مآسي البعد التام عن روح الدين الحنيف

مآسي البعد التام عن روح الدين الحنيف

التحرير

إن التغطية الإعلامية بوسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية تشير إلى فقدان قدسية العلاقة الزوجية. إذ لم يعد لديها تلك المكانة التي تقوم على المودة والرحمة وتزدهر في ظل الاحترام المتبادل والسكينة، وقد حل محلها الخصومة والضغينة؟!

وقد غزا العناد العلاقة الزوجية حتى امتلأت القلوب بمختلف السموم واشتعلت نيران البغض والحقد في عش الزوجية. فأصبحت حياة الكثير من المتزوجين القدامى والجدد خرابا لا سيكنها الحب والوئام ولا يشيع فيها الضياء ولا الصفاء بل انطفأ فيها نور الأمل والرجاء.

وهبت رياح عاصفات على بيوت شتى فحطمت أسقفا وأعمدة كثيرة. فأصبحت خاوية على عروشها.. ضاع منها الاطمئنان وفقدت أمل الهجرة إلى بر الأمان.. تلك حال أناس تسكب عليهم العين دموعا بغزارة الأمطار لأنهم كانوا يصرون على الظلم إصرارا ولا يرجون لله وقارا.

وامتلأت المحاكم بمثل هذه الحالات وأصبح إصدار الحكم فيها بطيئا كبطء السلحفاة. وباتت المآسي قائمة على قدم وساق ولا نسمع إلا العويل والصرخات.

إن شكاوى الزوجات مملوءة بحوادث دامية من أزواج قلوبهم لاهية ونفوسهم من الكرامة خاوية وعقولهم من المنطق فارغة.. فتحولوا إلى وحوش آدمية يطاردون زوجاتهم بلا رحمة ولا شفقة.. فنفروا الأزواج والأبناء والأقارب وعاشوا في بروجهم المشيدة من أحلام واهية وأمان كاذبة وغرسوا في نفوس من يعرفونهم كراهية لادغة وحقدا لن تنساه أجيالهم المستقبلية. فلا إمساك بمعروف ولا تسريح بإحسان.

وتنفجر تقارير وملفات المحاكم بمآس مليئة بألوان العذاب التي ذاقتها الزوجات على يد أزواجهن.. وتسرد كيف أنهم تخلوا عن الإنفاق عليهن وعلى من خلفوا من الأولاد متجاهلين أقدس واجباتهم ومسئولياتهم، ويرضون بالهوان ويتركون ضمائرهم في طي النسيان، ويتناسون أن هذا عار لا يليق بشرف الرجال. لقد أساءوا فهم الرجولة وفرطوا في كرامتهم على مرأى ومسمع أبنائهم وذويهم، ولم يخجلوا أن يفعلوا تلك الفعلة الشنيعة لأنهم فقدوا معنى القدوة الحسنة لأبنائهم.. فماذا يعطونهم؟ وفاقد الشيء لا يعطيه!!

وإذا غصنا في أعماق مشاكل الزوجية في عالمنا اليوم فلا يجد لها عامة الناس حلولا. وإذا كان الحال هكذا فمتستحيل تحطيم الرؤوس بحثا عن العقول.. وإذا فتشنا في قلوب البشر عن الدين فأين الدين؟!

ويستدل بعضهم لتبرئة أنفسهم من خزي وعار ضرب الزوجات بقوله تعالى: (واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم سبيلا).. والعجب كل العجب أنهم يتناسون ما ذكره الله عز وجل في بداية هذه الآية: (الرجال قوامون على النساء) والتي ليس من معانيها قضاء الرجال حاجيات الأسرة المادية فحسب بل يجب أن يكونوا قالبا يذوب فيه معدان المرأة، ثم تكون أخلاق الزوج الرفيعة أسوة للأسرة قاطبة. ولن تعطى إجازة ضرب الزوجة لأي رجل يفشل في الوصول إلى عقلية زوجته، ولكن هنالك شروط وواجبات عديدة إذا أداها الزوج يخول له استعمال قدر ضئيل من القوة لكي يخيف الزوجة الناشز. ويلجأ إلى هذه الوسيلة في حالات استثنائية ونادرا ما يحدث هذا الأمر في مجتمع إسلامي مثالي.

فتشوا معنا في كتب السيرة هل هنالك أثر لضرب المصطفى لإحدى زوجاته، والعياذ بالله. فالعمل الذي لم يصدر من خير خلق الله كيف نعمل به؟

وكتب السيرة زاخرة بحادثة معروفة ذكر فيها أن السيدة عائشة رضي الله عنه خاطبت الرسول بدون قصد بصوت مرتفع قليلا. وكان والدها سيدنا أبو بكر الصديق موجودا في نفس الغرفة، فغضب لفعلتها هذه واتجه نحوها غاضبا ليؤديها، ولكن الرسول حال بينه وبينها وتشفع لها. هذا هو الزوج المثالي والإنسان الكامل الذي يجب أن نتخذه أسوة لنا وهو الذي أوحى الله إليه القرآن الكريم وهو الذي فهمه أحسن من أي شخص إلى يوم يبعثون. ورضي الله عن السيدة عائشة حين قالت: “كان خلقه القرآن”. فدعونا نطبق قرآن محمد المصطفى ونهجر أفكار دعاة الفتن والفساد..

ويستغل بعض المرتزقين نقاط ضعف الأسرة في عالمنا العربي، فمنهم من يلحن أغاني شعبية من طراز (زواج في الصيف وطلاق في الشتاء)، والآخر يملأ مساحات جريدية بنكت تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع حول عدم انسجام الزوجين. وقليلة هي محاولات التوعية لترسيخ المعنى الصحيح للزواج الذي تبناه القرآن الكريم حول مفهوم المودة والرحمة التي يتولد منها تلقائيا السكينة لكلا الزوجين وبالتالي لكامل الأسرة ثم المجتمع بجميع أطرافه. ومما لا شك فيه أن غياب السكينة من نسبة عالية من بيوت الزوجية إن دل على شيء فإنما يدل على البعد التام من روح الدين الحنيف.

وقد يتبادر إلى بعض الأذهان أننا أخذنا على عاتقنا الدفاع عن حقوق المرأة.. فاطمئن أيها القارئ الكريم، فنحن بفضل الله من خدام الحق، وفي واقع الأمر نحاول الدفاع عن كلا الطرفين، حيث إننا نؤكد على السيدات أيضا للحفاظ على حقوق أزواجهن ومعاشرتهم لهم بالمعروف. وإذا غصنا في أعماق مشاكل الزوجية في عالمنا اليوم فلا يجد لها عامة الناس حلولا. وإذا كان الحال هكذا فمتستحيل تحطيم الرؤوس بحثا عن العقول.. وإذا فتشنا في قلوب البشر عن الدين فأين الدين؟!

Share via
تابعونا على الفايس بوك