نداء لإغاثة المظلومين من البوسنة

نداء لإغاثة المظلومين من البوسنة

لقد ساءت حالة إخواننا المسلمين في بوسنة لدرجة أن الأغيار أيضًا يبكون لرؤيتها، بل إن الحكام المسيحيين الذين تورطوا في صب المظالم على هؤلاء المضطهدين بسبب غفلتهم وتهاونهم في حقهم حيث سمحوا لقومٍ بمحو هؤلاء بطرق مرعبة ولم يأخذوا على أيديهم.. أقول إن هؤلاء الحكام أيضًا يندبون ويبكون بأن الظلم قد بلغ المنتهى. أما الحكام المسلمون فقد نزع هؤلاء السياسيون الغربيون ألسنتهم أو اشتروها منهم، فليس هناك منهم من يبكي لهؤلاء المضطهدين إخوانهم في الدين.

لقد ارتكبت ضد مسلمي البوسنة مظالم تقشعر لها الجلود. لقد قطعهم الظالمون إربًا. وأحرقوا العائلات بأكملها في غرف الغاز. وألقوا الأطفال الأبرياء في النيران أمام آبائهم قائلين: هذه هي أجيالكم نقضي عليها أمام أعينكم لكي لا تفكروا أن لكم مستقبلاً في هذا البلد. كما اختاروا أهل العلم والثقافة منهم ممن كانوا أهلاً ليكونوا زعماء لهم وقتلوهم بأساليب وحشية مرعبة أمام المسلمين البوسنيين وقالوا: ها قد قطعنا رؤوسكم أيضا حتى لا تفكروا في الاستيلاء على هذا البلد والاستيطان هنالك مرة أخرى.

لقد حدث ولا يزال يحدث كل هذا المشهد المؤلم ولكن العالم الإسلامي لا يدركه. فوا حسرة على حكام المسلمين الذين لا يخجلون من إدلاء بيانات مؤسفة حيث يقولون: كيف نسكنهم عندنا في بلادنا وكيف نهيئ لهم العمل والمال. لم تسمعوا صوتًا واحدًا رُفع لمساعدتهم من هؤلاء الحكام. أما أهل بلاد أوروبا فقد فعلوا لهؤلاء المضطهدين كثيرًا، ولكن بلاد النفط المتمولة الإسلامية كالسعودية وليبيا وغيرها لم تحرك ساكنًا، ولم يخجلوا من برودتهم. لما لم يقولوا للبلاد المسيحية أن كفوا عن مساعدة إخواننا في الدين. نحن لسنا بحاجة لمساعدة منكم، لأنكم متورطون في هذا الظلم. نحن نعلم كيف نتفقد أحوال إخواننا وكيف نرعاهم. لم نسمع مثل هذا الصوت من أي بلد إسلامي، ولم نر أية حكومة منهم فتحت خزائنها لهؤلاء. دعك من الخزائن، فإنهم لم ينفقوا عليهم حتى واحدًا بالمليون من أرباح أموالهم. وهذه البرودة من قبل الحكام المسلمين الأثرياء خيانة كبرى في أموال المسلمين. فلو أن أحدًا من الناس العاديين خان في مال أحد فيمكن أن يعذر بحجة أنه ربما كان مضطرًا، ولكن إذا خان الثري في أموال أخيه الفقير فهي خيانة ما بعدها خيانة. وعندما أقول أن في أموالهم حقًا لهؤلاء المضطهدين فلا كذب في ذلك، بل إن القرآن هو الذي يقرر ذلك في قوله تعالى:

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: 20).

فهناك أحوال يصبح فيها للفقراء حق في أموال الأثرياء. لا يكون هناك صدقة بل هناك حق لهم، وإذا لم تؤدوا حقوقهم صرتم خونةً. وما أكثر حقوق المسلمين الفقراء في أموال هؤلاء الأثرياء من بلاد النفط الإسلامية.

لقد كان لمعاملتهم الباردة مع إخوانهم من بوسنة رد فعل سيء جدًا. كنت نصحت أبناء الجماعة بتفقد أحوال إخوانهم البوسنيين المشردين في مختلف أنحاء أوروبا، وقد وردني تقرير من إخواننا من بلد أوروبي يقول: لقد أمرتمونا بالبحث عن إخواننا المظلومين من البوسنة ومواساتهم وخدمتهم ومساعدتهم بتقديم الملابس والمال. فذهبنا إلى ملجأ لهم وأردنا مقابلة ممثلهم وكانت سيدة. وعندما أخبرناها بأننا مسلمون جئنا لتقديم المساعدة لكم رفضت مقابلتنا وصاحت قائلة: إذا كنتم مسلمين فلن أقابلكم ولن أسمح لأحد من أفراد مجموعتي بمقابلتكم. فاستفسرناها عن السبب وقلنا: نحن مسلمون وجئنا لمواساتكم!! فقالت: دعونا من مواساتكم! لقد رأينا كيف تواسون أيها المسلمون. إنكم فقدتم الغيرة على الإٍسلام وأبنائه. تثورون وتصيحون في العالم لمصلحتكم الشخصية فقط. لقد تعرضنا في بلادنا لأبشع المظالم، ويباد شعبنا كله بسبب إسلامنا ويمحو العدو أي أثر لنا في البوسنة، ولكن لم يتحرك أحد منكم لمساعدتنا. فاذهبوا أيها المسلمون واخرجوا من هنا. إن النصارى يرعوننا ويتفقدون أحوالنا، وهذا يكفينا.

فترون كيف أنهم جالسون في الكنائس يخدمهم النصارى ويبشرونهم ولكنهم لا يريدون مقابلة المسلمين!!

عندئذ قال لها ممثلنا بلهجة ملؤها التواضع والاعتذار والإلحاح: من فضلك اسمعي لنا. نحن لسنا من أولئك المسلمين الذين تتكلمين عنهم بل نحن أنفسنا قد اضطُهدنا على أيديهم. وعندما هدأ غضبها أخبرها بأننا جماعة مسلمة عالمية، وذكر لها بعض نشاطاتنا وتاريخنا، وقال: نحن نتوق لخدمتكم حقًا ولا مصلحة لنا في ذلك أبدًا. نعم هناك مصلحة واحدة فقط بأن نخفف الآلام التي تدمي قلوبنا بتقديم خدمة ولو بسيطة لكم. نريد أن تخف وطأة التعذيب الذي ابتُلينا به. إننا نموت بآلامكم ومصائبكم. بالله أعطينا هذه الفرصة لخدمتكم ابتغاء لمرضاة الله. وعندما سمعت هذا الكلام سمحت له وقالت في حيرة: هل لا يزال هناك مسلمون كهؤلاء في الدنيا؟

فالأمراء والحكام إذا شرعوا في الخيانة في حقوق العامة فتكون الخيانة كبيرةً ومرعبة، ولا بد أن يحيق بهم أنواع العذاب لسبب تهاونهم في أداء حقوق فقراء المسلمين.

أما فيما يتعلق بأبناء جماعتنا فإنني أرى بحسب ما وصلتني التقارير إلى الآن بأنهم لم يبدوا قلقًا ولم يشعروا بألم كما ينبغي لرؤية حالة إخوانهم المضطهدين من البوسنة. لذا أنصح كل من يصل إليه صوتي من المسلمين الأحمديين بأنكم لن تُعتبروا أبرياء من هذه الخيانة إلا إذا خرجتم لخدمة هؤلاء المضطهدين بقلبٍ كقلب محمد . أُخرجوا لخدمة الإنسانية بقلوب ينظر إليها الله نظرة حب، حتى لا يقول الناس بأنكم أنتم أيضًا لم تتألموا لإخوانكم المضطهدين ولم تهتموا بهمومهم، بل يجب أن تتألموا لهم حتى يقول الله لكم: لماذا تتألمون لهذا الحد. يقول الشاعر إقبال مخاطبًا الله : لماذا أهتم بهموم العالم؛ فالعالم ملكك وليس ملكي. لا أدري كيف قال هذا الشاعر المسلم هذا الكلام المنافي لتعاليم الإسلام. أما أنا فأسمع في مقابل ذلك الصوت الذي قال لنبينا محمد المصطفى :

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (الشعراء: 4).

لماذا تُهلك نفسك بهذا الاهتمام الشديد بهموم العالم، فإن العالم عالمي وأنا المسؤول عنه وليس عالمك حتى تُهلك نفسك بسبب آلام أهله.

فالمسلمون اليوم بحاجة إلى قلبٍ كقلب محمد لأنه يتدفق منه ينابيع العطف والمواساة. وعلى كل مسلم أحمدي أن يحمل بين جوانحه قلبًا كهذا ويخرج به لخدمة الإنسانية. وفقنا الله تعالى لذلك. (مقتبس ملخص من خطبة الجمعة التي ألقاها إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية الحالي حضرة مرزا طاهر أحمد يوم 20 نوفمبر 1992م)

Share via
تابعونا على الفايس بوك