أزمة الخليج وآراء المشائخ والعلماء

أزمة الخليج وآراء المشائخ والعلماء

الآراء المؤيدة للموقف السعودي

  • الاستعانة بقوات إسلامية وأجنبية للدفاع عن المقدسات أمر يقرّه الإسلام.

إن الادعاء بأن القوات الوافدة قد دنست الأرض والحرمات ليس صحيحًا، لأنها وافدة بإذن أصحاب هذه البلاد. (شيخ الأزهر، “جريدة الأهرام” اللندنية 22، 8، 1990).

  • ليست المشكلة في وجود القوات الدولية، بل الكارثة في غيابها. تحية لكل زعيم ولكل قائد ولكل جندي من الغرب والشرق جاء أرضنا وبلادنا في رحلة التضحية والفداء” (الأستاذ خالد محمد خالد).
  • ضرورة انسحاب العراق من الكويت تنفيذًا لحكم الإسلام. لأولياء الأمور أن يستعينوا بإخوانهم المسلمين وغير المسلمين، إذ الضرورات تبيح المحذورات (فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي، مفتي مصر، الأهرام).
  • المسلمون الذين يؤيدون صدام يتاجرون بالدين. إن الاستعانة بغير المسلم تجوز إذا أمن المسلم جانبه. إن الخبراء الأمريكيين مكثوا بالسعودية ما يقارب الأربعين عامًا ولم نسمع يومًا أنهم قد دنسوا الحرمين (الشيخ محمد هاشم الهدية، مرشد “أنصار السنة المحمدية” بالسودان، جريدة المسلمون، 26 أكتوبر 1990).

الآراء المعارضة له

  • إن دخول وتواجد الأعداء في بلاد الحجاز غير جائز قطعًا، والملوك والأمراء الذين سمحوا لهم بذلك مرتدون عن الإسلام وموالون للكفر (أئمة المسجد الأقصى، جريدة القدس العربي، 24 أغسطس 1990).
  • أزمة الخليج يجب أن يحلها المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية. إن وجود القوات الأمريكية والبريطانية في الحجاز لا يجوز شرعًا. إن السعودية قد هددت العلماء في بريطانيا بقطع المنح التي يتلقونها من السعودية. ولكنا لسنا مستأجرين لدى السعودية، وإنما هم غيرنا من المشائخ الذين استغلهم الاستعمار دائمًا (زعماء جامعة أهل السنة في مؤتمر صحفي في برمنغهام، جريدة “جنغ” اللندنية 27، 9، 1990).
  • إن اجتماع القوات غير المسلمة في السعودية أمر مخز جدًا. يجب على البلاد المسلمة حل خلافاتها فيما بينها. إن قدومهم سهل ولكن رجوعهم صعب. لو كان هناك نظام كنظام الخلافة الراشدة في أية بقعة من بقاع الأرض لما رأينا هذا اليوم المخزي (علماء حركة الخلافة الراشدة، في اجتماع بلندن، جريدة جنغ اللندنية 5، 9، 1990).
  • إن القوات الاستعمارية جاءت إلى السعودية للاستيلاء على ثروات البترول (المحامي ظهور بط، جريدة “جنغ” اللندنية 6 و7 أكتوبر 1990).
  • القتال سينشب في الخليج العربي لتكريس التواجد الأمريكي والبريطاني ولخدمة مصالح إسرائيل (محمد حسين هيكل، جريدة القدس العربي، 18 أكتوبر 1990).
  • رائحة النفط تفوح من الفتاوي. مفتي مصر الذي يفتي اليوم بجواز الاستعانة بالكفار ومن المسلمين، قد أفتى من قبل بعدم جواز الاستعانة بالكفار، وذلك في كتابه (بنو إسرائيل في القرآن والسنة، الطبعة الثانية، جريدة “العرب” اللندنية، 26، 11، 1990)

نقدم إلى القراء الكرام ما أصدره بعض المشائخ والعلماء من فتاوي وآراء حول أزمة الخليج وحول القوات الأجنبية المتواجدة في الحرمين الشريفين. نقدمها لهم ليروا فيها رأيهم ويعرفوا أين الحق والصواب، وأين الإسلام في هذه الآراء والفتاوي المتضاربة.

العجب أن نجد شيخًا يصدر فتواه في حق هذا الحاكم وضد ذاك ونرى غيره يعارضه في الفتوى. والأغرب أن كلا منهما يزعم أن فتواه صادرة بمنظور إسلامي أصيل!! ولكن القارئ سوف يدرك أن كليهما يفتي إرضاء لحاكمه ويسمي غيره مهرجًا وما شابه ذلك من التسميات، ويريد بذلك صب جام غضبه على الخصم ولا يريد رضى المولى .

إن العلماء والمشائخ الذين يؤيدون تواجد القوات الأجنبية وغير المسلمة في الحرمين الشريفين يقولون: إن صدام حسين يريد الاستلاء على الأراضي المقدسة، وجاءت هذه القوات لمنعه من ذلك والدفاع عن الحرمين. ولكن العاقل يدرك أن هذا الخطر الذي يشير إليه هؤلاء إنما هو خطر وهمي لا أساس له ولا وجود، إذ أن صدام حسين لو كان فعلاً يريد الاستلاء على السعودية لاستولى عليها حين احتلاله للكويت حين لم يكن هنالك قوة تردعه من ذلك واتخذ المقدسات كرهينة. ثم إن صدام نفسه لم يُبد أية رغبة في احتلال السعودية والمقدسات الإسلامية.

هناك احتلال واقعي حقيقي على أرض مقدسة، احتلال اليهود على القدس والمسجد الأقصى القبلة الأولى. فما رأي هؤلاء المشائخ المؤيدين لوجود قوات أجنبية غير مسلمة هنا في السعودية في هذا الاحتلال اليهودي الحقيقي. كم هي المرات التي حض فيها هؤلاء السعوديون أصدقاءهم الأجانب على الهجوم على إسرائيل لاسترداد القدس الجريح والمسجد الأقصى الذي بورك حوله. ثم إن الهجوم العراقي، لا قدر الله، على الأراضي المقدسة واحتلاله لها لا يعني سوى انتقال الحكم من أسرة مسلمة إلى دولة مسلمة فقط، بينما الاحتلال اليهودي على القبلة الأولى يعني احتلال غير المسلمين على مقدسات المسلمين، وهذا الشعب ليس عدوًا للإسلام بل هو عدو لدود له. فما هو رأي المشائخ المؤيدين للموقف السعودي من هؤلاء المحتلين للقبلة الأولى للمسلمين، هل يجوز احتلالهم لها.

هذا وإن تاريخ السعودية يُخبرنا أن الأسرة الحاكمة عليها حاليًا إنما انتزعت الحكم من شريف مكة بعد طرده منها بالقوة، وبمساندة القبائل الكويتية. وهنا سؤال منطقي: إذا جاز في الماضي شرعيًا لأسرة أن تهاجم أسرة حاكمة على السعودية وتنتزع الحكم منها، أفلا يجوز في الوقت الحاضر ذلك شرعًا. فما الذي غيَّر الشرع اليوم؟

هذه تساؤلات منطقية، ومن مقتضى العقل والعدل أن يفكر فيها القادة المسلمون بدل أن يدفعوا الأمة الإسلامية المسكينة المغلوب على أمرها منذ زمن طويل بسبب مشاكل معقدة إلى دوامة من مخاطر من حيث لا تدري أين الخطأ وكيف التخلص منها. من مقتضى العدل والتقوى ان تحاول القيادات الإسلامية حل هذه القضية في ضوء التعليم القرآني القائل:

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الحجرات: 10-11).

كما عليها أن لا تعتبر هذه القضية قضية عربية فقط، بل قضية إسلامية تهم العالم الإسلامي أجمع وتحاول حلها بالتفاوض والحوار. كان ينبغي لهم أن يستمعوا بالعدل إلى موقف العراق فإذا وجدوه منافيًا للحق ضغطوا عليه حتى ينسحب من الكويت. فإن لم يفعل جمعوا قواتهم وطردوا العراق منه.

هذا، وما دام الرئيس العراقي يعلن بأنه مستعد للانسحاب بشرط أن تبذل جهود لحل القضايا الأخرى في المنطقة مثل القضية الفلسطينية واللبنانية. فلماذا لا يجد صوته أذنًا صاغية؟ لماذا لا ينصتون إلى قوله بالإنصاف. إذًا فعدول أمريكا وحلفائها عن الاقتراح العراقي يدل على سوء نياتهم وأنهم مصممون على تنفيذ خطة ماكرة ترمي إلى إشعال قتال بين مسلم وأخيه، كما فعلوا في الماضي.

إن الحرب العراقية الإيرانية هي من أكثر الحروب الأخيرة دمارًا وترويعًا. والحقيقة التي لا يجرؤ أحد على إنكارها أن القوى الغربية، أمريكا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى كانت متفقة في الخفاء على تزويد الطرفين بالأسلحة المدمرة وتحريضهما على الاستمرار في القتال. والمظالم التي حصلت بسببها إنما كانت إنتاج أمريكا وروسيا اللتان أدت أسلحتهما إلى هذه الكوارث. فأين العدل والإنصاف.

إننا لا نؤيد أبدًا صدام حسين ولا موقفه، وإنما نقول: إن هذه القضية قد أتاحت للعالم فرصة جيدة لاتخاذ مكيال ومقياس عادل يمكن تطبيقه بالعدل على قضايا المنطقة، بل إنها فرصة لأن تجعل الأمم المتحدة منها مكيالاً تطبقه على القضايا العالمية كلها. ولو تم ذلك لحُلت جميع القضايا المعقدة في مختلف أنحاء العالم. وإلا فلماذا يحرضون المسلمين على الاقتتال فيما بينهم ويمدونهم بأسلحة فتاكة، بينما يستخدمون في مناطق أخرى مكيالاً آخر. لماذا هذه السياسة غير العادلة سياسة مكيالين!!

إن الحكومات التي أرسلت جنودها إلى السعودية تعلن بمكر ودهاء للعالم في دعايتها المكثفة أنها جاءت لتضحي لأجل السلام العالمي، ولكنها في نفس الوقت تستلم نفقات هذه العمليات أو “التضحيات” من العرب. وهنا سؤال له ثقله ووزنه: هل فعلت هذه الدول هكذا في الحرب العالمية الماضية عندما حاولت جيوشها إنقاذ البلاد الأوروبية من جيوش هتلر الزاحفة، هل استلمت من فرنسا وبولندا ويوغوسلافيا وغيرها نفقات الحماية عنها من الهجوم النازي؟؟ لماذا تستلم اليوم نفقات التضحية من العرب. فسياستهم هذه توضح بلا أدنى شك أنهم كانوا قدموا التضحية في الحرب الثانية بنية صالحة، أما الآن فلم يجتمعوا هناك بنية صالحة ولأجل حماية السلام العالمي، وإنما بنوايا أخرى خبيثة، وإلا لما طالبوا بنفقات تضحيتهم.

إننا لا نريد إلا الأمن والسلام للإنسانية جمعاء لذلك نقول لأمريكا أن لا تتخذ من هذه القضية مبررًا للحرب، وإنما عليها أن تضغط على العراق بوسائل سلمية بدلاً من إراقة دماء السكان الأبرياء في المنطقة. لسنا أعداء لأحد ولا نؤيد أحدًا، ولا نعارض أحدًا، وإنما نتألم من تعرض أهل الإسلام للأذى والخسران. نريد أن نضع أمام العالم تلك المقاييس العادلة التي علمنا إياها القرآن. لا نريد إيذاء مشاعر أي أحد، كما لا نريد أن نجعل أحدًا هدفًا للانتقاد الفارغ. ولكننا أيضًا لا نألو جهدًا في حث الرأي العالمي على الوقوف في وجه كل خطوة مجافية للعدل من أية جهة كانت.

أما فيما يتعلق بفتوى البعض بأن وجود القوات الأجنبية يتسبب في تدنيس الحرمين الشريفين وأن تواجدها هناك حرام شرعًا فنقول إنها فتوى غير صحيحة، ولا تدنيس للحرمين بتواجدها هناك حسب القرآن والسنة. يقول الله تعالى:

وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى .

هذه الفتوى الإسلامية القرآنية. إن الجماعة الإسلامية الأحمدية هي الجماعة الإسلامية الوحيدة التي تفتي اليوم في ضوء تعاليم الإسلام فتاوى مبرأةً من شوائب البغض والعناد إرضاء لربها. ها نحن نقول إنه لا مانع شرعًا من تواجد القوات الأجنبية في السعودية. نقول هذا رغم أن السعودية قد منعتنا ظلمًا من الحج إلى بيت الله الحرام.

إن تواجد هذه القوات هناك لا اعتراض عليه في حد ذاته شرعًا، ولكننا نعارض الموقف السعودي من زاوية أخرى وهي أن السعودية لا تتفهم أنها باستدعائها القوات الأجنبية هناك قد صارت أداة طيعة في أيدي القوى المعادية للإسلام التي تخطط للقضاء على دولة إسلامية صاعدة، وتتناسى السعودية تعليم القرآن الواضح بأن نسوي خلافاتنا فيما بيننا ولا نتحاكم إلى أعداء الإسلام، قال الله تعالى:

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا … إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الحجرات: 10-11).

هذه هي الفتوى الصادرة من منظور إسلامي وفي ضوء القرآن الكريم. أما ما سواها من الفتاوي والآراء فهي إما نفطية، كما يسميها البعض، أو هي حاقدة على النفط وتشتم منها رائحة الحسد على أهله.

وتوضيحًا لقولنا في جواز تواجد غير مسلمين في الأراضي المقدسة شرعًا نقول: إن السلف الصالح قد اختلفوا اختلافًا واضحًا في تفسير الآية:

إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (التوبة: 28).

وفي مثل هذا الموقف يجب أن لا ننحاز إلى رأي دون أي رأي، ونعتبره إسلاميًا مائة بالمائة رافضين الرأي الآخر رفضًا تامًا باعتباره غير صحيح أصلاً، لأن في ذلك إساءة إلى هؤلاء العلماء الكبار. فينبغي لنا، والحالة هذه، أن نميل إلى الرأي الأكثر ليونة. وعلى سبيل المثال لو أفتى أحد العلماء من ذوي الرأي الصائب بقتل أحد عقابًا على جريمة له بينما أفتى عالم مثله وبمكانته بحيث لا يمكن تفضيل أحد على آخر، بعقاب المجرم بعقوبة أخف من القتل، فالأصل الأخذ برأي من يقول بعقوبة أخف، ونعطي المجرم فائدة الشك.

فالرأي الذي ذهب إليه بعض الصحابة والعلماء الكبار من السلف الصالح أن هذه الآية إنما تعني أن لا يؤدي المشركون هناك شعائرهم المشركة، وليس المراد الحظر على دخولهم هناك بتاتًا.

والدليل الثاني على صحة ما نرى أنه عندما فتح النبي مكة المكرمة لم يخرج منها المشركين الذين لم يُسلموا والذين نزلت فيهم أيضًا الآية، بل مكثوا فيها لسنين، وأسلم بعضهم بعد وقت طويل.

ثم إن الحرم النبوي (المسجد النبوي) في المدينة المنورة يتمتع بقداسة وحرمة مثل الحرم المكي. ومع ذلك نجد نبينا الكريم محمدًا يستقبل فيه قبل وفاته بفترة وفدًا من نصارى نجران، ويناظرهم في الحرم النبوي ويسمح لهم بأداء صلاتهم في الحرم النبوي.

هذه هي السنَّة المحمدية وهذه هي الفتوى المحمدية. أما غيرها من الفتاوي فهي كلها من المغرضين، سواء كانت نفطية أو حاقدة على النفط. لا ندري من الذي يتبع هؤلاء المشائخ شريعته عند إصدار هذه الفتاوي. على الأمة الإسلامية أن تنتبه إلى هذه الأخطار. (التقوى)

Share via
تابعونا على الفايس بوك