دعوات الأنبياء و خلفياتها

دعوات الأنبياء و خلفياتها

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

سلسلة : كيف نتمتع بالصلاة

دعوات الأنبياء و خلفياتها

خطبة جمعة لمولانا مرزا طاهر أحمد إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية ، أيده الله بنصره العزيز يوم 31 ، 5 ، 1991 باراماريبو ( Paramarib )، سورينام، أمريكا الجنوبية.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ . آمين

في الخطب الأخيرة كنت أتناول بالشرح. موضوع الأدعية المذكورة في القرآن الكريم، وذكّرتُ الجماعة بأننا نقول دعاء سورة الفاتحة :

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ..

ولكي نتغلب على مصاعب الصراط .. لا بد لنا من المواظبة على ترديد الأدعية طوال حياتنا .. الأدعية التي قالها هؤلاء الصالحون الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم الذي أنعم الله عليهم، لأن أهم ما نشاهد في طائفة الذين أنعم الله عليهم هو أنهم كانوا يقضون كل لحظة في حياتهم بمعونة الدعاء. فهم عند كل شدة، وعند كل يسر، في حال السعادة وفي حال الحزن كانوا يدعون الله.

دعاء سليمان عليه السلام

*والآن أضع أمامكم دعاء لسيدنا سليمان عليه السلام و هو محفوظ في سورة النمل .. قال :

رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ  (الآية رقم : 20)

اللهم امنحني القوة كي أقوم بواجب الشكر لك على نعمتك. إنه دعاء بسيط، وهو دعاء جدير بالتأمل. فسواء كانت النعم كبيرة أم صغيرة نقول عمومًا شكرا، ونحسب أننا قد قمنا بواجبنا تجاه الله تماما. ولكن سيدنا سليمان يسأل الله تعالى كي يتيح له طريقة التعبير عن شكره وامتنانه، ويمنحه القدرة على ذلك. ما السبب في ذلك؟ الواقع أن التعبير عن العرفان بالجميل لا يعني قول كلمة شكر بطرف اللسان فحسب. لأنه إذا أسدى أحد إليك معروفا كبيرا، فإنه يتكلف جهدا ومشقة. فمثلا لو كنت موشكا على الغرق فهو يعرض حياته للهلاك عند إنقاذك، ويقفز إلى الماء و يجذبك بعناء ومجهود حتى يصل بك إلى بر الأمان. فهل يكفي حقا أن تقول (شكرا) لتفي بحق الشكر؟ كلا. هذا الدعاء يعلمك أن لا تكون من الحماقة بحيث تكتفي بكلمة اللسان وتقول لله تعالى: لقد صنعت بي صنيعا عظيما.. (فشكرا).. وهذا يكفي. إذا أردت أن تبدي امتنانك فيجب أن تطلب من الله تعالى التوفيق لذلك. والإنسان يطلب التوفيق لشيء عسير يتطلب المخاطرة بالحياة. ولما كان الأنبياء يريدون القيام بواجب الشكر لله، ويعرفون أن نعمه كثيرة والشكر عليها أمر صعب للغاية، فيطلبون التوفيق لذلك من الله تعالى.

بيتان جميلان

وهناك بيت صادق من شعر الشاعر غالب باللغة الأردية يقول ما معناه :

ولو أعطينا حياتنا لله .. فلم نف حقه

لأنه الذي أعطاها لنا

فما الجديد الذي نؤتيه من عندنا.

وأيضا هناك بيت شعر لسيدنا المهدي والمسيح الموعود ، أحبه كثيرا، وذكرته لكم مرارا يعبر عن شعورٍ قلبيّ عميق .. يقول لربه ما معناه:

كل شيء هو منحة منك ..

ليس عندنا شيء صنعناه بأنفسنا.

هكذا يشكر العارفون

فتقديم الشكر بكلمات اللسان شيء .. والشكر من صميم القلب شيء مختلف تماما. عندما ينبعث الشكر من القلب فإنه يولد في الإنسان شعورا عميقا، فيقول في نفسه: عليّ أن أحاول بأقصى جهدي أداء الشكر حق الشكر. ترون أننا نقدم في سبيل الله مساهمات مالية مما رزقنا بفضله. والجماعة الإسلامية الأحمدية هي الأكثر تفوقًا في هذا المجال بفضل الله. ابحثوا في الأرض كلها فلن تجدوا جماعة في العالم تبذل في سبيل الله تضحيات مالية أكثر من الأحمدية. الكبار والشباب والأطفال.. جميعهم يعطون شيئا بحسب قدرتهم. ومنهم من يبذل أكثر، وقد يظن أحد من هؤلاء أن الجماعة تعتمد علينا، وبفضل تضحياتنا تعمل، وبسبب هذا الظن الخاطئ تكون عاقبة بعض هؤلاء محزنة، إذ يلقي بهم الله تعالى خارج الجماعة. وأما الذين يقدمون تضحياتهم بتواضع، ويتولد في قلوبهم الشكر والامتنان لله تعالى.. فيعلمون أن كل شيء لديهم هو هبة من الله تعالى، وكل ما نبذله في سبيله قليل جدا مما وهبه لنا. إنه ليس معروفا نسديه إليه، وإنما هو فضله علينا أنه منحنا كل شيء، وأنه أيضا فضله وجميله أن وفقنا لتقديم بعضه في سبيله تعالى. هذا هو السبب الذي يحدو الأنبياء لطلب القدرة على الشكر لله، ويسألونه تعالى أن يعلمهم كيف يقومون بواجب الشكر له. إنهم العارفون بالله تعالى، فيدركون أن أفضال الله عليهم كثيرة بحيث تعد ولا تحصى، ويعلمون أن قول الحمد لله، بطرف اللسان ليس كافيا، بل يجب أن ينحني الجسد أيضا أمام الله بامتنان، ويجب أن تركع العواطف أيضا، ويجب أن يقدَّم له من كل ما منحنا. إن نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى، وعلى الإنسان أن يشكره على كل واحدة منها بإنفاق شيء منها. إذا وهبه الله علما ومهارة أمكنه أن يتكسب به، كما يستطيع أن يساعد به الناس أيضا. بعض الناس يستعملونه في مهنتهم فقط، ولكن البعض الآخر ينفقون منه أيضا في سبيل الله على الخلق ولو كان بهم خصاصة وتحملوا الأذى لسببه. فانظروا الفرق الشاسع بين الفئتين.

عمق دعاء سيدنا سليمان

ويعلمنا القرآن المجيد عن المتقين أنهم وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ .. أي لا ينقطعون عن الإنفاق من كل شيء وهبناه لهم. ومعنى ذلك أن دعاء سيدنا سليمان هذا كان ذا سعة كبيرة. لأن الله تعالى وهبه الكثير. لقد منحه الحكمة العميقة التي لم يمنحها لأحد من أهل الدنيا في عصره .. حتى صارت حكمته مشهورة في أنحاء العالم و قتئذ .. ولا يزال حتى اليوم معروفا في العالم باسم ( سليمان الحكيم ). فكيف يَستطيع هو الشكر على الحكمة ما لم يوزع لآليءَ هذه الحكمة على الناس ولم يساعد العالمَ بحكمته؟ ثم وهب الله تعالى لهذا الرجل الرباني ملكا لا نظير له في تاريخ الشعب اليهودي .. لا في الماضي ولا في الحاضر. ومع أن والده سيدنا داود قد نال النعم والبركة من قبل.. ولكن المجد والعظمة التي نالتها المملكة اليهودية في عهد سيدنا سليمان لم يوجد مثلها في أي وقت. ثم وهبه الله المملكة الروحانية أيضا واصطفاه نبيًا. فأي نعمة وبركة بعد ذلك؟ كل هذه الأمور كانت في بال سليمان . ولو قرأتَ الدعاء مرة أخرى لأدركتَ لماذا ابتهل سليمان إلى الله تعالى بتواضع عميق راكعا أمام عتبته: يا رب، لقد كثرت نعمك علي بما فاق كل الحدود .. ففي كل اتجاه أنظر إليه أحد نعمك.. وفي أي شيء أنظر أشاهد فضلك. فأنت وحدك القادر على أن تمنحني القدرة على أداء واجب الشكر لك في حياتي القصيرة المحدودة.

لو أن كل واحد منا شابا وشيخًا تأمل في نعم الله تعالى واضعًا كل هذه الأمور في باله، وابتهل إليه في خشوع: يا رب أوزِعْني أن أشكرك على كل نعمة أنعمتها عليَّ .. أشكرها الشكرَ الصادق اللائق بها لأدرك حكمة عظيمة فيها. وكما أشرت من قبل .. لو أنك أنقذت طفل أحد من الغرق، أو خلصت أحد أحبائه من الضيق، فقال لك شكراً؛ ثم تعرض طفلك للغرق، أو وقع أحد أحبائك في شدة. وتقاعس هذا الذي أنقذته عن نجدة ابنك أو حبيبك أو أدار وجهه مبتعدا .. فلا شك أن هذا يكون منه نكرانا للجميل وظلما. فليس كافيا أبدا أن يقول لك عند إنقاذه و نجاته: شكرا، بل لا بد من الشكر بالعمل.

حكمة نظام الابتلاء

صحيح أنه ليس بوسعنا رد الجميل لله تعالى على أفضاله.. فهو خالق الكون كله، وهو الرب والسيد لكل شيء، وواهب الحياة لنا، ومعطي النعم كلها. إذًا فكيف يمكن لنا أن نشكره؟ هناك طريقة واحدة .. هي أن ننفق في سبيله، ونصنع الجميل لخلقة. والله تعالى وحده القادر على أن يمنحنا الفرصة لإسداء هذا الجميل لهم.

وهكذا قد علمنا الدعاء الكثير من الحكم. ترون أن كثيرا من خلق الله يقاسون، وتحيط بهم صنوف الشدائد. بالأمس زرنا مدرسة هنا أسسها رجل هولندي طيب القلب، قد اتسعت الآن وتقدمت كثيرا. إنها مدرسة للأطفال المعوقين الذين يَلقون فيها رعاية طبية، مع السعي لتأهيلهم للوصول إلى مركز محترم في الحياة.. حتى يستطيعوا إنجاز حاجاتهم دون الاعتماد على أحد. إنه عمل صالح حقا. والمسلم الأحمدي أكثر مسؤولية من أي إنسان آخر أن يصنع الجميل لمثل هؤلاء الناس، شكرا لله على نعمه. ولكن ما يحدث عمومًا هو أنه إذا ولد لأحد طفل معوق فقط يتلفظ لِشقاوته بكلام ضد الله تعالى ويقول: ألم يجد الله سواي ليلقيه في هذه التجربة المؤلمة؟ العالم كله يعيش في سعادة ولا يعاني أحد بمثل ما ابتلاني الله به! هذا هو الجهل. لماذا يتجاهل أن ما وهبه الله تعالى كثير وأن ما أخذه قليل. وبدلا من العويل والصراخ بما لا يُرضي الله، لماذا يتذكر بأن الله هو السيد المطلق .. ولو أنه تعالى استرد منه كل ما وهبه فلا حق له في الشكوى.

لو أن الإنسان تفكر بإخلاص في هذه الأمور لفَهِمَ حكمة عظيمة.. فكل من يمنحه الله شيئا فإنه يمتحنه به أيضا.. ليرى هل يشكر أولئك الذين وهبهم الكثير على ما أعطاهم أم لا؟ معاذ الله أن يعجزه شيء، أو يكون معوقا أو يفقد الصبر. فإذا كان الذين وُهبوا العيون لا يساعدون من فقد البصر.. فكيف إذَنْ يشكرون الله على نعمة البصر. إذا لم يكن هناك معوقٌ تخدمونه فكيف تشكرون الله. لو تفكرتم في نظام الابتلاء الجاري في الدنيا لوجدتم أنه السبيل الوحيد الذي يمكِّن عباد الله الشاكرين لأنعمه من أن يقدموا الشكر له جل وعلا.

حديث قدسي

ولقد علَّمنا سيدنا رسولنا محمد المصطفى هذه النقطة من الحكمة الإلهية في حديث قدسي عن أبي هريرة ، قال :

“إن الله يقول يوم القيامة: “يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي”. (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب).

ويمضي الحوار هكذا، وفي كل مرة يقول الإنسان: يا رب، أنت رب العالمين، أنت الذي تعطي الغذاء والكساء والمأوى، فكيف نعودك أو نطعمك أو نكسوك أو نأويك.

ترون أن هذا يتفق تماما مع الموضوع الذي أحدثكم عنه. بهذا المثل يوضح المصطفى أنك إذا أردت أن تشكر الله تعالى فليس بوسعك أبدًا أن تشكره مباشرة، بل أعطِ الفقير شيئا من كل ما أنعم الله به عليك وهكذا تتمكن من شكر الله. وكلما زادت نعم الله عليك كلما زادت مسئوليتك لتقديم الشكر إلى الله تعالى، وازدادت حاجتك إلى الدعاء. وهذا الدعاء من النبي سليمان يعلمنا أن الرجل وإن كان في أعلى مقام النبوة.. لا يستطيع أن يشكر الله بقوته الذاتية. إذا كان لدى النبي قدرة ذاتية على شكر الله فما حاجته للبكاء والابتهال إلى الله. فيقول: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ .. علِّمني كيف أشكر نعمتك، ووفقني لأقوم بحق شكرك. هذا يبين بوضوح مدى المعرفة العميقة للأنبياء بالله تعالى، وإدراكهم لأسرار الحكمة الربانية ومعرفتهم أنهم إذا لم يمكّنهم الله تعالى فلن يستطيعوا القيام بواجب الشكر.

إن هذا الدعاء كما قاله سيدنا سليمان مناسب تماما لما أسبغه الله عليه من نعم لا حصر لها. ففي خضوع كامل، وتواضع تام، وخشية صادقة.. ابتهل إلى الله تعالى:

رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ ..

مكِّني من شكرك على نعمتك التي تفضلت بها عليّ وكذلك التي أنعمت بها على والدَيَّ.

واجب الأبناء

وأعطانا هذا الدعاء لؤلؤة أخرى من الحكمة وهي أن من واجب الأبناء أن يشكروا الله باسم الآباء أيضا. لقد أنعم الله على الآباء بنعم كثيرة.. ولم يتمكنوا في حياتهم القصيرة من أداء واجب الشكر عليها.. فعلى الأبناء دَيْنُ تقديم الشكر عن آبائهم. أما الآباء الأبرار الذين قضوا حياتهم في الشكر لله على نعمه فيجب على أولادهم أن يدركوا أن آباءهم قد صنعوا بهم الجميل وأَنهم لا يملكون رد جميلهم إلا بهذا السبيل.. أن يستمروا في عمل الصالحات التي كانوا يعملونها، ويمضوا في طريق الخير الذي ساروا عليه، ويشكروا الله باسمهم على نعمه التي أنعمها عليهم.

فما أعظم سيدنا سليمان نبيا، وما أعظم ما في قوله من الحكمة والمعرفة بالله تعالى! إن دعاءه ذو حكمة عميقة إذ لم يشكر الله على ما أسبغ عليه من نعمة فحسب، ولكنه فكر في شكر الله نيابة عن والديه أيضا، وقال: أَعِنّي يا رب، على أن أشكرك نيابة عن والِدَيَّ. وهل أشكرك يا رب، باسمي ونيابة عن والِديَ بكلمات اللسان فقط؟ كلا، بل إنه مضى في ابتهاله قائلا: وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ .. أعلم يا رب، أن الشكر له طريقة واحدة هي أن أعمل الصالحات أي الأعمال التي ترضيك. وهنا وضَّح لنا الدعاء طريقة أخرى لتقديم الشكر لله. فالشكر يُقدم لإرضاء المتفضل، والله تعالى لا ترضيه كلمات اللسان وحدها وإنما يرضى بالأعمال الصالحة، ولذلك دعا ربه: اللهم، مكنِّى من عمل الصالحات التي إذا وقع نظرك عليها سرتك، وقلت: ما أحسن عبدي سليمان! إنه منهمك في أعمال صالحة ويريد أن يسرني ويرضيني. عندما يحاول طفلك أن يسرك بعمل شيء تحبه، وينظر إليك مرات ليرى هل سررت أم لا، ويرى أمارات الابتهاج والسعادة في وجهك، ويرى بسمة المحبة في عينيك.. تعرف أن سعادته تكون كبيرة عندئذ. هذا ما يدعو له سيدنا سليمان ويقول: مكِّني يا رب، أن أعمل من الصالحات ما يسرك وتقع عليه نظرة حبك.. وعندئذ أستطيع القول بأني قد قمت بشكرك، وكما أرضيتّني أرضيك.

وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ..

وبفضلك الخاص أَدْخِلْني في عبادك الذين تشهد لهم بنفسك أنهم عاشوا حياة صالحة فاضلة.

عادة ما يفكر الناس، وهذا مذكور في القرآن الكريم، أن النبوة هي أعظم النعم، ثم الصديق ثم الشهيد ثم الصالح، ويحسبون أن الصالح هو أدنى الدرجات الروحانية.. ولكن لا يعني هذا أن النبي ليس صالحا، أو أن النبي ليس شهيدا، أو أنه ليس صِدّيقا، بل الحق أن النبي حائز على كل هذه المقامات في نفس الوقت. أما الصالح فلم يحز المقامات التالية، والشهيد قد حاز مقام الشهادة والصلاح، وكذلك الصِدّيق حاز الصديقية والشهادة والصالحية، ولهذا لا ينقطع الأنبياء عن هذا الدعاء الخاشع: أن نكون في نظرك دائما صالحين، ولا نقع في أفعال تخرجنا في نظرك من دائرة الصالحين.

