن أن يبين موقف الجماعة الإسلامية الأحمدية عن خاتم النبيين بلسان معلمه ومرشده، ويكتب بأنهم يفسرون خاتم النبيين كما فسره مولانا النانوتوى بنفسه في قوله (الذي مر آنفًا).

وبعد تقديم هذا الاقتباس كان من المسموح له أن يتهجم على الجماعة الإسلامية الأحمدية كما يشاء. وإذا كان يستحي أن يعرض قول معلمه ومرشده، أو خاف من انتقاد زملائه فكان عليه على الأقل أن يعرض أمام الناس عقيدة الجماعة الإسلامية الأحمدية بلسان المحدث شاه ولي الله الدهلوي إمام الهند ومجدد القرن الثاني عشر حيث قال:

“خُتم به النبيون أي لا يوجد بعده من يأمره الله سبحانه بالتشريع على الناس” (التفهيمات الإلهية، المطبعة الحيدرية 1387 هج، 1967م)

خاتم لجميع الأنبياء

لقد تحدث الشيخ بسخرية شديدة وقال بأن الأحمديين يعتقدون:

“…. بأن محمدًا يختم على عشاق الأنبياء ويجعلهم أنبياء. وقبل ذلك كان الله تعالى يهب النبوة بنفسه أما الآن فقد فوض هذا الأمر إلى محمد بأن يختم هو ويصنع الأنبياء. (ص 12).

فليكن واضحًا للشيخ بأن محمدًا قال مخاطبًا جابرًا :

“يا جابر، إن الله خلق قبل الأشياء نورَ نبيّك” (المواهب اللدنية، أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني، المطبعة الشرقية 1907، المجلد الأول ص 9)

فنحن على يقين بأن الأنبياء السالفين نالوا النبوة ببركة محمد المصطفى ، وبعد مجيئه أيضًا توزع كل أنواع الأنوار من بيت نبوته.

أيها الشيخ، يبدو من كلامك أنك أُصبت بالجنون للهجوم على الأحمدية حتى تفقد الوعي فتتمرد على سيدنا محمد المصطفى ، فمن أخبرك كذبًا بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية تقول بأن سيدنا محمدًا المصطفى كان خاتمًا فقط للذين جاءوا بعده؟ فاعلم أننا نؤمن إيمانًا راسخًا بأن نبينا محمدًا كان خاتمًا للأولين ولا يزال خاتمًا للآخرين ولن يزال كذلك. لقد أدركنا من كتاباتك اليوم بأنه من المستحيل أن يكون محمد خاتمًا للآخرين ولا للأولين، ولم يكن هناك نبي لم يصدقه النبي بختم نبوته. إنك تسخر وتجعل كلمة “خاتم” عرضة لهجومك حتى تجاهلت مضمونها الحقيقي. فليكن واضحًا بأن الله ما دام قال لسيدنا محمد أنه “خاتم النبيين” فلم يبق إنسان يحمل اسم “النبي” لم يختمه محمد بختم نبوته. فعقيدتك بأنه لم يكن لخاتم محمد أثر على الأنبياء السالفين، عقيدة باطلة ومرفوضة.

الواقع أن كلمة “خاتم” لا تدل على كونه أفضل الرسل فحسب، بل أيضًا على كونه مصدقًا للنبيين الآخرين. وإذا قيل بأن محمدًا كان “خاتم”، فليس معناه أنه مثل ختم البريد، كما يزعم بعض المشائخ منكم، بل إن نقوش نبوة محمد هي التي سُمّيت “بخاتم”. أي أن نقوش أي نبي، سواء من الأولين أو الآخرين، إذا كانت معاكسة لنقوش نبوة محمد المصطفى ، فإنه لن يحصل على تصديق محمد . نعم إذا حمل أحدهم نقوش نبوته ، سواء كانت هذه النقوش ضئيلة أو جلية، فإنه ينال بحسب مستواه تصديق محمد . وطبق هذا المفهوم فإن خاتمية محمد تفوق حدود الزمان، ولا يسمى أحد نبيًا بين السابقين أيضًا إلا إذا كانت عليه رسوم خاتم لسيدنا محمد أي كان مصدقًا مِن قِبله، وإلا فلا نسميهم أنبياء. وبهذا المعنى ورد هذا الحديث للرسول حيث قال: “إن عبد الله في أم الكتاب لخَاتمُ النبيين وإن آدم لمُنجَدِلٌ في طِينِه” (مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 158، المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر بيروت)

أيها الشيخ إذا أردت ذكر عقيدة الجماعة الإسلامية الأحمدية في مسألةٍ ما، وقد ذكر كبار العلماء من فرقتك نفس العقيدة بأمانة أكثر منك، فبدل أن تذكرها بلغتك الناقصة، عليك أن تذكرها كما ذكروها هم، قائلاً بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية تعتقد في هذه المسألة كما كان يعتقد عالمنا فلان، أو مرشدنا فلان. وعلى سبيل المثال عن خاتم النبيين كان بإمكانك أن تقول بلا خوف ولا تردد: تعتقد الجماعة الإسلامية الأحمدية كما كان يعتقد عالمان من طائفتا السيد محمود الحسن، والعلامة شبير أحمد عثماني حيث كتبا في حاشية ترجمة القرآن المجيد:

“حسب هذا يجوز أن نقول بأنه (أي محمد ) كان خاتم النبيين من ناحيتي المرتبة والزمن كلتيهما. وكل نبي حصل على النبوة بعد أن ختم عليها سيدنا محمد المصطفى ” (ترجمة القرآن آية خاتم النبيين، الناشر باك قرآن لاهور ص55)

فلو كان الشيخ أمينًا لكان بوسعه أن يكتب بأنني ذكرت عقيدة الجماعة الإسلامية الأحمدية حسب ما كان يعتقد بعض علمائنا الكبار وبحسب ما ورد في حاشية ترجمة القرآن الكريم. بل كان على الشيخ أن يقول بأن بعض علمائنا الكبار قد تقدموا خطوةً أبعد من ذلك إذ قالوا بأنه إذا كان هناك إنسانٌ يحمل استعدادًا وصلاحية للنبوة وقابل سيدنا محمدًا المصطفى فمن الممكن أن يصبح نبيًّا. فقد قال أحد علماء طائفته القارئ محمد طيب مدير دار العلوم بمدينة ديوبند، الهند. “لا يظهر شأن نبوة محمد من نبوته فحسب بل يظهر من قدرته على أنه يهب النبوة للآخرين أيضًا. فكل من كان فيه استعداد للنبوة إذا قابل النبي لجعله نبيًا” (آفتاب نبوت، القارئ محمد طيب/ الناشر إدارة إسلاميات، المطبعة الأولى سنة 1980م، مطبعة وفاق، لاهور). (يتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك