لكل سؤال جواب
إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادئ يطلُّ اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر (التقوى) الرحب سيتسع لكل سؤال بناء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.
سؤال هذا العدد يجيب عليه الأستاذ: محمد حميد كوثر *
السـؤال
ماهو معنى الإلهام الذي قيل فيه: نَحمَدُكَ، ونُصلِّي، صلاةَ العَرشِ إلى الفَرش، يَحمَدُكَ الله،ويمشي إليك**”؟
الجواب:
إنّ كل مسلم يعتقد اعتقادًا راسخًا بأنّ الحمد الحقيقي هو لله سبحانه وتعالى، ومن أجل ذلك قال سيدنا أحمد باللغة العربية مؤكِّدًا على هذه الحقيقة:
وقبل أن نشرح الجزء الأول من الإلهام المذكور، نلفت انتباه القارئ الكريم إلى معنى “الحمد” كما ورد في كتاب لسان العرب:
«حَمَدَ»: الحَمْدُ نقيض الذَّمِّ، ويُقال حَمَدْتُّهُ على فِعلِه، ومنه المـَحْمَدَة خلاف المذمَّة. (لسان العرب: ج3 ص 155)
وحسب هذا المعنى الذي يُقال فيه “حَمَدْتُّهُ على فِعلِه” فإنّ الله سبحانه وتعالى حَمَدَ عبدَهُ المبعوثَ من قِبَلِه إمامًا مهديًّا ومسيحًا موعودًا، لأنّه أدّى تلك المسؤوليّة التي وُضِعت على كاهِله. وأوضح سبحانه وتعالى أنّ أعداءه يذمّونه ويحاولون أن يُهِينوه، ولكن الله سبحانه وتعالى يَحمَده ويَمْدَحه.
وأوضح سيدنا أحمد أنّ هذا المدحَ والحَمْدَ لا يختصُّ به فحسب، بل يناله كلُّ عبدٍ مخلص إذا قام بأعمالٍ صالحة تؤهِّله إلى أن يكون موضع حَمْدٍ لله ومحلَّ مَدْحِه وثنائِه، فيقول:
ونحن نعتقد أنّ المقامَ الأعلى والأسمَى في الحَمْد ناله أعلى وأسمى الخلقِ مقامًا وهو سيدنا محمد المصطفى ، ولم يحصل على ذلك المقام.. ولن يحصل عليه.. أحدٌ غيره، حيث قال له الله :
وجاء في الجزء الثاني من الإلهام:
ويزعم بعض أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية الذين يحلو لهم الاعتراض على كُلِّ كلمةٍ لا يفهمونها لضيق فهمهم، أو لضحالة إدراكهم، أو لأنّهم يَتَعَامونَ عن الحقائق المعروفة، أو لأنّهم يريدون أن يُضِلُّوا غيرهم ممن يظنُّون فيهم العلم والفهم والإدراك.. فيزعم هؤلاء أنّ هذه الجملة تعني أنّ الله يُصلِّي كما يُصلِّي الناس وهذا أمرٌ لا يجوز لله سبحانه وتعالى، وقد نسيَ هؤلاء، أو لعلَّهم يتناسون، أنه قد وردَ في القرآن المجيد قوله تعالى بأنّ الله وملائِكته يصلُّون على المؤمنين ويصلُّون أيضًا على النبيّ، إذ يقول تعالى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب: 57)
فإذا كان الله تعالى وملائكته يصلُّون على المؤمنين الصالحين كما يصلُّون على النبي ، فما وجه الغرابة أن يُصلِّي الله على عبده الإمام المهدي والمسيح الموعود؟
لقد جاء في لسان العرب:
وهذا هو نفس الأسلوب الذي استُعمِلَ في الإلهام المذكور حينما قال الله سبحانه وتعالى مخاطبًا سيدنا أحمد : “نُصلِّي صلاةَ العَرشِ إلى الفَرش”، أي أنّه تعالى يُنزِل رحمته من عَرشِه إلى الأرض، وأنّه بقدرته يجعل كل شيءٍ فيها على قدم الاستعداد لتحقيق الهدف السامي من بعثته – -، فتظهر الآيات من السماء الدَّالة على صدقه، وتظهر المعجزات من الأرض شاهدةً على حقيقة أمره. فما هو وجه الاعتراض على هذا الأسلوب عند مَنْ آتاه الله شيئًا من العقل والتدبُّر؟
أمْ أنّ ضيقَ أُفق المعترضين وخيالهم السقيم يُصوِّر لهم أنّ كلمة “الفَرْش” لا تعني سوى الأغطية والوسائد والألحفة التي ينامُ عليها الإنسان ويتغطِّى بها في سريره، وعلى ذلك فهم يستنكرون أن الله يُصلِّي من العرش إلى الفرش؟ إنّ جهل هؤلاء المعترضين.. أو تجاهلهم المقصود.. هو ما يوقِع بهم دائمًا في شرِّ أعمالهم، فكيف أنّهم لا يعلمون أنّ كلمة “الفَرْش” تعني الأرض؟ وهل نَسوا التعبير العربي”افترشَ الأرضَ والتحفَ السماء” لمن نامَ على الأرض بغير غطاء، وهل لم يقرأوا قول الله تعالى:
أفلا يتدبَّرون القرآن أمْ على قلوبٍ أقفالُها من الجهل وسوء الظن؟
ثم يعترض المعترضون أيضًا على الجزء الأخير من الإلهام المذكور الذي قال الله تعالى فيه: “ويمشي إليك”. وردًّا عليه نسوقُ قول سيد الرُسل في الحديث القُدسيّ الذي جاء في صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ، وهو كمايلي:
ويتضح من هذا الحديث أنّ الله تعالى لا يمشي فحسب إلى عباده المؤمنين الصالحين بل يأتيهم هرولة. وما جاء في إلهام سيدنا أحمد هو على نمط هذا الحديث القدسي الشريف، ولا محلَّ للاعتراض عند ذوي العقول والبصائر. ** (التذكرة ص 649)