أضرار الخمر

أضرار الخمر

لقد كان الأستاذ رشدي البسطي، رحمه الله، أحد أعلام الجماعة الإسلامية الأحمدية في بلاد العرب، رجلا له عينيان واعيتان لما يدور ويحدث حوله، وقد حاول ما باستطاعته من أجل نصح وتربية الشباب المسلم في بلاده وحثهم على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وفيما يلي نقدم إلى حضراتكم مقالة كتبها الأستاذ المرحوم عام 1937، وهي بعنوان أضرار الخمر، يظهر فيها، رحمه الله قلقه الكبير على ما شاهده في الشوارع والمدن الإسلامية العربية من مشاهد بعيدة عن الإسلام كل البعد. كان هذا المقال قبل أكثر من خمسين عاما، وللأسف اننا مازلنا نرى هذه المفاسد التي كتب عنها الأستاذ المرحوم مستمرة حتى يومنا هذا. إن لم تكن زادت عن السابق. ولهذا نتوجه مرة أخرى عبر الأسطر التالية إلى جميع المسلمين والمسلمات في كل بلد وقطر للفت انظارهم إلى مخاطر هذه الموبقات وآثارها السيئة على النفس والمجتمع. سائلين الله أن يوفقنا جميعا للعمل وفق أحكامه وتعاليمه التي جاءت لتخرجنا من الظلمات إلى النور، والله الموفق وهو المستعان.

[التقوى]

إن وفرة الحانات في شوارع مدننا الإسلامية العربية وتنوع ملاهيها الكثيرة المغرية بمفاسدها ورؤيتها وهي غاصة بالشبان العصريين المندفعين وراء أهوائهم بصورة جنونية غير مبالين بما يعود عليهم وعلى وطنهم من خسائر فادحة منظر يشمئز له كل مسلم صادق الإسلام. فهؤلاء الشبان لم يرتشفوا من معين العلم الديني ولم يأخذوا منه قسطا وافرا يردعهم من غشيان هذه الأماكن السالفة ويمنعهم من ولوج هذه المحلات الرجسة التي ستؤدى بهم حتما إلى أسوء العواقب من ضياع لأموالهم وافساد لأخلاقهم على موائد الفسق والفجور مجردين من ثوب الحياء والفضيلة الذي يجب أن يتحلى به كل شاب يود خدمة دينه ووطنه بصدق وإخلاص. ولكن قد اطارت ويا للأسف هذه المغريات الحديثة التي قد انتشرت في بلادنا بفضل المدنية الغربية البابهم وأضاعت منهم الصواب فجعلتهم اتباعا لها لا يستطيعون معها كبح جماحهم أو ايقافها عند حد معقول لفقدان القوة الإرادية من نفوسهم الضعيفة الحائرة.

ان الخمر تذهب العقل، ويصبح شاربها عندما تأخذه النشوة فاقدا للوعي والادراك، فيكون أشبه بحيوان منه بإنسان عاقل. يندفع بحركات وأعمال جنونية لا معنى لها ويتفوه بألفاظ بذيئة تشمئز من سماعها النفوس الطاهرة، فتارة يثور وطورا يغضب ويشتم هذا وذاك، لأنه لا يملك ميزة العقل التي هي أعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان. وعلى توالي الأيام تضعف من نفسه قوة الإرادة تدريجيا إلى أن تنعدم فيه هذه الصفة السامية بالكلية مع ضعف قواه العقلية.

وقد سئل مرة سيدنا عثمان رضي الله عنه، ثالث خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ((ما منعك عن شرب الخمر في الجاهلية ولا حرج عليك فيها)). فقال: (( رأيتها تذهب العقل جملة وما رأيت شيئا يذهب جملة ويعود جملة)).

والطب أيضا قد أثبت بأنها تضعف صحة المدمن على تعاطيها وقد تضمحل قوته الجسمانية تدريجيا حتى أنه لا يعود يستطيع القيام بأعماله اليومية كغيره من الأتقياء ويكون عرضة للإصابة بأكثر الأمراض لضعف جسمه عن مقاومتها. فهل يتعظ شبان اليوم ورجال المستقبل يا ترى؟؟؟

ومن المؤسف ان جل هؤلاء الشبان، رواد الحانات هم من المسلمين الذين ينهاهم دينهم عن غشيانها فتراهم جالسين حول موائد الخمر بلا حياء ولا خجل من الله ولا من الناس، مع علمهم بأن الله حرمها عليهم بصريح القرآن الكريم، رحمة منه عز وجل بعقولهم وأموالهم وشفقة على صحة أبدانهم ومصالحهم الاجتماعية، لكي يكونوا صالحين في أحوالهم الاجتماعية وعاقلين في تدبير أعمالهم الدنيوية وعاقلين في حفلي الدين والوطنية بقوة حديدية وعقول نيرة.

وأنى أذكر كلمة قالها لي مسيحي بدمشق الشام منذ بضع سنوات بمناسبة اعتراضي على كثرة الحانات وأنواع الملاهي في هذه المدينة الإسلامية العربية ذات التاريخ المجيد والمجد الاثيل. قال ان الدين الإسلامي ينهى المسلمين عن شرب المسكر ويبين لهم أضراره الجسيمة. وأما نحن المسيحيين فديننا يحلله لنا صراحة، ولكن مع ذلك نرى الحانات بعد المساء غاصة بالمسلمين فقط. ثم استطرد قائلا: لو أن المسلمين اقلعوا عن معاقرة بنت الحان(الخمر) لأغلقت الحانات والملاهي أبوابها وأطلق أصحابها أرجلهم للريح فرار من الإفلاس.

فهذه كلمة حق سمعتها من فم مسيحي، لا يزال صداها يرن في أذني لوقعها المؤلم في نفسي. فعلى مدمني الخمر أن يدركوا ما يعود عليهم من أضرار مادية وأخلاقية بسببها فيتجنبوها، وقد أقر العلم بأن الخمر من المشروبات المضرة المهلكة وأنها سبب كثير من الرزايا والمصائب التي تنوء تحت كلاكلها الإنسانية. لأن الخمر كما قيل عنها أم الكبائر والمفاسد والجرائم المتنوعة، فكم من بيوت خربت ودماء سفكت وأعراض فضحت وجرائم ارتكبت بسبب أم الخبائث، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا أم الخبائث))، فالله سبحانه وتعالى لم ينهنا عنها في كتابه الكريم إلا ليخبرنا وصالحنا كما أسلفنا لأنها تسلك بشاربها طريق الغواية وحمأة الفساد، وتدفعه لضياع الأموال والإيمان معا، والشيطان قائده بواسطتها إلى سبيل التعاسة والشقاء.

يقول الله تعالى: (( يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.)) (سورة المائدة)

فأجاب الصحابة رضوان الله عليهم، عندما نزلت هذه الآية الكريمة، أجل قد انتهينا طائعين وأخذوا يريقون الخمر العتاق من جراراهم غير آسفين ولا مترددين حتى أصبحت طريق المدينة المنورة مغمورة بالخمر. فمثل أولئك الرجال الصالحين الصادعين بأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، الذين بنوا كواهلهم القوية وعقولهم النيرة مجد الإسلام وحضارته الزاهرة، يجب أن يكونوا قدوة لشبان المسلمين اليوم. فعلى شبان اليوم الامتناع عن تعاطي الخمر وأنواع المخدرات، ليعيدوا للإسلام مجده الغابر وللأمة العربية وحدتها المنشودة. أيها الشبان المسلمون إن دينكم الحنيف أصبح فريسة لذئاب مبشري الغرب من كل ناحية وصوب، فهم يهاجمونه في عقر داركم ويشككونكم في تعاليمه السامية ليضعفوكم ويبقوا محتلين لعقولكم، فتبقون لقمة سهلة الالتهام لمطامع الطامعين. فهلموا أيها الشبان، اصحوا من غفلتكم وعوا ما يتطلبه دينكم من واجبات مقدسة، ولا تكونوا من الغافلين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك