البراهين الأحمدية

البراهين الأحمدية

مصطفى ثابت

السيرة الطاهرة (5)

على إثر وفاة والد مرزا غلام أحمد.. صار أخوه الأكبر.. مرزا غلام قادر.. رب العائلة الذي تولى أمورها. وكان يشغل في تلك الأيام وظيفة مدَنية في “كورداسبور” ويزور قاديان من حين لآخر. وكان مرزا غلام أحمد يستحق بطبيعة الحال نصف ميراث أبيه، ولكنه لم يلق بالا لذلك الأمر وترك أخاه يستولي على كل الدخل الذي يتحصل عن ممتلكات العائلة، قانعا بالنّزر اليسير الذي يكفي حاجاته المتواضعة، ولم يطالب أخاه بأية مطالب. فكان يرتدي الملابس التي تُعطى له، ويتناول قدرا ضئيلا من الطعام الذي كانت ترسله إليه زوجة أخيه. وفي كثير من الأحيان كان يُوَزِّع الطعام على بعض الفقراء ويكتفي بتناول بعض الحمّص، يشتريه من بعض الدكاكين. وبعض الأحيان كان يبقى دون طعام بالمرة. وقد عاش.. باختياره.. ليس حياة متواضعة فحسب.. بل حياة زهد صارم. وكان يشغل نفسه دائما بعبادة الله وذكره، وتلاوة القرآن الكريم ودراسته، مع بعض الكتب الدينية الهامة الأخرى.

ولما كان مشتركا في بعض المجلات.. فقد أرسل إلى أخيه مرة يطلب منه بعض المال لدفع ثمن اشتراكاته، ولكن طلبه قوبل بالرفض بدعوى أن قراءة الصحف أمر فيه مضيعة للوقت، وإنفاق المال على شرائها تبذير!!.

نعم.. كان أخوه يحترمه.. وكان على استعداد أن يوفر له ضرورات الحياة، ولكنه كان يرى أن انشغاله بالدفاع عن أمور الدين “هواية” لا طائل من ورائها.. وأن عليه أن يوجه اهتمامه نحو وظيفة يتكسّب من دخلها. وعلى ذلك.. فإنه خلال السنوات التالية، عندما كان تحت كفالة أخيه من عام 1876 وحتى عام 1883.. كانت حياة مرزا غلام أحمد محوطة بسياج من القيود في أمور متعددة. ولم يكن أفراد العائلة الآخرون يهتمون بما يجري في حياته.. فقد كانوا أبعد الناس عن الاهتمام بالأمور الدينية.. لذلك فإن البعض منهم لم يُخفِ عداءه بل وازدراءه لأسلوب حياته. ورغم كل هذا فإنه لم يسمح لأي من هذه العوامل أن تؤثر على هدوئه ووقاره ورصانته.. وكان يتقبل كل ما يتلقاه بصدر رحب وبشاشة وجه.. معتبرا أن ذلك كله ليس إلا اختبارا من الله تعالى، وأن عليه أن يتحمله بصبر ورضى وجلد.

وفي تلك الأيام.. كان قد تزايد نشاط فرقة الآرياسماج التي يتزعمها الهندوسي “سوامي ديانند”.. وأخذت تنتشر بسرعة في البنجاب.. وبدأت تُظهر العداء الشديد بل والانتقاد البذيء للإسلام وعقائده وتعاليمه. وفي مباحثات تلك الفرقة.. لم يسلم شخص رسول الله من التجني الفاضح بأبذأ الأساليب وأقبح الألفاظ. ومن جانب آخر.. كان الإسلام يُعاني من هجمة ضارية من جانب القساوسة المسيحيين ومنظماتهم الإرسالية.. وكانت صولتهم القاسية على الإسلام تتسم بأساليب الخبث والتجني والدجل والافتراء. وفي تلك الظروف.. شعر المسلمون بأنهم لا حول لهم ولا قوة.. ولم يبد منهم إزاء تلك المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام سوى الإهمال والتغافل. ومن كان منهم يدرك فداحة الأخطار التي تحوط الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت.. لم يكن يعلم ما هو السبيل للتصدي لتلك الهجمات ولا كيفية الذوْد عن الإسلام. وكان مرزا غلام أحمد هو الاستثناء الوحيد في تلك الظروف. فإن دراساته للقرآن الكريم، وتعمّقه في فهم الحقائق اللدنية، واعتماده التام والكامل على فضل الله تعالى وتأييده، وتشرّفه بتلقي الوحي من الله .. قد جعله مؤهلا لأن يكون بطل الإسلام المغوار الذي يتولى الدفاع عنه.

وبتوجيه من الله تعالى.. بدأ القيام بمشروع عظيم.. ليس فقط للدفاع عن الإسلام ضد الهجمات الفتاكة من كل جانب.. ولكن لكي يُبرز أيضا عظمة الإسلام وتفوّقه على كل الأديان الأخرى. فأخذ في تأليف كتاب ضخم سماه “البراهين الأحمدية على حقيقة كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية”، ليوضّح فيه عظمة تعاليم الإسلام وسموها على تعاليم غيره من الأديان.

وفي مايو (آيار) 1879 كان قد قطع شوطا طويلا في إعداد كتابه الضخم.. يسمح بأن يعلن عنه للملأ ويشرح موضوع الكتاب وغرضه وأهدافه. وكان من أكبر العوائق في طريقه هو قلة المال اللازم لطبع ونشر ذلك الكتاب. فنشر نداء لكل من يجد في نفسه القدرة المالية أن يساعده في طبع ونشر هذا الكتاب، وذلك بأن يشتريه مقدما. ولكن بسبب فقر المسلمين عامة، وفقدانهم روح الحماس للدفاع عن الدين.. لم يجد نداؤه الصدى المطلوب. غير أن حفنة من المسلمين الأغنياء تبرعوا بجزء من المال يزيد قليلا عن ثمن النسخة الواحدة من الكتاب. وبتلك الهبات.. استطاع المؤلف أن يبدأ في نشر مؤلفه. وتم طبع الجزء الأول والثاني عام 1880، وقد تضمَّن الجزء الأول من الكتاب تحديا.. أنه إذا استطاع أي فرد من أتباع دين من الأديان الأخرى.. أن يُقدّم من تعاليم دينه عددا من الدلائل يبلغ نصف أو رُبع أو حتى خمس ما يقدمه هو من الدلائل على عظمة تعاليم الإسلام.. فإنه على استعداد أن يتنازل عن كل أملاكه لذلك الشخص.. وكانت أملاكه التي كانت في عهدة أخيه في ذلك الوقت تُقَدّر بحوالي عشرة آلاف روبية.

وقد افتتح المؤلف كتابه بالثناء على الله تبارك وتعالى والصلاة على رسوله الكريم، وذلك في مقدمة قصيرة باللغة العربية ننقلها للقارئ فيما يلي، حتى يدرك القارئ الحصيف مدى تقديسه لله تعالى، وقدر احترامه وتقديره للرسول الأكرم :

بسم الله الرحمن الرحيم

سبحانك ما أقوى برهانك.. العظمة كلها لك.. والقدرة كلها لك.. العالم كله ضعيف والقوة كلها لك. أنت الأحد الصمد الذي توحَّد في وجوب وجوده.. وتفرَّد في فضله وَجُوده. جلّت حِكمتك.. وتجلت حُجتك.. وتمت نعمتك.. وعَمّت رحمتك. وتنَزّه ذاتك عن كل منقصة ونقصان.. وتعالى شأنك من جميع ما يُشان. أنت المتوَحد المتفرّد بجلال ذاته.. وكمال صفاته.. المنَزه عن شوائب النقص وسماته. نحمدك على ما تفضلت علينا بتنْزيل كتاب لا ريب فيه ولا خطأ ولا نسيان.. وكشفت به على نفوسنا الخاطئة المخطئة سبيل الحق والعرفان.. فأنت هَدَيْتنا بالفضل والجود والإحسان.. وما كنا لنهتدي لولا هُداك يا رحمن.

ونسألك أن تصلي على رسولك النبي الأمي الذي نجيتنا به من سبل الضلالة والطغيان.. وأخرجتنا به من ظلمات العمَى والحرمان.. الذي ظهر دينه الحق على كل دين من الأديان.. وتقدست ملته عن كل شرك وبدعة وعدوان.. وسبقت شريعته في كل معرفة وحكمة وبرهان. هو العبد المخلص الذي اصطنعته لمحبتك وتوحيدك.. وجعلتَ أَحَبَّ إليه من نفسه ذكر تقديسك وتمجيدك. أرسلتَه رحمة للعالمين.. وحجة على المنكرين.. وسراجا منيرا للسالكين.. وداعيا إلى الله للطالبين.. وبشيرا ومبشرا للمؤمنين.. وإنسانا كاملا للناظرين.  جاء بكتاب يحيط على القوانين الحِكَمية.. ويهدي إلى جميع السعادات الدينية. أكمل كثيرا من الناس في القُوَى النظرية والعملية.. فجعلهم المتحلين بالأخلاق المرضية الإلهية.. والمتخلين عن الأدناس البشرية السفلية.. فأصبحوا بتعليمه المترقّين في العلوم الحقيقية اليقينية.. والمتلذذين بالمحبة الربانية الأحدية.. والمستعدّين لحظيرة القدس والتجليات القدّوسية. اللهم فصل عليه وعلى جميع إخوانه من الرسل والنبيين.. وآله الطيبين الطاهرين.. وأصحابه الصالحين الصديقين. (براهين أحمدية، الخزائن الروحانية ج 1 ص13-14)

كان تأليف وطبع ونشر ذلك المجلد الكبير، المشتمل على عظمة التعاليم الإسلامية، يُعد عملا جبارا تكتنفه المصاعب والمشاق. نعم.. كان المؤلف نفسه رجلا على قدر كبير وعظيم من العلم بالإسلام والأديان المقارنة، وكان يتلقى الوحي من الله تعالى الذي كان يؤيده على الدوام.. وكانت لديه فرصة الاطلاع على مكتبة العائلة التي رغم تدميرها على أيدي السيخ في حياة جده، إلا أنه أعيد تزويدها بعدد لا بأس به من الكتب. وكان هذا هو كل ما يتمتع به من تيسيرات. فكما سبق ذكره.. كانت قاديان التي هي محل إقامته.. تقع على بعد 11 ميلا (أكثر من 17 كيلومتر) من أقرب محطة للقطار أو مكتب للتلغراف. إذ كانت قرية صغيرة لا يوجد بها سوى النّزر اليسير من وسائل المعيشة. وكانت أقرب مطبعة تصلح لطبع مثل هذا الكتاب توجد في أمرتسر وهي على بعد 35 ميلا من قاديان (حوالي 57 كيلومتر). ولم يكن في قاديان في ذلك الوقت أي شخص يصلح لمساعدة المؤلف في كتابة مؤلفه أو في إعداد ذلك العمل الضخم، فلم يكن لديه سكرتير يملي عليه.. وإنما كان يكتب بنفسه كل صفحات الكتاب، ولما حان وقت الطبع كان عليه أن يسافر بنفسه إلى أمرتسر حاملا معه كل مُسودات الكتاب، ويشرف بنفسه على عمليات الطبع والمراجعة والإعداد. وقد تطلب ذلك رحلة لمسافة 11 ميلا على طريق طيني وعر، يُعاني من الحفر والمطبات، حتى إن عبوره على الأقدام كان أسهل من عبوره في عربة من تلك العربات الخطرة.. التي تجرها البغال أو الثيران، وكانت تخلو من السُسَت التي من المفروض أن تمتص الارتجاجات القوية.. فكان السفر بها قطعة من العذاب.. يرتج فيها المرء إلى أعلى وإلى أسفل بعدد الحفر التي تسقط فيها العجلات، وبعدد النتوءات التي ترتطم بها على طول الطريق. حتى إذا ما وصل إلى مدينة بطالا بعد طول عناء.. كان عليه بعد ذلك أن يسافر عن طريق القطار لمسافة 24 ميلا أخرى حتى يصل إلى أمرتسر. وكان عليه أن يقوم بتلك الرحلة عدة مرات حتى ينتهي من طبع الكتاب. وعلى ذلك.. فإن الكتاب بأكمله قد أُلّف وكُتب وطُبع بمجهود رجل واحد.. لم يكن له من يساعده سوى فضل الله تعالى وإحسانه عليه.

