الوقوف على حقائق عدالة الإسلام

الوقوف على حقائق عدالة الإسلام

التحرير

تحمل كثير من كتب الفكر الإسلامي تناقضات خطيرة تمس جوهر الدين الحنيف وتجعله عرضة لسفاهة الخصوم والأعداء الذين يتربصون به الدوائر لتشنيع نظرياته وحلوله وإجهاض دوره في الرقي بالبشرية. ولعل مبدأ العدالة في الإسلام كان وما زال من الموضوعات الخطيرة التي أساء فهمها بعضُ الأبناء وعمداً بعض الأعداء حتى غدت مفاهيم الإسلام المشوهة مادة دسمة تتصدر بين الفينة والأخرى مختلفَ وسائل الإعلام في العالم لتعكس للرأي العام العالمي ما يمكن اعتباره خللا جسيماً و خطراً عظيما يهدد مبادئ العدالة والمساواة والحريات و السلام الاجتماعي في العالم !!

لقد شوهت كثير من القيادات الدينية ومدارسها العقائدية مفهومَ العدالة في الإسلام بما أنتجوه من فکر مغال بعيد عن جوهر الإسلام ومعينه الصافي الذي شهدته الأرض والسماء أيام المصطفی صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، واتخذوا لأنفسهم منهجاً مخالفاً و نبعاً آسناً من قرون مظلمة واتبعوا أقوالَ زمن فيج أعوج طغت فيه شروحات تعاليم الإسلامية ذات صبغة سياسية بسبب

المحيط السياسي والحضاري لتلك العصور. ذلك الإفراز الذي وَلّدَ في الأمة فكراً مشوباً نُسجت عليه نظریات باطلة باسم الإسلام لا تستند في حقيقتها لا إلى القرآن، ولا إلى سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

وبكل أسف فقد ساهمت في عصرنا الحالي بعض النظم السياسية في البلاد الإسلامية على ترسيخ هذا الفكر السقيم مما نجم عنه اضطراب خطير هز العالم واستقطب الأنظار ومنح الفرصة للخصوم على ضرب العقيدة الإسلامية على أنها لا تمنح السلام للعالم!

وها هي الأمة الإسلامية تدفع ثمنا باهضا ألَّب عليها خصومات وعداوات هي في غنى عنها بفعل آثار الفكر المدمر الأهوج الذي لطالما حذرت منه الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية عبر مختلف الوسائل آملةً تنبيه أولئك الأدعياء على الفكر الإسلامي على مكامن الضعف فيما يتبنونه من شروحات وتفسيرات مجافية لحقيقة الإسلام السمحاء وتعاليم كتابه وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم . ولكن وبكل أسف كثير من هؤلاء أعماهم التعصب عن الإمعان في رؤية الحق.

أيها القارئ الكريم ما أحوج الأمة في أيامنا هذه إلى مراجعة ذاتها وفكرها وتنقيحه من الشوائب التي أضرت بها أيما ضرر!

وما أحوجها إلى من يشد على يدها وينصفها و يرأف بها كإنصاف الأخ لأخيه أو رأفة الأم لابنها عسى الله أن يحيي تلك القلوب ويبصر تلك الأعين من غشاوة حجبت نور السنة المحمدية الغراء وعدالة شرعه السمحاء التي أزهقت الشرور من الصدور وحولت الأشرار إلى أخيار عاشقين لهذه المحجة البيضاء.

وللقارئ أن يتساءل: ما بال شجرة العلماء والمشائخ ومفكري الأمة، لا تثمر تلك الثمار الطيبة التي كانت تثمرها الشجرة الطيبة للمصطفی صلى الله عليه وسلم ، إذا ما كان فهمهم لمفاهيم الإسلام هو ذاته الذي ساد عقول وقلوب من كانوا في صدر الإسلام !؟

لقد أجاب القرآن الكريم بضرب مثل حي قائلا: {ألَمْ تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبةٍ أصلُهَا ثَابتٌ وَفَرعُهَا في السَّماءِ تُؤتِي أُكلَهَا كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّهَا وَ يَضْرِبُ اللهُ الأمثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوقِ الأرضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}

الحق أن الإسلام منذ بزوغه إلى اليوم لم يتضرر من قبل أعدائه بالقدر الذي تضرر على يد بعض أبنائه ورجال الدين السذج الذين مهدوا السيل والأجواء بمغالطاتهم التي شكلت جسراً للأعادي لاختراق فكر الأمة وإجهاض مصداقية الدين الحنيف ورميه بالجور وعدم العدل.

لقد انتقص الكثيرون مفهوم العدالة في الإسلام وأساءوا إليه بما يتبَنّونه من أفكار مجافية للتقوى، ويمكن الاطلاع على أطروحاتهم في ما يجاهرون به علانية باسم الدين، كاستخدام السيف في نشر الإسلام وتغيير المعتقدات بالقوة والإكراه، على أنه جهاد إسلامي انفرد المسلمون بانتهاجه دون باقي الأديان، التي لا يحق لها فرض عقائدها على المسلمين بنفس الأسلوب!. وثاني الأطروحات المدمرة للعدالة الإسلامية والتي يصر عليها هؤلاء هي قولهم أنه لا يجوز للأديان المخالفة للإسلام أن تعاقب تابعا لها أراد اعتناق الإسلام، بينما للمسلمين حق معاقبة المسلم الذي اعتنق دينا من الأديان الأخرى!؟

ثالثا قولهم أنه يحق للمسلمين فرض الشريعة الإسلامية على الأقليات الدينية التي لا تدين بالإسلام، بينما لا يحق لأهل الأديان الأخرى فرض تشريعاتهم الدينية على الأقليات المسلمة!

هذه بعض من مفاهیم مبادئ العدالة الإسلامية التي يقدمها بعض أصحاب الفضيلة للعالم! ويتفاخرون بها على أنها من صميم الإسلام وتعاليمه! ألا ما أظلَمَ هذا الفكرَ وما أشدَّه مجافاةً للصواب والعدل والإنصاف! ويا لفداحة الخسارة التي تجرّها هذه العقول على الإسلام والمسلمين، ويا للعداء الذي تولده هذه الأطروحات الباطلة ضد الإسلام والمسلمين في شتى البقاع، ويا للألم الذي تتجرعه الألوف من الأقليات المسلمة من خصومها تحت هذه المعتقدات التي أضحت لصيقة بفكر الأمة ودينها؟

إن الله عز وجل رب العالمين خلقنا جميعا سواسية رغم اختلاف الأعراق و الألوان والأجناس، وهو سبحانه بعدله سخر لنا جميعا جميع قوى الطبيعة نستفيد منها و ننهل من خيراتها سويا. إن ادعاء أية أمة بمحبة الله غير كاف إذا لم ينبع من عدل الله ومحبته ورحمانیته ورحيميته بالخلق، لأن العدل أساس الدين الحق وصفة لازمة له ما دام الله عز وجل يستقي مرجعيته المقدسة من العدل الكامل، فسبحان الذي حرم الظلم على نفسه. فالإسلام دين العدل وكتابه دستور للعدالة الربانية التي تخاطب الناس لا على أساس قومية أو عرقية بل على صعيد الإنسانية جمعاء!

والعدالة في الإسلام ثابتة مستقلة تعلو ولا يعلى عليها. وهي في معیارها لا تنحاز لسطوة ذي مال أو جاه أو سلطان أو قرابة أو انتماء عقائدي وإنما انحيازها للحق والإنصاف كما أراد الله لها.

و میثاق العدالة الذي يقدمه الإسلام سامٍ يكفل السلام للبشرية جمعاء رغم الاختلاف في اللون أو العرق أو الدين. في حين أن ما يقدمه بعض الأدعياء باسم الدين من تأويلات تزرع الحقد والتباغض والجور وكل ما يدمر السلم الاجتماعي. على الأمة الإسلامية أن تنهج عدالة رب العالمين الذي أنزل القرآن میثاقا عادلا لا جائرا، وأن تعود إلى سنة سيد العادلين وقدوة المقسطين ومثابة المظلومين سيدنا محمد المصطفی صلى الله عليه وسلم  الذي كان العدل شرعته و منهاجه، بل كان بذاته عدل الله المتجسد على الأرض. نعم أيها القارئ الكريم أليس هو صلى الله عليه وسلم  الذي أعلن : “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” . فطوبى لعدلك يا رسول الله وطوبى للعادلين بعدك الذين استَنُّوا بسنتك وشهدت لهم الأقوام بالعدل فكانوا بحق خلفاء راشدین مهديين.

إن رسالة الإسلام رسالة عدل وإحسان ونهي عن الجور والقهر، فما أحوج عالمنا إلى عدل الله ورسالته الحقة، وما أحوج أمتنا للوقوف على حقائق عدالة الإسلام وإعادة النظر فيما يُنشر ويُلصق باسم الدين من دعاوي غريبة و تفسيرات واهنة وواهية عن نظرية العدالة الإسلامية. فالحمد لله الذي بعث في الأمة إماما مهديا فجعله حكما عدلا لتجديد الدین وإشاعة معارفه الحقة فكانت جماعته الإسلامية الأحمدية حاكمة عادلة تحت ظلال خلفائها إلى يومنا هذا وهي تأمر بالعدل وتقيم الوزن بالقسط ولا تخسر الميزان حتى جعلها الله مثابة مباركة للناس، ويأوي إليها الباحثين على الخلاص من نير جور رجال الدين المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. جعلنا الله وإياكم من العادلين وفق ما أمر به رب العزة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك