- الموقع الجغرافي والتنوع المناخي في سوريا جعلها موطنا للعديد من الحضارات.
- المحبة والتأخي والحرية، كانت سمات تميز سوريا قبل أزمتها الأخيرة.
- المواطن السوري يتحول من مواطن مِضياف إلى لاجئ غير مرغوب فيه.
- رسالة تتضمن أسباب الفوضى التي عمت أرجاء العالم الإسلامي.
تقع سورية في منطقة الشرق الأوسط، على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط ثم تمتد شرقي البحر سلسلة من الجبال الرائعة تليها السهول الخصبة التي يمر عبرها العديد من الأنهار، تليها البادية السورية حيث الثروات الباطنية الغنية، وقد أدى هذا التنوع المناخي إلى ظهور مناطق طبيعية خلابة، مما جعل من سورية موطنًا للعديد من الحضارات على مرِّ التاريخ.
لقد عرفت الزراعة وتطورت في سوريا منذ أكثر من 10000 سنة. وفي سورية القديمة اكتشفت أيضًا أسرار صناعة المعادن. وقد أنتجت مملكة ماري القديمة القصور والمعابد والجداريات التي عكست التقدم الكبير الذي كانت تتمتع به في مجال التجارة والثقافة. كما تم اكتشاف مكتبة كبيرة مليئة بـ 20000 من الرقم المسمارية من الألف الثالث قبل الميلاد في سوريا.
أما مملكة أوغاريت فقد قدمت للإنسانية أولى الأبجديات. وكان لها تاريخ عريق في الإدارة والثقافة والدبلوماسـية والقـانون والدين والإقتصاد في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والثالث عشر قبل الميلاد.
أما في إيبلا، فقد تم اكتشاف القصر الملكي الذي يحتوي على واحد من أكبر وأشمل أرشيف في العالم القديم. لقد اشتهرت إيبلا بالتجارة والفن والزراعة والصناعة، ولاسيما صناعة الحرير والمنحوتات الخشبية المرصعة بالعاج واللؤلؤ.
أما مملكة تدمر (270-273)، فقد كانت قوة تجارية كبيرة وأكبر منافس للرومان في ذلك العصر. للأسف الشديد وقعت تدمر اليوم بيد وحوش داعش الذين دمروا العديد من معالمها التاريخية الهامة التي ظلت صامدة عبر التاريخ دون أن يمسها أحدٌ بأذى.
وفي سورية كانت الحضارتان المسيحية والإسلامية، فهي موطن لعدد من أقدم الكنائس والمساجد في العالم. ودمشق أقدم عاصمة مأهولة في العالم بمنازلها القديمة الجميلة والتي تعتبر تحفة فنية بحد ذاتها.
لقد كانت سورية في العقود التي سبقت الأزمة، واحدة من أكثر الدول أمنا وأمانًا في العالم. وكانت حالة معظم سكانها الاقتصادية جيدة، إضافة إلى كون الغالبية من المثقفين والمتعلمين حيث أن التعليم في سورية مجاني تمامًا.
وعلى الرغم من أن غالبية سكان سورية من المسلمين، إلا أنها كانت دولة علمانية يتمتع فيها الجميع بحرية العبادة ما داموا لا يخلون بأمن وسلامة الآخرين. لقد كان المسيحيون والمسلمون من كل الطوائف يعيشون في وئام وأخوة، لدرجة أنك كثيرًا ما ترى كنيسة بجوار مسجد يقفان معًا وكأنهما يعانقان بعضهما البعض في حب أبدي. ينتمي المسلمون في سوريا إلى العديد من الطوائف، وقد كانت كل طائفة قادرة إلى حدٍ ما على ممارسة معتقداتها، على الأقل لم يكن فيها أحد يُستهدف بسبب إنتمائه الديني.
للأسف لا ينتشر في الدول الإسلامية الفساد فحسب ولكنها تعاني أيضا من نقص حاد في حقوق الإنسان، وهذا ما أصبح جليًا جدا خلال أزمة اللاجئين السوريين.
فكنتيجة طبيعية للقتل والخطف والاغتصاب الذي اكتسح سوريا منذ عام 2011، فرّ السوريون من الحرب إلى الدول المجاورة بحثا عن الأمان والحياة الكريمة. لكنهم لم يجدوا أنفسهم محل ترحيب من قبل غالبية إخوانهم المسلمين، الذين كان من المفترض أن يكونوا كأنصار المدينة المنورة لمهاجري مكة المكرمة. ولقد ساءت الأوضاع مع مرور الوقت، حتى وصلت إلى حدٍ لا يحتمل.
أخواني السوريين، أينما كنتم الآن في هذا العالم الكبير، تذكروا مثلنا السوري “يا غريب كن أديب”، احترموا دائمًا قوانين البلاد التي احتضنتكم واحترموا سكانها المحليين، حاولوا قدر المستطاع أن تفيدوا وتنفعوا تلك البلاد، وتذكروا الأيام التي كنا نعيش فيها مسلمين ومسيحيين كأسرة واحدة كبيرة.
فأقرب الجيران، لبنان، الذي يمر أيضًا بأوضاعٍ سيئة لا سيما بعد أزمتي القمامة والرئاسة قد أغلق حدوده لوقف تدفق السوريين. واليوم لا يمكن لأي سوري العبور إلى لبنان رسميًا، إلا إذا كان لديه كفيل لبناني. وعلاوة على ذلك لا يسمح للسوريين هناك بالعمل فتُركوا في الشوارع يبيعون اللبان والأقلام أو يعملون في الأعمال الشاقة بأجرٍ زهيد جدًا.
والجار الأقرب الثاني، الأردن، قد أغلق حدوده كذلك أمام السوريين منذ زمن طويل لدرجة أن السوري هناك لا يسمح له بجلب زوجته وأولاده. أما دول الخليج فلا تسمح للسوريين المقيمين على أراضيها، باستثناء السعودية، بجلب زوجاتهم وأطفالهم، على الرغم من أن عددًا من هذه الدول كانت في الطليعة في إشعال الحرب في سوريا!.
وكانت تركيا آخر دولة تغلق حدودها بوجه السوريين حتى سمح مؤخرًا للجيش التركي بإطلاق النار على كل من يحاول عبور الحدود السورية مما أدى إلى مقتل العديد من السوريين. وأما مصر ودول شمال إفريقيا فقد أغلقوا جميعهم حدودهم أيضًا بوجه السوريين.
وبالعودة للسعودية، فلا يمكن للسوري أن يذهب إليها إلا إذا كان لديه قريب من الدرجة الأولى كالأب أو الزوج وعندها يمكنه الذهاب إليه بموجب تأشيرة زيارة فقط. ولكن لا يسمح له بالعمل، ومدة تأشيرة الزيارة هذه قد تصل بحد أقصى إلى ثلاثة أشهر ولكن بإمكانه تجديدها بعد دفع مبلغ 100 ريال كرسوم. وللقارئ أن يتخيل المبلغ الذي تجنيه الحكومة السعودية من الزوار السوريين شهريًا والذين تدعي مساعدتهم واستقبالها لهم كلاجئين!
لقد كانت سوريا على مر التاريخ، ملاذا آمنًا للمهاجرين الذين فروا من الأوضاع السيئة في بلدانهم. فقد استقبل السوريون أكثر من مليوني عراقي، وتم منحهم كافة الحقوق وقد بقي عدد كبير منهم في سورية حتى اندلاع الحرب، كما استقبل السوريون اللبنانيين الذين فروا من حرب 2006 بأذرع مفتوحة. أتذكر عندما زرت سوريا في ذلك الوقت فقد رأيت بأم عيني كيف كان يسمح للشعب اللبناني أخذ ما يشاء من المتاجر في الأسواق مجانا، وشهدت كيف قدم السوريون لهم منازلهم للعيش فيها دون مقابل. وأتذكر عندما أوقفت مرة سيارة أجرة بعد نزول أحد الركاب منها، وكان لبنانيًا، كيف رفض السائق أخذ قرش واحد منه.
وقبل ذلك في عام 1990، فرّ العديد من الكويتين إلى سورية حيث لقوا استقبالا حارا. وكذلك استقبل السوريون الفلسطينيين بقلوب مفتوحة بعد تهجيرهم في أربعينيات وستينيات القرن الماضي وهم يتمتعون حتى الآن بكافة الحقوق التي يتمتع بها السوريون.
خلال الحرب العالمية الثانية استقبل السوريون، بالحب والاحترام، آلاف اللاجئين اليونانيين الفارين من الحرب في بلادهم. وقبل ذلك وخلال الحرب العالمية الأولى، استقبل السوريون آلاف اللاجئين من أرمينيا والذين وصلوا إلى سوريا في ظروف بائسة جدا، فقدم لهم السوريون المساعدات والملاجئ، وقد أصبحوا فيما بعد سوريين، ووفقا لتعداد عام 2011، هناك 60000 سوري من أصل أرمني يعيشون في حلب وحدها.
ليس هناك ما يبعث على الاعتقاد بأن السوريين الذين يهاجرون اليوم لن يستمروا في عادتهم في المساهمة في مواطنهم الجديدة. على أية حال ألم يكن ألبرت أينشتاين مهاجرًا ألمانيًا إلى الولايات المتحدة؟ ومن السوريين أذكر على سبيل المثال عددًا من نوابغ المهاجرين السوريين ككارلوس منعم، وميتش دانيالز، ومصطفى العقاد وعبد الفتاح الجندلي الأب البيولوجي لستيف جوبز!
يتصف السوريون بالنشاط والإبداع لدرجة أن حلب كانت تسمى في السنوات الماضية “هونغ كونغ الشرق الأوسط” فقد كانت أكبر منطقة للصناعات التحويلية في سوريا.
إخواني السوريين، أينما كنتم الآن في هذا العالم الكبير، تذكروا مثلنا السوري “يا غريب كن أديبا”، احترموا دائمًا قوانين البلاد التي احتضنتكم واحترموا سكانها المحليين، حاولوا قدر المستطاع أن تفيدوا وتنفعوا تلك البلاد، وتذكروا الأيام التي كنا نعيش فيها مسلمين ومسيحيين كأسرة واحدة كبيرة.
وأخيرًا أود أن ألفت انتباه جميع إخواني السوريين داخل سوريا وخارجها وانتباه جميع المسلمين إلى الرسالة الواضحة في القرآن الكريم:
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (الإسراء: 16). هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات في القرآن الكريم تظهر بوضوح أن غضب الله الذي يحيط بالعالم الإسلامي والفوضى التي تعصف به، إنما سببها رفضهم لمبعوث السماء. فمن هو المبعوث السماوي لهذا العصر؟ من هو الموعود مجيئه في آخر الزمان؟ من الذي ادعى أنه المهدي والمسيح؟ من هو الشخص الذي حقق ببعثته نبوءات جميع الكتب المقدسة وأحاديث نبينا وسيدنا محمد المصطفى ؟ من الذي ادعى أنه بُعث من أجل توحيد البشرية وإرساء السلام في هذا العالم؟
إنه حضرة ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى بكل ذلك وحقق كل ذلك. وإن إنهاء معاناة ومآسي العالم منوطة فقط بالإيمان بحضرته لأن هذا ما أمرنا به الله ونبينا الكريم .