أصحاب الكهف.. فتية آمنوا بربهم
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (الكهف 14)

شرح الكلمات:

نقُصّ: قصَّ أَثَرَه يقُصّ قَصًّا وقَصَصًا: تتبَّعه شيئًا بعد شيء، ومنه «فارتدّا على آثارهما قَصَصًا» أي رجَعا في الطريق التي سلَكاها يقُصّان الأثرَ. وقصَّ عليه الخبرَ والرؤيا: حدَّث بهما على وجههما، ومنه «نحن نقُصّ عليك أحسنَ القَصَصِ» أي نبين لك أحسنَ البيان (الأقرب).

نبأ: نبّأه الخبرَ وبالخبر: خبَّره، ويقال: نبّأتُ زيدًا عَمْرًا منطلقًا أي أعلمتُه. والنَّبَأُ الخبرُ. وقال في الكليات: النبأ والأنباء لم يَرِدَا في القرآن إلا لما لـه وقعٌ وشأن عظيم (الأقرب).

الحق: حقَّه حقًّا: غلَبه على الحقّ. وحَقَّ الأمرَ: أثبتَه وأوجبَه؛ كان على يقين منه. حَقَّ الخبرَ: وَقَفَ على حقيقته. والحقُّ: ضدُّ الباطل؛ الأمرُ المقضي؛ العدلُ؛ المِلْكُ؛ الموجودُ الثابت؛ اليقينُ بعد الشك؛ الموتُ؛ الحزمُ (الأقرب).

التفسير:

يبين الله تعالى: نحن نروي لك أحداثهم كما وقعت. وهذا يعني أنه كانت هناك قصص شائعة بين القوم عن أصحاب الكهف، وأن تلك القصص القديمة عارية عن الصحة.

والآية السابقة أيضًا تدل على وجود قصص شائعة عن هؤلاء القوم. ذلك أن البيان القرآني عنهم إنما يبدأ من هذه الآية، أما ما سبقه من البيان فهو، كما يبدو، ملخص صحيح للروايات الشائعة عنهم في ذلك الوقت.

ثم يقول الله تعالى إنهم فِتيةٌ آمنوا بربهم أي جماعة من الشرفاء أو الأسخياء أو الشباب الذين آمنوا بربهم، ذلك أن الفتى يعني السخي الكريم أو الشابّ (الأقرب). والحق أن الشباب أكثر إسهامًا في الخدمات الدينية على العموم، حيث نجد أن كل من آمنوا بالرسول كانوا أصغر منه سنًّا إلا قليلاً منهم.

وقد تكون كلمة «فتية» إشارة إلى فئة معينة من النصارى اللاجئين في هذه الكهوف كانت أكثرهم تضحية. وقد يكون مفهومها عامًّا يشمل جميع النصارى الشرفاء الذين تمسكوا بدينهم وقدموا التضحيات طيلةَ هذه الفترة الممتدة إلى ثلاثة قرون. وأنا شخصيًّا أفضل المفهوم الأخير.

أما قول الله تعالى «فزِدْناهم هدًى» فيعني أننا زدناهم إيمانًا على إيمانهم بسبب تضحياتهم.

وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (الكهف 15)

شرح الكلمات:

رَبَطْنا على قلوبهم: ربَط الشيءَ يربِط ويربُط رَبْطًا: أوثَقَه وشدَّه. ربَط جَأْشُه رَباطةً: اشتد قلبُه. وربَط اللهُ على قلبه: صبَّره (الأقرب).

شَطَطًا: شَطَّ شَطَطًا: جارَ؛ أفرطَ. وشطَّ في سَلعته شَطَطًا: جاوَزَ القَدْرَ المحدودَ؛ تباعدَ عن الحق. وشطَّ في السَّوم: غالى في الثمن. والشَّطَط: مجاوزةُ القدر والحد (الأقرب).

التفسير:

يبين الله تعالى بالرغم أن الملِك والجماهير كلهم كانوا يعارضونهم إلا أنه تعالى قوّى قلوبهم وصبّرهم، فقاموا وأعلنوا عن عقيدتهم غير خائفين.

هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (الكهف 16)

شرح الكلمات:

سلطان: السلطانُ: الحُجّةُ؛ التسلطُ؛ قدرةُ الملِكِ (الأقرب).

بيّن: البيّنُ: الواضحُ الجليُّ (الأقرب).

التفسير:

يتضح من هذه الآية أن القوم الذين خرج من بينهم أصحاب الكهف كانوا يعبدون الأصنام حيث اتخذوا آلهة كثيرة من دون الله تعالى. وهكذا كانت حال الرومان حيث كانوا يعبدون أوثانًا كثيرة.

كما يتضح من قول الله هذا أن هذه الفئة من الموحِّدين لم تكن عبارة عن فتيان متشتتين متفرقين، بل كانوا متمسكين بدين واحد، يتزاورون فيما بينهم. ذلك أن مضمون هذه الآية يدل على أنهم كانوا يديرون هذه الحوارات فيما بينهم على انفراد.

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (الكهف 17)

شرح الكلمات:

ينشُر: نشَر الثوبَ: بسَطه، خِلافُ طَوَاه. نشَرتْ أوراقُ الشجر: انبسطت وامتدّت. نشَر الخبَرَ نشرًا: أذاعَه (الأقرب).

مِرفَقًا: رفَق به وعليه وله يرفِق مِرْفَقًا: لطُف ولم يعنِّف (الأقرب).

التفسير:

لقد عرّفوا كلمة «الكهف» في قولهم: «فأْوُوا إلى الكهف»، وهذا يدل على أنهم عنَوا به كهفًا معيّنًا شهيرًا في منطقتهم، وكان كل واحد منهم يعرفه. ولو كان المراد به أي كهف لقالوا «فأْوُوا إلى كهفٍ».

وقد اشتهر هذا الكهف من قبل لأن العبيد كانوا يفرون ويختفون فيه لدى تعرضهم للظلم الشديد على أيدي أسيادهم الرومان. مما لا شك فيه أنهم قاموا بتوسيع هذا الكهف كثيرًا، ولكنه كان واسعًا من قبل أيضًا.

كما يتضح من هذه الآية أن أصحاب الكهف كانوا هدفًا للاضطهاد منذ فترة طويلة قبل لجوئهم إلى كهفهم. ذلك أن قولهم وإذِ اعتزلتموهم يدل على أن قومهم قد قاموا بمقاطعتهم اجتماعيًّا، فكانوا يعيشون في مجموعة منفصلة عن باقي القوم. فقرروا بالتشاور أنهم سيفعلون ما فعل العبيد من قبل، وسيختفون في الكهف حين تشتد وطأة الظلم ويصبح العيش بين القوم ضارًّا بدينهم.

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (18)

شرح الكلمات:

تَزاوَرُ: أصلُه تتزاورُ وقد حُذفت إحدى التاءين بحسب القواعد العربية. ومعنى «تَزاوَرَ عنه: عدَل عنه وانحرفَ» (الأقرب).

تَقرِضهم: قرَض الشيءَ يقرِض قرضًا: قطَعه. قرَض الوادي: جازَه. قرَض المكانَ: عدَل عنه وتنكَّبه (الأقرب).

فَجْوة: الفجوةُ: الفُرْجةُ بين الشيئين؛ ما اتسع من الأرض؛ ساحةُ الدارِ (الأقرب).

مرشِدًا: أرشدَه: هداه (الأقرب).. أي: 1- دَلَّه على الطريق؛ 2- أوضحَه لـه بيّنه لـه؛ 3- أوصلَه إلى غايته؛ 4- هداه إلى الإيمان.

التفسير:

لقد بين الله هنا مكان هذا الكهف. يتضح من علامات الكهف المذكورة هنا أن هؤلاء كانوا يقيمون في أقصى المناطق الشمالية من الكرة الأرضية، لأننا إذا كنا في المناطق الشمالية من الأرض واتجهنا إلى الشرق تكون الشمس على يميننا، وإذا كنا في المناطق الجنوبية واتجهنا إلى الشرق تكون الشمس على يسارنا.

كما يتضح لنا من هذا الوصف القرآني أن فوهة كهفهم كانت في الجهة الشمالية الغربية، لأن المبنى الذي وجهه إلى الشمال تمر الشمس من يمينه إلى شماله.

وقولـه تعالى هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ يدل على وجود مساحة واسعة داخل الكهف. وهذا ما تؤكده تلك السراديب لأنها واسعة جدًّا من داخلها، وقد قدّر البعض الطولَ الإجمالي لشوارعها وغرفها المبنية في الطوابق الثلاثة بحوالي 870 ميلاً! كما كان ضوء الشمس لا يصل داخل تلك السراديب إلا قليلاً، ولولا ذلك لأُلقي القبض على أهلها. لقد حُفرت السراديبُ حفرًا يوصل إليها الهواء، من دون أن يدخُل إليها الضوء الذي يدل على وجودهم. قال St. Jerome في القرن الرابع الميلادي: إن هذه الغرف مظلمة لدرجة مذهلة، ولا يمكن أن يصل إليها ضوء الشمس إلا إذا كان هناك تصدّعٌ أو تشقّقٌ في المبنى. (الموسوعة البريطانية طبعة 11- 1910 كلمة Catacombs of Rome).

والحق أنه ببيان موقعهم الجغرافي قد نبّه الله تعالى المسلمين أن لهم عدوًّا في الشمال فليأخذوا منه حذرهم، ولكن المسلمين للأسف لم ينتبهوا لذلك. يقول الله تعالى بعد ذلك مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي .. أي لقد أشرنا ولكن لن يفهم إشارتنا إلا المهتدون.. بمعنى أن المسلمين الذين يوالون هذه الشعوب يهلكون، أما المسلمون الذين يكونون على اتفاق واتحاد فيما بينهم يفلحون. ولكن الأسف أن المسلمين تحاربوا فيما بينهم، بينما تصالحوا مع ملوك الروم، اللهم إلا المسلمين الأوائل. ورد في التاريخ أن ملك الروم لما سمع عن الحرب الدائرة بين سيدنا علي ومعاوية رضي الله عنهما أراد الهجوم على الدولة الإسلامية، فكتب معاوية إلى ملك الروم: حذارِ أن تغترّ بالنـزاع بيننا‍‍. فوالله، لو هاجمت عليًّا لسوف أكون أولَ قائد يخرج لمحاربتك من قِبله .*

ولكن لما انحرف المسلمون عن الإسلام تصالحَ ملوكُ بغداد مع الحكومة الرومانية الشرقية الشهيرة بالبيزنطية وذلك لضرب الدولة الإسلامية بإسبانيا. أما الملوك المسلمون بإسبانيا فأرسلوا الهدايا إلى بابا روما وتصالحوا معه، وذلك لضرب الدولة الإسلامية ببغداد. إنا لله وإنا إليه راجعون.

علمًا أن المقطعة القرآنية المر هي التي لفتت نظري إلى هذا الأمر أساسًا، ونبّهتني إلى هذا الخطأ الفادح والمؤلم الذي ارتكبه المسلمون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك