- الغاية من عبادتنا أن نكون صورة متجسدة لمظاهر صفات الله
- تجسد مظاهر صفات الله في الأنبياء
- ظهور أعظم الفتن
- ميزتا فتنة الدجال عن غيرها من الفتن
- أعمال تدجيل العلوم وتوحيد الهجوم
- البشارة النبوية بطوق النجاة
- الأمل المعقود بأبناء فارس
- المماثلة بالأنصار
- مسؤولية أولاد المسيح الموعود تجاه نشر الإسلام
- حالة الإسلام المؤلمة
- الفرق بين أهل الغرب وحضارتهم
- ماهية المقام الإبراهيمي
- خدمة الدين منة من الله علينا
- نداء الله إلى جمع الأبناء الروحانيين للمسيح الموعود
- إعلان عقد قرانين لأحفاد المسيح الموعود
__
“الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له ومن يضلله فلا هاديَ له، ونشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
يقول الذين ينكرون وجود الله تعالى عادةً: أَرُونا الله إن كان موجودًا؟ فيسأل كثير من المؤمنين في دهشة: ما الرد على هذا السؤال؟ مع أنهم لو كانوا مؤمنين حقًّا لصاروا بأنفسهم إجابةً متجسدة على هذا السؤال، إذ يخبرنا الله تعالى هنا أنه قد خلق كل إنسان ليكون ظلاًّ له سبحانه وتعالى. إذًا فكل مؤمن كامل هو ظلُّ الله وخليفته، وبالتالي إثارة هذا السؤال في حضوره مستحيل، إذ سيُعَدّ سؤالاً لغوًا ما دام هذا المؤمن موجودًا أمام السائل، إذ لا يقول المرء لصاحبه: أَرِني الشمس، في حين تكون الشمس طالعة أمامه، ولا يقول: أَرِني النهر الدافق بمياهه وهو واقف على ضفّته. فالحق أن المؤمن لو صار مصداقًا لقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ ، فمن المحال أن يقول له أحد: أَرِني الله، لأن هذا المؤمن نفسه مظهر لصفات الله التي تنعكس في أعماله بكل وضوح وجلاء.
إذًا فهذا هو الهدف الذي خلق الله تعالى كل إنسان من أجله. وإن أول إنسان حُمّل مسؤولية تحقيق هذا الهدف قد سُمي في القرآن الكريم باسم آدم. لقد ظهر آدم ، وبذل كل ما في وسعه لكشف وجود الله تعالى للدنيا، فانبرى لمعارضته قوم خافوا على مكانتهم وراحتهم وترفهم من ظهور وجود البارئ تعالى، فسعوا بشتى الطرق إلى إخفاء النور الرباني الذي تجلى في العالم من خلال آدم، ففشلوا في مسعاهم، وتمكّن آدم من كشف نور الله تعالى بالقدر الذي كان مقدرًا في ذلك العصر.
وبعد انتهاء عصر آدم جاء عصر نوح ، فسعت الدنيا كل السعي إلى إخفاء نور الله تعالى، ولكنها فشلت، وأرسى الله تعالى عبوديته في العالم من خلال آياته الجلالية من جديد، ورأى الناس مرة أخرى قومًا كانوا عباد الله حقًّا.
ثم اكتسب الشيطان القوة مرة أخرى، فمحا في زعمه كل أثر من آثار نوح كان موجودًا إلى عصر إبراهيم، فأظهر الله تعالى نوره في العالم بواسطة إبراهيم ثانية، ورأى الناس عباد الله في الأرض مرة أخرى. ثم أخذ ذلك النور الإلهي الذي كشفه إبراهيم للعالم يتضاءل ويتلاشى، فجلاه الله من خلال موسى مرة أخرى. ثم لم يزل الله تعالى يبعث الأنبياء على التوالي بعد موسى حتى زمن عيسى ، فتجلى في عصره وجود البارئ في العالم بكل جلاء بعد أن ضعف تأثيره في القلوب جدًّا. ولكن جماعة عيسى أيضًا ضعفت، وتضاءل النور الإلهي مرة أخرى، ورفع الشيطان رأسه ثانية، فبعث الله تعالى لإصلاح العالم نوره الأخير الذي كان مصدرًا أخيرًا للرشد والهدى.. أعني سيدنا محمدًا المصطفى .
كان الدين يُهاجَم في الماضي من قِبل الفلاسفة فقط، أما اليوم فيهاجمه عِلم النفس وعلم الحياة وعلم الفلك وغيرها من العلوم المعاصرة. فثبت بذلك أن ليس في الدنيا فتنة هي أكبر من هذه.
إن المسلمين كلهم يعلمون ما لاقاه النبي من معارضة شديدة وأذى كبير من قبل أعداء الإسلام، وينكشف هذا الأمر على جماعتنا عَمليًا بشتى الطرق. وكان النبي النور الأخير الذي ظهر في الدنيا، ولن يكون بعده نور لا يُستمدّ من نوره، كما أن رسالته هي الرسالة الأخيرة.. أي لن يأتي بعده إلى الدنيا هديٌ يكون خلاف هديه . ولكن كان من المقدر أن يُحرَم الناس النورَ الذي أتى به النبي أيضًا بعد فترة من الزمن، فيرفع الشيطان رأسه من جديد، وينتشر الضلال في الدنيا ثانية، وتظهر فتنة عظيمة تهدد التعاليم والصلاح والإيمان التي أتى بها النبي ، وهي فتنة كبيرة جدًّا لم يسبق لها مثيل، حتى وصفها النبي نفسه بقوله: “ما بين خلقِ آدم إلى قيام الساعة أمرًا أكبر من الدجال.” (مسند أحمد، أول مسند المدنيين، حديث هشام بن عامر الأنصاري). فكما أن النبي هو أعظمُ الخَلق قاطبة، وشريعته هي أكمل الشرائع كلها، كذلك كان من المقدر أن تظهر بعده فتنة هي أكبر الفتن وأعظمها. وهذا يعني أنه كما ظهرت في شخص النبي قوى الرحمن ظهورًا كاملاً، كذلك كان من المقدر أن تبذل القوى الشيطانية ضده أقصى ما في وسعها خلال الفتنة التي كانت مقدرة بعده . وكان من المقدر أن يقام شخص من أولاد النبي الروحانيين وتلاميذه درءًا لهذه الفتنة، فيدمَغ رأس الدجال الذي سيهدد الإيمان.
إننا نرى أنه ما من شر ولا فتنة توجد اليوم إلا وكانت توجد في العصور الخالية. فمثلاً إن الإلحاد المنتشر في العالم كان موجودًا في كل عصر وفي كل بلد حيث كان اليونانيون والهنود والمصريون ينكرون وجود البارئ تعالى بناءً على الفلسفة، بينما كان إنكاره تعالى من الناحية الدينية شائعًا في كل قطر تقريبًا، حيث وُجد في كل بلد قومٌ قالوا إن وجود البارئ تعالى ليس ثابتًا من الناحية الدينية. وإذا كان أهل العصر الحاضر يكفرون بالأنبياء وينكرون الوحي الإلهي وينغمسون في الفسق والفجور، فقد وُجد أمثالهم في العصور الخالية كلها، فقد كان في الماضي أيضًا قوم كفروا بالأنبياء، وأنكروا الوحي، وارتكبوا الفسق والفجور وانغمسوا في الرذائل معرضين عن أحكام الدين. وما دام الأمر كذلك، فما الذي يميز الفتنة الدجالية عن غيرها حتى قال النبي : “ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرًا أكبر من الدجال”. يجب أن تتميز هذه الفتنة بما لم يكن في الفتن السابقة.
ونجد عند إمعان النظر أن الفتنة الدجالية تتميز عما سبقها من الفتن بأمرين. أوّلهما أن الفتن السابقة كانت محلية، فالفتنة التي كانت تظهر في الهند مثلاً كانت مستقلة ولم تكن تتأثر من الفتنة التي كانت تظهر في فارس. ونفس الحال بالنسبة للفتن التي كانت تظهر في مصر أو اليونان أو غيرها من البلاد إذ لم تكن تتأثر من الفتن الناشئة في الأقطار الأخرى؛ ولذلك لم تكن تلك الفتن قادرة على شن هجوم موحد على الدين، وإنما كان مثلها كمثل الصعاليك وقطاع الطرق الذين يشنون الهجوم هنا وهناك، ولا شك أن هجومهم يهدّد أمن البلاد، ولكنه لا يقضي على الدولة، إذ لا يقضي على الدول إلا القوى المنظمة.
فأوّل ما يميّز هذه الفتنة عن الفتن الماضية أنها تنشر تأثيرها الضار بشكل منظم. لا شك أن اليابان ليست دولة مسيحية، ولكنها تابعة فكريًّا للتيار الغربي. كذلك الصين ليست دولة مسيحية، ولكنها تابعة فكريًّا للغرب أيضًا. وليست إيران ولا الهند ولا الدول العربية مسيحية، بل هي بلاد إسلامية في الظاهر، ولكن أفكار سكانها أيضًا خاضعة لتأثير الغرب. باختصار إن جميع الحركات المعاصرة منخرطة في سلك واحد وتبدو تابعة لنظام واحد، مما جعل هذه الفتنة أشد خطرًا وأكثر رهبة. كان المرء في الماضي يفكر أن الفرس أو اليونانيين يقولون هكذا، أما اليوم فيقال إن كل إنسان عاقل في الدنيا يقول هكذا. عندما كان يقال في الماضي إن الفرس يعتقدون كذا، فكان من الممكن أن يقول السامع في قلبه لعل باقي العالم لا يعتقد بما يعتقده الفرس، فكان لا يصاب بالرعب بما قيل له. والحق أن هذا كان هو الأمر الواقع.. أعني لم تكن السيئة الواحدة منتشرةً في العالم كله في وقت واحد، بل كانت في قطر سيئةٌ وفي آخر سيئة أخرى؛ فمثلا إذا كانت الهند يسودها تيار الإلحاد، فكان في فارس تيار الفسق، وفي اليونان تيار الفلسفة، وفي مصر تيار الأفكار الوثنية.
إذًا لم تكن المطاعن ضد الدين موحدة في السابق، ولم تكن المعارضة منظمة، أما اليوم فإن جميع الأفكار خاضعة لتأثير تيار واحد ومنخرطة في سلك واحد؛ فما من حركة تقوم من أي قطر وبلد من العالم إلا ويكون هدفها إبعاد الناس عن الله تعالى ودفعهم إلى المادية. اذهب إلى الصين أو اليابان أو سيبيريا أو إيران أو أفغانستان وغيرها من البلدان، ستجد نفس المرض متفشيًا في كل مكان، فتجد كل امرئ يؤْثر الدنيا على الدين، ويسعى لإضعاف قوة الله في العالم. وهذا أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسانية قط.
والأمر الثاني الذي يميز فتنة الدجال عن غيرها هو أن كل الهجمات التي كانت تشن على الدين في الماضي كانت ذات صبغة فلسفية، والفلسفة إنما أساسها كله على الوهم، أما اليوم فجميع الهجمات التي تشن على الدين تتم بناء على العلم()، والعلم أساسه المشاهدة والتجربة. وبوسع المرء أن يقول بكل شجاعة ردًا على المطاعن الفلسفية إن هي إلا خرافات وأفكار القلوب، ولكن يصعب الرد جدًّا على الاعتراض الذي يثار بناء على المشاهدة والتجربة. يردد البعض مقولة بأن هذه الحياة حلوة لذيذة، وأما الحياة بعد الموت فلم ير أحد ما يحدث فيها، ولا نعرف ما إذا كنا سنجد هناك متعة وراحة أم لا، فدعُونا نتمتع بملذات هذه الحياة الدنيا، فهي مقولة فلسفية قد يتأثر بها شخص، بينما يقول غيره إن هي إلا مقولة اخترعوها حسب هواهم، ولا تمتّ إلى الحقيقة بصلة. ولكن المعترض لو أسس أفكاره على ما يوجد في ذرات الكون من تركيب ونظام بحيث إن الكون يدور بنفسه تلقائيا، ثم قال إن الكون الدائر تلقائيًا ليس بحاجة إلى كائن خارجي يديره، فإن هذا السؤال يتخذ منحى جديدًا تمامًا.
ثم هناك أمر آخر وهو أنه في الماضي كان علماء الفلسفة وحدهم يحاربون فكرة وجود البارئ تعالى، أما اليوم فقد خرجت جميع العلوم كعلم النفس والهندسة وطبقات الأرض وعلم الفلك وغيرها لمحاربة فكرة وجود البارئ تعالى. فأصحاب هذه العلوم كلها يقدّمون نتيجة موحدة ويشنون هجمة موحدة. وهذا الهجوم أشد وأفتك مما سبقه من الهجمات، إذ كان يقال في الماضي إن هذا الفيلسوف قد أنكر وجود البارئ تعالى، ولا ندري ما إذا كان قوله صحيحًا أم لا، أما اليوم فيقال لك إنك حيثما أعملتَ الفكر في الكون وبأي منظور نظرتَ إليه لوصلتَ إلى نتيجة واحدة بأن ليس هناك من إله. فسواء أأمعنت النظر في الكون بناء على علم الفلك أو علم الحياة أو علم طبقات الأرض أو علم النفس أو علم الهندسة أو الكيمياء فستعلم أنه ليس هناك أي إله أبدًا.
إذًا فكل العلوم قد توجهت إلى جهة واحدة ألا وهي محاربة فكرة وجود البارئ تعالى. وكما قال الله تعالى في القرآن الكريم ومن حيث خرجت فلتكن مكة هي وِجهتك وغايتك، كذلك نجد الكفر اليوم أنه حيثما يخرج يخرج بهتاف واحد بأن العالم ليس بحاجة إلى إله، وأن الجميع أحرار. فجميع العلوم التي كانت تُستخدم في الماضي لإثبات وجود البارئ تعالى سُخّرت اليوم لإنكاره تعالى، ويجعلون الأساس لهذا الإنكار على العلم. فمثلاً إن الوحي والإلهام والرؤى دليل على وجود البارئ، وكان الملحد في الماضي يعترض على ظاهرة الوحي بقوله هل للإله لسان يتكلم به؟ أو بقوله إن الأحلام والرؤى ليست إلا أفكار الإنسان، فكان المؤمن يرد عليه بسهولة، ولكن العلوم عن الأحلام قد تطورت اليوم تطورًا كبيرًا يذهل المرء ويصيبه بالقلق. فقد أثبت العلماء بناء على تركيبة الدماغ الإنساني أنه يمكن للمرء أن يرى كثيرًا من الأحلام التي تتحقق في أوانها بدون أن تكون من عند الله تعالى، فثبت بالتالي أن تحقُّق الأحلام والرؤى ليس دليلاً على أن هناك إلهًا لهذا الكون، لأن التجارب تبطل هذا الزعم. وكأن هؤلاء العلماء قد سعوا من خلال الأدلة والتجارب إبطال ظاهرة الوحي الذي هو آخر سند للدين.
باختصار، إن الكفر يهاجم الدين بجميع أسلحته، ولا نظير لهجومه هذا من حيث الكيفية والكثافة، إذ كان الهجوم في الماضي يُشَنّ من قبل أعداد قليلة وبأساليب متفرقة، حيث كان الفرس يهاجمون الدين بطريق واليابانيون بطريق آخر، أما اليوم فإن العالم كله قد شن هجومًا موحدًا مكثفًا على جبهة واحدة. كان الدين يُهاجَم في الماضي من قِبل الفلاسفة فقط، أما اليوم فيهاجمه عِلم النفس وعلم الحياة وعلم الفلك وغيرها من العلوم المعاصرة. فثبت بذلك أن ليس في الدنيا فتنة هي أكبر من هذه.
هذا، ولما سئل النبي عن هذه الفتنة الهائلة وقيل له يا رسول الله، فما الحل إذن، ومن هم أولئك القوم الذين يتصدون لها، ويعودون بالناس إلى الله تعالى، ويأتون بالإيمان إلى الأرض ثانية، ويوصلون الخَلق بخالقهم تارة أخرى؟ فوضع النبي يده على سلمان الفارسي وقال: “لو كان الإيمان معلقًا بالثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء” (البخاري: كتاب التفسير، سورة الجمعة).. أي لو ارتفع الإيمان إلى الثريا لرجع به رجال من أهل فارس وأقاموه في الأرض ثانية.
لقد هالت هذه الفتنة الكبيرة الصحابةَ لدرجة أن النبي ذكر الدجال مرة وبيّن تفاصيله ثم رجع إلى بيته، وخرج بعد عدة ساعات، فوجدهم مذعورين، فقال : ما شأنكم، ولماذا أراكم خائفين وجِلين؟ قالوا: يا رسول الله، إنه بسبب ما ذكرتَه لنا من أمر الدجال، إذ لا نرى سبيلاً للحفاظ على الإيمان في مثل هذه الفتنة الصماء. فقال النبي : “إن يخرج، وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم. وإن يخرج، ولست فيكم، فامرؤ حجيجُ نفسه.” (مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه).. يعني إنْ خرج الدجال وأنا حي فأنا أجادله عنكم، وإن ظهر بعد موتي فكل مؤمن يتصدى له بنفسه.
والحق أن قوله : “إن يخرج، وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم” إشارة في الحقيقة إلى قول الله تعالى: وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِم (الجمعة:4)، إذ يعني النبي أنه لو ظهَر عندئذ الشخصُ الموعود الذي يمكن أن يسمى ظلاً كاملاً لي، فسوف يحارب الدجال عنكم، وإلا فليس هناك سبيل آخر إلا أن يتصدى كل مسلم للدجال حتى الرمق الأخير.
الأمل المعقود بأبناء فارس
لقد أنبأ النبي هنا، أو بالأحرى قد عقد النبي الأمل بأبناء فارس أن رجالا منهم سينبرون لتلك الفتنة الهائلة عند ظهورها، ويقيمون الإيمان في العالم ثانية، غير مكترثين لما يلقون في هذا السبيل من أخطار وصعاب وشدائد.
وكما قلتُ آنفًا إنها ليست نبوءة أدلى بها النبي فحسب، بل هي أمنية ورغبة وأمل منه حيث أخبر عما يريده الله تعالى من أبناء فارس. لقد سبق أن وقعت في عهد النبي فتنة كانت أقلَّ خطورةً وتأثيرًا ونتيجةً من هذه الفتنة الهائلة، وإن رد فعل الصحابة حيالها مسجل في تاريخ الإسلام حتى اليوم. لقد خرج النبي بعد فتح مكة لحرب هوازن، فجاءه بعض القوم الذين دخلوا في الإسلام بعد الفتح والذين لم يكن الإسلام قد رسخ بعد في قلوبهم كما ينبغي، كما جاءه بعض الكافرين الذين استأذنوه للانضمام إلى الجيش المسلم لقتال أهل الطائف من هوازن وغيرهم، فلم يسمح لهم النبي في أول الأمر، ولكنهم ألحوا عليه فأذن لهم. فخرج النبي إلى ساحة القتال بجيش قوامه اثنا عشر ألف مقاتل. وكان في هذا الجيش أولئك الصحابة الذين كان كل واحد منهم غالبًا على عديد من الكافرين، ولم يكن قتال هوازن صعبًا عليهم، ولكن قد انضم إليهم الآن ألفان من ضعيفي الإيمان الذين كان قد غرهم كبرهم، والذين كان ينظر بعضهم إلى بعض ويتفاخرون قائلين: ما لأهل المدينة وللقتال، تعالوا يا أبناء مكة نُريهم ما القتال والبسالة. وكان الأعداء يتربصون بالجيش المسلم مختفين على طرفي ممر، وكانوا يجيدون الرماية، فلما مر هؤلاء المغرورون بقوتهم أمطر عليهم رُماة هوازن وابلاً من السهام، فنسوا بسالتهم ولاذوا بالفرار. وفرار ألفي فارس بخيلهم شاقين صفوف المسلمين لم يكن بالحدث الهيّن، فأجفلت خيل عشرة الآلاف من الفرسان الآخرين، وأخذت تعدو على أشدها بفرسانها. فلم يبق مع النبي إلا اثنا عشر صحابيًا. والحق أن المسلمين لم يفروا من أرض المعركة خوفًا أو جبنًا، وإنما فروا لأن فرار ألفي حصان أربكَ خيولهم التي جفَلتْ هي الأخرى وفرّت بفرسانها من ساحة القتال. يقول أحد الصحابة كنا نشد أزمّة خيلنا وركابنا بأقصى حد ممكن حتى كانت أعناقها تلتوي، ولكنها كانت مذعورة ذعرًا شديدًا، فكلما أرخينا عنانها أخذت تجري على أشدها مرة أخرى، فلم ندر ماذا نفعل لإيقافها. وبينما نحن في ذلك حتى اندفع النبي بمطيته نحو العدو، فتقدم أحد الصحابة وأخذ زمامها وقال يا رسول الله، ليس من المناسب أن تتقدم إلى العدو في هذا الموقف الحرج. فقال له النبي : دَعْني فإن النبي لا ينثني عما عزم عليه. ثم أخذ يرتجز قائلا:
ثم أمر النبي عباسًا أن ينادي: أيها الأنصار، إن رسول الله يدعوكم. وترى أن النبي لم يناد عندها أهل مكة الذين حوّلوا النصر هزيمةً. وكان العباس جهوري الصوت، فنادى بين القوم: أيها الأنصار إن رسول الله يدعوكم. يقول الصحابة: بينما نحن نسعى جاهدين لنرجع إلى ساحة القتال بركابنا التي كانت تأبى أن ترجع، سمعنا صوت العباس، فخُيّل إلينا أننا في يوم القيامة وأن إسرافيل قد نفخ في الصور، فمن استطاع منا العودة بمطيته إلى ساحة القتال فعل، ومن لم يستطع ذلك قطع عنقها بالسيف وأخذ يعدو إلى النبي حتى امتلأت ساحة المعركة بالمسلمين في دقائق.
مسؤولية أولاد المسيح الموعود عليه السلام تجاه نشر الإسلام
هذا هو النداء الذي رفعه رسول الله ، وما أروعَ ما لبى به الأنصار نداءه! إذ لم يبالوا بعد سماع ندائه بأي شيء، بل من استطاع منهم أن يعود بمطيته إلى النبي فعل، ومن لم يتمكن من ذلك قطع عنق فرسه أو ناقته ووصل إلى النبي في دقائق.
واعلموا أن النبي سبق أن رفع قبل ثلاثة عشر قرنًا صوتًا كان أكثر عظمةً ويقينًا وثقة ومحبة ورجاءً من هذا النداء الذي رفع في تلك المعركة حيث قال: “لو كان الإيمان معلقًا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس” (مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي، كتاب المناقب، باب ما جاء في ناس من أبناء فارس).. أي عندما يأتي على أمتي ذلك الزمان الذي تسيطر فيه فتنة الدجال على العالم، ويندرس الإسلام، ولن يبقى الإيمان، ويمسي الإنسان مؤمنًا ويصبح كافرًا، ويصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، فآمل أن يقوم عندها من أهل فارس رجال يلبون ندائي، فيعودون بالإيمان من الثريا مرة أخرى.
ولم يقل النبي هنا: “رجل من أبناء فارس” فقط، بل قال: “أو رجال من أبناء فارس”، مما يعني أن مسؤولية نشر الدين لا تقع على ذلك الرجل الفارسي الموعود فقط، بل تقع على أولاده أيضًا، وأن النبي يعقد بهم أيضًا الآمال التي عقدها بالرجل الفارسي.
هذا هو الصوت الذي رفعه محمد لرفع معنويات الصحابة عندما ارتجفت قلوبهم واستولى اليأس والهلع عليهم حين أخبرهم ما يؤول إليه الإسلام من حالة تعيسة، وهذه هي الآمال والثقة التي وضعها النبي بأبناء الرجل الفارسي. وها أنا أقوم بمسؤوليتي وأؤدي واجب تبليغ هذه الرسالة النبوية إلى جميع أولئك الذين هم من أولاد هذا الرجل الفارسي. لقد توقع النبي هنا أن أمته عندما تكون على وشك الهلاك “لناله رجال من أبناء فارس”، وهكذا عقد على ذرية ذلك الرجل الفارسي الموعود أملاً أكيدًا أنهم لن يتوجهوا إلى مغريات الدنيا ومطامعها ومراتبها، بل ينذرون حياتهم لهدف واحد وهو أن يرفعوا راية الإسلام ويعودوا بالإيمان من الثريا ويأتوا بخلق الله إلى أعتابه تعالى. هذا هو الأمل الذي عقده النبي بذرية الرجل الفارسي وهذا هو النداء الذي رفعه، فالأمر متروك لهم الآن كيف يلبون نداءه . فأقول لهم، سواء أكانوا أولادي أو أولاد إخوتي، فكِّروا في أنفسكم، وراجِعوا فطرتكم وضمائركم، لتعرفوا واجباتكم بعد سماع هذا النداء النبوي.
حالة الإسلام المؤلمة
لا شك أن الدنيا قد سفرت وظهرت اليوم بكل زينتها ومفاتنها، ولا جرم أن الله تعالى قد صار اليوم – والعياذ به – كالمجذوم الذي قد ألقاه أهله خارج البيت. ليس للدين اليومَ نصير ولا معين، ولنِعْمَ ما وصف به المسيح الموعود حالةَ دين المصطفى في بيت شعر له باللغة الفارسية إذ قال:
أي قد أصبح دين أحمد كالمطرود الذي لا ناصر له ولا معين، وكل واحد مشغول بمشاغله ولا يلوي على دين أحمد .
وقال في قصيدة فارسية أخرى:
أي أن الكفر في كرّ وفرّ في كل مكان مثل جنود “يزيد”، بينما أصبح دين الحق مريضًا لا يعتني به أحد مثل زين العابدين.
بالنظر إلى هذه الأوضاع، يستطيع كل واحد من أولاد المسيح الموعود أن يدرك المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقه والمشاعر التي يجب أن تتولد في قلبه، وذلك بقدر درجته ومستواه.
إني أعلم جيدًا أن الشخص الضعيف عندما يرى غيره يحرز الرقي في الدنيا، وينظر إلى ثروة أهل الثراء ومكانة أصحاب المناصب المرموقة، يتولد في قلبه الطمع فيتمنى أن يكون مثلهم. إني لا أنكر ذلك، ولكني أقول إن جميع هذه المغريات كانت ماثلة أمام الصحابة الذين خاضوا الحرب ضد بني هوازن. كان لهم أيضًا نساء وأولاد، وكانوا يدركون أنهم لو تصدّوا لرماة هوازن فسيثقبون صدورهم بالسهام، فيقعون في ثوانٍ صرعى مضرجين بالدماء والتراب. ولكنهم نسوا نساءهم وأولادهم حين سمعوا نداء النبي ، ولم يضعوا أمامهم إلا غاية واحدة ألا وهي أن يتوجهوا إلى ما يدعوهم إليه الله ورسوله. إني لا أراني بحاجة لأصوّر لكم مدى تفاقُم الفتنة الدجالية في العالم، إذ لم يبق اليوم للإسلام شيء، لم تبق أحكامه المدنية ولا السياسية ولا الاقتصادية والشخصية، بل كل ما للإسلام قد شُوِّهَ وبُدِّلَ. فلن ننجح في محاربة فتنة الدجال ما لم نعمل كالمجانين للقضاء عليها، وما لم نُبغِض الحضارة الغربية بغضًا لم نكنّه لشيء آخر. واعلموا أن كل من هو مولع أو معجب منا بالحضارة الغربية ليس بمؤهل في المجال الروحاني. لا نستطيع أن ننام قريري العين ما لم ندمّر ونمزّق إربًا الحضارة التي شوّهت صورة سيدنا للعالم، وغيّرت حضارتنا الإسلامية. إن الذين يقلّدون الغرب وينجرّون وراء حضارته لن ينجحوا أبدًا. يجب أن يحدث هيجان واضطراب في صدرونا برؤية أي شيء للغرب، لأن من المحال أن نجتمع وحضارتهم في مكان واحد. فإما أن نحيا أو تحيا حضارة الغرب.
الفرق بين أهل الغرب وحضارتهم
لا يقولنّ أحد في نفسه كيف يحمل هذا الشخص هذه الأفكار ضد حضارتهم مع أننا لا نعادي الغرب. اعلموا أن أهل الغرب أناس مثلنا، ويمكن أن يهتدوا، ولكن من المستحيل أن تهتدي حضارتهم. إنها سلاح الشيطان، ولن يسود السلام العالمَ ما لم يتم القضاء عليها. ومن كان من ذرية المسيح الموعود يميل إلى تقليد حضارة الغرب، ولو مثقال ذرة، هو ليس ابنًا حقيقيًا له ، لأنه لم يستجب لذلك النداء الذي بُعث المسيح الموعود لنشره. فها إني أقولها علنًا وصراحةً إني بريء من كل من يميل إلى تقليد حضارة الغرب ولو قليلا، وهو ليس مستعدًّا لخدمة الدين، وإن كان هذا من أولادي أو أولاد أقاربي. ولقد دعوت الله تعالى دائمًا وبدون انقطاع بأنه إذا لم يكن من المقدر أن يكون أولادي من خدام الدين فليس لي حاجة في الأولاد، وإني أدعو الله تعالى أن يوفقني للدعاء نفسه حتى آخر لحظة من حياتي. أمامنا عمل كبير عظيم لا يساويه عمل آخر. أمامنا فتنة لا تماثلها فتنة أخرى في الدنيا. فإذا كنا لا نهبّ لإنجاز هذا العمل العظيم ولا نحس بضرورة التصدي لهذه الفتنة الهائلة فلا أرى أننا نستحق العز في الدنيا مثقال ذرة. هناك مئات الرايات المعادية للإسلام التي ترفرف عالية في العالم، ومن المحال أن نُعَدّ من الذين أدّوا واجبهم ما لم نجعل راية التثليث وراية الوثنية وكل راية أخرى دون راية الإسلام. ألا لن نكون من الذين أدوا واجبهم أبدًا ما لم يدوّي العالمُ كله بهتافات التكبير. هذا هو الأمر الذي أحاول توجيه أنظاركم إليه. لا شك أنني قد نبهتكم إليه من قبل مرارًا، ولكن قوة غيبية تدفعني منذ أيام لأبين لكم هذا الأمر تبيانًا. لقد أوحى الله تعالى إلى المسيح الوعود ما نصه:
والمقام الذي تبوّءَه إبراهيم قد صرح به الله تعالى في القرآن الكريم بقوله:
يقول إبراهيم في دعائه هنا ربنا قد أقمتُ بعض أولادي في هذا الوادي الذي لا زرع فيه، وقد فعلت ذلك -ربنا- ليكونوا في معزل عن النـزاعات الدنيوية وعن مشقة كسب الدنيا، فاجعلْهم يعبدونك ويرفعون اسمك. ولكن ربنا لا تجعلهم يتوجهون إلى من سواك حاملين إناء الشحاذين، بل ارزقْهم رزقًا كريمًا من عندك لتمتلئ قلوبهم بمشاعر الشكر والامتنان لك، فيقولوا لم نذهب إلى الناس وإنما جذبهم الله إلينا جذبًا.
هذا هو المقام الإبراهيمي الذي حثّنا الله تعالى على الوصول إليه. لا شك أننا لا نعيش في واد غير ذي زرع بالظاهر، ولكنه لا يزال هناك فرصة لنعيش في واد غير ذي زرع روحانيًا. وما هو ذلك الوادي يا ترى؟ فاعلم أن المرء لو ترك مشاغل الدنيا ومكاسبها لوجه الله تعالى في حين يسعى الناس لكسب الدنيا ويعملون في شتى الوظائف، فكأنه قد سكن في واد غير ذي زرع. فالمقام الإبراهيمي الذي قد تبوَّءَه المسيح الموعود والذي يُرجى من أولاده أن يتبوّءوه هو أن يطردوا فكرة كسب الدنيا وينذروا حياتهم كليةً لنشر الدين فقط، وعندها سيُنجز الله وعده معهم أيضًا، فيجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ويهيئ لهم من عنده سبحانه وتعالى رزقًا كريمًا.
غير أنه لا حرج على الذين يعملون بعض الوظائف الحكومية لسد حاجات الجماعة، شريطة أن يؤكدوا من خلال إخلاصهم وتفانيهم أنهم لا يقومون بهذه الأعمال الدنيوية تبعًا لهوى النفس وإنما لوجه الله تعالى.. أعني أن عليهم أن يكونوا دائمًا على أُهبة الاستعداد لترك وظائفهم لخدمة الدين إذا تطلَّب الأمر.
يقول الجهلة أن الرزق يُنال بالتوظف عند الإنجليز، مع أن الرزق إنما ينال بالتوظف عند الله تعالى. ولو افترضنا جدلاً أن المرء لا ينال رزقًا كريمًا بخدمة الدين، فأقول ألم نعاهد رسول الله أننا سنرضى بالذلة في سبيل الدين. وإن كان الواقع عندي أن الطعام الذي يأكله المرء بخدمة الدين ليس ذلة. إنما الذلة في التوظف عند أهل الدنيا لا عند الله تعالى.
فالمقام الإبراهيمي الذي قد تبوَّءَه المسيح الموعود والذي يُرجى من أولاده أن يتبوّءوه هو أن يطردوا فكرة كسب الدنيا وينذروا حياتهم كليةً لنشر الدين فقط…
ذات مرة أخبرني أحد السيخ من قرية “كاهلوان”(2) أن المرزا الكبير(3) دعاني مرة وقال لي: اذهبْ إلى ابني غلام أحمد وقُلْ له أن يبحث عن وظيفة، وإلا فإنه سيضطر بعد موتي للعيش على كسرات خبز أخيه الأكبر. فذهبتُ إليه وقلت له إن أباك ساخط عليك لأنك لا تتوظف. فضحك المسيح الموعود من قوله وقال: إن والدي قلقٌ عليّ بدون داع، فقد توظفت سلفًا عند من أردتُ. فرجع هذا السيخي إلى والد المسيح الموعود وقال له: إن ابنك يقول إنه قد توظف عند من أراد التوظف عنده. فبالرغم أن والده كان شديد الاهتمام بالأمور المادية إلا أنه لما سمع قول ابنه تأوّهَ وقال: إذا كان ابني يقول إنه قد توظف سلفًا فقد صدق لأنه لا يكذب أبدًا.
إذًا فمن واجب أولاد المسيح الموعود – لكونهم من نسل هذا الإبراهيم – أن يعيشوا وكأنهم يسكنون في واد غير ذي زرع، فينذروا حياتهم كلها لخدمة الدين. واعلموا أن كل عمل يتم بالتدرب عليه، فإذا كنا نريد إنجاز أعمال الرحمن بينما نكون نتّبع أساليب الشيطان فكيف ننجح في ما نصبو إليه؟ إن الناس يجرون اليوم وراء الثراء والترف والحُكم والإمارة، ويحبّون حضارة الغرب، ولو أننا نحن الآخرين جرينا عَمليًا وراء هذه الحضارة والثراء والحكم والإمارة فكيف تُبارك نوايانا. إن خنق الشيطان لا يتم بأيد شيطانية، بل بأيد رحمانية. فما لم يتخلص المرء من الأماني المشوبة بشوائب حب الدنيا لا يُعتبر مؤهلاً للقيام بأعمال الدين. لم يغلب الإسلام في الماضي إلا لأنه أرسى دعائم الحب والوئام ومحا الفرق بين الثري والفقير، ولن ينجح الإسلام في المستقبل إلا بهذا الأسلوب. فالذي يفكّر في الثراء والإمارة، ولا يجد نفسه مستعدة للخدمة، فلن ينجح أبدًا. أما أن يعطي الله تعالى الشخص الخدوم مكانة مرموقة فهذا أمر آخر. يقول سيدي عبد القادر الجيلاني – رحمه – إن الله تعالى يقول لي أحيانًا: يا عبد القادر أستحلفك بنفسي أن تلبس أفضل الثياب، فألبَسُها، ويقول أحيانًا: يا عبد القادر أستحلفك بنفسي أن تأكل أشهى الأطعمة فأتناولها. هذا هو المقام الذي تبوَّءَه المسيح الموعود حيث سماه الله تعالى أيضًا عبد القادر في وحيه، وقد سماني الله أنا الآخر عبد القادر في بعض الرؤى. فقول سيدي عبد القادر هذا يعني أن الله تعالى إذا أمرَنا بتناول طعام شهي فعلينا تناوُله، وإذا أمرنا بلبس أفضل الثياب فعلينا لبسُها، وكذلك لو أمرنا بلبس أبسط الثياب فعلينا طاعة هذا الأمر أيضًا. باختصار، علينا أن نطيع الله تعالى طاعة كاملة، فإذا أمرنا بالتربع على العرش فعلينا أن نفعل، وإذا أمرنا أن نتوارى تحت الثرى فلنتوار تحت الثرى. يجب أن نتبوّءَ مقام إبراهيم المشار إليه في قوله تعالى:
علينا أن لا نفكر فيما إذا كنا سنكون في عناء أو راحة أو نُعَزُّ أو نُهانُ، إنما الحري بنا أن نعلم ما يريده الله منا، ثم نرضى بما يرضى به؛ تمامًا كما قال الله تعالى في وحي أوحى به إلى المسيح الموعود في أواخر أيام حياته، وأراه يخص ذريته، ونصُّه بالفارسية:
أي إليك أسلّم، يا رب، أسرتي قبل مغادرة الدنيا، فأسكِنْهم الآن كيفما شئتَ، سواء في المقام العالي أو المقام العادي.
هذا هو الأمر الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار دائمًا، وإذا كان أولادنا لا يضعون هذا الأمر نصب أعينهم فلن ينالوا النعم الموعودة لذرية المسيح الموعود . لا شك أن كون المرء من الذرية المادية له فخر وشرف له، ولكنه مشروط بتمسُّكه بالدين. لقد سأل الصحابة النبي مرة: أي قبائل العرب أفضل؟ فقال: التي كانت تُعتبر أفضل في زمن الجاهلية شريطة إسلامها وصلاحها وتقواها (4). فلا شك أن النسب العالي سبب العز والشرف، ولكنه مشروط بشرط الصلاح والورع. أما إذا لم يكترث هؤلاء بهذا الشرط، بل تهافتوا على الدنيا كالديدان والكلاب استحقوا عقاب الله أكثر من غيرهم.
لا شك أن هذا العمل هو لله تعالى، وإذا لم ننجزه فسوف يأتي الله بقومٍ آخرين ينجزونه، ولكنه سيكون يومًا مشؤومًا جدًّا حين يقول الله تعالى ها إن رجال فارس قد أعرضوا عن نشر الدين، فتعالوا نمنح هذه الفرصة قومًا آخرين.
إنه لمن عظيم منن الله علينا أنه أتاح لنا هذه الفرصة، أما الذي يظن أنه يقدم تضحية إذا عمل للدين، فأقول له إنه لو تفانى في هذا العمل حتى أصبح ترابًا وغبارًا، فمع ذلك لا يحق له ادعاء الإيمان، بل هو منافق في الواقع، إذ سمى المنة الإلهية تضحية منه، وصاحب التضحية يعتبر نفسه أفضل دائمًا؛ حيث قال النبي : “اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى” (البخاري: كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة). فينبغي أن لا نظن أبدًا أننا نقدم التضحية حين نقوم بخدمة الدين، بل الحري بنا أن نقول إن الله تعالى قد منَّ علينا إذ أتاح لنا فرصة العمل لدينه. أما إذا كنتم لا تدركون هذه الحقيقة، وإذ كنتم لا تريدون أن تكونوا فقراء من أجل الدين، وإذا كنتم لا تشعرون بالسعادة في السؤال من أجل الدين، وإذا كنتم لا تعتبرون خدمة الدين أعزّ من مُلك العالم كله، فليس فيكم مثقال حبة شعير من الإيمان. يقول الناس إن سؤال الناس أمر منكر، وأنا أيضًا أرى كذلك، ولكنا لو اضطُررنا للسؤال من أجل الله تعالى ودينه فهو عز وفخر لنا.
فلا تظنّوا أنكم تقدّمون أيّ تضحية حين تقومون بخدمة الدين، بل إنه لمن فضل الله عليكم أنه أتاح لكم هذه الفرصة. من المؤسف أني رأيت البعض يظنون أنهم يقدّمون التضحية إذا وفقوا لخدمة الدين، فيقولون مثلاً تعالوا نقدّم الآن تلك التضحية أيضًا في سبيل الدين. مع أنه لو كان على المائدة طعام بسيط وأيضًا أطعمة فاخرة من كباب ودجاج مشوي وأرز مع لحم وحلوى، فتناول المرء الأطعمة الفاخرة بدلاً من الطعام البسيط، هل يقول إنه قدم تضحية؟ كلا، ولو قال لعُدَّ أحد اثنين: مخدوع لا يعرف الحقيقة، أو مجنون لا يعقل شيئًا. فإذا كان الدين متاعًا غاليًا بالفعل، وإذا كان للكون إله حيٌّ، فمن لبّى نداء المنادي إلى نصرة دين الله تعالى فإنه لم يقدّم التضحية أبدًا، إنما نال نصيبًا من فضل الله ولطفه وإحسانه، ولو ظن هذا – ولو للحظة – أنه قدم تضحية فلا شك في نفاقه. فالذين يظنون أنهم يقدّمون التضحية حين يقومون بخدمة الدين فلا إيمان لهم، والأفضل لهم أن يبتعدوا عن خدمة الدين. ولكن إذا رأيتم العزَّة ما تراه الدنيا ذلّةً، واعتبرتم العملَ ما تراه الدنيا بطالةً، وحسبتم العطاءَ ما تحسبه الدنيا تضحيةً، فعندها تكونون مؤمنين صادقين. أتظنون أن القائد الإنجليزي الذي انتصر على الألمان اعتبر قيادة جيوشه تضحية منه؟ فإذا كان القادة الدنيويون لا يعتبرون العمل الذي ينجزونه تضحيةً فكيف يحق للذين قد عُهد إليهم غزو قلوب العالم أن يعتبروا أعمالهم تضحية؟ إذا تمنى بعض الإنجليز أن يعمل مكان القـائد الإنجليزي هيغ ()وأراد بعض الألمان العمل مكان القائد الألماني هندن برغ () فهل سيعتبر عمله تضحية؟ وعندي أنه لو أمكنه نذر نصف حياته لنيل هذا الشرف لفعل، وكذلك لو أمكنه التضحية بزوجته وذريته حتى ينال هذا الفخر لفعل، دون أن يعتبر ما قدّمه تضحية. فإذا كان القادة الدنيويون يعتبرون تقلُّد مناصبهم إنعامًا فكيف يجوز للقادة الروحانيين أن يعتبروا تقلُّد مناصبهم تضحية؟ فالذي يظن أنه يقدم تضحية بالقيام بخدمة الدين يستفزّ الله تعالى ويسيء إليه، لأن تصرُّفه هذا يعني أن الإنعام الإلهي أحقر – معاذ الله – من حياته، حيث يعظّم جهوده ويحقّر إنعام الله تعالى. إن الله تعالى يهب له جائزة هي أكبر من مُلك الدنيا كلها، ولكنه لا يقيم لهذه الجائزة قيمة، ويعتبر جهوده الحقيرة تضحيةً وإيثارًا منه.
إذًا فليس المرجو منكم عدم تقليد حضارة الغرب فحسب، بل أن تحملوا راية الإسلام عالية دومًا، والنصح للإنسانية، وأن لا تدَعوا أفكار الفخر والخيلاء تتسرب إلى قلوبكم، بل يجب أن تعتبروا كل إنجازاتكم وخدماتكم عُملةً حقيرة زائفة، معترفين بأنكم قدّمتم لله تعالى عملة زائفة، فأعطاكم ثروة هائلة.
هذا هو النداء الذي رفعه الله تعالى، وهذا الصوت الذي رفعه محمد ، وهذا هو الصوت الذي رفعه المسيح الموعود . فإذا كان قلب أحدكم لا يلبي هذا النداء فهو قلب إنسان ميت مهما كان لباسه جميلاً فاخرًا.
ما أروعَ الأسوةَ التي قدّمها حضرة بوذا ! كان بوذا الابن الوحيد لأبيه، ولما التاع قلبه لوصال الله تعالى خرج من بيته وظل يعبد الله تعالى في الغابات والفلوات سنوات طويلة، حتى أنزل الله تعالى عليه وحيه وشرّفه بمقام النبوة وبعثه لإصلاح الناس. فنهى أتباعه عن كسب الدنيا نظرًا لظروف عصره، وأمرهم أن يتفرغوا لخدمة الدين طوال النهار وإذا جاعوا سألوا الناس الطعام وأكلوه. ولما ذاع صيته في الهند كلها أرسل إليه أبوه الذي كان ملِكًا في منطقة “البِهار”، فجاءه، فآمن به أبوه ودخل في أتباعه. ولما همّ بوذا بالعودة فكّر أبوه في حسم قضية وراثة المُلك، وكانت العادة في ذلك العصر أن ابن الملِك أو حفيده يرث المُلك، ولم يكن هناك خيار ثالث. ولما رأى أبوه أن ابنه بوذا لن يرضى بالمُلك دعا حفيده وألبسه كساء المتسولين ووضع في يده إناء الشحاذين، ثم أمره أن يذهب إلى أبيه بوذا ويقول له: قد جئتُك أسأل حقي، وكان يعني أن يمنحه بوذا حقه في وراثة المُلك. وكان من عادة بوذا أنه إذا أراد ضم شخص إلى مريديه أمر بحلق رأسه، فلما جاءه ابنه قال له: أجئتني تسأل؟ قال: نعم: قال: حسنًا، سأعطيك ما عندي، ثم دعا أحد تلاميذه وأمره بحلق رأس ابنه وضمه إلى تلاميذه. وكان هذا يعني أن المُلك قد خرج من أسرة بوذا إلى الأبد. فلما سمع أبو بوذا قوله بكى وأخذ منه عهدًا أنه لن يجعل بعد ذلك أحدًا من الأولاد الصغار من تلاميذه.
فالعمل والمسؤولية التي قد ألقيت على عاتقنا بصدد خدمة الدين لعظيمة جدًّا بحيث أقول مع الأسف الشديد إن قلوبنا لم تدرك أبعادها بعد. بينما أرى أن الذين يقومون بخدمة الدين يعتبرونها تضحية، مع أن الذي يضحي يُعتبر عمله أفضل كما بينتُ من قبل، وإذا كان عمل المرء في سبيل الدين تضحية منه فهذا يعني أن الدين شيء أدنى من هذا الإنسان الذي ضحى في سبيل الدين. مع أن الواقع أننا لو ظننا – ولو للحظة – أننا نقدم تضحية حين نعمل في سبيل الدين، فإننا محرومون من الإيمان والبصيرة كل الحرمان.
فأقول أوّلاً للذين قد ناداهم رسول الله وقال: “لناله رجال من أبناء فارس”، أن ينتبهوا إلى واجباتهم ومسؤولياتهم لأن أمامهم عملاً جبارًا. إن عزة الدنيا وإمارتها ليست بشيء، بل إن العزة كلها في الخدمة على باب الله تعالى. لو كسبتم الدنيا وبلغتم فيها المراتب المرموقة فهل تظنون أنكم تكونون أعزَّ من خدام محمد ؟ ثم كيف تنسون تلك الآيات والمعجزات التي وهبت النور للعميان من أقاصي الديار حتى جعل عميان أوروبا وأمريكا أيضًا يبصرون. أفلا يكون من المؤسف جدًّا إذا لم ينتفع من هذا النور من يعيشون قريبًا منه. لذا فأوجّه خطابي أولاً إلى الأولاد الماديين للمسيح الموعود ، ولكن بما أن كل من بايع المسيح الموعود بصدق القلب وعمل بتعاليمه فهو من أولاده الروحانيين، لذا فكل الجماعة الإسلامية الأحمدية تُعتبر من “رجال من أبناء فارس”. فأقول لباقي أفراد الجماعة أيضًا، كونهم أولاد المسيح الموعود الروحانيين، أن يدركوا حجم مسؤولياتهم. إلى متى تعيشون غافلين؟ إلى متى تبدو وجوهكم كوجوه الموتى؟ إلى متى تسكتون على إهانة دين الله وتحقيره؟ إلى متى تعتبرون خدماتكم الحقيرة تضحيات؟ متى يأتي اليومُ الذي تلتاعون فيه من أجل دينكم وتضطربون؟ متى تشمرون عن سواعدكم لتخرجوا إلى الميدان لإنجاز ذلك العمل الذي بُعث المسيح الموعود من أجله؟ أقول لهذه الفئة من الأحمديين أيضًا إن نداء قد انطلق من عند الله تعالى، فهُبّوا ولبّوا هذا النداء الرباني كما لبّاه الصالحون قبلكم بحوالي ثلاثة عشر قرنًا بقولهم:
ينبغي أن تسري هذه التعاليم في قلوبكم حتى تلبي كل ذرة من كيانكم هذا النداء. ثم أفرِغوا هذه التعاليم في آذان أولادكم، وليُفرغوها في آذان أولادهم حتى لا تسمع آذاننا إلا صوت الله تعالى، وحتى لا يلمع أمام عيوننا إلا نوره سبحانه وتعالى. وما لم تطرأ علينا هذه الحالة فلسنا إلا أوثانًا من الطين تدعي ادعاءات عريضة، ولسنا إلا جثثًا متعفنة منتنة تدّعي إحياء العالم.
إذًا فمن واجب أولاد المسيح الموعود – لكونهم من نسل هذا الإبراهيم – أن يعيشوا وكأنهم يسكنون في واد غير ذي زرع، فينذروا حياتهم كلها لخدمة الدين
إعلان عقد القرانين
أما الآن فأقوم بالإعلان عن عقد القرانين اللذين اجتمعنا لأجلهما. وبرغم أن كلمتي هذه لا تبدو ذات صلة بعقد القران، ولكنها وثيقة الصلة به في الحقيقة، ذلك لأن الزوجية بالمعنى الحقيقي إنما هي في وصال الله تعالى، ولذلك قد حثّنا الله في كتابه في معرض الحديث عن الزواج على الحفاظ على الصلوات بوجه خاص. فإذا كنا مستعدين لقبول الزوجية في الدنيا، فكيف لا نرضى بأن نكون نشوانين بحب الله ورسوله. والحق أننا لن نحظى بفرحة حقيقة إلا إذا قام الإسلام وانتصر في العالم كله، وأما قبلها فكل مناسبة سارة دنيوية ستسبب لنا غمًّا وحزنًا. ورد في الروايات أن عائشة – رضي الله عنها – أرادت ذات مرة بعد وفاة النبي أن تأكل خبز الدقيق الناعم، فسالت الدموع من عينيها. فقيل لها: لماذا تبكين؟ قالت: لم تكن في عهد النبي الطواحين التي تصنع الدقيق الناعم، وإنما كنا ندق الحبوب على المدق ونعمل العجين من ذلك الدقيق بعد تصفيته، ونعمل به الخبز، وهذا ما جعلني عاجزة عن ابتلاع هذا الخبز الناعم، بل إنه وأغص به إذ أفكّر أنه لو كان الدقيق الناعم في عهد النبي لصنعت له الخبز الناعم.
إن خبز الدقيق الناعم نعمة عادية جدًّا، ولكنكم ترون أن عائشة – رضي الله عنها – لم تقدر على ابتلاعه إذ تذكرت عهد الرسول . أفليس حريًا بنا أن نغُص بشتى أنواع النعم التي نأكلها. لمن نِعم الدنيا هذه ومُلكها؟ إنها كلها لله ولرسوله ولتلميذه المسيح الموعود. فلماذا لا نأتي بهذه النعم ونضعها أمام الله ورسوله؟ إن عائشة – رضي الله عنها – هي السيدة التي علّمتنا نصف الدين، وهي الزوجة المحببة للنبي ، وقد كان لنا فيها أسوة حسنة. لاحِظوا مدى حبّها للنبي فهي لم تقدر على تناول الخبز الناعم بدون النبي ، بل غصت بالخبز وسالت الدموع من عينيها. أفليس حريًّا بنا إذًا أن تسيل الدموع من عيوننا ونحن نرفل في أفضل نعم الدنيا؟ والحق أننا سنظل محرومين من المعرفة الحقيقة ما لم تصبح حالنا في الدنيا كحال عائشة – رضي الله عنها. إذا كان الله تعالى يعطينا لباسًا جيدًا فلا بأس في لبسه، وإذا كان يُطعمنا طعاما جيدًا فلا بأس في تناوله، ولكن يجب في نفس الوقت أن تتألم قلوبنا بأن الدجال مستولٍ على كل شيء في العالم، وليتنا ننتـزع منه كل نعم الدنيا ونجعلها لمحمد ولتلاميذه خالصةً. لا شك أن الله مولانا ومن الواجب علينا أن نأكل جيدًا ونلبس جيدًا إذا كان هو يُطعمنا جيدًا ويكسونا جيدًا، ومع ذلك يجب أن نغص بهذه النعم دائمًا، ونشعر في قلوبنا حرقة ولوعة بأننا لن ننعم براحة واطمئنان وسكينة ما لم يكن المسلمون هم الذين يعدّون هذه الأطعمة والملابس، وما لم يتم نسج كل خيط بآخر بيد مسلم يقرأ على كل خيط ينسجه “لا إله إلا الله محمد رسول الله.”
عند تناول هذه الأطعمة ولبس هذه الألبسة ينبغي أن تتولد في قلوبنا حرقة وتضطرم نار بفكرة أن مفتاح كل نعمة، روحانية كانت أو مادية، هو في يد محمد . هذه هي العاطفة التي ينبغي أن نربّيها في أنفسنا. ولو استطعنا ذلك لوُضعت البركة في عقلنا وفهمنا وفراستنا. إن من الطبيعي أن المرء يصبح أكثر حزنًا في المناسبات السارة، كذلك حال المؤمن، فعندما تصيبه فرحة يفكّر ما إذا كان محمد والمسيح الموعود شريكين في فرحته أم لا؟ فلو كانا شريكين في أفراحنا ازددنا فرحًا، وإلا زادتنا الفرحة حزنًا. لا شك أن المرأة المتوفى زوجها تفرح بمناسبة عرس أولادها، ولكن تسيل الدموع من عينها في الوقت نفسه إذ تقول ليت زوجي كان حيًّا وشاركَنا فرحتنا. ونفس الشيء يحدث مع الرجل الذي قد توفيت زوجته. وهذا ما يحدث مع المؤمن أيضًا، فكلما أصابته فرحة أصبح حزينًا إذ يفكّر ما إذا كان محمد والمسيح الموعود شريكين في فرحته أم لا، وإذا لم يكونا شريكين في فرحته فرح في الظاهر فقط، ولم يفرح فرحة حقيقية.
إذًا فخُطبتي ليست مبتورة عن هذه المناسبة، بل لها صلة عميقة بمناسبة عقد القران.
وبعد هذه الخطبة وبعد أن بيّنتُ لكم أبعاد هذه المسؤولية – التي تندرج فيها مسؤولياتنا كلها في الواقع – أقوم بإعلان عقد القرانين اللذين وقفت من أجلهما.”
وبعد الإعلان عن عقد القرانين قام حضرته مع الحضور بدعاء طويل.
(جريدة “الفضل” عدد 26 آب/أغسطس 1934 – نقلاً عن “خطبات محمود” المجلد الأول ص 100-131)