ظلم اليهود سيدنا سليمان

وسيدنا سليمان نبي ظلمه اليهود أشد الظلم، مع أنه صنع بهم أعظم الأفضال. لقد أظهر اليهود تجاهه الجحود بما لم يفعله شعب حتى اليوم. وتندهشون إذا قرأتم في التوراة أن اليهود لم يقبلوا سيدنا سليمان كنبي، بل يعتبرونه مَلِكا فقط، وينظرون إليه دائما على أنه ملك ذو خُلق شرير. ولو قرأتم تفاصيله لاقشعرت جلودكم هلعًا. لو كان هذا هو النبي الصالح الشاكر لله فلا أمان هناك في الدنيا بعد ذلك، ولن تبقى فضيلة في العالم. وإنه من فضائل القرآن الكريم أنه أرسى في الدنيا شرف الأنبياء السابقين وأقر لهم مكانتهم النبيلة. لقد قدم القرآن سيدنا داود وسيدنا سليمان كنبيين صالحين يخشيان الله تعالى.. تفضل عليهما بأسمى النعم. أما بحسب التوراة وروايات اليهود.. فيبدو سيدنا سليمان كرجل شرير جدًا.

ويجدر بالذكر هنا أن النصارى يزعمون بأن القرآن الكريم منقول عن كتابهم المقدس، وأن النبي لم يتلق أي وحي سماوي، وكل ما ادعى به سمعه من اليهود أو النصارى من نفس القصص التي هي في الكتاب المقدس وأدخله في القرآن! لو كان هذا حقا لما ذكر القرآن سيدنا داود وسيدنا سليمان كنبيين كبيرين من أنبياء الله، ولما ذكرهما بمثل هذا الحب والتقدير، بل ما أطاق ذكرهما لكونهما من الأشرار، لا سمح الله. لقد ذكر القرآن سيدنا سليمان كنبي نقي عظيم، أشرك بني البشر فيما ناله من نعم ربانية. وعلى العكس .. من ذلك لو قرأتم الكتاب المقدس واطلعتم على آراء علمائه لأدهشكم كم كانوا ظالمين، وكم نسجوا ادعاءات شنيعة ضد أنبيائهم. كتب أحد المؤلفين في التاريخ اليهودي عن سيدنا سليمان أن اليهود كانوا ساخطين أشد السخط على حكمه لأنه كان رجلا سيء الخلق و الصفات، بل كان وثنيا. وكان أخلف وعده مع الله. و كان يتزوج نساء من أمم غير يهودية، ثم يشرع في عبادة آلهة باطلة لهذه الأمم. وكل ما كتبه هذا المؤلف نقله عن الروايات المسجلة في الكتاب المقدس. ولكنه في النهاية أضاف قائلا: نعم، هناك شيء واحد مؤكد؛ لقد كان سليمان شديد الذكاء، ولكن ما فائدة ذكائه الشديد الذي لم ينتفع به. وقال: إن هذه القصة معروفة لليهود، وترددت كثيرا، حيث قالوا: كان سليمان أذكى إنسان على الأرض، ومع ذلك انظروا كيف عاش بحماقة! (معاذ الله).

إنه لظلم عظيم أن يفتروا على سيدنا سليمان بهذه الادعاءات التي لو يشعر المرء بخشية الله لا يتقول بمثلها على مجرد إنسان عادي .

سبب بُغض اليهود

فقد حاولوا تلويث شخصيته من كل النواحي. لقد بحثت هذه المسألة و تفكرت فيها، ودرست النصوص المتعلقة بها في كتابهم المقدس، وفهمت السبب.

أولا: كان سيدنا سليمان عادلا بدرجة فائقة، لن تجد مثيلا له في العدل بين ملوك وأنبياء الأمة اليهودية.. بل الأحرى أنه فريد في هذا الأمر. فمثلا، أعطى الأمم الأخرى من غير اليهود حق العبادة بحسب معتقداتها وإن كانت تختلف عن العقيدة اليهودية. لقد أعطاها حريتها الدينية التي كانت محرومة منها من قبل. ومع أن الله تعالى وهب الحكم الواسع لبني إسرائيل إلا أنهم كانوا أقلية وكان أغلب سكان دولته من الأمم الأخرى.

وكان من أشد الظلم أن يكون للأقلية حرية كاملة ليفعلوا ما يشاؤون في حين لا تملك الأغلبية حرية عبادة إلههم الذي يؤلهونه. فكان عدل سيدنا سليمان هو الذي يشوكهم ويؤلمهم.

ثانيا: ثم كان سيدنا سليمان النبي الذي لم يجعل مفهوم الإله محصورا في إله اليهود وحدهم، بل قدم إلهًا عالميا مشتركا بين كل بني البشر بمثل ما نقرأ في سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لو قرأتم في العهد القديم ( سفر الملوك الأول: 8) لعلمتم أن سيدنا سليمان عندما بنى معبده، ألقى خطبة عظيمة عن أهداف معبد سليمان عند الاحتفالات بإنشائه وإكماله. وكان موضوع خطبته مشابها لموضوع خطبة سيدنا إبراهيم عن بيت الله الحرام.. وإن كان موضوع سيدنا إبراهيم أكثر شمولا، حيث تحمل دعواته في هذا الصدد معاني عميقة، ولكننا نجد لمحات منها في كلام سيدنا سليمان بهذه المناسبة. ما أعجب من أن يعلن نبي يهودي: يا رب .. لا تجعل هذا المعبد العظيم مقصورًا على اليهود وحدهم، بل يا رب.. تَقَبَّل كل دعاء وصلاة في هذا المعبد. تَقَبَّلْ دعاء الإسرائيليين الذين يبتهلون، وتقبل أيضا دعاء الذين يأتون هنا من أماكن بعيدة وليسوا من ديننا. إن الرب الذي هو رب بني إسرائيل هو الرب للعالم كله. وكأن سليمان أعلن أن ربنا هو رب العالمين. ترون قسطا من معاني سورة الفاتحة قد أُعطيَ أيضا لسيدنا سليمان. وكان قوله هذا ترجمة لآية (الحمد لله رب العالمين). وكأنه قال : إن الله هو رب العالمين فكيف يكون خاصا لليهود وحدهم.

فكان سليمان يبتهل إلى الله تعالى أمام اجتماع اليهود صالحين وفاسقين كبارا وصغارا.. ويقولون جميعًا معه: آمين. لقد انضموا إليه في دعائه: اللهم اجعل هذا البيت للجميع.. اجعله مباركا لكل الناس.. كل بني البشر الذين يقصدونه يتلقون فضلك ورحمتك. وإذا عادوا إلى أقوامهم تحدثوا عن بيت الله الذي تعم بركاته جميع بني البشر. هو رب العالمين وهو العلي القدير. وهذه الكلمات الحبيبة من سيدنا سليمان كانت تؤلم شيوخ اليهود المتعصبين الذين جعلوا الإله ملكا خالصا لهم، وحسبوا أن الفضيلة لا يمكن وجودها خارج نطاق إسرائيل .. فكيف يطيقون سيدنا سليمان.

ثالثا: والأمر الثالث الذي كان يؤلم اليهود من سيدنا سليمان هو أيضا جانب آخر من عدالته. لقد نظم عملية عظيمة لتشييد المباني. وتعرفون أن القرآن قال عنه أن الله مكنه من الانتفاع من الرياح، وكانت الرحلة التي تستغرق شهرا من قبله تتم له في يوم و ليلة. فقد آتاه الله تعالى علما واسعا، ومكنه من الوصول إلى مخترعات كثيرة ووفقه لتجديدات إصلاحية عظيمة. فوضع نظاما ليشترك بموجبه في العمل كل قادر لائق للعمل دون تمييز. فينفق ثلث وقته في الأعمال الصالحة أو في خدمة الأمة. كأنه إعلان للوقف القومي للخدمة الوطنية. ونعلم من الحديث النبوي أنه لا ينبغي أن يهب المرء أكثر من ثلث ماله في سبيل الله.. لأن الله لا يرضى أن ينقص الإنسان حقوق أولاده وأسرته بإنفاق كل ما يملك في سبيله ، وإنما يسمح بإنفاق ثلث الثروة في سبيله. فهي ليست عادة جديدة وإنما هي قديمة العهد، وقد تعلم سيدنا سليمان هذه الحكمة أيضا أن يبذل الناس ثلثي وقتهم لأنفسهم، والثلث للأمة. وكانت العادة قبل سيدنا سليمان أن يُعفَى اليهود من الخدمة والعمل الشاق وإنما تقوم به الأمم الخاضعة، وكانوا يحسبون أنفسهم الطبقة الحاكمة.. كما كان الهولنديون يفعلون هنا حين كانوا يحكمون سورينام.. فما كانوا يقومون بالأعمال الشاقة، وإنما كانوا يسخرون الأفارقة الذين أحضروهم أسارى إلى هنا للعمل الشاق، وكانوا يحكمون كالملوك. وكان الإنجليز أيضا يعاملون الهنود والأفارقة بنفس الطريقة. إنه إنصاف عظيم من جانب سيدنا سليمان إذ غيَّر القانون، وأمر اليهود أن يسهموا بعض الوقت في العمل بنفس الأسلوب الذي كان يعمل به أبناء الأمم الأخرى. قال: لن يكون هناك تمييز بيننا وبينهم، بل سوف تجري الأمور هنا بالعدل الكامل. فما أعظمه من نبي، كانت أحكامه ثورية. ولكن اليهود كافأوا هذا المحسن الأعظم بصنوف الظلم، وقاموا عليه بهجمات قذرة. فلأنه منح حق العبادة للآخرين زعموا أنه يعبد الأصنام مع الأمم الأخرى. والحجة التي قدموها أنه تزوج نساء من الأمم الأخرى.. وقالوا أنه اتخذ 700 زوجة، و لم يكتف بذلك بل أخذ 300 أمَةً أيضا. وهكذا زعموا أنه كان لديه 1000 امرأة. ثم قالوا إن كل هؤلاء النساء أو أغلبهن كن من الأمم الأخرى، وأنه أخذ يعبد آلهة نسائه ليرضيهن وسجد أمامها، وبنى لها المعابد.

التاريخ يعيد نفسه

عندما يعارض الناس أنبياءهم يهاجمونهم بمثل هذا الإفك والظلم. ونحن المسلمين الأحمديين أيضا نمر بمثل هذه الفترة، حيث يُعاد أمام أعيننا تاريخ النبوة. كان سيدنا المهدي والمسيح الموعود نبيا تابعا لسيده محمد رسول الله . لم يكن نبيا مستقلا، ولكنه كان يقينا نبيا تابعا من أمة محمد . إقرأوا كتاباته تروا أنه لم ينكر أبدا كونه نبيا تابعا لمحمد ، فكونه إماما مهديا ونبيا تابعا لمحمد اسمان لمقام واحد. وأعداؤه يهاجمونه هجوما قذرا بنفس الطريقة التي مضت في الأولين.

اقرأوا منشورات معارضي الأحمدية لتروا وتندهشوا بهجماتهم القذرة الظالمة التي لا ينفكون يشنون بها على سيدنا المهدي والمسيح الموعود .. و على خلفائه وعلى صحابته. وهذا الذي نراه يحدث أمام أعيننا قد حفظ القرآن ذكره، ونجد تفاصيله في الكتاب المقدس.

لو تفكرتم في هذا الدعاء وحده الذي قاله سيدنا سليمان وجدتم أنه لم يكن مجرد مؤمن بوحدانية الله، بل كان موحدا عارفا بالله ومن الطراز الأول من العارفين. لم تكن له أية علاقة ولو بعيدة بالشرك. ولم يكن رجلا ناكرا للجميل، بل عارفًا ومعترفا بأيادي الله، وكان محسنًا عطوفا نحو الآخرين. ومع ذلك كان من التواضع بحيث أعلن في دعائه أنه لا يستطيع أداء واجب الشكر بنفسه، وابتهل إلى الله تعالى في خشوع وتذلل أن يعلمه كيف يقدم شكره.

أهمية خطب الخليفة

الوقت يتأخر لذلك أقف عند هذا الحد ، وسوف أستكمل مناقشة الأدعية المتبقية في بلد أخطب فيه الجمعة القادمة إن شاء الله. وأتوقع منكم أن تُدبِّروا الأمر حتى تستمع الأجيال الصاعدة إلى هذه الخطب أو تقرأها أو تشرحوها لهم. هذه الخطب من خليفة العصر تُبَثُّ بمساعدة الاختراعات الحديثة التي منحها الله تعالى للإنسان في أنحاء الدنيا في وقت واحد، وتسمعها الجماعات في بقاع الأرض مباشرة وتنتفع منها.. وتكون بذلك أمة واحدة. لقد هيأ الله الوسائل التي تعمل على توحيد الأمة. فالمُسلمون الأحمديون سواء كانوا في فيجى أو سورينام أو موريشس أو الصين أو اليابان أو الاتحاد السوفيتي أو أمريكا عندما يستمعون لهذه الخطب مباشرة سينالون تربية دينية بأسلوب واحد، وسيصبح الجميع أمة واحدة، وإن كانوا في الظاهر ينتمون إلى أمم عديدة. ستكون ألوان جلودهم مختلفة، ولكن لون قلوبهم واحد. سوف تتنوع ملامحهم ولكن ملامح أرواحهم واحدة. سيكونون شخصيات روحانية بحيث يكونون الصفوة المختارة في نظر الله .. لأنهم يتلقون تربيتهم الروحية في نور القرآن الكريم ويقتبسون قبسًا من نوره.

