استفتاء

استفتاء

يواجه المسلمون الأحمديون في باكستان احكاما صارمة بسبب إعلانهم الانتماء إلى الإسلام واستعمالهم لكلمة الشهادة ((لا إله إلا الله )) لتزيين مساجدهم وبيوتهم وصدورهم. فتهدم مساجدهم وتحرق منازلهم ويعذبون ويسجنون. هذا على الرغم من أنهم جميعا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ويقيمون الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون بيت الله الحرام، (لقد منعت باكستان المسلمين الأحمديين من الحج إلى بلادها لأداء مناسك الحج التي فرضها الله على كل مسلم). ان حكومة باكستان مصرة على اخراج المسلمين الاحمديين والتي تدعوهم ((بالقاديانيين)) من حظيرة الإسلام وإشاعة فتاوى عديدة في تكفيرهم وإعلان عدم انتماءهم إلى الإسلام على الرغم من تمسك المسلمين الأحمديين ((القاديانيين)) بكلمة الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقد قام أحد القراء الكرام ويدعى عطاء المجيب الراشد وهو باكستاني الجنسية بعرض هذه المسألة (مسألة شرعية تكفير من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله) على العلماء الكرام من مختلف الدول. وقد حصل على أجوبة هامة يجدر بنا الانتباه إليها ننشرها حسب طلبه بالأقساط.

نص الرسالة التي وجهها الأخ عطاء المجيب راشد إلى جميع العلماء الكرام:

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وبعد: اكتب إلى فضيلتكم رسالتي هذه راجيا أن تفتوني في مسئلة طالما شغلت بالي وحيّرتني، إذ انها تتعلق في أمر عسر علي فهمه لقلة إلمامي بالمسائل الشرعية فرغبت أن أتوجه إلى حضرتكم صاحب الفضيلة والعلم حتى تفتوني بما ترونه موافق للشرع المبين واني لكم من الشاكرين.

سيدي الكريم، هل يعاقب الشرع الشخص الذي لا يدين بالإسلام ومع ذلك يقول ((لا إليه إلا الله محمد رسول الله))؟ وماذا يكون عقابه إذا استوجب العقاب؟ أهل تقطع أذنه وأنفه كما جاء في القرآن عند قول البعض، أو يكون عقابه الجلد وقطع اليد كالسارق، أم أن هناك حكم آخر في القرآن الكريم؟

سيدي الكريم، أرجو أن تبين لي حكم الشريعة في هذه المسئلة، وإني ارتقب بشوق وصول فتواكم إليّ حتى اطمئن بما حكم الله به في كتابه الكريم.

جزاكم الله أحسن الجزاء ووفقكم لخدمة الإسلام والمسلمين، ودمتم بحفظ الله ورعايته.

والسلام

بإخلاص: عطاء المجيب الراشد

*  *   *

بسم الله الرحمٰن الرحيم

فتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

اطلعنا على الخطاب الوارد إلينا من السيد / عطاء المجيب راشد المقيم بالعنوان : 49 Gressenhall Road London sw 18 50H U.K

المقيد برقم 151 سنة 1986 والمتضمن السؤال للآتي:

هل يعاقب الشرع الشخص الذي لا يدين بالإسلام، ومع ذلك يقول ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) مثل المسلمين، ويعلق في رقبته أو على صدره شارة أوسلسلة بها آية من القرآن الكريم أو كلمة الشهادة ((لا إله إلا الله محمد رسول الله))، وماذا يكون عقابه إذا استوجب العقاب؟

هل تقطع أذنه وأنفه كما جاء في القرآن الكريم عند قول البعض، أو يكون عقابه الجلد وقطع اليد كالسارق أم أن هناك حكما آخر في القرآن الكريم؟

ويرجو السائل بيان حكم الشريعة في هذه المسألة:

     الجواب

اخرج مسلم في صحيحه عن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن امارتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاة الشارة يتطاولون في البنيان. ثم انطلق، فلبث قليلا. ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.

من هذا الحديث الشريف يفهم أن المراد بالشهادتين: (1) الإقرار بأن الله تعالى هو رب العالمين، وأنه واحد لا شريك له (2) والاقرار بأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله وأنه خاتم النبيين والمرسلين.

وإذا أقر المرء بذلك صار مسلما مطالبا بالطاعة وأداء الأركان الأخرى قدر استطاعته، أما الشخص الذي لا يدين بالإسلام صراحة لا يعتبر مسلما، ولو علق في رقبته أو على صدره شارة أو سلسلة بها آية من القرآن الكريم أو كلمة الشهادة. لأن الإسلام عقيدة عمل، وقد انتفت العقيدة عنه باعترافه أنه لا يدين بالإسلام وعلم منه ذلك. وانتفى منه العمل حيث لم يعرف منه أداء باقي أركان من صلاة وزكاة وصوم وحج.

ولا يحتج على تلك الحالة التي وردت بالسؤال، بما رواه البخاري عن عطاء عن ابن عباس (( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا. ((قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم. فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك ((ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا)). قال ابن عباس: عرض الدنيا: تلك الغنيمة وقرأ ابن عباس (السلام). وقال الحافظ أبو بكر البنزار عن سعيد بن جبير. عن ابن عباس: قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها والمقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. وأهوى إليه المقداد فقتله. فقال رجل من أصحابه: اقتلت رجلا شهد ألا إله إلا الله، والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: يا رسول الله ان رجلا  شهد ألا إله إلا الله فقتله المقداد. فقال: ادعوا لي المقداد. يا مقداد أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله؟ فكيف لك بلا إله إلا الله غدا. قال: فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا.

فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد واجه الصحابي واعتبه ولامه على قتل من نطق بالشهادة قبل أن يتبين أمره. ونزل الوحي مبينا المنهج القويم الواجب اتباعه في مثل تلك الحالة نقول: لا يحتج بهذا الحديث وما ورد بشأنه على الحالة الواردة بالسؤال الذي نحن بصدده، حيث أن الوارد به: أن الشخص الذي لا يدين بالإسلام ومع ذلك يقول ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) مثل المسلمين ويعلق في رقبته…..))

هذا الشخص الذي حالته ما سلف بيانه لا يسمى مسلما، لأن معنى لا يدين بالإسلام أنه يعتنق دينا غير الإسلام. وانه لذلك يسمى في شريعة الإسلام منافقا لأنه يظهر خلاف ما يبطن. وهذا أيضا هو ما يسمى بنفاق العقيدة وهو أخطر على الإسلام من الكافر الذي ظهر كفره.

وجزاء الشخص الواردة حالته في السؤال: ليس قطع الأذن ولا الأنف ولا غير ذلك إنما جزاؤه هو ما ورد بشأن أمثاله في قوله تعالى: ((إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا))، وفي قوله تعالى ((إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)). ثم قال الله بعد ذلك ((إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما)). واننا ندعو الشخص الذي لا يدين بالإسلام وينطق بالشهادتين ويعلق ما يعلقه…((ندعوه لتصحيح عقيدته وأن يردد بقلبه ولسانه دائما)) رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. ومتى اطمأن قلبه بالإيمان والإسلام وأذعن لأوامر الله فأداها يكون حينئذ مسلما حقا وصدقا، ويكون في عداد الذين تابوا وأصلحوا.

فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

                                                              مفتي جمهورية مصر العربية

                                                                          22/9/1986

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك