تشرف صاحب المقال بمكالمة الله ومخاطبته

كلام الإمام حلقة(21)

وأكون قد ظلمت بني جنسي إن لم أعلن لهم في هذه الساعة أن هذا المقام الروحاني الذي وصفته هذا الوصف، وأن مرتبةَ التشرف بمخاطبة الله ومكالمته التي فصلتها الآن.. ميَسرة لي بفضل الله وعنايته. ذلك لكي أمنحَ العميان البصيرة، وأدلّ الباحثين على ضالّتهم المنشودة، وأبشّر – مَن يقبل الحق – بتلك العين الصافية التي يتحدث عنها الكثيرون. ولكن قليل هم الذين يجدونها.

إنني أؤكد للمستمعين الكرام.. أن الإله الذي بلقائه يجد الإنسان النجاة والسعادة الأبدية.. لن يجده أحد إلا باتباع القرآن المجيد. يا ليت الناس يرون ما رأيتُ، ويسمعون ما سمعتُ، ويتركون الأقاصيص، ويُقبلون على الحقيقة مسرعين!

إن وسيلة العلم الكامل التي بها نشاهد الله تعالى، وإن الماءَ الذي يطهر من الأدران، وبه تزول جميع الشكوك، وإن المِرآة الصافية التي تُري طلعةَ الإله العلي.. إنما هي المكالمة الإلهية التي ذكرتُها آنفا. فلينهضْ وليطلبْها من كان في روحه للحق شوق. فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ: لو تولد في الأرواح رغبةٌ صادقة وفي القلوب ظمأ حقيقي، لبَحثَ الناس عن هذا الطريق، وسعوا للعثور عليه.

ولكن كيف يُفتح ذاك الطريق، وأنى يُرفَع ذاك الحجاب؟ إنني لأؤكد للطالبين جميعا أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يبشر بهذا الصراط.. وأما الأمم الأخرى فقد خَتمتْ على وحي الله من زمان بعيد. واعلموا يقينا أن خَتْمَهم المزعوم هذا ليس من الله الرحمن، وإنما هو عذر انتحله الإنسان عند الحرمان. واعلموا يقينا أنه كما لا يمكن لنا أن نرى بغير العيون، أو أن نسمع بدون الآذان، أو أن ننطق بغير اللسان.. كذلك من المستحيل أن نرى وجه ذلك الحبيب الودود بدون القرآن. كنتُ شابا وقد صرتُ الآن شيخا، ولم أجِد أحدًا شرِب كأسَ هذه المعرفة البينة.. بدون هذه العين الصافية.

الوحي الرباني وسيلة العلم الكامل

فيا أيها الأعزة، ويا أيها الأحباب، لا أحد يستطيع أن ينازع اللهَ في مشيئته وإرادته. فاعلموا يقينا أن وسيلة العرفان الكامل هي الوحي الرباني.. الذي أوتيه أنبياء الله الأطهار.. ثم من بعدهم لم يُرِد الله -وهو بحر الفيوض- أن يوصد بابَ الوحي في المستقبل فيُهلك العالمَ، بل إن أبواب وحيه ومكالمته سبحانه لمفتوحة للأبد. ليس عليكم إلا أن تلتمسوها من سُبلها وسوف تجدونها عندئذ بسهولة. لقد نـزل من السماء ماءُ الحياة واستقر في مقره المناسب، فماذا يجب فعلُه الآن لتتمكنوا من شربه؟ ما عليكم إلا أن تَرِِدوا ذلك المَعين في كل حال ولو بتجشم المشاق.. ثم ضعوا أفواهكم أمامه لترتووا من زلال الحياة. إن سعادة الإنسان كلها إنما تكمن في أن يسعى إلى حيث يرى ذلك النورَ، وأن يسلك الطريق الذي يتوسم فيه آثار ذلك المحبوب ا لمطلوب.

ترون الضوء ينـزل دائما من السماء إلى الأرض، كذلك يسطع نور الهدْي الصادق من السماء أيضا. إن ما يخترعه الإنسان من أمور من عند نفسه -بناء على ظنونه- لن تُكسبه المعرفة الحقة. هل تستطيعون أن تجدوا الله جل جلاله بدون تجلياته؟ هل تقدرون على الرؤية في الظلمات بدون نور السماء؟ فإن استطعتم هذا فعساكم تتمكنون من الرؤية هنا أيضا. الواقع أنه مهما كانت أعيننا مبصرةً فإنها تفتقر إلى الضوء السماوي، ومهما كانت آذاننا قادرة على السمع  فإنها -لا جرم- تحتاج إلى الهواء الذي يهبّ من عند الله. ليس بإلهٍ حق مَنْ لزم الصمت.. وقام وجوده كله على ظنون الخلق. بل إنما الإله الكامل الحي هو مَن لم يزل يدل على نفسه بنفسه، وقد أراد الآن أيضا أن يخبر بوجوده. لقد آن أن تنفتح نوافذ السماء، وآن للصبح الصادق أن يضيء. فطوبى لمن يَهُب الآن من الرقاد ويأخذ في البحث عن الإله الحق.. ذلك الإله الذي لا تدور عليه الدوائر ولا المصائب، والذي لا يطرأ أبدًا على تألُّقِ جلاله طارئ. يقول الله في القرآن الكريم: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (النور: 36).. أي أن الله سبحانه هو نور السماء ونور الأرض في كل آن، وبنوره يُشرق كل مكان. إنه سبحانه الشمسُ للشمس، وهو الحياة لكل ذي حياة في الأرض، وهو الإله الحق الحي. فبُورِك مَن به آمن!

(فلسفة تعاليم الإسلام)

Share via
تابعونا على الفايس بوك