نبوءات في سورة "مريم" عن غلبة الإسلام على يد  جماعة المسيح الموعود في آخر الزمان
  • ما صلة “مريم” بغلبة المسيحية في أول الزمان وغلبة جماعة المسيح الموعود في آخره؟

____

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ   (مريم 40)

التفسير:

لقد سمى الله تعالى ذلك اليوم يوم الحسرة لانجلاء الحقيقة فيه، وبما أنها ستكون على عكس ما آمنوا به، فيتحسرون ويتأسفون بانكشاف خطأ معتقداتهم.

ثم يقول الله تعالى إذ قُضي الأمر أي يوم يقضى بحسب الحقائق، أو يوم يتم الإعلان عن أمر الله وقضائه. وبما أن الإعلان عن قضائه تعالى سيتم تأييدًا للحق لا للباطل، فيقولون والحسرة تعتصر قلوبهم: يا ليتنا آمنّا بالحق من قبل.

ثم يقول الله تعالى وهم في غفلة وهم لا يؤمنون .. أي أنهم رغم إدراك الحقائق كلها سيظلون فرسى للغفلة، ولن يتخذوا الخطوة إلى الإيمان.

هنا تنكشف لنا حقيقة عجيبة، وهي أن القلوب لا تتغير فجأة رغم رؤية الحق عيانًا. فإن الله تعالى يقول هنا أَسْمِعْ بهم وأَبْصِرْ أي بالرغم أنهم حينذاك سيسمعون ويبصرون أيضًا، يوم يأتوننا أي أنهم يكونون ماثلين أمامنا، إذ قُضي الأمر أي يكون القرار قد صدر مِن قِبلنا، وهم في غفلة وهم لا يؤمنون .. إلا أن قلوبهم لن تتطهر جراء ما سبق منهم من الكفر والسيئات، فيُدخَلون في الجحيم. وهذا يدل على أن المرء، رغم انكشاف الحق عليه، لا يترك سيرته الأولى بسبب تعوده عليها، وإنما يؤثر الظلمة على النور. فترى أن الكفار يرون الآيات بكل أنواعها ومع ذلك يصرّون على الرفض والإعراض، ولا تتطهر قلوبهم قليلاً حتى يسري إليها نور الله تعالى. إنهم يرون الآيات ومع ذلك يظلّون بعيدين عن الهدى.

إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (مريم 41)

التفسير:

لقد أخبر الله تعالى في الآيات السابقة أن الحقيقة ستنكشف على المسيحيين يومًا، فيدركون أن الله تعالى ليس معهم، بل هو مع دين آخر، ومع ذلك سيُعرضون عن قبول الحق. أما الآن فيقول الله تعالى إنا نحن نرِث الأرض ومَن عليها وإلينا يُرجَعون .. أي أن هؤلاء سينالون الحُكم على الناس والأموال، أما يومَ الفصل فيُنـزع منهم الحُكم ليوهَب للمؤمنين والمتمسكين بالحق. وكأن هذه الآية تنبئ عن غلبة الأحمدية الإسلام الحقيقي، كما أنها تشير إلى أن المسيحية ستكون غالبة على العالم كله في تلك الأيام. لا شك أن المسيحية كانت تتمتع بالحكم وقت نـزول هذه الآيات، ولكنه كان حكمًا محدودًا جدًّا، بينما يخبر الله تعالى هنا أنه سينـزع منهم حكم العالم كله في يوم من الأيام، وكان هذا نبأً بوقوع العالم كله في نفوذهم وتحت سيطرتهم، إذ لا يُنـزع الشيء من أحد إلا إذا كان في يده. فالإعلان الرباني عن انتزاع حكم العالم من يد المسيحيين يتضمن في الحقيقة نبوءتين. فمثل هذا الإعلان كمثل شخص يقول عن رجل فقير إنه سينـزع من يد هذا الفقير مائة مليون دينار. فهذا القول ينطوي على مفهومين: أولهما أن هذا الفقير سيملك مئة مليون دينار بعد أيام، والثاني أن هذا المبلغ سيُنـزع منه فيما بعد. فثبت أن قوله تعالى إنا نحن نرِث الأرض ومَن عليها قد انطوى على نبوءتين: إحداهما أن المسيحيين سيستولون على مقادير العالم كله في يوم من الأيام، ويرثون الأرض كلها، ويقع أهلها كلهم تحت سيطرتهم، والثانية أن الله سيرث الأرض ومن عليها في يوم من الأيام.. أي سينـزع من المسيحيين حكم العالم ليرثه عباده الصالحون.

واعلم أن قوله تعالى إنا نحن نرث الأرض يشير إلى القوة المادية للمسيحيين، أما قوله تعالى ومَن عليها فهو نبأٌ عن كثرتهم العددية في العالم في الزمن الموعود. أي أنهم لن يتمتعوا بالنفوذ المادي في العالم ولن يأخذوا زمام حكمه في أيديهم فحسب، بل سيكثر أتباع المسيحية أيضًا في الأرض. وبالفعل قد اكتُشفت أمريكا التي تقع في قبضة المسيحيين بعد نـزول هذا النبأ القرآني. فلو انتزع الله أمريكا فإنما ينتزعها من يد المسيحيين لأنهم الغالبون هناك. ولو انتزع الفيليبين فإنما ينتزعها من يد المسيحيين أنفسهم. ولو انتزعت كثير من المناطق ذات الأكثرية المسيحية بالصين، حيث توجد بها مئات الملايين من المسيحيين، فإنما تُنـزع من المسيحيين أنفسهم. ولو انتُزعت أستراليا فإنما تُنـزع من المسيحيين أنفسهم. ولو انتُزعت روسيا فإنما تنـزع من المسيحيين أنفسهم وإن كانت الدهرية قد سادتها. ولو انتُزعت أوروبا فإنما تنـزع من المسيحيين أنفسهم. ولو انتزعت أفريقيا فإنما تنـزع معظمها من المسيحيين أنفسهم. ولو انتزعت الجزر فإنما تنـزع من المسيحيين أنفسهم.

قصارى القول إن قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا يعني أنه تعالى سينتزع الأرض وأهلها من أيدي المسيحيين الذين سيكونون مسيطرين عليها.. أي أن أهلها سيقبلون عندئذ ملكوت الله الواحد الأحد. لقد نبّأت الآيةُ السالفة أن المسيحيين لم يؤمنوا كأُمّة، أما الآن فأخبرت هذه الآية أن المسيحية ستبقى كأُمّة إلى يوم القيامة، ولكنا سننـزع منها الأكثرية العددية، فتصبح الأرض لله تعالى.. أي للذين يعبدون الله الواحد الأحد، كما أن أهلها أيضًا يكونون كلهم تحت نفوذ عباد الله الموحدين. وكأن هذا نبأ باستقطاب الأحمدية لمعظم سكان المعمورة، وباندحار المسيحية على يد الأحمدية.

ثم يقول الله تعالى وإلينا يُرجعون .. أي أن المسيحيين مُعرِضون اليوم عن الله الأحد، ويعبدون عبدًا من عباده، ولكنهم سيُرجَعون إلى الله تعالى بعد أن يذوقوا الذل والهوان في طوافهم حول المسيح. بمعنى أن دعوة الإسلام ستصلهم، فيدخلون فيه شاهدين أنْ «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، تاركين الشرك وراجعين إلى توحيد الله تعالى.

فثبت أن قوله تعالى إنا نحن نرِث الأرض ومَن عليها قد انطوى على نبوءتين: إحداهما أن المسيحيين سيستولون على مقادير العالم كله في يوم من الأيام، ويرثون الأرض كلها، ويقع أهلها كلهم تحت سيطرتهم، والثانية أن الله سيرث الأرض ومن عليها في يوم من الأيام.. أي سينـزع من المسيحيين حكم العالم ليرثه عباده الصالحون.

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (مريم 42)

التفسير:

اعلم أن «الكتاب» لفظ عام، وقد ورد في القرآن بمعنى القرآن الكريم تارة، وبمعنى الكتاب المقدس تارة أخرى، وقد جاء هنا بمعنى القرآن الكريم؛ والمراد من هذه الآية: اذكُرْ إبراهيم في ضوء القرآن.. أي تحدث عنه كما وصفه القرآن الكريم، وليس كما ذكره الكتاب المقدس. ذلك لأن إبراهيم لم يوصف في الكتاب المقدس «صدّيقا»، وإنما اتُّهم فيه بالكذب، حيث قيل أنه سمى زوجته أختًا خوفًا من الملك. جاء في الكتاب المقدس بهذا الصدد:

«وانتقل إبراهيم مِن هناك إلى أرض الجنوب، وسكَن بين قادَشَ وشُورَ، وتَغرَّبَ في جَرارَ. وقال إبراهيم عن سارةَ امرأتِه هي أختي. فأرسل أبيمالكُ ملِكُ جرارَ وأخَذ سارةَ. فجاء الله إلى أبيمالكَ في حلم الليل وقال لـه: ها أنت ميّتٌ مِن أجل المرأة التي أخذتَها، فإنها متزوجة ببعل. ولكن لم يكن أبيمالكُ قد اقترب إليها. فقال: يا سيّدُ أَأُمّةً بارّةً تقتُل؟ ألم يقُلْ هو لي: إنها أختي، وهي أيضًا نفسُها قالت هو أخي؟ بسلامةِ قلبي ونقاوة يديَّ فعلتُ هذا. فقال لـه الله في الحلم: أنا أيضًا علِمتُ أنك بسلامة قلبك فعلتَ هذا، وأنا أيضًا أمسكتُك عن أن تخطئ إليّ، لذلك لم أَدَعْك تمسّها. فالآن رُدَّ امرأةَ الرجل، فإنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا. وإن كنتَ لستَ تردّها فاعلم أنك موتًا تموت أنت وكلُّ من لك.

فبكَّر أبيمالكُ في الغد ودعا جميعَ عبيده، وتكلَّمَ بكل هذا الكلام في مسامعهم. فخاف الرجالُ جدًّا. ثم دعا أبيمالكُ إبراهيمَ وقال لـه: ماذا فعلتَ بنا وبماذا أخطأتُ إليك حتى جلبتَ عليّ وعلى مملكتي خطيّةً عظيمةً؟ أعمالاً لا تُعمَل عمِلتَ بي. وقال أبيمالكُ لإبراهيم: ماذا رأيتَ حتى عمِلتَ هذا الشيءَ؟ فقال إبراهيم: إني قلت ليس في هذا الموضع خوف الله البتَّةَ، فيقتلونني لأجل امرأتي. وبالحقيقة أيضًا هي أختي ابنةُ أبي، غير أنها ليست ابنةَ أمي، فصارت لي زوجةً. وحدَث لما أتاهَني الله مِن بيت أبي أني قلت لها: هذا معروفكِ الذي تصنعين إلي: في كل مكان نأتي إليه قُولي عني هو أخي» (التكوين 20: 1-13).

لقد اتضح من هذه الفقرة أن الكتاب المقدس يصِم إبراهيم بالكذب، ولا يسمِّيه صدّيقًا، حيث خاف الملِكَ وقال لزوجته أن تقول لـلملك إنه أخي، ومن أجل ذلك يأمر الله تعالى هنا نبيَّه أن يتحدث عن إبراهيم على ضوء ما ورد في القرآن الكريم، وليس كما ورد في الكتاب المقدس، لأن ما جاء فيه عن إبراهيم كذب وافتراء، إذ كان صدّيقًا نبيًّا.

تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via