في بلدكم سورينام شاهدت أخطارا كثيرة تتعلق بالتربية الروحية. هذا مكان حيث ينتشر بشدةٍ المزاج الإفريقي الميّال للغناء والرقص والخمور والعيش بلا كابح. ومثل هذه الحياة الاجتماعية هي السائدة في بلدكم. هنا لا يوجد عند النساء السفور فقط، بل تحول السفور إلى عدم الحياء. لديهم من الموضات التي تعرض النساء بطريقة تصبح عبثا ثقيلا على طبيعة الإنسان، وتخلق الاستياء والامتعاض. الحياة في مثل هذا المجتمع توجب على الآباء المسلمين الأحمديين أن يشعروا بالقلق من أجل أجيالهم الشابة. وفي مثل هذا المجتمع المنطلق بلا حدود لا ضمان للقيم الأخلاقية لأبنائكم مادمتم لا تقدمون لهم التربية الروحية الصحيحة منذ البداية. سيبقون أولادًا لكم لفترة ما، ثم يصيرون أبناء المجتمع، ثم أبناء هذه الأمة. وهكذا سوف تذهب إلى أيد أخرى الثروة التي وهبها الله لكم. إذا فقد المرء في يوم واحد ما ربحه في كل العمر فما أشد ألمه. وتذكروا أنه لا توجد في الدنيا ثروة أغلى من الذرية. ولو انفلت أبناؤكم من أيديكم فقد ذهب ربح حياتكم منكم. ينبغي أن ينشغل بالكم بهذا الأمر. وأذكركم في هذا الصدد بضرورة أن تستمعوا بأنفسكم لهذه الخطب بانتظام، وتشرحوها لأولادكم أيضا.. لأن في هذه الخطب دراسة للقرآن الكريم والأخلاق العالية للمصطفى ، والمواعظ الموجودة في كتابات المهدي والمسيح الموعود .. فهي وسيلة للتربية الروحية الطيبة ستنشئ، إن شاء الله، صلةٌ ذاتية عميقة بين أولادكم وبين القرآن الكريم، ودين الإسلام، ونبي الإسلام سيدنا محمد ، والمهدي والمسيح الموعود . وعندما يوطد المرء علاقةً بالله تعالى فلن يستطيع أهل الدنيا الإضرار به مهما كان المجتمع شريرا، بل يكون مصانا محميا. لذلك ينبغي أن تنتفعوا بهذه الوسائل.

حدث تاريخي

واليوم أتاح الله لكم، وللمرة الأولى في تاريخ سورينام، أن يتوجه إليكم بالحديث المباشر خليفةُ رجل من رجال الله تعالى في يوم الجمعة. هذا حدثٌ تاريخي ما كان ليحدث سوى مرة واحدة وها هو قد حدث.. ولن يتكرر. ولسوف يأتي الخلفاء إلى هنا في المستقبل أيضا، إن شاء الله، ويخطبون.. ولكن المرة الأولى تبقى المرة الأولى، والتكرار لا يخلق أول مرة أخرى. فأنتم محظوظون إذ صرتم شهداء لهذه الواقعة التاريخية. وينبغي أن تبتهلوا إلى الله. وبوسعكم تقديم الشكر بعمل الترتيبات لتبليغ هذه الخطبة لأولادكم حتى يسمعوها بنفس الكلمات. لا تكتفوا بالملخصات. تلاحظ هذه العادة في بعض المدرسين والدعاة إذ يتحاشون العمل الشاق، وبدلا من ترجمة الخطبة كاملة يلخصون خطبي، ويحسبون أنهم يخففون العمل.. ويخدعون الناس ويخدعون خليفة الوقت إذ يكتبون إليه: إننا قدمنا موضوع خطبتك بطريقة حسنة جدا. هذا ليس كافيا. لقد منح الله تعالى كل إنسان طريقة مختلفة للحديث. ولو ناقش كل إنسان نفس الموضوع فسيكون لكل منهم تأثير مختلف. فالطريقة الصحيحة أنه إذا كنتم لا تفهمون الأردو فعلى المبلغ الداعية أن يترجم الخطبة كلها إلى اللغة التي تفهمونها، ويمكنه أن يفعل ذلك بيسر خلال أسبوع. هناك ترتيب معد للترجمة بالإنجليزية والفرنسية والألمانية والعربية. والأماكن التي لا تُفهم فيها هذه اللغات قليلة في العالم. فعلى المبلغين الدعاة أو عليكم أنتم أن تبذلوا بعض الجهد للترجمة إلى اللغة المحلية إذا كانت هذه اللغات غير مفهومة في بعض الأماكن. فيجب عليكم الانتباه لذلك. وهكذا تقومون بواجب الشكر بوصل أبنائكم بخطب الخليفة بصفة دائمة. إذا فعلتم ذلك أسديتم إليهم معروفا عظيما، وصنتم إيمان أجيالكم القادمة، وحميتموهم وقيمهم الأخلاقية من هجمات المعارضين. عسى الله تعالى أن يمكنكم من فعل ذلك، وعسى الله تعالى أن يهب جماعتكم تقدما عظيما. آمين

Share via
تابعونا على الفايس بوك