- موقف الخليفة الثاني رضي الله عنه
- القضية الفلسطينية
- “الكفر ملة واحدة”
__
إن إخلاص الأحمدية وولاءها للعالم الإسلامي والعربي منذ تأسيسها إلى يومنا هذا غنيّ عن البيان. ولقد كانت قضايا العرب والمسلمين في صلب اهتماماتها دوما.
لقد أحب المسيح الموعود العرب حبا جما لحبه الصادق لسيده وسيدنا المصطفى ، وكتب كثيرا من رقيق العبارات التي تفيض بالمحبة والشوق إلى العرب وإلى اللقاء بهم وزيارة ديارهم وسككهم، منها قوله :
“السلام عليكم، أيها الأتقياء الأصفياء من العرب العَرْباء. أنتم خيرُ أُمم الإسلام وخيرُ حزب الله الأعلى… يا سكانَ أرض أوطأته قدمُ المصطفى، رحمكم الله ورضي عنكم وأرضَى، إن ظني فيكم جليل، وفي روحي للقائكم غليل. يا عبادَ اللهِ، وإني أَحِنُّ إلى عِيانِ بلادكم، وبركاتِ سوادِكم، لأزورَ مَوطِئَ أقدامِ خيرِ الورى، وأجعلَ كُحْلَ عيني تلك الثرى، ولأَزورَ صلاحَها وصُلحاءَها، ومَعالِمَها وعُلماءَها، وتَقَرَّ عيني برؤيةِ أوليائِها، ومَشاهدِها الكبرى. فأَسْأَل اللهَ تعالى أن يرزُقَني رؤيةَ ثراكم، ويَسُرَّني بمَرآكم، بعنايتِه العظمى.يا إخوان.. إني أُحِبُّكم، وأُحِبُّ بلادَكم، وأُحبُّ رَمْلَ طُرُقِكم وأَحجارَ سِكَكِكم، وأُوثِرُكم على كلِّ ما في الدنيا.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الرواحانية، ج 5 ص 419 إلى 422)
موقف خليفته الثاني
نتيجة لهذا الحب الذي غرسه المسيح الموعود للعرب في نفوس أتباعه.. أحبّهم خلفاؤه بما لا مثيل له، واهتموا بالقضايا العربية اهتماما كبيرًا، وساعدوا العرب مساعدة أقضّتْ مضاجع الاستعمار، وقدّموا لهم عند كل حدث هام نُصْحَ الناصح الأمين. نقدم فيما يلي بعض هذه الأحداث بشيء من التفصيل.
القضية الفلسطينية
لما كان الاستعمار يخطط لتمزيق فلسطين أحس العرب بالخطر المحدق بهم، واجتمعت الوفود العربية لمناقشة هذه القضية الحساسة مع المستعمر في لندن سنة 1939.. وقد أيد حضرة إمام الجماعة الخليفة الثاني الوفودَ العربية كل تأييد، ودعا لهم من الأعماق بالتوفيق. وقد بعث حضرته برقية إلى الداعية الإسلامي الأحمدي في لندن مولانا جلال الدين شمس.. ليقرأها على مسامع الوفود العربية في مأدبة كبيرة أقامتها الجماعة في مسجد “الفضل” ترحيبا بهم وتكريما لهم.. وقد حضرها ما ينوف على مائتي شخصية عربية وغربية كبيرة، منهم مندوب المملكة السعودية إبراهيم سليمان، وسعادة الشيخ الحاج حافظ وهبة وزير المملكة العربية السعودية المفوض في لندن، وفؤاد بك حمزة نائب السكرتير للأمور الخارجية السعودية، والسيد رؤوف شادر يحيى سفير العراق، ومعالي السيد توفيق بك السويدي وزير خارجية العراق سابقا، وعبد الله بك سكرتير وزير خارجية العراق، والمندوبون من فلسطين عون بك الهادي، والقاضي علي عمري والقاضي محمد أشمعي وغيرهم.
وهذا نصُّها:
“رَحِّبْ بصاحب السمو الملكي الأمير فيصل نيابة عني، وكذلك ببقية المندوبين للمؤتمر الفلسطيني، وأخبرْهم أن الجماعة الإسلامية الأحمدية معهم بكل معنى الكلمة، وهي تدعو الله أن يكلل مساعيهم بالنجاح والفلاح، ويوفقهم لقيادة العالم الإسلامي كما في القرون الإسلامية الأولى”.
“الكفر ملة واحدة”
ثم عندما مزق الاستعمار فلسطين وأقرّ تقسيمها في الأمم المتحدة عام 1947 كتب الخليفة الثاني نشرتين: “هيئة الأمم المتحدة وقرار تقسيم فلسطين” و”الكفر ملة واحدة”.. بيّن فيهما موقف الجماعة من هذه القضية الحساسة، ودعا فيهما العالم الإسلامي لنبذ الخلافات وتوحيد الصفوف لمحاربة إسرائيل. وقام بتوزيع النشرتين في العالم العربي على نطاق واسع جدا. نقتبس من كتيب: “الكفر ملة واحدة” ما يلي:
“لا تظنوا أن الغرب اليوم عدو لكم والشرق صديقكم، ولا تحسبوا العكس أيضا صحيحا. إنني أنبهكم أن أمريكا ليست صديقة لكم، كما أن روسيا أيضا ليست صديقة لكم. إنهما قوتان متفقتان على التآمر ضد الإسلام. ألم يبق فيكم شيء من الغيرة وحُبِّ الإسلام حتى تنبذوا أنتم أيضا عداواتكم الداخلية وتتحدوا من أجل الإسلام؟….. إن قضية فلسطين تهمّ العالم الإسلامي كله. إن فلسطين على مقربةٍ من الأرض المقدسة التي فيها مرقد سيدنا ومولانا محمد المصطفى ، الذي كانت اليهود تخالفه في حياته أيضا، وتعارضه في أعماله بكل وقاحة، مع أنهم لم يروا منه إلا البر والخير والكرم. إن الحروب التي نشبت بينه وبين العرب أكثرها كانت بإغراء اليهود وتحريضهم، وهم الذين استثاروا كسرى إيران على قتله . هذا العدو اللدود يريد الآن أن يرفع رأسه بصورة دولة قوية على مقربة من المدينة المنورة بنية التقدم نحوها ومهاجمتها بعد أن يرسخ أقدامه في فلسطين. إن كان هناك مسلم يرى غير هذا ويظن أنه ليس هناك أية أسباب قوية لمثل هذا الخطر، فلا شك أنه مخطئ. أما العرب فهم يفهمون هذه الحقيقة جيدا، ويعلمون أن الصهيونية مزمعة على إجلائهم من وطنهم، ولذلك فقد قاموا ضد الصهاينة كرجل واحد…. إن القضيّة ليست قضيّة فلسطين، وإنما هي قضية المدينة المنورة. المسألة ليست مسألة بيت المقدس، وإنما هي مسألة مكة المكرمة ذاتها. القضيّة ليست قضيّة زيد أو عمرو، بل هي قضيّة عِرض محمد رسول الله . لقد اتّحد العدو ضد الإسلام متناسيًا أوجه الخلاف الكثيرة بينه، أَوَلاَ يتّحد المسلمون بهذه المناسبة رغم وجود آلاف من أوجُه الاتحاد بينهم؟ ألا ترون أن الأعداء مع شدة العداوة وكثرة الخلافات فيما بينهم قد وحدوا صفوفهم ضد الإسلام، فهلا يتّحد المسلمون في هذه الآونة العصيبة، ودواعي الاتحادِ بينهم كثيرة؟ حان أن نفكر ونقرر هل يليق بنا أن نموت متفرقين جماعة بعد جماعة، أو نكون يدا واحدة، ونبذل كل جهدنا للانتصار مجتمعين.أرى أن الوقت ينادي المسلمين بصوت عال أن يبتّوا رأيهم ويعقدوا عزمهم على أن يموتوا مناضلين في سبيل الحصول على حقوقهم، أو يستأصلوا الدسائس ضد الإسلام كلية….ها، إني أذكّر المسلمين وأنبّههم كي يعرفوا خطورة الموقف وشدة الخطب، ويعلموا أنه قد تحقق صدق قول النبي : “الكفر ملة واحدة”. لقد قام الصهاينة قومةَ رجل واحد لمحو عظمة الإسلام…. ألم يأن للمسلمين، سواء أكانوا من باكستان، أو أفغانستان، أو إيران، أو ماليزيا، أو إندونيسيا، أو أفريقيا، أو تركيا، أو غيرها من البلاد الإسلامية.. أن يوحّدوا كلمتهم؟ ألم يأن لهم أن يتحدوا وهم يرون أن الفأس قد وُضعت على جذور الإسلام، وتعرضت الأماكن المقدسة للأخطار؟ ألم يأن لهم أن يقوموا كلهم مع العرب ويدفعوا هذه الهجمات النكراء التي يريد بها العدو كسر شوكة المسلمين وجعلهم أذلاء مُهانين.” (“الكفر ملة واحدة” نقلاً عن جريدة “الفضل” 21/5/ 1948)
وقد علقت الصحف العربية على نشرة “الكفر ملة واحدة”، فمثلا كتبت صحيفة “النهضة” الحلبية:
“أهدانا السيد مرزا محمود كراسة صغيرة تحتوي على الخطاب الذي ألقاه في لاهور، باكستان.. يدعو فيها المسلمين إلى الاتحاد والعمل الحاسم لإنقاذ فلسطين من الصهاينة المجرمين. كما أنه يهيب بأبناء الباكستان البررة أن يبادروا إلى مساعدة عرب فلسطين بالمال، ويذكّرهم بالرسول الكريم ، مستشهدا بآيات شريفة يحضّ فيها المسلمين على أن يقفوا صفا واحدا أمام سيل الصهيونية المجرمة…. وهي خطبة جيدة ودعاية حسنة لفلسطين والمسلمين. ندعو الله أن يحقق آمالنا وأمانيه العذبة في سبيل ديننا القويم، والله من وراء القصد”. (جريدة “النهضة” الحلبية، عدد 12 يوليو 1948)
وكتبت جريدة “صوت الأحرار”:
“الكفر ملة واحدة”، بهذا العنوان ألقى السيد مرزا محمود أحمد إمام الجماعة الأحمدية… خطبة مطولة حمل فيها بشدة وعنف على الصهيونية الآثمة المجرمة. ولم يُخفِ استغرابه العميق من اجتماع المتناقضات واتحاد الأعداء في سبيل إنكار عروبة فلسطين والاعتراف بكيان اليهود الموهوم. ويتابع حملته الشديدة ضد السياسة الاستعمارية التي تنشد دوما وأبدا الاستغلالَ والظلم، ثم يقارن موقف هؤلاء المعتدين من قضية فلسطين بموقفهم من قضية كشمير، ويخلُص إلى القول أنْ لا سبيل إلى الاستقلال والخلاص مِن كل نير أجنبي بغير الاتحاد والتآلف.”