اعلموا أنَّ الإنسان مخلوقٌ كي يسعى حتى يعرف خالقه، ويتوصل الإنسان إلى الإيمان اليقيني بذاته وصفاته. لقد خُلق عقل الإنسان ومخّه بحيث يكون، من جهة، قادرًا على اكتشاف الله عن طريق الملاحظة العاقلة للمخلوقات، وبالتأمُّل في التفصيل والتدبير الموجود في الجزئيّات والنظر في كل النظام الكوني الذي يتكوَّن في النهاية من تلك الجزئيّات. والملاحظة العاقلة كفيلة بإقناع الإنسان أنَّ في هذا التدبير ولطائفه الدقيقة يكمن دليلٌ لا جدال فيه على وجود الخالق الأعظم. إنَّ ما في الخليقة من عظمةٍ غير محدودة لتُشير إليه جلّ وعلا بلا مقاومة. فملكوت السماء وتجهيز الأرض لا يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه، بل لا بدَّ لذلك من خالق. ومن جهةٍ أخرى، وُهِبَ الإنسان حواسًا وقدراتٍ روحانية. ويعني ذلك أنّه إذا عجزت القوى العقلية، أي الفكرية، للإنسان عن التوصّل إلى معرفة الخالق معرفةً حقيقية تامة، فبوسعه تحقيق ذلك عن طريق قواه الروحية.
ومن الجلّي أنَّ القوى الفكرية لا تتوصّل إلى الإدراك التام لله جلّ وعلا، وهي لا تستطيع ذلك. لا تملك القوى العقلية أكثر من إقناع الإنسان بأنّه لا بدَّ أن يكون وراء هذا الخلق: سماءه وأرضه، وما فيه من تدبير كامل لا يخطئ ولا يفشل، خالقٌ عظيم. ولكن هذا لا يكفي للإقناع بأنَّ ذلك الخالق حيٌّ باقٍ. (1)
قد تبدو حتميّة وجود الخالق بيّنة جليّة، ولكنها لا تنهض مكافئة للمعرفة المؤكّدة. إنَّ أمامنا حقًا تنوّعًا عظيمًا من المخلوقات، وأيضًا توحي هذه التشكيلة من الخلق بوجود الخالق؛ ولكن هل تضمن عقلانية الإيمان بوجود الخالق الاقتناع بأنَّ الخالق موجود فعلاً؟ ويترتب على ذلك أنَّ الطالبين للحقيقة، الذين أُوتوا فطرة البحث عن الحقيقة، ويُبدون الطموح للتوصُّل إلى معرفة الأمور معرفةً تامةً أكيدة، لا بدَّ من أن يكون لديهم، بالإضافة إلى قواهم العقلية، قوى روحانية، يمكنهم بإعمالها إزالة الحجب التي تعوق رؤيتهم للحق المطلق، وبذلك فقط يستطيعون تحقيق شهود الوجود الإلهي، الذي بحثوا عن وجهه الحبيب، والذي هو الحق وراء كل الأشياء.
إنَّ قوانا العقلية لا تستطيع أن تكفل لنا مشاهدة وجه هذا الحق المطلق. ولا غَروَ إذًا أنَّ الله الرحمن الرحيم، الذي غرس في الكائن البشري هذا التطلُّع الفطري إلى المعرفة التامة بالحقيقة، قد وهب الإنسان نوعين من القوى: القوى الفكرية ومركزها العقل أو المخ، والقوى الروحية ومركزها القلب؛ وهي التي تتوقف سلاسة عملها على سلامة قلوبنا. وما تعجز القوة العقلية عن التوصُّل إليه تنجح في تحقيقه القوى الروحانية.
إنَّ قوانا الروحيّة قابلةٌ للتأثير، ويجب أن تكون هكذا. إنّها تزوّدنا بالسلاسة التي بها تنعكس أفضال الله، ومن ثم ينبغي أن تكون قوانا الروحية مستعدة دائمًا لاستقبال أفضال ربنا الرحمن ثم إشعاعها. وينبغي لأداء هذه الوظيفة بنجاح ألا يكون بين الله تعالى وبين الإنسان حجاب أو عائق. وهكذا فقط يمكن للإنسان أن يتوصل إلى المعرفة الكاملة بربّه الذي يطلبه. لا يكفي للتعرُّف على الله والعلم بوجوده أن يستنبط المرء حتميّة وجود خالق لهذا النظام الكوني، بل ينبغي التيقُّن من وجود الخالق جلَّ وعلا. ولا يأتي اليقين إلا إذا باركنا الخالق وتفضّل علينا بصوته اليقيني. ينبغي أن يُتاح لنا شهودٌ لا يُخطئ لآيات وجوده. ينبغي أن نكون قادرين على الجزم بأنَّ الخالق موجودٌ حقًّا. ولكن الطبيعة البشرية مغلّفة بأحجبة فوق أحجبة. هناك حبّ الدنيا الذي تتقولب فيه حياتنا الحاضرة؛ وهناك حبُّ الذات، والغرور، والعُجب، والكِبَر، والمراءاة، والاستعلاء، وتعمُّد الإهمال لحق الله وحق الناس، وتجاهل الحياة الطيبة وأشراطها، وتناسي لطائف المودّة والولاء، والعيش بدون تعلُّق بالله تعالى، هذه كلها من الحجب التي تُحاصرنا، إلى جانب حجب الشهوات والعواطف (2). كل هذه مجتمعة تجعلنا غير أهل لاستقبال رسالات الذات الإلهية، وتتركنا غير قادرين على تلقّي النور الذي يتولّد من التقارب والتواصل مع الله تعالى..
ومع ذلك فإنَّ الله الكريم لا يودُّ أن يدع الناس محرومين تمامًا من الوصِال الذي يتمتّع به الأبرار المقرّبون، ولذلك فإنَّ عادة الله تعالى جرت بالسماح للإنسان كي يرى قبسًا من هذا الوصال من حين لآخر، وذلك في صورة رؤى وكشوف تتحقّق فإذا ما وقع ذلك عرف الناس أنَّ ثمة طريقًا مفتوحًا لمزيد من المعرفة. وليست هذه التجارب العَرَضية بدليل على قبولٍ خاص أو رضا من الله تعالى؛ وليست برهانًا على محبته وفضله، بل لا يزال هؤلاء الناس منهمكين في طبائعهم الحيوانية. فإذا ما أراهم الله رؤيا صادقة أو تجربة مشابهة، فإنّما يريد الله ليُذيقهم بعض ما يناله النبيُّون والمقرَّبون بنصيبٍ أوفر. إنَّ عامة الناس لا يُتركون من غير أن يُجرِّبوا بعضًا من فيض ما يحصل عليه الأنبياء.
إنَّ عامة الناس إذا حُرموا بالمرة من مثل هذه التجارب، وإذا لم يكن لديهم أقل فرصة للاستدلال على وجود الله تعالى عن طريق الاتصال به بين حينٍ وآخر، لكان لهم عذرٌ مناسب أن لم يؤمنوا بالله وأنبيائه، ولكان في استطاعتهم القول بأنَّهم لم يُدركوا بالتجربة مدلول النبي ومفهوم النبوّة، ولكان بوسعهم القول بأنَّهم كانوا في جهلٍ مُطبق وغفلةٍ تامة عن إمكان معرفة الله عن طريق التجربة. إنّهم لم تكن لهم بهذا الصدد أقل نصيب من الممارسة، ولذلك فشلوا في إدراك وفهم حقيقة التجربة الروحيّة، فبقيت مخفيةً عنهم.
لذلك، فإنَّ عادة الله تعالى جرت منذ بدء الزمان أن يكون للإنسان، كل إنسان: التقيّ أو الفاسق، المحب للخير أو المائل للشر، ذي الدِّين الصحيح أو متبع الملّة الفاسدة، نصيبٌ من التجربة الروحيّة، في رؤية صادقة أو كشفٍ متحقّق. وبذلك تصل ملاحظاتهم في عالم الطبيعة، وحدسهم عن الخالق مما يشيع بين الناس، أو من تأثير المجتمع حولهم، يصل ذلك إلى مستوى العلم؛ وإن كان علمًا أوليًّا، الذي نُسمّيه العلم الاستدلالي الاستنتاجي. (3)
ويجعل الله تعالى ذلك يحدث للناس كي يتقدَّموا في طريق الروحانيّة. فقد جعل الله الحكيم، المخّ والعقل للإنسان كي يستطيع به الوصول إلى الإيمان بالله، ليس فقط عن طريق الاستدلال والاستنتاج على وجوده بملاحظة الكون الطبيعي، وإنّما أيضًا باكتساب درجات اليقين من خلال قواه الروحيّة بما تُحدثه الرؤى والإلهامات الصادقة. وعلينا أن نتذكر أنَّ تلك التجارب الروحيّة العرضيّة لا تتضمَّن أي منزلةٍ أو رتبةٍ روحيّة لمن يراها، وإنّما تكون كمثال بسيط يتذوق به ماهيّة التقدُّم الروحي. (4)
وتُشير هذه التجارب الروحيّة من رؤى وكشوف إلى حقيقة أنَّ من يحصلون على هذه التجارب يملكون طبائع ملائمة، وأنّهم استطاعوا حماية أنفسهم من العواطف الأنانية، وإذا لم تكن هناك حجب وعوائق تكبتهم.. فبوسعهم مواصلة التقدُّم. ويشبه هذا أرضًا نعرف أنَّ في باطنها ماء يمكن استخراجه، وهو مدفونٌ تحت طبقات من ترابها. فإذا أردنا الحفر للحصول على الماء فلسوف نُصيب في بادئ الأمر ماءً مخلوطًا بالطين من كل نوع، فإذا وصلنا في الحفر إلى عُمقٍ كافٍ حصلنا على الماء الصافي الذي يناسب حاجتنا. وربما تطلَّب الأمر عملاً شاقًا لأيامٍ كثيرة قبل الحصول على الماء بما يوازي الجهد المبذول. فالذين يحسبون تجاربهم الجزئيّة هي كل ما يُرتَجى في الحياة الروحيّة. وأنّها أقصى ما يُستطاع الوصول إليه. فهؤلاء قليلو الهمّة والحمقى والمتشائِمون. إنَّ الإنجازات لا تنتهي عند حدّ تلك التجارب العرَضية، ولكنها تمضي إلى أبعد من ذلك كثيرًا. إنّها تتطلب منا العمل الدؤوب والصبر. وهناك شروط ينبغي الوفاء بها قبل الحصول على المكافأة وبهجة الإنجاز الكامل. وإلى أن تتحقّق كل تلك الشروط، ستبقى التجارب العرضية اختبارًا أعدَّه الله الكريم. نجّانا الله تعالى، وكل كادح مجتهد في هذا المضمار من الضرر الذي قد يترتب على تلك التجارب العرضية.
والذين يتوقون إلى موضوع الوحي، ينبغي عليهم أن يتذكروا أنَّ الإلهام أو الوحي على نوعين: وحي الابتلاء، ووحي الاصطفاء. أما وحي الابتلاء فيُراد به اختبار الموحى إليه، وقد يؤدّي إلى دماره الروحاني، ومثاله بِلعَام (5). ولكن من يتلقّى وحي الاصطفاء، وهم من يختارهم الله ، فلا يمكن أن يلقى الدمار أبدًا. كما أنَّ هذا الوحي ليس شائعًا، فلا يتلقّاه كل من هبَّ ودَبَّ. والذين لا يستطيعون استقبال وحي فكثيرٌ ما هم. إنّهم كمن وُلدوا صمًّا أو بُكمًا أو عميانًا. فكما أنَّ هناك من يولد معوقًا في جسده، هناك أيضًا يولدون بلا قوى روحيّة. وكما يعتمد المكفوف في تحرّكاته على غيره من المبصرين، كذلك يعتمد المحرومون من القوى الروحية على غيرهم. إنّهم يتقبّلون، وليس لهم إلا أن يتقبّلوا، شهادة غيرهم ممن يبصرون. وشهادتهم صالحة وصحيحة ما داموا يبصرون؛ ولا يصحُّ للمكفوف أن يتهم الآخرين بالعمى مثله. إنّه واقعٌ نشهده كل يوم. فما من مكفوف يرمي المبصرين بأنَّهم كذَّابون في ادِّعائهم القدرة على الرؤية. وليس بوسع الأعمى أن ينكر وجود الملايين ممن ليسوا عميانًا. الذين يذهبون هنا وهناك بنور بصرهم، والذين يستطيعون القيام بأمور يعجز عنها المكفوفون.
نعم، قد يذهب بنا الخيال إلى زمنٍ لا يكون في العالم إلا العميان وحدهم، وليس فيه مبصرٌ واحد. ويمكن عندئذٍ طرح هذا التساؤل: هل كان هناك قطّ وقت يولد فيه كل الناس بأعين سليمة؟ ويمكن للأعمى أن يقول بأنَّ هذا الوقت لم يكن أبدًا. وأخال هذا الأعمى غير ملامٍ على إنكاره هذا.
والذين يرون الرأي المضاد (أي هناك من وُلِد بعينٍ سليمة) يستطيعون تقديم الأمثلة من الماضي فقط، ولا يستطيعون ذكر مثالٍ واحد من عصرهم أنفسهم لرجل يملك القدرة المدهشة على رؤية الأشياء وتقدير المسافات. إنهم يعترفون بوجود هذه القدرات في الزمن الغابر، ولكنها اليوم لم يعد لها وجود. ومثل هؤلاء الناس يخسرون القضية في نهاية المطاف، فالله الكريم لا يتعامل مع خلقه بهذه الطريقة؛ والناس لا يزالون إلى اليوم يحتفظون بمواهبهم الجسدية من بصرٍ وسمعٍ وشمّ ولمسٍ وذاكرة وفكر. ولا يتفق مع المنطق أبدًا أنَّ القوى الروحية كانت للناس في الماضي، ولم تعد لهم في الحاضر، وولَّت مع الزمن الغابر، مع أنَّ القوى الروحيّة أشدُّ أهميةً من القوى الجسدية للتقدُّم الملائم لفكر الإنسان وروحه، وسلامة القوى الجسدية في الإنسان، واستمرار وجودها في الناس، واستطاعة كل إنسان أن يشهد وجودها وسلامتها.. كل ذلك يفضح كم هي مجافية للحق تلك الديانات التي لا تقول باستمرار القوى الروحيّة في الإنسان. إنّهم يُقرّون باستمرارية القوى الجسدية، ولكنهم لا يعترفون باستمرارية القوى الروحيّة في الحاضر كما كانت في الماضي!
والنقطة الأساسية التي نودُّ بيانها هنا انَّ التجارب الروحيّة من رؤى صادقة أو إلهاماتٍ حقّة.. لا دلالة فيها على أيّة منزلة روحيّة لصاحب التجربة، إذ أنَّ هناك شروطًا أخرى لا بدَّ من استيفائها أيضًا. وترتبط التجارب العرضية بمزاج المخ أو العقل عند المتلقّي. وليس من اللازم أن يكون المتلقّي من الأولياء ليَمرَّ بمثل هذه التجارب، ولا يتطلب أن يكون المرء صالحًا أو مؤمنًا شديد الصلاح والإيمان، ولا يحتاج الأمر إلى أن يكون مؤمنًا أو مسلمًا، فمن خلال عقلٍ معين، يمكن للمرء أن يُبدي مقدرةً فائقة على إدراك وفهم الأمور الدينية، ومن غير أن يكون متديّنًا، بمعنى أنَّ ما يُبديه هو ردّ فعله إزاء المسائل والمشاكل الحياتية اليومية. وهناك أثرٌ صحيح يصفُ مثل هذا الشخص بما معناه:
القول قول مؤمن، والقلب قلبُ كافر.
ويقول الشاعر ما ترجمته:
وكم من الشياطين أوادم مُقنَّعة..
فلا حاجة بك إذن لتقبل كل شخص بجديّة.
وهذا الصنف من الناس، الذي يرى رؤى حقة، ويتلقّى إلهامات صادقة.. وليس له مقام روحي، يحيون حياتهم في ظلام، ولا يبدو منهم ذلك البريق والتالُّق الذي تشاهده على وجوه ذوي النسيج الأخلاقي الطيب. وفيما عدا القليل النادر، لا يظهر فيهم أثر تقوى الله وأمارات قبوله. ومعرفتهم لما يُكشف لهم من غيب ليست ميزة لهم، وإنّما يشاركهم في ذلك آخرون يعدون بالملايين، ويمكنكم التحقُّق مما أقول. إنَّ التجارب العرَضية من رؤى وإلهامات صادقة قد تحدث للخطاة والآثمين والمستهزئين بالدين، وللنسوة الفاجرات أيضًا.
إنَّ الذين يُبالغون في تأثُّرهم بالرؤى والإلهامات العَرَضية الصادقة لا يتصفون بالحكمة، لأنّهم سوف يُخطئون ويضلون بسبب هذه التجارب، ويحسبون أنَّهم قد حقَّقوا مقامًا روحيًا.
تذكَّروا أنَّ مثل هذا الشخص كمثل الذي يُحيط به ظلام الليل، ويرى دخانًا، ولكنه لا يبصر ضوءًا ولا يُحسُّ حرًّا، ولا يستشعر دفئًا أو راحةً من البرد. ولا يجد هؤلاء الناس مع تجاربهم الروحية نصيبًا من بركات الله تعالى، وأفضاله الخاصة. وهم لا يُقبلون ولا يرضى الله عنهم بأي حال. وهم لا يُقال عنهم أبدًا بأنَّ لهم بالله تعالى صلةً من أي نوع. فهم لم يُسلموا ضعفهم البشري لأشعة النور الإلهي، وهم مُعرَّضون لتأثيرات الشيطان الشريرة بسبب عدم ارتباطهم حقًا بالله تعالى. إنّهم ينفعلون بما في أنفسهم وعقولهم ورغباتهم، وحالهم كحال الشمس استترت خلف طبقاتٍ من السحاب الكثيف، مُختفيةً كل الوقت فيما عدا لمحةٍ خاطفة أو إطلالةٍ باهتة بين لحظةٍ وأخرى، هؤلاء الذين لهم تجارب عرضية من الرؤى الحقّة والإلهامات الصادقة يبقون غالبًا في الظلام، ويُحدِّد لهم الشيطان تجاربهم لأنهم دائمًا في صحبته. (عن كتاب حضرته حقيقة الوحي).
- يقتنع العقل منطقيًا بوجود الخالق لهذا الكون، ولكن هل هذا الخالق لا يزال حيًّا قيُّومًا؟
- ليكن معلومًا أنَّ الأنبياء والمبعوثين الربّانيين لهم عواطفهم وحاجاتهم الجسدية. وهم إذ يتحرُّون إرضاء الله تعالى يودِّعون ميولهم ورغباتهم وكأنهم يقتلونها. وعندئذٍ يُعيدها الله إليهم. إنّهم يستردُّون ما سلموه لله تعالى. ولا يبقون محرومين من ميولهم ورغباتهم. أما الذين لا يقتلون شهواتهم الذاتية في سبيل الله تعالى فإنَّهم لا يبرحون مُحاصرين بها. فتكون حُجبًا تحول بينهم وبين رؤية الله تعالى. إنّهم كالديدان في أرضٍ حمِئة، ويلقون مصيرهم في طينها. ولا وجه للمقارنة بين أهل الله وبين هؤلاء. إنَّ السجن يضمُّ بين جدرانه الموظفين والحرَّاس، وفيه السجناء أيضًا؛ ولكن شتّان بين هؤلاء وهؤلاء!
- العلم أنواعٌ ثلاثة: (أ) علم اليقين، وهو أكثرها بدائية، لأنّه يقوم على الاستدلال وحده؛ كأن تستدلَّ على وجود النار برؤية الدخان فقط. (ب) علم عين اليقين، وهو المرتبة الثانية من العلم، ويقوم على الإدراك الحسّي، كأن ترى النار بعينك فتعلم وجودها. (ج) علم حقّ اليقين، وهو أعلى مراتب العلم، وهو العلم المؤكد بأكثر من حاسة، كأنّك ترى النار بعينيك، وتحسُّ بيدك، وتسمع أزيزها بأُذنك، فتتأكد من وجودها.
- المراد بالتجارب الروحية العَرَضية ما ليس له صفة الدوام والخصوصية.
- متنبئ ورد ذكره في التوراة، راجع ما جاء عنه في سِفر العدد 22: 5. (المترجم).