التوحيد.. دعوة الرسل والأنبياء جميعا في كل زمان

التوحيد.. دعوة الرسل والأنبياء جميعا في كل زمان

حسن زكريا حراز

الحكمة من خلق الإنسان أن يُوجد المخلوق المتكامل الذي استخلفه الله في الأرض، وفضّله على جميع المخلوقات. ذلك المخلوق الذي منح الله له آفاق المعرفة الدنيوية، والمعرفة الأخروية، بأن زوده بالبصر والبصيرة. يقول سبحانه:

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ  (البلد: 9-11).

البصر للمشاهدة والإقرار الحسي، والبصيرة للتفكر والتميز. فقال الله تعالى:

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ*  أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا*  فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا*  وَعِنَبًا وَقَضْبًا (عبس: 25-29)

وقال سبحانه:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (الزمر: 22).

إنها عناية الله في الكون كله، والتي يلاحظها الإنسان في عينيه اللتين تبصران، وفي أذنيه اللتين تسمعان، وفي عقله الذي يفكر، وفي لسانه الذي ينطق. إنها عناية الله التي يلاحظها الإنسان في كل ما يحيط به ويغمره من نعم الله، وأن هذه العناية تنفي المصادفة.

ولقد أطلق الله سبحانه وتعالى له العنان ليسير بوسائله وملكاته التي منحها له لكي يستدل على خالقه، فيقول :

أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ  *وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ * وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا * كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ (ق: 7-12).

وهذه الآيات الكونية ونظائرها في القرآن الكريم ناطقة بعظمة القرآن التي لا يحدها حد. إن هذه الآيات الكريمة صيغت في كلمات قليلة، ولكنها أشارت إلى كل مظاهر الطبيعة وما انطوت عليه من أسرار، ويصول العقل البشري ويجول ويضع الفلاسفة والعلماء ألوف الكتب والأبحاث وملايين الملايين من الكلمات تنتهي كلها إلى ما انطوت عليه الآيات من ظواهر كلها تشهد بقدرة الخالق ووحدانيته.

ومن عظمة الله تعالى أن أنعم على خلقه بأن دعاهم إلى التزود بالمعرفة والتحلي بالعلم، قال تعالى:

ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ . وشعار المسلم: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا .

فأول سورة نزلت على المصطفى كانت دعوة صريحة من الخالق للبشر للتزود بالعلم والمعرفة التي بهما تسموا الأمم، فقال تعالى:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: 2-6).

والمعرفة نوعان

معرفة مادية مثل علم الكيمياء والطبيعة والفلك والرياضيات والأرض.. إلخ. وهذا النوع من المعرفة من كسب الإنسان عن طريق العقل والقراءة والاطلاع. ومعرفته هذه تتأتى عن استنتاج وسائل المعرفة: وهي الملاحظة والتجربة، والاستقراء. وهذا النوع من المعرفة المادية مع أنه فرض كفاية إلا أنه محمود، فهو مظهر لرقي وحضارة الأمم، كذلك فهو مصدر لعمارة الأرض واسترزاق البشر. عوضًا عن المعرفة التي يستدل بها على إعجاز خلق الله وعظيم قدرته، مما له أعظم الأثر في تثبيت عقيدة الإنسان.

أما النوع الثاني من المعرفة، فإنه الخاص بالعقيدة، والأخلاق والتشريع، ونظام المجتمع. وهذا النوع هو من صنع وتقدير الله سبحانه وتعالى يوحي به ويبينه على يدي رسله وأنبيائه.

ومنذ اللحظة الأولى لميلاد الوحي نبّه المولى عباده إلى نوعي المعرفة.. المعرفة المادية والمعرفة بالعقيدة والتشريع. فالجزء الأول من سورة العلق:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ

هو دعوة الله لخليفته في الأرض للتزود بالمعرفة المادية التي لا بد منها لظهور ورقي المجتمع الإسلامي. فإذا تزود الإنسان بالمعرفة المادية، قَويتْ لديه ملكاتُ الملاحظة والبصيرة تتجلى به أمامه عظمةُ آيات الله في الأرض والسماوات وفي كل شيء مخلوق. فبعد هذا الإعداد المادي العقلي، يدعو الله الناسَ إلى التوحيد وعبادتهم لخالقهم وربهم. فيقول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً * وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ * إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( النساء:2)

والرب خالقُ الإنسان أدرى بملكاته يعلم أنه كلما ضعف الجزء الروحي في الإنسان كلما زاد جحودُ الإنسانُ وتمرُّده. ولذا يخبر المولى:

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغى *  أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (العلق: 7-9) .

فكما أن أرجاء الكون تمتلئ بالظواهر المادية، فإنها أيضًا مليئة بالظواهر الروحية. وكما أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون ماديا فأبدع خلقَه وتكوينه ورسم قوانينَه ومظاهرَه في إحكام وإتقان، فإنه سبحانه عنى بالكون روحيا ورعاه في زواياه الأخلاقية والعقيدية. فأرسل إليه الرسل والأنبياء وعباده الصالحين منذرين ومبشرين. ورسالة الرسل والنبيين عليهم الصلاة والسلام هي أن يوضحوا عن الله المبادئ الخاصة بالعقيدة التي بها ينتظم المجتمع أفرادًا وجماعات. وكانت دعوة آدم تتجه على وجه الخصوص إلى ركن أساسي من أسس المجتمع الصالح ألا وهو عقيدة التوحيد. والحق أن هذه العقيدة هي عقيدة أرسل بها كل الرسل والأنبياء. لقد تحدثوا جميعا عن التوحيد، توحيد الألوهية في الذات، وتوحيدها في الفعل. وتتكاتف آيات الله وأحاديث الرسول على دعوة الإنسانية إلى التوحيد حتى تتحرر من رق العبودية:

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (الإخلاص). وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون (الأنبياء:26).

التوحيد هو جوهر الرسالات السماوية جميعًا. والتوحيد هو ما نعبر عنه في الإسلام بأشهد أن لا إله إلا الله، والمعنى الحقيقي للتوحيد: الاعتقاد واليقين أن كل ما في الكون من خلق ورزق وعطاء وحياة وموت، وغنى وفقر وقوة وضعف، وعزّ وذلّ، مردّه إلى الله سبحانه وتعالى. وإذا آمن الإنسان بالتوحيد لم ينظر إلى غير الله بل رأى أن كل ما سوى الله مسخر لله. وإذا اعتقد بالتوحيد تحرر من ذلّ عبودية المخلوق، لأن كل مخلوق مسخر لله، وأن الكون كله في قبضة الله بالعلم والقدرة، والإرادة والحكمة والتدبير. وإذا فهم التوحيد على حقيقته واتخذ الإنسانية شعارا له، يكون علاجا لكثير من ألوان الضعف في المجتمعات.

إن التوحيد هو دين الأنبياء جميعا الذي كانوا يبشرون به، ويبشرون بأمر آخر يستلزمه التوحيد، وهو أساس المجتمع الصالح الحضاري، تلك هي التوبة الصادقة، والرجوع الفوري إلى شريعة الله بصدق، بعد أن ينحرف الإنسان عن الصراط المستقيم. إنه الإنابة من آدم خليفة الله في أرضه عن الهفوات، إذ نادى ربه في صدق:

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الأعراف:24)

وكذلك يونس

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ .

ولقد أرسل الله رسلا يعالجون أمراضًا معينة في مجتمعات معينة، وكانوا يحاولون معالجة مجتمعاتهم على أساس التوحيد.. حتى يهتدوا إلى الصراط المستقيم. فُلوط كان يعالج في مجتمعه الشذوذ الجنسي. فيقول الله تعالى:

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (الأَعراف: 81-85)

وشعيب كان يعالج تطفيف الكيل والميزان:

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (الأَعراف: 86).

وموسى كان يعالج قلوب بني إسرائيل المتحجرة وإيمانهم الهش الذي استعصى عليه، وهم الذين وصل بهم الأمر إلى أن قالوا:

يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأَعراف: 139-140)

أما محمد فكان يعالج المجتمعات البشرية ككل في شتى أرجاء الكون، يعالج فهم العقيدة، والتشريع والنظام الاجتماعي، ويدفعهم إلى العلم. ولذلك يقول الله تعالى:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (الجمعة: 3). كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر (آل عمران: 111)

إنه العودة إلى الدين الإسلامي والدستور الرباني الذي اختاره الله لخلفائه البشر في الأرض على مر العصور. فجميع الديانات السماوية التي أنزلت قبل الإسلام قد نُسخت بظهور سيد ولد آدم المصطفى . فما من رسول أو نبي إلا قد بشر بمجيء المصطفى :

وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (الصف: 7).

وقد قال رسول الله :

“كِتَابُ اللَّهِ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ، لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ. وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” ( متفق عليه)

إنه المصطفى .. دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى، وتصديق داود. إنه الدين الوحيد على سطح الأرض الذي يدعو إلى العلم والمعرفة، والـتفكر، والإيمان بأن للكون خالقًا عظيمًا قادرًا على كل شيء وقيومًا للسماوات والأرض.

فإذا أدرك الإنسان هذا وصدق به فلسوف يجد التشريع والنظم الصالحة له على مر العصور وحتى قيام الساعة في القرآن الكريم وسنة المصطفى . إنها الدعوة إلى العلم والإيمان.. إنها الرسالة الخالدة في الأرض، وطريق السعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل: 98).

إن الإسلام آخر الأديان السماوية نزولا، فإذا اتجهنا إليه في نظرة شاملة كلية رأينا الصلة بين الكون وما وراء الكون، أي بين الله والعالم، بين الخالق والمخلوق. إنها الرسالة السماوية الوحيدة التي تتناول الكون من زواياه وأركانه، مادية كانت أو روحية. إنه الدستور الرباني الذي يحتوي على كثير من الحقائق العلمية التي لم ندرك الكثير منها حتى الآن، كذلك على الكثير من الأخبار الغيبية التي تَحَقق بعضٌ منها مثل فتح المسلمين دولتي الفرس والروم.

وقال العرباض بن سارية : صلّى بنا رسول الله الصبحَ ذات يوم، ثم أقبلَ علينا بوجهه، فَوَعظنا موعظةً بليغة ذرفتْ منها العيون ووجلتْ منها القلوبُ، فقال قائل: يا رسول الله، كأنَّ هذه موعظةُ مودّع. فماذا تعهد إلينا؟ فقال:

“أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا. فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” (سنن أبي داوود، كتاب السنة).

“والبدعة”: عبارة عن فعل لم يكن متبعًا فابتُدع، والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة سواء بزيادة أو نقصان. فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة ولا يوجب التعدي عليها فهو جائز. أما الأخذ بما في الكتاب والسنة والحث على اتباع ما فيهما فهو فرض عين على كل مسلم عندما يتكاسل المسلمون في تطبيق شريعتهم. فالقرآن يدعو المسلمين جميعا إلى ذلك، ولم يحدد فئة معينة من المسلمين، فيقول الله تعالى:

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ (الأَعراف: 186). إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (الجاثية: 4-5). وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (غافر: 82).

بَيد َأن الكثير من الناس يمرون على هذه الآيات مرور الكرام دونما تدبُّر في حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه وكأن:

لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأَعراف: 180).

وهنا يأتي دور العلماء.. تلك الطائفة من البشر التي منحها الله سبحانه وتعالى بصيرة تستطيع أن ترى ما لا يراه غيرها من الناس، وعقليةً تستطيع أن تستوعب ظواهر الطبيعة وتربط بينها بطريقة تمكنها من اكتشاف بعض قوانين الكون،

وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (العنْكبوت: 44). وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا (آل عمران: 8)، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (الحج: 55).

وبذلك فإن مسؤولية هذه الفئة من البشر أمام الله سبحانه وتعالى كبيرة، لأن عليها أن تبصِّر الناسَ وأن تشرَح لهم الإسلام والدين بطريقة سهلة حتى يتسنّى لهم فهمه. وما من شك في أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تبشر بأشياء تحدث في المستقبل، وتنذر من أشياء يجب أو ينبغي أن نتحاشاها.

ولكن أين هذه الفئة من علماء المسلمين في مجتمعات أمة القرآن في عصرنا الحديث؟ أَهُمْ مشائخ وعلماء الأزهر الذين أفتَوا بتحليل دماء إخوانهم المسلمين العراقيين أثناء حربي الخليج الأولى والثانية، وأفتوا بمنع إخوانهم المسلمين الأحمديين من إقامة شعائر الله، وحملهم القرآن الكريم، وحرَّضوا الحكام على انتهاك مساجدهم واعتقال إخوانهم الذين يتفوهون بـ لا إله إلا الله محمد رسول الله. فهل أفتى هؤلاء العلماء وحثوا حكامهم على منع إقامة الشعائر المسيحية واليهودية في الكنائس والمعابد في دولهم. أَمْ هُمْ علماء المسلمين جميعًا الذين يساعدون حكام المسلمين في الدول العربية الإسلامية على الفسق والفجور وعمل المنكر؟ فنحن جميعًا نعرف ما يحدث في قصور حكام المسلمين من شرب الخمور وغيرها من الكبائر. ولكن للأسف الشديد إنهم يقيمون حدود الشريعة الإسلامية على عامة الشعب الضعيف. ألم يتذكروا قول رسول الله “والله لو أن فاطمة بنتَ محمد سَرقَتْ لقطعتُ يَدَها”.

إنهم ليسوا بعلماء المسلمين، بل هم مسالمين، بعيدون كل البعد عن مصلحة المسلمين. إنهم يساعدون حكامهم على الإثم والعدوان من أجل المال. إنهم أناس تغلبت عليهم الطبيعة الطينية حتى لا تتفق مع ما خُلقوا من أجله في هذا الكون. شَغَلتهم الدنيا وطال بينهم الزمن. إنهم الفقراء إلى ربهم وقد حاربوا إخوانهم، ولكن الله القهار فوق عباده والقادر على هداهم أو إهلاكهم وتجريدهم من نعمه، وسيواجَهون حتمًا بمواقف عسيرة حاسمة. ورضي الله عن الخليفة العادل والعالم الثاقب علي بن أبي طالب، إذ قال: “لا تسألوا الجهلاء لِمَ لم يتعلموا، بل اسألوا العلماء لم لم يُعَلِّموا”. نعم إن الجهلاء ليس لهم ذنب أنهم لم يتعلموا، ولكن الذنب والوزر يقع على العلماء الذين لم يهدوهم إلى الحق. والجهل موضوع نسبي، فالعلماء المقلدون الذين لا يتبعون التطور والتجديد هم جهلاء. وفي حياتنا المادية أوضح مثال على ذلك أنه في الدول المتقدمة يعتبرون الشخص الذي لا يعرف استخدام الحاسوب الالكتروني جاهلاً. وما كان الله ورسوله ليترك الأمة الإسلامية في هذه الحيرة بدون إرشاد ولا هدًى.. معاذ الله. فرسول الله أدَّى الأمانة ونصحَ الأمة وترَكها على المحجة البيضاء. إن سيرة المصطفى نادية بالحكمة، وصوته عاليًا ستظل أصداءه تتجاوب بالحق، وتكسر حواجز كل صوت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فلرسول الله حُرمة ولأقواله حصانةٌ.. لا ينبغي أن تُرَدَّ بالهوى أو تقوَّم بالعقول، أو تخضع للمبتدعات الحاضرة أو توزن بمعايير العلوم المتغيرة. وحرمة النبي ميتًا كحرمته حيًا، وكلامه المأثور رفيعٌ ككلامه المسموع، وتنزيلٌ من التنزيل. ونحن بحمد الله نؤمن بأن الحافظ على أحاديث رسول الله التي سلمتْ من العلة والاضطراب هو الله.

إن الإسلام هو الديانة السماوية الوحيدة التي اختارها الله للبشرية حتى تقوم الساعة. وقد ورد في القرآن والسنة كثير من الأشياء المهمة التي تهديهم وتوجههم إلى طريق الصلاح. فلقد قال رسول الله : “إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا.” (سنن أبو داوود، كتاب المهدي)، وقوله :

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: 12).

إنه المهدي من الله لإحياء الدين الإسلامي ورفع شأن الأمة الإسلامية وإقامة شرائع الإسلام التي تقاعسوا عن فعلها، بعد أن لطَّخ بعض علماء المسلمين سمعة الإسلام بمعتقداتهم الفاسدة، مخالفين بذلك نصوص القرآن الكريم وأحاديث الرسول الشريف. فلقد ظهر المهدي والمسيح الموعود تصديقًا للكتاب والسنة عندما لم يبق من الإسلام إلا اسمه، كما تنبأ المصطفى . إن المسيح الموعود والمصلح المهدي من الله الذي بعثه الله لصحوة ورقي الأمة الإسلامية، وليذكرهم بالكتاب والسنة، وليدلَّهم على إعجاز آيات الله الكونية المذكورة في القرآن الكريم والتي تحققت وهم لا يفقهونها. وليملأ الأرض عدلاً. إنه المهدي الذي يدمغ الفكر الإلحادي والوجودي المنتشر بين الناس بالإعجاز القرآني. إن التصديق بالمهدي والمسيح الموعود جزءٌ لا يتجزأ من عقيدة أي مسلم، وصدق الله تعالى إذ يقول:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (البقرة: 171).

إنه التقليد والتعلق بما سار عليه الآباء.. إنها الغريزة الإنسانية. والإسلام لا يحظر تقليد الآباء والسير على منوالهم، بل يضع له قواعد.. وأول هذه القواعد مطابقة الشيء لأحكام العقل والفكر السليم. ويُستنتج ذلك من:

أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ

فهذه دعوة للإنسان أن لا يسير في شأنٍ من شؤونه وهو مغمض العينين.. بل يجب دائما أن يكون مفتوح العينين.. يقظ الفكر.. مرهف الحس. فلقد كان آباؤنا والسلف الصالح من المسلمين يعيشون حياة بدائية؛ فلو قيل لآبائنا أن الإنسان صعد إلى الفضاء وسار على القمر؛ أو أن الحديد يطير ويتكلم؛ أو أن الحروب تُدار من بُعد.. فهل كان لهم أن يصدّقوا ذلك؟ لا بالتأكيد بل اعتبروا ذلك من عمل الشيطان، وحكموا على فاعله بالقتل. ولكن هذه أشياء عادية بالنسبة لنا نحن الكبار والصغار.. إنها أشياء لا غنى لنا عنها في حياتنا اليومية المعاصرة، ونسعى جميعًا إلى اقتناء الأجهزة الإلكترونية الحديثة بشغف. إننا نحيا حياة مختلفة، ونألف أشياء لم يألفها آباؤنا، وكذلك نحن لم نألف حياة آبائنا السالفة. فلا يوجد شيء مشترك في طريقتي الحياة وطريقتي التفكير، فالإنسان الآن أكثر علمًا وإدراكًا من إنسان القرون السابقة. ولذلك ما نهجه أو ألفه آباؤنا في حياتهم السالفة واستعانوا به لفهم الإسلام لا يصلح كمقياس لنا لنتعلق به ونسير على دربه.

ونحن المسلمين نؤمن بعودة المسيح تابعًا لمحمد يكسر الصليب ويقتل الخنزير. فهل تظن أخي المسلم الذي تعيش في القرن الواحد والعشرين أن المسيح الموعود والمهدي المعهود لَيُضيع وقتَه في السير خلف كل شخص يحمل صليبًا ليكسر الصليب الذي يملكه، أو عليه أن يصعد فوق الكنائس ليكسر الصلبان؛ أو عليه أن يسير ويسافر في البراري ويجوب العالم سعيًا وراء مُربي الخنازير لكي يقتلها.. بالعقل والمنطق ليس باستطاعته أن يفعل ذلك، لأن الكون به ملايين المسيحيين حاملو الصليب، وكذلك جميع البراري مليئة بالخنازير. فكما بيَّن المسيح الموعود والمهدي المعهود أن المقصود هو كسر أساس العقيدة المسيحية.

وما كان الله ورسوله ليترك الأمة الإسلامية في هذه الحيرة بدون إرشاد ولا هدًى.. معاذ الله. فرسول الله أدَّى الأمانة ونصحَ الأمة وترَكها على المحجة البيضاء. إن سيرة المصطفى نادية بالحكمة، وصوته عاليًا ستظل أصداءه تتجاوب بالحق، وتكسر حواجز كل صوت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فلرسول الله حُرمة ولأقواله حصانةٌ.. لا ينبغي أن تُرَدَّ بالهوى أو تقوَّم بالعقول، أو تخضع للمبتدعات الحاضرة أو توزن بمعايير العلوم المتغيرة.

والغربة التي يستشعرها بعض الناس من ظهور المهدي والمسيح الموعود لا مكان لها، بل هي وليدة جهل المسلمين بما بين أيديهم من تفسير لآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. وهذا الجهل يتزامن مع الضعف والتخلف الذي تعيشه الأمة الإسلامية كنتيجة للحروب الأهلية وتملق علماء المسلمين للحكام. لقد بان باليقين ظهور المهدي والمسيح الموعود، ولكن بعضًا منا لم يهده الله إلى اتباع الحق. فالحق لا يُعرَف بالرجال، ولكن يعرف الرجال بالحق، والمقلد كالحيوان. لقد كرَّم الله الإنسان بالعقل لكي يتفكر في خلق السماوات والأرض، ويستدلَّ على الخالق. ولدى الإنسان العقل.. فليتبع الأدلة والبراهين على ظهور المهدي والمسيح الموعود .. ليتبع الحق الذي أرسله الله على يدي عبده المصلح والمعلم المهدي والمسيح الموعود، وصدق الله إذ يقول: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا . ولذلك قال أيوب : “لست تعرف خطأَ معلِّمك حتى تجلس إلى غيره.”

وكما ذكرت آنفًا إن التوحيد دين جميع الأنبياء، والمسيح الموعود والمهدي المعهود مع معالجته للأمراض والتخلف الذي علق بعقول المسلمين، في ضوء القرآن الكريم وسنة المصطفى فإنه يصحح للمسلمين عقيدة التوحيد. توحيد الواحد الفرد الصمد، ويدعوهم إلى التوبة الصادقة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والرجوع إلى الله.. وليس الرجوع إلى الحكام، الرجوع الفوري إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. بعد أن أصبحوا أناسًا المنكرُ فيهم معروف؛ يدعون أنفسهم المريضة إليه ويحيَون حياةَ الجاهلية الأولى. ومن أقوال حضرته فيما يتعلق بالتوحيد ما يلي: “إن ذات الإله الغيب هي غيب الغيب ووراء الوراء، وعلى غاية من الغموض والخفاء، وذلك أن الإله الحق هو الذي لا يمكن أن تدركه العقول الإنسانية بمجرد قوتها، ولا يصح أن يكون أي برهان عقلي دليلاً قاطعًا على وجوده، إذ أن منتهى العقل وغاية مساعيه أن يقرر ويحكم بعد النظر في صنائع العالم بلزوم الصانع، لكن الحكم بضرورة الصانع شيء والإيصال إلى درجة عين اليقين بأن الإله الذي تحددت ضرورته عند العقل هو موجود حقًا، شيء آخر. وبما أن الدليل العقلي أن ينال معرفة الله بمجرد عقله، بل إن معظم أولئك الذين يعتمدون في معرفة الله على عقولهم فقط، يُزِلّهم الشيطان إلى الإلحاد والزندقة، ولا يغنيهم التفكر في السماوات والأرض شيئًا. وإنهم ليتخذون أولياءَ الله هُزُوًا، يَدَّعون بأن في الدنيا ألوفًا مؤلفة من الأشياء التي نراها عبثًا دون أي نفع، ولم تتحقق عند العقول حكمتها الدالة على الصانع، بل إنما هي باطلة لاغية. وأسفا على هؤلاء الجهلاء السفهاء الذين لا يعلمون أن عدم العلم بشيء لا يستلزم عدمه، وهناك مئات الألوف من أمثال هؤلاء الذين يزعمون بأنهم هم العقلاء والفلاسفة من الطراز الأول، ولكنهم ينكرون وجود الله أشد الإنكار. ومن البيّن أنه لو كان عندهم برهان قوي ناصع على وجود الله، لما أنكروه، وكذلك لو كانوا متمسكين بدليل عقلي جازم، لما كفروا بوجود الله مستهزئين أشد الاستهزاء. وما من أحد ممن ركبوا سفينتهم بناج من طوفان الشبهات، بل إنه لغارق حتمًا، ولن يغترف من معين التوحيد الصافي غرفةً. فالآن انظروا، ما أشنعَ وما أفظعَ الزعم بأن التوحيد الخالص يمكن أن يبلغه أحد دون أن يتوسل بوجود سيدنا ومولانا محمد ، كلا! لا يمكن بدونه الظفر بالنجاة. فيا أيها السفهاء، كيف يمكنكم الإيقان بتوحيد الله ما لم توقنوا بوجود الله حق الإيقان؟ فتيقنوا أن التوحيد اليقيني لن يُتلقى إلا باتباع نبينا محمد . كما نرى أنه جعل العرب الملحدين المنحرفين يعتقدون بالله بألوف من الآيات البينات، وإن أتباعه الصادقين الكاملين كانوا ولا يزالون يُتِمُّون الحجة على الملحدين بتلك الآيات المعجزات. الحق والحق أقول إن الشيطان لا يفر من قلب الإنسان ولا يدخله التوحيدُ الخالص ولا الإيمان بالله ما لم يشاهد قُوَى الحي القيوم الخارقة الفياضة بالحياة، وإن ذلك التوحيد الخالص لن يُنال إلا باتباع نبينا محمد .” (حقيقة الوحي، ص ١١٧- ١١۸ )

لذا يتحتم على صفوة الله في الأرض، علماء المسلمين الأحمديين، أصحاب البصر والبصيرة، أحباب المصطفى سيد العباد.. أن يردعوا اللاعبين العابثين بالإسلام. هؤلاء العلماء الذين جمعوا بين علم الدين والدنيا.. ومع معرفتهم للعلوم الحديثة.. عرفوا الله الخالق الحق، وقدسوا بوحدانيته، واتَّبَعوا شعاع النور المرسل إليهم على يدي المصلح المهدي والمسيح الموعود . ولا يكفي أن نكون أصحاب حق، بل لا بد من أن نبرهن على صدقه، ونقنع الناس به، وننفي الشبهات التي تثار حوله.

Share via
تابعونا على الفايس بوك