وقد تم نشر الجزأين الأول والثاني عام 1880 وتبعهما الجزء الثالث عام 1882 والرابع عام 1884. واضطر المؤلف أن يرجئ نشر الجزء الخامس، حيث إنه منذ عام 1882 وما تلاه انشغل في مجال أوسع.. ففي ذلك العام أبلغه الله تعالى عن طريق الوحي أنه قد اختاره ليكون مجدد ذلك القرن.

وبعد نشْر الجزأين الأول والثاني من كتاب “البراهين الأحمدية”.. تلقى الكتاب ومؤلفه الثناء العظيم والتقريظ الكبير بأبلغ الأساليب من علماء المسلمين وقادتهم، والشخصيات الإسلامية البارزة. وفيما يلي نبذة بسيطة من التعليقات التي صدرت عن الكتاب، وهي تعطي القارئ فكرة موجزة عما كان يمثله مرزا غلام أحمد في أذهان الناس، وبالذات بين الطبقة المتعلمة والمتدينة منهم.

كان المولوي محمد حسين البطالوي، زعيم فرقة أهل الحديث، قد نشر في جريدته “إشاعة السُنَّة”، تعليقا على الكتاب بلغ ما يقرب من مائتي صفحة، وذلك في المجلد السابع من الجريدة، بدءًا من العدد السادس حتى العدد الحادي عشر. وكان مما ذكره في افتتاحية التعليق ما يلي:

“إن من رأينا.. حين نضع هذا العصر وأحواله في الاعتبار.. أن هذا الكتاب لم يُنشر له مثيل منذ بدء الإسلام إلى هذا اليوم، ولا نعلم ما يمكن أن يحدث في مستقبل الأيام، لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا. إن المؤلف قد أثبت أنه رجل مثابر في خدمة الإسلام، بالقلم واللسان، والحال والمال، وغير ذلك.. حتى إنه من النادر أن تجد له مثيلا بين المسلمين. ومن يعتبر قولنا هذا مبالغة تمشيا مع أسلوب أهل آسيا.. فعليه أن يدلنا على كتاب واحد على الأقل تصدَّى لأعداء الإسلام.. وخاصة من الآرياسماج والبراهموسماج.. بكل قوة وبرهان، وعليه أن يقدم لنا أسماء ثلاثة أو أربعة ممن قدموا للإسلام خدمات مثل ما قدم هذا الرجل، وعليه أن يبرهن لنا أنهم لم يخدموا الإسلام بأقلامهم وألسنتهم وأموالهم فحسب.. بل وبأنفسهم أيضا، فتحدّوا الذين ينكرون إمكانية الوحي أن يتأكدوا بأنفسهم من أن صاحب التحدي نفسه يتشرف بتلقي الوحي من الله تعالى.”

وأضاف قائلا:

“إن مؤلف البراهين الأحمدية.. في شهادة أصدقائه وأعدائه على السواء.. قد أقام حياته على شريعة الإسلام. وإنه تقي ووَرع. ومن المعروف أن نفثات الشيطان دائما ما تكون كاذبة، ولكن ليس بين بشارات الوحي التي تلقاها مؤلف البراهين الأحمدية.. ولا بشارة واحدة.. ثبت كذبها إلى هذا اليوم. وعلى هذا.. فلا يمكن اعتبارها أبدا من نفثات الشيطان. هل يجوز لأي مسلم أن يعتقد أن الشيطان يمكن أن يُؤتَى مثل ما أوتي النبيون والملائكة من علم الغيب، بالشكل الذي أوحاه الله تعالى لمؤلف البراهين الأحمدية، حتى إنه لم يحدث لأي نبأ من الأنباء التي أطلعه الله عليها أن ثبت بطلانه؟

وانتهى هذا التعليق المفصّل بالنداء التالي:

“إن عظمة هذا الكتاب ونفعه للإسلام، سوف يتجلى لمن يقرأه بعقل مُتفتح، أو من يطلع على تعليقنا عليه. وعلى ذلك.. وبناء على قوله تعالى: وَهَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ فإن واجب المساهمة في نفقات طبع ونشر هذا الكتاب، يقع على الأمة الإسلامية بأسرها. إن مؤلف البراهين الأحمدية قد حفظ شرف المسلمين، وتحدى أعداء الإسلام بقوة وبراعة. لقد أعلن للعالم أجمع أن من لديه أدنى شك في صدق الإسلام، فعليه أن يأتي إليه، ويرى بنفسه الحقائق والأدلة العقلية والروحية التي تنبثق من القرآن.. ويرى المعجزات البيِّنة لمحمد تأييدا لصدق الإسلام.”

وكان أحد كبار المعجبين الآخرين بكتاب البراهين الأحمدية، هو حضرة صوفي أحمد جان من لدهيانة، وكان هو نفسه من كبار الصالحين المتصوفين. وقد قرّظ الكتاب ومدح مؤلفه بما يلي:

“إن هذه الشخصية العظيمة.. صاحب الفضل على الإنسانية، ومنبع الجود والخير، الذي هو في ذاته دليل صدق الإسلام، صاحب الشرف والأصالة.. حضرة مرزا غلام أحمد صاحب.. زاده الله فضلا.. رئيس قاديان في غورداسبور بالبنجاب، قد ألّف كتابا سماه “البراهين الأحمدية” باللغة الأردية، وقد تم نشر جزئين منه، وسوف يتم نشر باقي الأجزاء تباعا لتصل إلى المشتركين.

إن هذا الكتاب قد أرسى دعائم صدق الإسلام.. وصدق نبوة محمد .. وصدق القرآن الكريم. وقد دلل على ذلك بإيراد ثلاثمائة دليل من البراهين القوية التي لا تقبل الجدل، وردّ بأدلة منطقية حاسمة هجوم المسيحية، والآرية، والهندوسية، والبراهموسماج، وكل الأديان المعادية للإسلام. وقد أعلن المؤلف في الجزء الأول من البراهين الأحمدية، أن أي شخص من أتباع أي دين يعارض صدق الإسلام.. إذا استطاع أن ينقض تلك الدلائل، أو نصفها، أو حتى خمسها، فإن المؤلف سوف يتنازل له عن كل أملاكه التي تُقدّر بعشرة آلاف روبية.

إن هذا الكتاب قد أبطل تماما كل الحجج التي يسوقها أعداء الإسلام، وأخرس كل معارضيه، وأوضح حقيقة صدق التعاليم الإسلامية، بشكل يجعل الإنسان يدرك الفضل العظيم لدين الإسلام، ويتبين أي كنْز عظيم ذلك القرآن، وتظهر له الحقيقة الخالدة لدين محمد . إن آيات القرآن المجيد التي اقتبسها المؤلف، وذكرها في استشهاداته واستدلالاته، تبلغ ثلثي آيات القرآن.

إن هذا الكتاب يقنع الكافرين.. وينبه الجاهلين.. وينذر الغافلين.. وينير فهم وإدراك المؤمنين.. ويعمق جذور العقائد الإسلامية.. ويزيل كل الشكوك والأباطيل التي أثارها أعداء الإسلام. لقد انتشر الكثير من اللغط والبلبلة والفكر المشوش بين أتباع كل دين في هذا القرن الرابع عشر الهجري.. وكما قال أحدهم: إن كل يوم يمر علينا يأتي إلينا بنوعيات جديدة من الكفار ونوعيات جديدة من المسلمين. فالآن.. صارت الحاجة أشد ما تكون إلى كتاب مثل البراهين الأحمدية، وإلى وجود مجدد مثل سيدنا المبجل مرزا غلام أحمد.. الذي بيّن استعداده التام، أن يبرهن على صدق دعوى الإسلام، بما يُثلج صدور أعدائه. إن مؤلف “البراهين الأحمدية” ليس من علماء الدين العاديين، ولا هو واحد من الزعماء الشعبيين، وإنما هو صفيّ الله، الذي اصطفاه واختاره لهذا الغرض، وأيده بالوحي الإلهي. إن المئات من جمل الوحي التي تلقاها، والنبوءات، والرؤى الصادقة، والتوجيهات الربانية، والمبشرات التي تتعلق بهذا الكتاب، والتي تحمل بشرى النصر والتأييد الإلهي والهدي الرباني، والتي جاءت بلغات عديدة، كالعربية والفارسية والأردية وحتى اللغة الإنجليزية -رغم أن المؤلف لا يعرف اللغة الإنجليزية- قد وردت في هذا الكتاب، وجاء معها ما يصدقها من شهادة مئات من الناس.. حتى من بين غير المسلمين.. بل ومن بين أعداء الإسلام أنفسهم.. مما يؤكد صدقها ويبرهن على أن المؤلف -دون أدنى شك- يكتب هذا الكتاب وهو تحت توجيه الله وهداه. كذلك.. فإنه حسب حديث رسول الله : (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها).. نرى أن مؤلف هذا الكتاب هو مجدد القرن الرابع عشر، وإنه لعالم قدير، وهو من الأفراد الكُمّل في الأمة الإسلامية. وإن هذا أيضا يؤيده حديث آخر لرسول الله الذي يقول فيه: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل.”

وقد أنهى الكاتب تعليقه على كتاب “البراهين الأحمدية” بسرد وصف لشخصية المؤلف، عدّد فيه مناقبه بأسلوب أخاذ.

كذلك كتب المولوي محمد شريف.. وكان محررا لصحيفة “منشور محمدي”.. تعليقا على الكتاب أثنى فيه عليه ثناءً كبيرا، وجعل على رأس تعليقه الآية الكريمة:

قُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ،

وذكر خلال تعليقه:

“إن الإسلام يُهَاجَمُ من كل اتجاه. فالإلحاد ينتشر، واللاتدين يزدهر، وأتباع البراهموسماج يبذلون كل جهد لإثبات عظمة دينهم وتفوقه على الإسلام، من خلال كتبهم ومقالاتهم الفلسفية، وإخواننا المسيحيون يكرّسون كل أوقاتهم ومجهوداتهم لمحو الإسلام كلية، وإنهم على اقتناع تام بأنه ما دامت شمس الإسلام تلقي بأشعتها على العالم، فإن مجهوداتهم لنشر المسيحية ستضيع هباءً منثورا. وباختصار.. فإن أتباع كل دين يبذلون الجهد الأكبر لإطفاء شمس الإسلام وإخماد أنفاسه.وقد كنا نتطلع منذ أمد طويل، إلى أن يظهر من بين المسلمين أحد رجالاتهم يكون مؤيدا من الله تعالى، فيتصدى للدفاع عن الإسلام، ويكتب كتابا يليق باحتياجات العصر ومقتضيات هذا الزمان، ويُضمّنه الأدلة العقلية والمنطقية المستوحاة من الكتاب والسُنَّة، ليبرهن ويثبت أن القرآن هو حقا كلام الله ووحيه إلى رسول الله ، وأن ذلك الرسول كان بحق الصادق الأمين، الذي اختاره الله رسولا للعالمين. وإننا لنشكر الله تعالى على فضله العظيم لأن آمالنا قد تحققت.. فها هو ذا الكتاب الذي كُنا نأمل ونتطلع لتأليفه ونشره منذ زمن طويل واسمه “البراهين الأحمدية”، وقد ضمّنه المؤلف ثلاثمائة دليل قاطع، على صدق القرآن الكريم، وعلى صدق نبوة محمد . إن مؤلف هذا الكتاب هو أجَلّ العلماء وأقومهم، إنه بحر من العلم عميق الأغوار، وهو فخر مسلمي الهند جميعا.. صفيّ الله تعالى.. المولوي مرزا غلام أحمد، رئيس قاديان في غورداسبور بالبنجاب.

سبحان الله! ما أعظم هذا الكتاب الذي تُثبت كل كلمة فيه صدق الإسلام، وتوَضح وتبرهن على فضل القرآن العظيم، وتدلل على صدق نبوة ورسالة محمد! إن أعداء الإسلام يجدون في هذا الكتاب الأدلة الواضحة القاطعة التي لا سبيل لدحضها. وكل دليل قد جاء مؤيدا بحجج منطقية، ومناقشة توافق العقل، وتريح النفس، بأسلوب إيجابي، لا يستطيع أحد أن ينقضه أو يجرحه.. بل إن من يقرأها بقلب متفتح، وعقل متدبر، لا بد وأن يميل إليها ويقتنع بها.

هذا هو الكتاب الذي لا نظير له.. وإن المؤلف يُعلن بتحدّ أنه لا سبيل لدحض أدلته، وإذا استطاع أحد أن يكتب ما ينقضه، حسب الشروط التي جاءت في الإعلانات المنشورة عنه، فإنه سينال جائزة قدرها عشرة آلاف روبية. وإن الحق الذي لا مفر منه، يقتضي من أعداء الإسلام -إذا كان في قلوبهم ذرّة من خشية الله- أن يُقرّوا ويشهدوا بأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله الصادق الصدوق. وإننا نؤكد بكل ثقة، وبكل فخر، أنه لا يمكن لأحد أن ينقض ذلك الكتاب، حتى ولا إلى أن تقوم الساعة. وإننا أيضا لنحُث كل من يعارض الإسلام.. إذا كانوا مؤمنين حقا بعظمة الأديان التي ينتمون إليها.. أن ينْزلوا إلى المضمار، ويكتبوا نقضا لهذا الكتاب. إن المؤلف قد عرض جائزة قدرها عشرة آلاف روبية لمن يكتب نقضا لهذا الكتاب، وإننا نضيف ألفا من الروبيات لهذه الجائزة.. ولنر الآن إذا استطاع أحد من إخواننا الذين يعارضونا في الدين، أن يتقدم لقبول التحدي، أو يجرؤ مرة أخرى على تكرار مزاعمه الباطلة.”

وأضاف قائلا:

“والآن نتوجه بالخطاب إلى إخواننا المسلمين.. إن كتاب البراهين الأحمدية، كتاب لا مثيل له في تأييد صدق القرآن، وتصديق نبوة محمد . لقد أثبت المؤلف صدق الإسلام بأدلة بارعة صادقة، تجعل أي منصف يعترف بأن القرآن هو كتاب الله تعالى، وأن نبوّة رسول الله هي نبوّة حق وصدق، وأن الإسلام هو بحق الدين الذي ارتضاه الله تعالى، وأن المسلم يسير فعلا على طريق مستقيم.هناك العشرات.. بل المئات من الأدلة الحاسمة، التي لم تترك لمن يخالف الإسلام فرصة للهروب من الحقيقة، أو إنكار الحق الذي تجلى كالشمس في رابعة النهار. إن كل دليل واضحٌ كل الوضوح، بل إنه يشع بنور الحق المبين. إن الكتاب هو حقا مرآة الإيمان.. وهو مملوء برمّته من فيض القرآن الكريم، ويهدي إلى الصراط المستقيم، وإنه نور يضيء الطريق القويم. إنه كنْز المعرفة والإيمان، ومنجم الهدى والعرفان. إنه كالبرق يصعق المخالفين، ويدمر صياصيهم وقلاعهم. وهو للمسلمين السند القويم على صدق كتاب الله العظيم، وبرهان اليقين على أم الكتاب الكريم. لقد زعزع وزلزل أركان كل أعداء الدين.”

وكما هي العادة بين البشر.. فإن بعض الصغار من النكرات من بين المسلمين انتقد بعض الأجزاء من هذا الكتاب العظيم، لعله كان حسدا من عند أنفسهم.. أو لعله كان تملقا لأعداء الدين.. أو لعله كان حبا في الظهور بمظهر العلماء، غير أنهم بهذا المسلك قدّموا الدليل على جهلهم وضحالة علمهم، ولم يلتفت إليهم أحد أو يولهم أدنى اهتمام.

ولكن الكتاب أثار عواصف من الحنق، وأعاصير من الغيظ، في الدوائر غير الإسلامية، وخاصة في دوائر التبشير المسيحية والآرية والهندوسية. وقد عبّر البعض عن غيظهم بأسلوب منحط ولغة بذيئة ضد المؤلف.. وأعلنوا عن عزمهم على كتابة نقض لهذا الكتاب. ولكن.. سرعان ما خار عزمهم، وانهار رجاؤهم، حين وخزهم المؤلف بهذا الإعلان:

“إنني أدعو جميع هؤلاء، أن يُقسموا بالله، بألا يتأخروا ولا للحظة واحدة عن القدوم إلى ساحة النّزال. فليستعينوا بفلسفات أفلاطون، وليتزوّدوا بمباحثات أرسطو وبيكون، وليتضرعوا إلى آلهتهم الباطلة، ثم ليروا بعد ذلك ما إذا كان إلهنا هو الإله الأعظم أم آلهتهم الباطلة.”

ورغم التحدي الأصلي الذي نُشر في الجزء الأول من “البراهين الأحمدية”، ورغم هذا التحدي الإضافي الذي نُشر في الجزء الثاني منه، لم يستجب أحد ذو شأن لمهمة التصدي لنقض هذا الكتاب العظيم.. سوى بعض صغار المتزعمين هنا وهناك في الأوساط الهندوسية والمسيحية، الذين أعلنوا نيّتهم وعزمهم على قبول تحدي المؤلف، ولكن.. تلك النيّات والعزائم لم تتخذ أية خطوة عملية في سبيل تحقيقها.

هناك واحد من أخبث المخلوقات أوتي سلاطة في اللسان وفحشا في القول.. وكان ينتمي إل فرقة الآرية سماج، واسمه البانديت ليكهرام.. الذي نشر مجموعة من السفاسف تحت اسم “نقض البراهين الأحمدية”. ولكن سرعان ما فضح زيفها المولوي حكيم نور الدين في كتابه الذي أسماه: “تأييد البراهين الأحمدية”. وكان نشر ليكهرام لمجموعة أكاذيبه هي البداية للفساد الذي تولاه البانديت، إلى أن انتهت حياته بشكل يليق بفساده. وسوف نعود إلى ذلك فيما بعد إن شاء الله.  (يتبع)

 

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك