المسيح الموعود يستقبل البروفسور ريج

المسيح الموعود يستقبل البروفسور ريج

البروفسور ريج عالم فلك إنجليزي مشهور في زمنه، وكان يعيش في إنجلترا. زار الهند عام 1908 في جولته حول العالم التي ألقى خلالها محاضرات في علم الفلك على عدد كبير من المستمعين. وفي مايو 1908 ألقى محاضرة في لاهور (الهند عندئذ وباكستان حاليًا)، حضرها عدد كبير من ذوي المراكز المرموقة. وكان السيد مفتي محمد صادق حاضرًا في هذه المناسبة، فقابل البروفسور بعد المحاضرة، وشرح له باختصار الأدلة والحجج التي قدمها سيدنا مرزا غلام أحمد لإثبات دعواه أنه المسيح الموعود لهذا الزمن. وقد أبدى البروفسور رغبة في لقاء سيدنا مرزا غلام أحمد ، وتمت هذه المقابلة بعد صلاة الظهر يوم 12 مايو 1908. وقام مفتي محمد صادق بالترجمة، ودون الحديث أصلاً باللغة الأردية، وفيما يلي ترجمة لهذه النسخة الأردية الموجودة في ملفوظات مجلد 10 ص 353.

(نقلها إلى العربية من مجلة ريفيو السيدة: مها دبوس)

البروفسور ريج:

أنا من رجال العلم، وأرى أن الأرض التي نعيش عليها صغيرة جدًا.. مقارنة بآلاف الملايين من الأجرام الأخرى من خلق الله؛ فلماذا إذن انحصرت نعم الله في هذه الكرة الأرضية وحدها أو في دين واحد أو أمة واحدة؟

سيدنا مرزا غلام أحمد:

الحقيقة أن هذا غير صحيح. ونحن أيضًا لا نؤمن بأن الله يتجلى عن طريق أمة معينة أو طائفة معينة. إن الله ليس له علاقة أو مودة خاصة تجاه أمة واحدة. الحق أن الله تعالى للكون بأكمله.. وقد خلق وسائل التطور والإعاشة المادية لكل المخلوقات بدون أي تفرقة. وطبقًا لمبدئنا فإنه رب العالمين.. أي أنه هو الذي يعول الكون ويمده بكل أسباب الحياة. هو الذي خلق الغذاء والهواء والماء والضياء، إلخ من أجل كل المخلوقات. وبالمثل فإنه من وقت لآخر.. في كل عصر، وفي كل أمة.. أرسل المصلحين من أجل إصلاح الناس في هذه الشعوب.. وكما هو مذكور في القرآن الكريم

وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (فاطر: 25)

إن الله تعالى هو رب العالمين، وليست له علاقة خاصة بأي أمة. والحقيقة هي أن الكتب السماوية المختلفة التي أنزلت من وقت لآخر على مر العصور لا تناقض بعضها الآخر. ذلك لأن المصلح تكون له ضرورة عندما يميل العالم إلى أعمال الشر وتكثر فيه العادات السيئة مثل الكذب والسرقة والنزاع والأخلاق الفاسدة عامة، فيبتعد هؤلاء الناس عن الطهارة والتقوى، وتتغلب عليهم الرغبات والمشاعر الأنانية حتى أنهم في عقيدتهم يبتعدون عن عبادة الإله الواحد ويميلون إلى عبادة الأوثان.

إن الله هو عائل الإنسان ماديًا وروحانيًا. وإن كبريائه –تعالى- يقتضي أنه في أوقات الظلام الروحاني يعين إنسانًا من أجل إصلاح الناس. ومفهوم هذا المصلح لا يخرج عن نطاق قوانين الطبيعة. فكما أن القمح الذي كان ينمو في أوقات سيدنا آدم والأنبياء الآخرين لا يمكن أن يكون مصدر غذاء لنا، وكما أن الماء الذي كان موجودًا في الأوقات الماضية لا يمكن أن يروي عطشنا.. فإننا بالمثل نحتاج إلى الطعام والماء الروحاني الجديد. هذه هي سنة الله.. فكما يعول ويمد التطور المادي باحتياجاته عندما يصبح الغذاء السابق غير كاف للحاضر، فإن هذا أيضًا ينطبق على نظام التطور الروحاني. كما أن النظامين: المادي والروحاني كلاهما يتطوران في مسارين متوازيين. وهذا الحديث يأخذ مدارًا مختلفًا بالنسبة للإنسان الذي ينكر وجود الله تعالى. أما إذا كان الإنسان مؤمنًا بوجود الله تعالى فعليه أن يتذكر كلا النظامين، ويستفيد من المقارنة بينهما. إن الذي خلق النظام المادي خلق النظام الروحاني أيضًا. وكما يزود النظام المادي بالإمدادات المتجددة.. فإنه أيضا يمد النظام الروحاني بالإمدادات المتجددة. وكما أن الحالة المادية تعتمد على الماء النقي.. فإن الحالة الروحانية أيضًا تعتمد على الوحي السماوي المتجدد. وكما أن الجسم المادي يموت إذا لم يحصل على الغذاء.. فإن الروح أيضًا تموت بدون الطعام الروحاني.

إذا لم يكن لدينا سوى تلك المراجع الماضية القديمة بالنسبة للأمور الروحانية.. فماذا ستكون النتيجة إلا أن يكون النظام الروحاني في حالة موت؟ ماذا يمكن أن يكون الاحتمال الآخر؟

إن الألوهية تقتضي أن يُعرف الله دائمًا. ومن أجل إثبات وجوده ومعرفته فإنه دائمًا يوفر آيات حقيقية، واضحة، ومتجددة، ولا يصعب فهمها. هذا هو النظام الذي كان دائمًا موجودًا في الماضي وهو النظام المستمر. إن آلاف من الأنبياء قد جاءوا وقدموا هذه البراهين عن طريق أعمالهم وأخلاقهم، وبذلك أتموا الحجة لإثبات وجود الله جل علاه.

والآن، كيف يمكن لإنسان يدعي أنه عالم أو فيلسوف أن يلغي هذه السلسلة المتصلة من الآيات المشهورة الثابتة؟ إن المطلوب في مثل هذه الحالة هو أنه كما قدم الأتقياء أمثلة عملية وأثبتوا دعواهم بأسلوب حياتهم، فبالمثل يجب أن يقدم النفي بنفس الطريقة. ولكن من حق هؤلاء الناس أن يسألوا.. لماذا قدمت إليهم خرافات وقصص بالية؟ لماذا لا يقدم لهم برهان حي أو مثال حي؟ ومن أجل هذا أنا موجود. لا يمكن لعالم الفلك أن يأتي بإثبات واضح على وجود الله تعالى بمجرد مشاهدة النظام الشمسي مثلاً.. الذي قد يكون على الأكثر وسيلة لاستنباط وجوب أن يكون هناك إله. أما حقيقة أن هناك إله وتأكيد وجوده فقد أثبت دائمًا عن طريق المبادئ التي جاء بها الأنبياء. إذا لم يظهر أمثالي في هذه الدنيا ما كان ليتوفر في العالم أي دليل حقيقي وكامل على وجود الله سبحانه. وأقصى ما يمكن.. أنه إذا كان هناك إنسان عادل وتقي.. يتأمل ويتدبر في الأجرام السماوية المحكمة وفي النظام الشمسي وغير ذلك.. فإنه سيتمكن من استنتاج وجوب أن يكون هناك إله. أما خلاف ذلك.. فإن حقيقة وجود الله، وأنه المالك والحاكم، والقوة المحركة وراء كل المخلوقات.. كل هذا لا يمكن أن يعرفه الناس بدون هداية يحملها الربانيون. إن هؤلاء هم الذين يمكنون الآخرين من الشهادة على وجود الله تعالى، وبتقديم الأدلة والآيات الجديدة يستطيعون أن يجعلوا الآخرين كأنهم يرون الله.

البروفسور ريج:

مكتوب أنه هناك آدم واحد وحواء واحدة، وأن حواء كانت امرأة ضعيفة وقد أكلت تفاحة، والآن أصبح العقاب على أكلها التفاحة مستمرًا إلى الأبد. أنا لا أفهم هذا. وهذه الأرض التي نرتبط بها.. هي واحدة من آلاف الملايين من الأنظمة الأخرى التي خلقها الله، إذن لماذا تنحصر قدرة الله ونعمه على الأرض فقط؟

سيدنا مرزا غلام أحمد:

هذا ليس اعتقادنا، إننا لا نقول أن ليس هناك نظام إلا نظام الكرة الأرضية. إن إلهنا يقول إنه رب العالمين.. أي أنه يعول كل الأكوان، وأينما كانت هناك حياة فإنه أرسل إليها رسله. إن عدم المعرفة بوجود الشيء لا يجعل الشيء غير موجود. إن الله خلق نظامًا شاسعًا لإعالة هذه الأرض الصغيرة، فلماذا لا يكون قد خلق القوت لكل أشكال الحياة الأخرى؟ أما بالنسبة للقول بأن كل المعاناة البشرية قد سببتها حواء بأكلها تفاحة.. فإن هذا ليس من معتقدات الإسلام. لقد تعلمنا من القرآن الكريم

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى (فاطر: 19)

لا يمكن أن يقع عقاب إنسان على إنسان آخر، ولا يمكن أن نتخيل أي فائدة من هذا. إن أكل حواء التفاحة ليس سببًا لأي معاناة ولا مصاعب ولا عقاب. إن أسباب هذه الأشياء موجودة في القرآن الكريم.. ولكنها أسباب مختلفة تمامًا.

بروفسور ريج:

هناك شيئان أرغب في أن أكتشفهما.. أحدهما: ما هو تعريف الخطيئة؟ في بلد ما.. يمكن أن يعتبر الإنسان عملاً معينًا خطيئة، في حين أن نفس العمل قد لا يعتبر خطيئة في بلد أخرى. والإنسان قد تطور من حشرة صغيرة حتى مرحلة البشر، ثم تعلم التمييز بين الحق والباطل، والطيب والخبيث، واكتسب معرفة الخطيئة والخير.. وبعد كل هذا هناك فرق: ما يعتبر خطيئة بالنسبة لإنسان ليس خطيئة للآخر الذي ينغمس فيها.

والشيء الثاني الذي أريد أن أفهمه متعلق بالشيطان.. فما هو الشيطان؟ كيف يمكن أن يكون الله -هو المالك والقادر على هذه المعرفة العظيمة- قد اضطر إلى المجيء إلى هذا العالم بنفسه ليصلحه.. بعد أن سيطر الشيطان على العالم لهذه الدرجة؟ ما هو معنى ذلك؟

سيدنا مرزا غلام أحمد:

في العادة أتحدث باعتبار الناس الذين يؤمنون بوجود الله تعالى. إن وجود الله هو مصدر السعادة والمتعة الأبدية لحياة الإنسان، وبالنسبة لحال الإنسان الذي ينفصل عن الله أو يبتعد عنه بطريقة أو بأخرى.. يقال إنه اقترف خطيئة. وعلاوة على ذلك، بأخذ طبيعة الإنسان في الاعتبار، فإن الله قد عرف الخطيئة أيضًا أنها الأعمال التي في مضمونها النهائي تسبب أذى للإنسان نفسه، حتى وإن لم يتمكن الإنسان نفسه أحيانًا من إدراك هذه الأضرار إدراكًا كاملاً. فمثلاً إن السرقة وإيذاء الآخرين بسلبهم حقوقهم.. يضر صفاء حياة الإنسان. وزنا الزاني وأخذه حقًا يملكه إنسان غيره.. يقضي على تقواه شخصيًّا ويعرضه إلى مصاعب مادية وروحانية شتى. وبالمثل فإن هذه الأعمال التي تتعارض مع طبيعة النقاء والتقوى البشرية تعتبر أيضًا خطيئة. كذلك الحال أيضًا بالنسبة لكل الأعمال المرتبطة بها.. سواء أكانت مرتبطة بها من قريب أو من بعيد. هذه كلها تعتبر أنواعًا من الخطيئة.

إن الله سبحانه وتعالى أعظم من كل شيء آخر، وله أعظم علم ومعرفة، وهو الخالق الحقيقي للإنسان وكل ذرة في الوجود. وهو أيضًا خالق طبيعتهم، وهو الحكيم. فإذا كان بحكمته البالغة وعلمه الكامل قد اعتبر شيئًا مضرًا لك، وأن الانغماس فيه لن ينفعك بأي شكل، وأنه بالأحرى مضر، فإن الإنسان العاقل لن يخالف هذا الأمر. إننا نرى أنه عندما ينصح الطبيب مريضًا بأن يمتنع عن شيء، فإن المريض يستمع إلى النصح بدون أي مناقشة، فلماذا يفعل هذا؟ إنه يفعله لأنه يعتبر الطبيب أكثر علمًا منه. وبالمثل، فإن هناك أشياء مضرة لجسم الإنسان أو لروحه.. سواء أدرك الإنسان هذا أم لا. وقد تكون بعض الأشياء ضارة حتى ولم يبين الله عنها قرارًا. في الطب أيضًا.. هناك بعض الأشياء التي تعتبر خطيئة، وعدم المعرفة الطبية عنها ليس مبررًا للإنسان الذي يخالف المبادئ الطبية. فإذا لم يؤمن أحد بهذا فعليه أن يتحقق من الأمر لدى الأطباء.

إن النقطة التي يجب تذكرها هي ببساطة أن منابع الخطيئة هي هذه الأعمال التي تؤدي بالإنسان إلى الابتعاد عن النقاء والتقوى. إن الحب الحقيقي لله تعالى، والاتحاد معه.. هو المتعة الحقيقية والراحة الصادقة. وبالتالي فإن الانحراف عن طريق الله والابتعاد عنه هو أيضًا خطيئة، وهو مصدر للألم والمعاناة والمصاعب. إن هذه الأشياء التي يبغضها الله بسبب قداسته هي الخطيئة. هناك بعض الأمور التي قد لا يتفق الناس عليها، ولكن من ناحية أخرى يتفق الجزء الأكبر من العالم على أن الكذب والسرقة والزنا والقسوة هي أعمال تعتبرها كل الشعوب والأديان خطيئة.

ولكن تذكر أن مصدر الخطيئة هو هذه الأعمال التي تبعد الإنسان عن الله، والتي تتعارض مع قدسيته وضد رغباته، وضد طبيعة الإنسان. هذه هي الأعمال التي تتكون منها الخطيئة. وكل إنسان يدرك معنى الخطيئة. فإذا لطم أحد إنسانًا بريئًا.. وهو يعرف أنه ليس من حقه فعل ذلك، فإنه في وقت ما في المستقبل.. عندما ينظر إلى عمله بهدوء.. سوف يشعر بالخجل من نفسه، وسيدرك أنه قد فعل عملاً سيئًا. وعلى عكس ذلك، إذا أطعم إنسانًا جائعًا وسقى عطشانًا وكسى أحدًا لباسًا.. فإن مثل هذا الإنسان سيشعر من داخله أنه فعل خيرًا، وأنه قام بعمل مبارك. إن قلب الإنسان وضميره ونور الإيمان يذكرونه بأن أعماله المختلفة كانت عمل خير أو عمل شر.

وبالنسبة للشيطان.. فيجب أن نتذكر أن هناك في طبيعة الإنسان وتركيبه قوتين متضادتين. وهذا من أجل أن يختبر الإنسان ويمتحن. وإذا كانت النتيجة نجاحًا فإنه يستحق قرب الله تعالى. وإحدى هاتين القوتين تجذب الإنسان تجاه الخير، والأخرى تدعو الإنسان إلى الشر. إن القوة التي تجذب الإنسان إلى الخير تسمى ملكًا، والقوة التي تدعوه إلى الشر تسمى شيطانًا. أي يمكن لنا أن نفهم ذلك هكذا.. وكأن هناك قوتين تسيطران على الإنسان.. إحداهما تدعو إلى الخير (داعية خير)، والأخرى إلى الشر (داعية شر). وقد لا يحب أحد أن يستخدم التعبيرين: ملك وشيطان، ولكنه لن يستطيع أن ينكر وجود هذين النوعين من القوى داخل الإنسان. إن الله تعالى لم يقصد أبدًا أي شر. إنه فقط يفعل الخير.

وكما ترى، إذا لم توجد الخطيئة في هذا العالم.. فلن يكون هناك أي خير. إن الخير ينشأ من الخطيئة. إن مفهوم الخير يتكون بمفهوم الشر. إذا كانت لدى أحد فرصة للزنا.. وكانت لديه القدرة على فعل ذلك، ولكنه يمتنع عن هذه الخطيئة.. فإن هذا العمل يسمى خيرًا.

وإذا توفرت لأحد فرصة السرقة أو القسوة على أحد.. وكانت لديه القدرة على فعل هذه الأعمال.. ولكنه لم يفعل وامتنع إيجابيًا، فإنه يكون قد قام بعمل خير. إن تتوفر الفرصة والقدرة لفعل الخطيئة ثم لا ينغمس فيها الإنسان.. فهذا هو العمل الخير والمبارك.

بروفسور ريج:

في العالم هناك قوتان تعملان: الإيجابية والسلبية. فإذا استخدمنا القوة الإيجابية دائمًا ولم نستخدم السلبية أبدًا ففي يوم ما سوف تجمع السلبية قوتها، وقد تنفجر في أي وقت وتدمر العالم.

وهذا صحيح أيضًا بالنسبة للخير والشر. إذا فعل العالم بأسره الخير فقط.. ولم يفعل أي أعمال شر فبالمثل سوف يجمع الشر قواه ويدمر العالم.

سيدنا مرزا غلام أحمد:

انظر، إذا هناك إنسان لا قدرة له على الصياح، فإن تحدثه برقة لا يعتبر تصرفًا عالي القدر. إذا استمر الإنسان دائمًا على حال معينة، ولم تكن لديه القدرة على التغير فإن الخير لا يمكن أن يستمر كخير. إن وجود الطرفين هو الذي يولد الخير. إذا كان حال الإنسان لا يمكن تغييرها، ولم تكن لديه أي قدرات أخرى لتغيير حالته بحيث كان دائمًا مجبرًا على فعل الخير، ولم تكن لديه أبدًا القدرة على فعل الشر، إذن أين سيكون هناك ما نسميه طاعة أو خير؟ إن الله تعالى قد أعطى البشر -إلى حد ما- القدرة على التحكم، وهم يستطيعون تغيير حالهم، ولديهم القدرة على فعل الخير، ولديهم القدرة على فعل الشر. وأيًّا كان عمل الإنسان.. فسوف يجد جزاءه مطابقًا له. أنت ترى، أنه إذا لم يكن هناك عمل شر.. فما الذي كان سيسمى عمل خير. إنه فقط في حالة وجود صفات سيئة.. يمكن أن تكون هناك صفات طيبة. يمكن للإنسان أن يفكر في شيء سيء، وإذا تصور هذا في عقله.. يمكنه أن ينتقده. وبالمثل، فإنه يشير إلى بعض الأعمال الخاصة على أنها خير ويمتدحها. وإذا لم تكن هناك صورة في عقل الإنسان عن أي شيء سيء.. فلن تكون هناك أشياء مما يسمى الصفات الكريمة مثلاً. إنه دائمًا من خلال الشر يمكن لنا أن نميز الخير. إذا كانت هناك وجهة واحدة لا غير.. فبالتأكيد لن يكون هناك أي جزاء أو رضاء من الله. إن الحزن والسعادة، والتعب والراحة، والظلام والنور، والمر والحلو، والسم والترياق، والشر والخير، والخطيئة والعمل الطيب.. كلها موجودة بوجود أضدادها. ولو كنت هذه الأشياء المضادة غير موجودة لكانت الحياة نفسها تصبح مملة جدًا. إذا كان الله قد خلق حالة واحدة فقط في طبيعتنا، فلماذا يكون هناك أي جزاء أو مكافأة؟ كيف يمكن أن يكون هذا سبب لنيل رضا الله.. إذا كانت كل الأعمال اضطرارية، وليس لدى الإنسان أي قدرة على فعل شيء آخر؟ يجب أن نتذكر أن الإنسان لديه السلطان، ولديه القدرة على فعل الخير والشر، وأن يكون لطيفًا وقاسيًا، وأن يكون كريمًا وبخيلاً، ودائمًا إذا تذكرنا الاحتمالين للتصرف أمكننا أن نكوِّن رأيًا عن إنسان ما.. إذا كان طيبًا أو شريرًا.

وبالتأكيد فإن التعريف الضروري لكلمة (عمل) هو أن يكون الإنسان لديه القدرة على فعل العكس. إن الإنسان الذي تكون لديه الفرصة للثأر ولكنه لا يفعل هذا.. يكون قد فعل عملا طيبا. ولكن الإنسان الذي لا يملك أداة الثأر من إنسان قد ضربه.. لن يكون له الحق في القول بأنه قد فعل عمل طيبا إذا لم يثأر لنفسه.

يقول الله تعالى:

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ..

ويتضح من هذه الآية القرآنية أن وجود الخير، ووجود صفات الخير.. أساسه مرتبط بالقدرتين على فعل الخير أو الشر. إن الإنسان الذي تكون لديه القدرة واحدة ولم يُمنح الأخرى يكون مثل الصورة التي لا يمكن محوها. إن الإنسان الذي ينكر وجود الملائكة والشيطان.. ينكر حقائق ثابتة بنفسها، ويناقض ما يمكن إدراكه ومشاهدته بسهولة. إننا نرى كل يوم أن الناس تفعل الخير، وأيضا يُقترف في العالم حولنا أعمالُ شر كثيرة. وهاتان القوتان تعملان متوازيتين. وهذا لا يمكن أن ينكره أي إنسان. من ذا الذي لأي أحد في داخله شعورا وتأثيرا للقوتين؟ هنا لا يمكن أن تدخل الفلسفة أو المنطق.. لأن القوتين موجودتان، وكل منهما تعمل في مكانها. والإجابة على سؤالك أنه إذا فعل الناس الخير فقط.. ولم تقترف أي أعمال شر فإن الشر بعد بعض الوقت سوف يجمع قوته ويدمر العالم؛ فكل ما أستطيع قوله عن هذا هو أنني لا أهتم بالأقوال من هذا النوع وإذا حدث هذا فإن ذاك سيحدث. وإذا حدث ذاك فإن هذا سيحدث. إننا نرى أن طبيعة الإنسان قد خُلقت ودربت للقيام بالأعمال الطيبة والأعمال السيئة أيضا. ولا أقول أكثر من هذا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك