موقف الدين مِن المنجمين والعرافين

موقف الدين مِن المنجمين والعرافين

التحرير

منذ زمن سحيق لجأ الإنسان للعرافين والمنجمين وذلك عندما انتابته الهواجس عما يجده من غموض وأسرار بسبب قصور فهمه عن إدراك سنن الله في الأرض وفلسفة الحياة والموت وإلى ما لم تدركه عينه المجردة من أشياء في محيطه. كما كان للخوف من المجهول والحيرة فِعلهما في البحث عن وسائل وسيطة تكون سبيلا لاتقاء ما لقبه خياله التائه بالأرواح الشريرة ودفع آذاها والخلاص منها والرغبة في التطلع إلى مستقبل زاهر وغد مشرق يضمن له اكتفاءه الغذائي ويحميه من شرور الغزاة وقطاع الطرق. هذه هي دائرة مخاوفه وتلك كانت أحلامه وأمانيه ولكن مع تقدم الزمن تكالبت عليه المخاوف والأحلام ووجد نفسه أمام معضلات شامخة لم يُحسن التعامل معها. فبحث طويلا عن قوة مخلصة له تقيه الشرور وتضمن له الطمأنينة والسكون. ومما لا شك فيه أنه كان لبعثة الأنبياء عليهم السلام دورًا كبيرًا عبر العصور في كشف هواجس الناس وإبطال ما نحتته مخيلتهم السقيمة من معتقدات باطلة قادتهم إلى مهاوي الضلال فعبدوا غير الله واتخذوا شركاء له من تماثيل صنعوها بأيديهم، أو كواكب كالشمس والقمر أو قوى طبيعية كالنار وغيرها. فكان الإيمان بالله ومعرفة صفاته والصلة به دعوة مضادة للدجل والخرافة لأن الإيمان والعقيدة الصحيحة هي الحقيقة التي بها تطمئن القلوب وإليها تهوي الأنفس التائهة وبها تنكشف غشاوة الأعين. بينما ثقافة الدجل والشعوذة تثير الشبهات وتحجب عقل المرء وروحه عن السمو والتطلع إلى حقائق الأشياء وتُبقيه في متاهات الظلمات.

وبالرغم مما بلغه عصرنا من تقدم في شتى الميادين إلا أن ظاهرة العرافة والدجل ما زالت سوقا رائجة وفتنة هائجة في شتى أنحاء العالم، بل أصبحت أكثر حداثة ومعاصرة، إذ أصبح لها عيادات خاصة، ومعاهد، ودراسات ومنتديات. أما إعلاناتها فهي تتصدر صفحات الجرائد والمجلات بل خصصت لها الفضائياتُ والإذاعات مساحاتٍ واسعة من حصص البث وخطوط الاتصال لتتلقى استفسارات الناس والرد عليها، فهذا يبحث عن طالعه ويندب حظه، وذاك يريد معرفة بُرجه وما تخفيه له الأيام، وآخر يستشير المنجم ما إذا كان الوقت مناسبا بحسب النجوم أن يُقْدِمَ على صفقة تجارية يستثمر فيها أمواله، وهلم جرا من الخزعبلات..

يا لها من حيرة وفزعة مريعة يستغرب كل ذي عقل لبيبٍ ومؤمن بالله المجيب من هذه الفتنة التي ذاع صيتها وراجت سوقها وكَثُرَ رُوّادُها. وإن دلّ هذا الأمر على شيء فإنما يدلّ على كثرة من يستهويهم شيطان نفوسهم السقيمة الخاوية من الإيمان بالله فيصبحون كبئر معطّلة سُممت مياهه وتلوثت أجواؤه، فيتسمم كل من يرتوي من مائه إنسانًَا كان أو حيوانًا. والجدير بالذكر هنا أن للأمراض النفسية والمشاكل الاجتماعية المسيطرة على عقول الكثير من الناس دورها وفعلها حيث جعلتهم لقمة سائغة تصطادها شبابيك المنجمين والعرّافين والكُهّان.

إن ثقافة الدجل والشعوذة أكثر انتشارا في العالم العربي والإسلامي من أي منطقة في العالم حيث تشير الإحصائيات أن لكل ألف نسمة عرّاف. وتوحي هذه النسبة المذهلة إلى هول الكارثة التي يعانيها المجتمع الإسلامي من وراء تبعات وانعكاسات هذه الثقافة الهدّامة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والروحية. والغريب في الأمر أن الإسلام قد حسم مسألة الشعوذة والعرافة وحذّر منها ومن تبعاتها لكن وللأسف الشديد مع انحطاط الأمة وبعدها عن الكتاب والسنة، وقلة من ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف، نُسيت تعاليم النبي وتحذيراته فهانت النواهي في أعين الناس وأصبحت شيئا منكرا يجب أن يُزاح.

وفي غمرة الانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية في الأمة من فشل في التنمية والتربية والتعليم والتوعية وانتشار الأمية، تزداد حدّة الظواهر السلبية على ثقافة المجتمع، ولعلّ المنجمين والدجالين وجدوا ضالتهم في مثل هذه الأوضاع المزرية، بُغية استثمارها بما يعود عليهم بأرباح وفيرة. كما أن تخبّط الفرد في مشاكله العويصة واستفحال اليأس والإحباط والخلل في العلاقات الأسرية من بين العوامل التي تجعله يبحث عن حلول سحرية سريعة تُذهب بكل ما يؤرّقه في لمح البصر، فالتمائم والطلاسم لطالما سمع عن فعلها وتأثيرها بين الناس، وأحاديث حكايات خوارقها للعادات ما زالت تتردد أصداؤها في أذنيه منذ صغره حتى كِبره، وهي ما زالت حقيقة مجرّبة في عُرْف المجتمع الذي وُلِدَ فيه ، ومن أنكرها رُمي بإنكار ما هو معلوم ورُمي بالجنون ومخالفة الأعراف!!.

إن الخرافة أضحت لصيقة بمفاهيم الدّين الحنيف لدرجة يستحيل التمييز بين ما هو موقف سليم يطمئن إليه وبين ما هو ساذج سخيف لا يُسمن ولا يغني من جوع. ولعلّ هذا يكشف هشاشة الثقافة الدينية وغياب الوعي الديني الإسلامي الصحيح، لأن السحر أو الشعوذة كثيرا ما رُوج على أنها حقيقة دينية مطلقة وكثيرا ما روى رُوّادُها ومحترفوها روايات وقصصا مثيرة.. إن التأصيل للشعوذة أو بالأحرى إضفاء شرعية عليها أو محاولة تبريرها لهو ظلم عظيم للإسلام ورسوله الكريم .

فالعجب كل العجب أن ما يقوم به مَنْ يلقبون أنفسهم بأصحاب الكرامات والدراويش وما إلى ذلك من ألقاب هو بعيد كل البعد عن السيرة الطاهرة العترة للرسول الكريم  حيث لم نسمع بالتمائم والطلاسم وما إلى ذلك من البدعات. إن موقف الإسلام من السحر والشعوذة والتنجيم واضح لا لبس فيه وقد حذر أمته من هذا الإفك أيما تحذير لدرجة عدّ فيها كل مصدّق ومعتقِدٍ بكاهن وبما يتقوّله كفرا بما نزل عليه ، حيث قال: “من أتى كاهنا فصدّقَه بما يقول فقد كفر بما أُنْزِلَ على محمد.”

إن اللجوء إلى الشعوذة والسحرة والمنجمين هو باب عظيم من أبواب الشرك بالله تعالى وهذا الفعل يذهب بإيمان المرء كله، لأن الإيمان بالله يقطع السبيل للمؤمنين للّجوء لغير بابه تعالى، لأنه سبحانه هو النافع والضار وهو عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهو السميع المجيب لأدعية عباده. أعاذنا الله من الشرك الخفي والعلني ومن دجل العرّافين والمنجمين وكل خائن لدينه ولرسوله آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك