بل نختار محمدا (ص).. فليس له بديل أبدا

بل نختار محمدا (ص).. فليس له بديل أبدا

الرد على نشرة مسيحية تسأل المسلم…أيهما تختار: محمدا أم المسيح

بل نختار محمدا .. فليس له بديل أبدا

وفيما يتعلق بالآيات القرآنية التي تطلب من النبي أن يستغفر لذنبه فقد فهمها الكاتب بعقلية جاهلة باللغة العربية ملوثة بفكرة الخطية. فالذنب لا يعني خطيّة .. بل الذنب هو العمل الذي يترتب عليه أذى أو تعب. فالقرآن يعلم الرسول أن يستعين بالله تعالى ويسأله وهو الغفور الرحيم .. أن يتدارك أي عمل بشري للرسول ولجماعته بحيث يحميهم من أذاه. فمثلا لو تناول طعاما ضارا فهذا ذنب لأنه ينجم عنه ألم في البطن وتعب للجسم. ولو أنه تعثر في حجر فقد يصاب في ساقه، ولو فاته احتياط فقد تكون له نتيجة مؤلمة.. وهكذا أمره الله أن يستغفر كي يستره الله ويمنع عنه الأذى الذي يترتب على مثل هذه الأخطاء البشرية؛ كما فعل يسوع عندما طلب من الآب أن يرفع عنه محنة الصلب.

أما الخطيئة التي تمس شرف الإنسان وطهارته وكرامته وخلقه .. فالأنبياء جميعا بريئون منها .. ومحمد هو الأعظم بين كل البشر في هذا الأمر. لقد تعرض لكل تجارب الحياة ومرّ منها مثلا أعلى للكمال والطهر والبر.

فمثلا قوله تعالى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى .. أي وجدك لا تعرف الطريق وتبحث عنه بكل قواك..  فهداك إليه وأرسل إليك الوحي ليعلمك كل شيء ويقربك من ربك.

وقوله

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ..

إذا دخل الناس في الإسلام وكثر عددهم فهذا فضل من الله يوجب عليك أن تتغنى بحمد الله والثناء عليه. ثم إن كثرة العدد يترتب عليها كثرة خطئهم.. فاسأل ربك أن يغفر لهم أخطاءهم ويسترها ويمحو نتائجها..  فالله تعالى يلتفت إلى عباده بالرحمة إذا أخطأوا ثم التفتوا إليه بالاستغفار.

وقوله

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ..

انظروا كيف يخطف الكاتب المسيحي جملة ويترك ما قبلها وما بعدها ليصرفها عن معناها وسياقها. يقول الله للنبي وأصحابه: لقد كتبنا لك النصر وفتحتَ مكة مركز الشرك والوثنية وسوء الأخلاق .. وبذلك نكون قد أزلنا من طريقك الصعوبة والمشاق التي كانت من قبل والتي ستأتي من بعد .. فتتم نعمة الله عليك بتحقيق الهدف الذي من أجله بُعثتَ رسولا .. وتكون قد أرسيت الصراط المستقيم للعالم من بعدك. فالذنب هنا هو الضعف المادي الذي تعرض بسببه الرسول وجماعته للاضطهاد والأذى .. فبالفتح غُفر هذا الذنب ولن يتعرض له النبي وجماعته بعد ذلك. فليس للنبي ذنب بمعنى خطيئة أو إثم .. بل هو أطهر كائن سار على هذه الأرض .. وإلا ما سّماه الله خاتم النبيين .. أي أسماهم مقاما وأكرمهم خلُقا وأعظمهم شأنا.

ولم يذكر القرآن خطية مطلقا للرسول ولا لغيره من الرسل. وأكد ذلك بالنسبة لآدم فقال:

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ..

أي أنه نسي ولم يتعمد الخطأ.. لأنهم جميعا معصومون من هذا.

وقال الله لمحمد فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا أي في رعايتنا الكاملة وتتمتع بحبنا التام.. ولم يقل شيئا كهذا ليسوع .. بل إن يسوع بنفسه رفض أن يوصف بالصلاح .. فلما سأله أحدهم قائلا:

“أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ”. (إِنْجِيلُ لُوقَا 18: 18-19) ..

مع العلم بأن الكتاب المقدس عندهم يقرر أن “اَلرَّبُّ صَالِحٌ” (اَلْمَزَامِيرُ 25 : 8). ومع ذلك ينكر يسوع أنه صالح.

ففي هذه الفقرة يعلن يسوع بلسانه عن أمرين: الأول أنه ليس ربًّا ولا إلهًا.. ولكن الرب واحد لا شريك له من ابن أو روح قدس. والثاني أنه لا يصل إلى مرتبة صالح. فإذا كان غير صالح فكيف يكون به الخلاص؟ إنه بحاجة إلى الاستغفار كغيره..  وقد كان كثيرا ما يصلي ويبتهل إلى الله.. ولا يُعقل أن ابن الله (الذي هو الله) يبتهل إلى الآب (الذي هو الله أيضا)!؟ فهو إنسان عادي من البشر.

وكذلك يقول الكتاب أن الله “لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 9: 31)..  ومع ذلك فإن يسوع ابتهل إلى الله أن يعفيه من كأس الصليب وصرخ قائلا لم شبقتني .. أي لمَ تخليت عني، واعترف بلسانه أن الله لم يسمع لابتهاله .. وهذا دليل على أنه ليس خاليا من الخطيَّة.

وكل ما تعرض له يسوع لا يخلع عليه أي قدسية لا بوصفه إلها ولا بوصفه نبيا..  فقد أخذه إبليس وطفق يتلاعب به. وهل يُعقل أن يتمكن إبليس اللعين من فعل ذلك بابن الله أو نبي من الصالحين؟ هذا ما لم نسمع به مطلقا عن أحد فيه خير.

يزعمون أن روح القدس هو الذي أخذه ليختبره إبليس! ما هذا الخبل؟ كيف يأخذ إله إلهًا مثله إلى مخلوق لعين ليختبره؟ لمصلحة من؟ وما فائدة ذلك؟ ومن شَهِد ذلك وانتفع به؟ إنها كتابات شخص مُغرق في الفكر الوثني الروماني.

إن نبينا محمدا يقول: لقد أسلم شيطاني. هكذا تكون القوة الروحانية والتأثير الطيب. لقد تحول الشيطان إلى مسلم صالح على يد محمد فلا يأمره إلا بخير. ولكن إبليس كما يقول كتاب العهد الجديد تلاعب بيسوع وجربه! ألا يعرفه الآب الذي بعثه؟ إنه لا يجرب إلا بشرًا يُراد بيان صدق إيمانه وليس مخلّصًا للعالم. ونحن المسلمين نعلم يقينا أن نبينا محمدًا لم يقع في أي خطيّة لا صغيرة ولا كبيرة، وأن عيسى بن مريم أيضا لم يقع في خطيّة، ولم يجربه إبليس بهذه الكيفية، ولم يكن إلها ولا ابن إله .. وإنما هو نبي ورسول صالح من عند الله تعالى.

3- يقول الكاتب إن محمدا لم يصنع معجزات أبدا، ولكن يسوع قام بمعجزات كثيرة.

ونقول بادئ ذي بدء أن محمدا قام بمعجزات تفوق كل معجزات الأنبياء أجمعين عددا ونوعا..  وأن ما قام به يسوع لا يمثل قطرة في بحر معجزات محمد .

لقد أعلن يسوع أنه لن يقدم دليلا على صدقه إلا آية واحدة فقال “هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ” (إِنْجِيلُ لُوقَا 11: 29). هذه هي معجزته  كما أُخبر بلسانه. أما غيرها فليست بمعجزات مطلقا. إنها إما خرافات الغوغاء ومبالغات البسطاء، وإما دعوات مستجابة من رجل صالح بار، وإما أقوال رمزية ودروس مجازية.

ما هي المعجزات المذكورة في العهد الجديد عن يسوع؟ إن الكثير منها من باب الخيالات والمبالغات التي لا أصل لها. مثلا .. يقول كاتب إنجيل يوحنا:

“وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 21: 25)

هل سمعتم مثل هذا الهراء.. العالم كله لا يسع الكتب التي يكتبها هذا الرجل في وصف الأشياء التي صنعها يسوع؟ هذه هي العقلية الساذجة التي تكتب كل هذه الأساطير! ويقول الآخر أنه كان يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب..  وذاع خبره في سوريا وأحضروا له جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع شتى والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم وتبعته جموع كثيرة.

هل هذا معقول.. لم يستطع أن يقنع أكثر من 12 تلميذا ليؤمنوا به.. لماذا لم تؤمن به هذه الجموع التي رأت معجزاته.. ولماذا لم يقفوا معه في مواجهة اليهود الذين طالبوا بقتله؟ وإلا فما الفائدة من هذه المعجزات؟ وإذا كان الكاتب يرفض ما ورد في سيرة النبي محمد من معجزات لأنها كتبت كما يزعم بعد وفاته بمائة عام… فمن يصدق هذا الكلام الذي ينضح بالمبالغات الخرافية، وكتبه أشخاص سذج يميلون إلى المبالغة الهائلة بعد مرور أكثر من مائة عام بعد يسوع. إذا شفى أحد كل المرضى في إقليم .. ألا يجد له أنصارًا يلتفون حوله ويناصرونه ويؤيدونه .. بل يموت وحيدا على الصليب وهم ينظرون إليه من بعيد لا يبالون؟! ما جدوى معجزاته وبعثته إذن؟ وعلى أية حال إذا كان حقا يشفي مرضى الأجسام فإنه لم يشف إلا نفرا قليلا، وكل طبيب يشفي أضعاف أضعاف ما قام به يسوع..  فهل نختار أحدهم ليكون لنا ربّا؟

يقول الإنجيل أن الجموع رأوا معجزاته وتعجبوا، وأن الكتبة شهدوها. فلماذا لم يؤمنوا به ويشهدوا له أمام الأحبار؟ وإذا كان أحيا واحدا أو اثنين أو ثلاثة .. فلماذا لم يحي كل الموتى؟ ما فائدة أن يختار هؤلاء؟ وما نفع العالم من ذلك؟ هذه كلها أمور يقوم بها السحرة والمشعوذون ولا حقيقة فيها.

ومع ذلك فإن العهد القديم يخبرنا أن يسوع لا ميزة له في ذلك لأن إيليا أيضا أحيا الموتى:

“يَا رَبُّ إِلهِي، لِتَرْجعْ نَفْسُ هذَا الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ. فَسَمِعَ الرَّبُّ لِصَوْتِ إِيلِيَّا، فَرَجَعَتْ نَفْسُ الْوَلَدِ إِلَى جَوْفِهِ فَعَاشَ. فَأَخَذَ إِيلِيَّا الْوَلَدَ وَنَزَلَ بِهِ مِنَ الْعُلِّيَّةِ إِلَى الْبَيْتِ وَدَفَعَهُ لأُمِّهِ، وَقَالَ إِيلِيَّا انْظُرِي، ابْنُكِ حَيٌّ” (اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ 17: 21-23)

يقول أيوب:

“أمَّا الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. الإِنْسَانُ يُسْلِمُ الرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَدْ تَنْفَدُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرَةِ، وَالنَّهْرُ يَنْشَفُ وَيَجِفُّ، وَالإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَاوَاتُ، وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ.” (أَيُّوبَ 14: 10-12)

هذه هي الحقيقة..  فالذي يموت لا يرجع أبدا إلى الدنيا حتى تنتهي.. وكل ما زعموه من باب المجازات أو المبالغات التي لا أساس لها.

ويقولون أنه طرد الشياطين. أية شياطين تلك التي تخرج من البشر لتدخل في الغنم؟ ولماذا لم يطرد الشيطان الذي دخل في تلميذه الذي باعه وخانه؟ (لوقا 3:22)- أليس هو أولى بالعلاج؟! لقد وصف يسوع أحد تلاميذه بأنه شيطان .. فما هي الشياطين حتى تدخل وتخرج هكذا؟ هذه خزعبلات المتخلفين في القديم والحديث.

إن الشيطان هو صفة لكل مؤثر يُبعد الإنسان عن الخير. وهذا لا يُطرد إلا بالتقرب إلى الله تعالى والاستعانة به وطاعة تعاليمه. وقد علمنا القرآن الكريم أن نتقي الشيطان بدعاء (أعوذ بالله من الشيطان). فمعجزات يسوع المذكورة في الأناجيل مع سذاجتها ليست حقيقية واقعية. وحتى لو سلمنا بها فليس يسوع الوحيد الذي قام بها طبقا لكتابهم المقدس، كما أنها تتعارض مع تعاليم الكتاب في مسألة إحياء الموتى. والحق أن هذه الأمور مذكورة على سبيل المجاز… ولكنهم أخذوها حرفيا، فضلّوا عن الحقيقة وجعلوها خرافات لا حقيقة فيها.

إننا نحن المسلمين نؤمن أن أنبياء الله تعالى يُحيون الموتى ويشفون المرضى. ولكن أي موتى وأي مرضى؟ إن الأنبياء لم يُرسلوا لإعادة الحياة المادية أو الصحة الجسدية لبضعة أفراد سوف يموتون عاجلا أو آجلا. مع ملاحظة أن من أحياهم يسوع قد عادوا إلى الموت بعدها.. أم لعلهم أحياء حتى اليوم ؟ كلا، إن للأنبياء مهمة أسمى من ذلك بكثير. إن مهمتهم الحقيقة هي إحياء موتى الكفر والضلال والوقوع في سخط الله .. وشفاء مرضى الإثم والمعصية وسوء الخلق. هذا هو الإحياء والشفاء الوارد في الكتب السماوية .. وفي القرآن الكريم بصفة خاصة.

إن ما يُفهم من الإنجيل أن يسوع دعا ربه لشفاء أشخاص اشتد بهم المرض حتى أوشكوا على الموت فشفاهم الله. وقال بعدها:

“أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 11: 41).

وأرسل إلى يوحنا المعمدان:

“اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 11: 5)

ليت شعري! لماذا ترك العالم لتنتشر فيه هذه الأمراض والعاهات؟ إن صيغة المضارع تفيد الاستمرار..  بمعنى أنه كان يفعل ذلك بصورة مستمرة. وهذه هي مهمة نبي الله عيسى وكل الأنبياء..  أن يعالجوا المرضى الروحانيين. فالذين عميت بصائرهم فلا يرون الحق. والذين ضعفت خطاهم إلى الله، والذين تلوثت أبدانهم من المعاصي، والذين سدوا آذانهم عن سماع نداء الله، والذين ماتت ضمائرهم، والذين طحنت المظالم عظامهم .. كل أولئك بحاجة إلى يد رحيمة مواسية، وكلمة رقيقة مشجعة، وشخصية هادئة تقودهم إلى النور. وهذه هي مهمة الأنبياء .. ومنهم عيسى بن مريم.

ولقد وصف يسوع هؤلاء بقوله:

“لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 13: 13)

هؤلاء هم الصم البكم العمي الذين لا يهتدون.. الذين حاول المسيح شفاءهم.

ولقد ذكر القرآن الكريم هذا الإحياء النبوي فقال:

اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ .

وبالفعل.. لقد أحيا محمد وشفى مئات الآلاف من الموتى في جزيرة العرب..  فقد كانوا عبدة أوثان، عطلوا كل الملكات التي تميز بين الحي والميت، وسجدوا لأحجار وأخشاب، وعبدوا جمادات وخيالات..  فكانوا كما قال القرآن الكريم

إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ..

وشفى محمد ملايين المرضى ذوي العاهات الأخلاقية من فسق وفجور وفساد، وطهّر آكلي السحت ومغتصبي الحقوق والناهبين من ظلمهم. لقد حرر الأعراب من كل سيئاتهم وحوّلهم إلى قديسين.. وقد أشار إلى ذلك العهد القديم حيث قال: “جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ. فَأَحَبَّ الشَّعْبَ. جَمِيعُ قِدِّيسِيهِ فِي يَدِكَ، وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ” (اَلتَّثْنِيَة 33 : 2-3)، The Holy Bible Oxford Univ. Press  )وقد حرفوها بعض الشئ في بعض الطبعات تهربا من معناها).

يشير هنا إلى رسالة الرب في سيناء على يد موسى، وإشراقها في فلسطين على يد عيسى، ورسالة الرب في مكة على يد محمد .. عندما فتحها مع عشرة آلاف من صحابته القدوسيين، ومعه شريعة القرآن التي كالنار .. فيها التطهير من الذنوب، وفيها الدفء الروحاني، وفيها النور السماوي. وكان محبا للناس، وصحابته كلهم قديسون مسلمون مخلصون لربهم .. خاضعون له متقبلون كل ما جاء به. وهذه الصفات لا تتوفر في أحد سوى سيدنا محمد .. لأن يسوع لم يأت بشريعة، ولم يكن له أتباع إلا اثنا عشر.

وجاء الخبر عن مجئ محمد على لسان موسى أيضا قبل ذكر يسوع..  فقال:

“قَالَ لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ” (اَلتَّثْنِيَة 18: 17-18) ..

ولم يأت أحد أبدا مثل موسى من إخوة إسرائيل صاحب شريعة إلا محمد من بني إسماعيل.

4- يقول الكاتب أن محمدا قد مات ويسوع حي. والحق أن العكس صحيح تماما. إن يسوع ليس حيّا.. لأن الحياة الحقيقة هي في أن يحقق الكائن الغرض من وجوده. وقد غادر يسوع الأرض -بزعم المسيحيين-  واختفى من الوجود تاركا وراءه 12 تلميذا.. منهم من كذب ولعن، ومنهم من أنكره. ومنهم من تقاعس عن نصرته، ومنهم من باعه وخانه،

“قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 26: 31). “وحينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا” (إِنْجِيلُ مَتَّى 26: 56)،

ودخل في تلاميذه شخص حرّف دينه وخالف وصيته ونشر التعاليم المحرفة في الأمم.. وبذلك أفسد عقيدة العالم كله. هؤلاء هم صفوة الذين آمنوا به .. ومن جاء بعدهم زوّر وحرّف وأساء الفهم. فأين حياته فيهم وفي غيرهم؟ إن ثماره للأسف كانت مرة رديئة.. بحسب ما ورد في كتابهم.

أين هؤلاء من صحابة محمد الذين جعلوا من أنفسهم حصنا يحمي نبيهم وأقسموا ألا يصل إليه العدو ما دام فيهم عرق ينبض، وتلقوا السهام والرماح والسيوف بأيديهم وفي أجسادهم فلم تصل إليه. أو من ذلك الصحابي الأسير ينتظر الهلاك.. يسألونه: أتود لو أنك بين أهلك ومحمد هنا يموت مكانك؟ فقال من فوره: والله إن قتلي أهون عندي من أن يشاك محمد بشوكة وهو في بيته! هذا هو النبي الحي الخالد على مر الدهور.

ولم تقم دعوة يسوع في قومه من بني إسرائيل الذين جاء لخلاصهم.. وإنما ازدهرت المسيحية المحرفة في بلاد الوثنيين.. لأنها كانت تناسب عقليتهم الوثنية وكسلهم الروحاني، ومنها انتشرت في بلاد الرومان. وورثتها أوروبا التي لم تتقدم إلا بعد أن تخلت عمليا عن المسيحية. فيسوع من جهة الجسد قد اختفى من الأرض ولم يعد له وجود. ومن ناحية الثمار فإن المنتسبين إليه ليسوا من شجرتها الحقيقية. لقد هلكت دعوته ولم ينصلح حال أمته من بني إسرائيل، ولم يقفوا بجانبه ولم يؤيدوه. ولكن أحد الأدعياء اخترع فكرة الكفّارة والفداء ونشرها في الوثنيين، فتقبلوها بسبب انحطاطهم الروحي وضعف استعدادهم للعمل الإيجابي والتقدم الروحاني؛ واختلق لهم دينا جديدا تماما.

وعندما نال هؤلاء السلطة ارتكبوا من الجرائم ما تقشعر منه الأبدان، وأذاقوا العالم ويلات الحروب. ويسجل التاريخ للباباوات والحكومات الدينية أبشع الأعمال.. ولا تزال آثار محاكم التفتيش المسيحية موجودة في متحف مدام توسو بلندن. وفي النهاية تخلّص الناس من رجال الدين المسيحي ممثلي يسوع والعاملين بالمسيحية التي اخترعها بولس.. وأصبحت الكنائس ملتقى العجائز كل أسبوع.. وأصبح الإلحاد العلني أو الواقعي هو سمة بلاد المسيحية. وما الشيوعية والوجودية والمادية والحروب العالمية المتتالية والاستعمار الرهيب الذي امتص دماء بلاد العالم وأخّرهم في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية إلا ثمارا مُرّة أثمرها الجفاف الروحاني لشجرة الكفّارة والخلاص الباطلة.

أما الإسلام فكان خيرا وبركة على العالم. ولم يرفع محمد وأصحابه يدا في وجه أحد إلا ليصد عدوانه. كان حقا رحمة للعالمين.. أخرج العرب من ظلمات الجاهلية وجعلهم نجوما للهداية في أنحاء الأرض.. وحرر الشعوب المطحونة تحت نير المجوسية في الشرق، والمسيحية في الغرب، والوثنية في الجنوب.. وأصبحت الأرض فردوسا ماديا وروحانيا، ووصل الأمر بأتباع محمد أن زودوا أوروبا بالعلوم والفنون التي أسسوا عليها حضارتهم المادية والعلمية الحالية..  وما تدهور حال المسلمين إلا حينما ضاع منهم طريق محمد، وما تقدم المسيحيون إلا بعد أن تركوا طريق يسوع والكنيسة واستفادوا من علوم المسلمين أو لجأوا إلى العلمانية.

وإذن.. فإن المسلمين لن يختاروا يسوع أبدا للأسباب التالية…

أولا- لأنه لم يُرسَل لهم، وليس عنده رسالة خلاص لهم ولا لغيرهم من العالم.. لأنه رسول لبني اسرائيل وحدهم. وقال عن مهمته أنها:

“لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب” (إِنْجِيلُ مَتَّى 15: 26)،

أي أنها خاصة لبني إسرائيل، ولسنا كلابا نحتاج خبزه..  فقد جاءنا رسول الإنسانية الكامل بشريعة كاملة تغنينا تماما عن أي طعام سواها.

وثانيا-  لأنه ليس لديه تعاليم كاملة تشمل جميع مناحي الحياة الروحانية والمادية كتلك التي أتى بها محمد رسول الله المبعوث للعالم كله والزمن كله.. كما قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ

وثالثا- لأن منهج محمد إلهي، يأخذ بيد الإنسان ويرفعه إلى أعلى درجات الرقي الروحي والمادي.. في حين أن منهج بولس.. المنسوب باطلا إلى يسوع.. يؤدي إلى الكسل الروحي والاعتماد الكاذب على كفارة وهمية قام بها شخص للآخرين.

وبعد كل ذلك.. فقد تبين أن ما أورده الكاتب المسيحي مخالف للنصوص السليمة من الكتاب المقدس عندهم، وليس هناك أي مبرر لتفضيل يسوع على أي نبي من الأنبياء.. فهو واحد منهم له احترامه وتقديره، ولكن دوره في الحقيقة قد انتهى.. وجاء بعده العهد الجديد الحقيقي.. عهد الرسالة العالمية الكاملة.. على يد بني إسرائيل.. من بني إسماعيل.. ذلك هو محمد المصطفى رسول الله وخاتم النبيين.

أما عودة المسيح بن مريم التي أخبر بها المصطفى فهي عودة مجازية… كعودة النبي إيليا المزمع نزوله قبل المسيح في اليهود، فقد جاء إيليا مرة أخرى في شخص يحيى (يوحنا المعمدان)، ولكن اليهود لم يشعروا به لأنهم كانوا يفهمون الكلمات المجازية فهما حرفيا … فضاعت منهم الفرصة، وقد شرحها يسوع لهم وقال “إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 17: 12). فعودة المسيح أيضا مجازية تتم على يد أحد أتباعه الكرام البررة.. ليكون واحدا من سلسلة المجددين؛ وله اسمان أو صفتان: الأولى أنه الإمام المهدي.. الذي يتلقى الهداية الحقة من الله تعالى؛ ويكون حكَما عدلا يفصل في الخلافات العقائدية، ويجمع البشر تحت لواء محمد ويؤمهم في مسيرتهم إلى الله الواحد الأحد. والثاني أنه المسيح.. الذي يطهر العالم من دنس المادية والإلحاد والانحلال والخنزيرية، ويحي المحبة والسلام والروحانية في القلوب. ثم ليوضح للدنيا أن من خدام سيدنا محمد مَن ينال مقام النبوة التابعة له، ويكون مسيحا لأمة محمد كما كان عيسى ابن مريم مسيحا في أمة موسى (عليهم السلام).. ومن ثم يتبين عمليا أن محمدا هو خاتم النبيين حقا وفعلا، ويثبت صدق محمد القائل:

“لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اِتِّبَاعِي. فَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يَنْزِل مُقَرِّرًا لِهَذِهِ الشَّرِيعَة وَمُجَدِّدًا لَهَا” (عون المعبود شرح سنن أبي داود، كتاب الملاحم)

وأيضا صدق محمد رسول الله إذ -فعلاً- جاء هذا المسيح الموعود والإمام المهدي.. في شخص سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني.. ونهض بالمهمة التي كلفه بها وبينها المصطفى في أحد أحاديثه الثابتة العديدة، وأنشأ بأمر من الله تعالى الجماعة الإسلامية الأحمدية، وتمت له آيتا خسوف القمر وكسوف الشمس لتأييده وإثبات صدقه.. مصداقا لما أخبر به سيدنا محمد المصطفى (سنن الدار قطني).. وذلك في شهر رمضان عام 1894، وأيضا بحسب ما أخبر به الإنجيل (مرقص 22:13-25 ) و(متى 29:24 -30، 36)

اللهم صلِّ على محمد وسلم وبارك.. النبي الكريم الذي برّأ عيسى ابن مريم وأمه من وقاحة اليهود و سبابهم، وطهرهما من ضلال المسيحيين وتأليههم لعبد من عباد الله المرسلين، والذي  جاء بالمنهاج الأمثل والمعراج الذي يرتقي به البشر إلى أعلى مراتب القرب من الله رب العالمين.

إننا نختار محمدا لا شك.. فهو نبينا ورسولنا وإمامنا وشفيعنا وحبيبنا .. الذي وقف الليالي يدعو لنا ويفكر في مصالحنا ويتضرع من أجلنا. وجاهد أشد الجهاد ليعلمنا ويرفع شأننا و يقربنا من ربنا. إنه النور الإلهي ورحمة الله للعالمين، إمام المرسلين وخاتم النبيين وصفوة الخلق أجمعين. وباختيارنا محمدا نكون قد اخترنا ضِمنًا كل أنبياء الله الصادقين، وعرفنا لهم فضلهم الحقيقي، وأنزلناهم منزلتهم اللائقة.. وبرأناهم من كل ما نسبه إليهم الجاهلون والمبالغون والظالمون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك