أحمدية أم قاديانيّة.. إسلام أم ردّة؟ (3)

أحمدية أم قاديانيّة.. إسلام أم ردّة؟ (3)

الفصل الثالث

مزاعم بلا دليل

ليس هناك انفعالٌ أقدر على سلب قدرة المرء على التصرُّف والتفكير من انفعال الخوف، وأفضل سبيل لتجريد العقل من كل قوى العمل والفكر هو أن تُدخِلَ الخوف في عقل العدو.

كان لمسلمي شبه القارة الهنديّة، وهم المستهدفون بالمنشورات المناهضة للأحمديّة أساسا، أعداءٌ تقليديون دائمون. ولم يكن هذا بلا سببٍ أم مبرِّر. فهم يُنمُّون العداء نحو التراث الهندي لأنّه يصطدم بكل جوانب دينهم؛ ويرعون العداء ضد الحكم البريطاني لأنّه قضى على الإمبراطوريّة الإسلاميّة الكبيرة أيام حكم المغول، وأخضعوا المسلمين للحكم الأجنبي حقبة طويلة، ويبغضون اليهود لأنّ الطغيان الصهيوني فرض حُكمًا أجنبيًا على فلسطين، وحرم أخوتهم المسلمين من وطنهم.

لا غرابة إذن أن يستغل أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية حساسيات جماهير المسلمين.. ويدَّعوا بأنّ الجماعة الإسلامية الأحمدية مخلوق لواحدٍ أو لجميع القوى المعادية لمصالح الإسلام والأمة!..

مؤامرة من تدبير الهندوس

كثيرا ما تُتَّهم الجماعة الإسلامية الأحمدية بأنّها مؤامرةٌ هندوسيّة، وزعم الخصوم أنّ الهندوس ساندوا الأحمديين بالقلم والصحافة والمنبر.(1)

ومهما كانت قيمة هذا الزعم فإنّه لا سند له؛ لانّ السجلات التاريخيّة تُثبت أنّ موقف مؤسِّس الجماعة الإسلاميّة الأحمدية تجاه الهندوس لم يلقَ الترحيب من جماهير الهندوس في شبه القارة الهنديّة.

لقد أخذ سيدنا مرزا غلام أحمد يشترك في نقاش مع طوائف الهندوس ابتداءً من عام 1872(2).. حيث تحدَّى رجال الدين الهندوس إلى مناظرات ومناقشات. ليس ذلك فحسب، بل إنَّه في الواقع فنَّد عقائدهم من واقع مخطوطاتهم. ولقد فعل ذلك بكفاءة اضطُّر معها المثقفون الهندوس إلى الاعتراف بأنّه ظلال الشكّ على مرجعيّة زعمائهم وكتبهم.

ففي عام 1878 مثلاً.. نُشرت له سلسلةٌ من المقالات في صحيفةٍ هنديّة محليّة اسمها (سفير هند)(3)  أجبرت زعيم الآريا الشهير.. سوامي دياناند إلى التراجع، وحثَّ باندت شيف نارين أجينيهُترى ليعلن:

إنّ تفنيد مرزا غلام أحمد لعقيد الآريا لا تُسيء فحسب إساءةً خطيرة لمركز سوامي دياناند كزعيم.. ولكنها أيضا تُسيء إلى مرجعيّة (الفيدا).(4)

لقد كان لما قام به سيدنا مرزا غلام أحمد من تفنيدٍ ناجح للعقائد الهندوسيّة وقعٌ خطير على رجال الدين فيها عموما. فمثلاً تحرّر من أوهام تعاليم الهندوسيّة المسلَّم بها باندت شيف نارين أجينيهُترى لدرجة أنّه لم يعد عضوا في طائفة براهموسماج(5)، وهجر زميلُه كهاراك سنغ الهندوسيّة بالمرّة وشجب تعاليم عقيدته الأولى.(6)

مجادلة مرلـيدهر

وهناك زعيمٌ آخر من طائفة آريا سماج في الهند.. باندت مرليدهر في هوشياربور، اضطره سيدنا مرزا غلام أحمد إلى التراجع العاجل. لقد أثار الجدل حول جدارة الإسلام والهندوسيّة.. فلم يستطع مجاراته في المناقشة الفكريّة أكثر من يومين. ثم نشر سيدنا مرزا غلام أحمد وقائع هذه المجادلة في كتابٍ سمَّاه (سورما تشاشما).. عقد فيه أيضا مقارنة بين القرآن الكريم والفيدا.

ولقد نال هذا الكتاب الرائع قبولاً حسنا لدى نُخبة المثقفين، كما أنّه انتشر انتشارا واسعا في الدوائر الأدبيّة الهنديّة. وعلى سبيل المثال صرَّحت صحيفة (نور أفشان – لدهيانه):

الحق أنّ هذا الكتاب عرَّى وهدم الآريا سماج تماما. ومن المحال دحض ما ورد في الكتاب من حُجج. (7)

كما خصَّص عضوٌ قياديّ في جماعة (أهل الحديث) بالهند -مولانا محمد حسن البطالوي- 14 صفحة من جريدة أهل الحديث لهذا الكتاب، ودعا كل مسلم أن يشتري 10 نسخ على الأقل من (سورما تشاشم آريا) ويوزعها بين الهندوس.. كي يُسدل الستار على الأنشطة العدائيّة من جماعة (آريا سماج) وتتوقف عنها. (8)

اعتراف النقَّاد المعاصرون

ولقد اعترف النقَّاد في زمن سيدنا ميرزا غلام أحمد أنّه حطَّم التحدي الهندوسي تماماً، بل واعترف بذلك أيضاً النقَّاد المعاصرون وقالوا:

لقد فنَّد ادِّعاءات (سناتم دهرم) و (الآريا سماج) و(براهمو سماج) بحججه المنطقيّة. (9)

مزاعم الدعم الهندوسي بالقلم والصحافة والمنبر

إنّ نقد سيدنا مرزا غلام أحمد وتفنيده لعقائد الهندوس في كتابه (سورما تشاشم آريا)، وما ناله من تأييد في الجريدة الرسميّة لأهل الحديث.. فيه الكفاية لإثبات أنّ الجماعة الإسلامية الأحمدية لا يمكن أبدا أن تكون وليدة مؤامرة هندوكيّة. ليس ذلك فحسب: بل ويكفي لإثبات سوقيّة خصومه ووضاعة ادِّعائهم بأنّ الهندوس ساندوا الأحمدية بالقلم والصحافة والمنبر.

لا يعقل أن يساند الهندوس سيدنا مرزا غلام أحمد ويخاطروا بمصالح دينهم أنفسهم. ويتَّضح ذلك تماما من أنّ كتابات سيدنا مرزا غلام أحمد فنَّدت مجال الفلسفة الهندوكيّة جميعه كما كان قائما في ذلك الوقت. فمثلاً علَّق حضرته على المفهوم الهندوسي للإله فقال:

تكشف دراسة الأديان أنّه لا يوجد سوى الإسلام دينٌ يعلِّم أنَّ الله منزَّه تنزيها مطلقا عن كل النقائص. ومتصفٌ بالصفات الحسنى تامةً كاملة. إنّ الهندوسيّ العادي يعتبر آلهته شركاء مع الله وشركاءه في أعماله. بل إنّه يعتبرهم قادرين على تبديل تدبيره وقلب تقديراته. ويعتقد الهندوس أيضا أن (برماشَوَر) وُلِد في زمنٍ ما بطريق التناسخ على هيئة إنسان أو حيوان آخر وإن كان خنزيرا، وأنّه تورَّط في الرذائل والسيّئات، وكان وهو في هذا الحال يتعرَّض للجوع والعطش والألم والأذى والخوف والأسى والمرض والموت والمذلّة والعار والعجز والضعف! (10)

هل يمكن أن يجمح الخيار بأحد.. فيعتقد أنّ الهندوس يتقبَّلون ويساندون ويؤيِّدون جماعة يخسف مؤسِّسُها الأرضَ بفلسفتِهم كلِّها كما يتبيَّن من الفقرة السابقة؟ ومع اعتراف المرء أنّ للهندوس أخطاءهم.. ولكن لا يمكن إنكار أنّهم ليسوا كمثل علماء السوء الكَذَبة الذين ابتُليت بهم الأمة الإسلاميّة كثيرا.. فولاءُ الهندوسي لدينه مُطلقٌ، ولا يقبل أنّ يُعرِّض دينه للسخريّة بهذه الدرجة التي تجلَّت في كتابات سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني.

تهديد الهندوس للجماعة الإسلامية الأحمدية

من مهازل خصوم الأحمديّة أنّهم “أجروا بحثا مستفيضا في منشورات الجماعة وتاريخها” ثم يتجاهلون الحقائق التاريخيّة الثابتة المسجلة التي تجري ضد نظرياتهم المتجنِّية المنحازة وادَّعاءاتهم المزعومة. لو كان هناك أي مضمون حقيقي لما يتظاهرون به من أنهم قتلوا تاريخ الأحمديّة دراسةً.. لأدَّت بهم دراستهم إلى معرفة (بانديت ليكرام) من بشاور.. الذي كان هلاكه الغامض مثار ضجةٍ في الهند.

كان بانديت ليكرام هذا عضوا قياديّا في جماعة آريا سماج، وكان معارضا شرسا للإسلام ونبيِّه . وبالإضافة إلى نفْثِ سُمِّه ضد النبيّ الكريم والقرآن المجيد.. فإنّه تحدّث في خُطبه وكتاباته عن الله جلّ وعلا بوقاحة وسوء أدب. وحاول سيدنا مرزا غلام أحمد إقناع ليكرام أن ينهج منهجا معتدلاً؛ ولكن الرجل لم يقتنع. والواقع أنّه بمضيِّ الوقت صار أشدَّ جرأةً على الإساءة إلى الإسلام؛ بل واستنزل لعنة الله على الكاذب. (11)

ولما ضاق مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية بفظاظة ليكرام وإشاراته؛ وبناءً على قوة الإلهام تنبَّأ ضدَّ الباندت، وسُجِّلت تفاصيل النبوءة في العديد من المنشورات الأحمدية، وأُشيعت في الصحافة الهنديّة(12). لقد حذَّر حضرته الزعيم الهندوسي قائلاً:

احذر أيّها العدوّ الأحمق الضّال، وارتعد

خوفا من سيف محمَّد البتَّار.

وتحدَّى حضرته جموع الآرياسماج أن يتكاتفوا جميعا في الدعاء لخلاص ممثِّلهم (ليكرام) من العذاب.(13)

وكان في التحقُّق النهائي لنبوءة سيدنا مرزا غلام أحمد ضد الباندت ليكرام وهلكته الحقيرة ما هدَّ معنويات المجتمع الهندوسي كلّه، ودفع قيادتَه إلى طلب تحقيق الشرطة في ظروف هلاكه.

ومع أنّ تحريَّات الشرطة برَّأت سيدنا مرزا غلام أحمد، ونفت نتائجها أي شُبهة عن الجماعة الإسلامية الأحمدية.. إلا أنّ القيادة الهندوسيّة استمرت تُشككُّ وتتَّهم الأحمديين بالجريمة الفظيعة. ولقد هدَّد أحد قادة الهندوس (باششار داس) سيدنا مرزا غلام أحمد وأنذره:

أمامك أيضا أيام قلائل في الحياة.(14)

ونشرت جريدة هنديّة تهديدا مشابها فقالت:

لقد صرَّح الهندوس أنهم سيسيرون إلى قاديان لاغتيال غلام أحمد.(15)

وبعد ميتة ليكرام الزرِيَّة.. صرَّح (بابو غانسي رام) من الآرياسماج قائلاً:

كان تحقُّق نبوءة غلام أحمد مجرَّد مصادفة، ومات باندت ليكرام شهيدا. الله وحده هو الذي يعلم ما إذا كان هذا عذابا من عنده أم مخطَّطا بشريّا. (16)

دليل النفاق

من الممتع أنّه بينما يُصوِّر خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية على أنها نِتاج مؤامرةٍ هندوسيّة في بعض منشوراتهم الموجَّهة إلى جماهير المسلمين.. فإنّهم يبدِّلون موقفهم في منشورات أخرى يتوقَّعون أن تقرأها جماهير غير المسلمين أيضا.

فمثلاً هناك إخباريّة تصدر من بريطانيا (كمبردج مسلم نيوز).. استعرضت موقف الجماعة الإسلامية الأحمدية من الأديان الأخرى.. فزعمت:

بشعاراتهم الخدَّاعة مثل: “الحبُّ للجميع ولا كراهية لأحد”.. يغشُّكم القاديانيون تماما إذا لم تعرفوا أنّ شعارهم الحقيقي هو: الكراهيةُ للجميع ولا حبَّ لأحد.(17)

ثم تمضي الصحيفة في تحريض جماهير الهندوس بالإشارة إلى رأي مزعوم لداعية مسيحي (هـــ. ا. ولتر) عن موقف سيدنا مرزا غلام أحمد من الهندوسيّة فقالت:

لقد نظر أحمد نحو الهندوسيّة بكافة شُعَبِها بوجهٍ عدائي عنيد. ليس عنده لمعتقداتها العزيزة إلّا السُخرية. وقال عن الهندوسيّة عموما أنّها ليست إلّا مجرَّد لعب وخليط فوضى من تقاليد أسطوريّة يجب أن تختفي أمام نور العلم والمعرفة. ويقول ولتر أيضا: لقد أثنى أحمد ثناءً ساخرا على الهندوس لانّهم يتَّخذون من البقرة المقدَّسة غذاء لهم. وعلَّق في الهامش قائلاً: كل من يعيش خارج الهند لا يكاد يُدرك ما في هذا من إهانة مدروسة بالنسبة للهندوسيّ الذي يجد في اتِّباع النظام النباتي أقدس مغزىً بالنسبة له.(18)

وتمضي جريدة (كامبردج مسلم نيوز) في محبَّتها الصريحة للجماهير الهندوسيّة وللهندوسيّة فتقول: لقد قال النبيُّ البُنجابي: لا تحسبوا الآريا.. الهندوس من طائفة دياناند.. ذوي وزنٍ كبير، إنّهم مجرَّد زنابير لا تعرف شيئا سوى اللسع.(19)

أليس عجبا أن نُقَّاد سيدنا مرزا غلام أحمد يتَّهمون جماعته بأنّها “مؤامرة دبّرها الهندوس” الذين يُناصرون الأحمديّة بالقلم والصحافة والمنبر(20). هذا من جانب، ومن الجانب الآخر يتظاهرون بأنّهم أُهينوا عندما وصف حضرته الهندوس خصوم الإسلام ونبيَّ الإسلام بأنّهم مجرَّد زنابير لا تعرف شيئا سوى اللسع(21). يا تُرى.. هل يملك معارضو الجماعة الإسلامية الأحمدية مثقال ذرّة من النزاهة؟

لسعة الآريا سماج

كانت طائفة الآرياسماج -لعلم القارئ الكريم- أشدَّ المنظمات في القارة الهنديّة معاداةً للإسلام. وألّف مؤسِّسها سوامي دياناند منشوراتٍ شاملة مثل (ساتياراث باركاش)، وهي رسالة فاجرة، سخِر فيها من كل جوانب الدين الإسلامي بما يتجاوز حدود الحشمة الإنسانيّة، وأهان أنبياء الله المقرَّبين: موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.. ووصفهم -والعياذ بالله- بأنّهم كَذَبة دجَّالون.(22)

ومن الكُتَّاب المعروفين في طائفة الآرياسماج (منشى إندرمن) الذي تباهى بنشرات مضادّة للإسلام مثل (تحفة إسلام، بادشا إسلام، أصولي دين أحمد، همالي هند، سَمساهي هند). وقد أثارت كتبه مشاعر جماهير المسلمين بشدّة(23). ونتيجة لتصاعد مشاعر الغضب لديهم اعتُقِل إندرمن في آخر الأمر. وعاقبه الحاكم البريطاني بحسب المادتين 292، 293 من قانون العقوبات الهندي، فقضى عليه بغرامةٍ ثقيلة، وحظر نشر كتبه كلها، فصودِرت وأُتلِفت بأمر المحكمة البريطانيّة، وقامت طائفة الآرياسماج بجمع الغرامة المحكوم بها على إندرمان وبذلك نجا من السجن.(24)

وهناك باندت ليكرام الذي تناولنا آنفا قصة هلاكه المزري، وكان زعيما في الآرياسماج.. تدفق سُمُّه ضد الإسلام في كثير من خطبه وكتبه، وألّف كتاب (خبط الأحمدية) الذي قال فيه:

أؤمنُ أنّ جميع المائة وأربعة وعشرين ألف نبي.. الذين جاءوا من خارج الآريا كلهم باطلون، وأنّ كُتب التوراة والإنجيل والقرآن كلّها من عمل الإنسان وهي باطلة، وقد تأسَّست على الجشع والغباء والسيف.. ولا شيء بعد ذلك.

إنّ خصمي مرزا غلام أحمد.. يقول بأنّ القرآن كلمة الرب وأنّ تعاليمه حقّة وأزليّة. يا بِرماشوار.. افصل بِحُكمكَ الإلهي: مَنْ الصادق ومَنْ الكاذب.(25)

وألّف باندت ليكرام أيضا رسالة فاسقة دنيئة ضدّ الإسلام تسمَّى (تكذيب براهين الأحمديّة).. كتب فيها ما اعتبره تفنيدا للملحمة الدفاعيّة عن الإسلام – (البراهين الأحمديّة). وكانت لغة الباندت فيها بغيضة إلى كل المثقفين في الهند مما دفع صحيفة (نور أفشان) المسيحيّة لتقول:

مهما كان فيها من حق.. فإنّ مصنِّف الكتاب فاقَ أسوأ المتعصِّبين في شتائمه وتفاهاته وأكاذيبه وتلفيقاته. لقد كتب أشياء سخيفة غير معقولة، لا تصدر أبدا من شخصٍ مثقّف متحضِّر.. ناهيكَ من أن يخُطَّها في كتاب.(26)

أليس مما يدعو للأسف.. انّه بالرغم من كل السموم التي أفرزها هندوس الآرياسماج ضدَّ الإسلام.. لم يشعر خصوم سيدنا مرزا غلام أحمد بالإهانة عندما وصف حضرته هؤلاء الفَجَرة بأنّهم مجرَّد زنابير؟ أيُّ وصفٍ يفضِّلونه لأعداء الإسلام الذين وجَّهوا مثل هذا النقد الكريه البذيء الفَظّ لكل جوانب الإسلام؟ بماذا يفضِّلون تسمية هؤلاء الذين صوَّروا شخصية سيدنا محمد المصطفى بصورةٍ مخزية، وتكلَّموا عن الله تعالى بكلامٍ يخلو من الاحترام؟

ارتباك بين الصفوف

ينبغي على خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية أولاً.. أن يتفقوا على منهاجٍ واحدٍ للخداع.. قبل أن يخدعوا أنفسهم بمزاعمهم المتناقضة وتأكيداتهم الباطلة ضدّ الحركة الأحمديّة. لا يمكن لهم الاعتقاد حقا أنّ بوسعهم خداع الناس طوال الوقت بغطاءٍ ظاهري لطيف وإسلامي(27).. مع كل هذه التناقضات التي تفضح حقيقتهم ومدى صدقهم!!

لا يمكن لهم مثلاً الادِّعاء بأنّ الجماعة الإسلامية الأحمدية مؤامرة فقسَها الهندوس(28).. بينما هم يحتجُّون على مؤسِّس الجماعة بأنّه أبدى احتقارا شديدا للهندوسيّة(29). مثل هذه التناقضات تكشف على الملأ نفاقهم وكذبهم. كما تُزري بذكاء قيادتهم.

الكراهية للجميع ولاحُبَّ لأحد

يُقال أنّ أمكر المكائد ما حَاكَه الفئران أو البشر؛ ولكن يبدو أنّ ما يُدبِّره خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية يفوق كيد القوارض! إنّهم من جهة يتَّهِمون الجماعة الإسلامية الأحمدية بكونها مؤامرة من صُنع الهندوس، ومن جهةٍ أخرى يلتمسون تعاطف جماهير الهندوس بتصوير سيدنا مرزا غلام أحمد في هيئة عدو للهندوسيّة!

ومع ذلك فإنّ المشوِّق حقا أنّ هؤلاء الكذَّابين.. المدمنين للكذب.. في محاولتهم لتأييد مزاعمهم الباطلة لا يقدَّمون آراء مؤسِّس الجماعة سيدنا مرزا غلام أحمد؛ إنّهم على العكس من ذلك.. يختفون وراء ستار قسِّيس مسيحي، كمثلهم.. له دوافعه لالتماس تأييد الجماهير الهندوسيّة.

السبب الفعلي الذي حَدَا بخصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى الامتناع عن اقتباس آراء سيدنا أحمد نفسه عن الهندوسيّة.. قد يكون لُغزا بالنسبة لهؤلاء الذين لا يعرفون أفكاره وآراءه.

الاحترام المخلص للهندوسيّة الخالصة

ربّما كان سيدنا مرزا غلام أحمد العالِم المسلم الوحيد في زمنه.. الذي أقرَّ بقداسة جميع أنبياء الهندوس، واعترف بالمصدر المقدَّس للكتب الهندوسيّة الخالصة من التحريف. وكان موقفه ذلك توافقا مع إعلان القرآن الكريم:

إِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ .(30)

وفي رسالة السلام التي وجَّهها إلى العالم عموما، وإلى أهل الهند خصوصا.. أعلن سيدنا مرزا غلام أحمد.. الإمام المهدي والمسيح الموعود: إننا نؤمن بأنّ القادة الروحانييّن الذين عاشوا على هذه الأرض؛ الذين قَبِلتهم ملايين الناس، ونالوا احترام نسبةٍ كبيرة من الإنسانيّة؛ وكانوا موضع التقدير لزمنٍ طويل.. كانوا جميعا أنبياءً من الله حقا. وهذه الاعتبارات وحدها كافية لتُدلِّل على صدقهم. لو أنّهم لم يكونوا مُرسلين من عند الله ما نالوا كل هذا القبول من كثير من الناس.. لأنّ الله تعالى لا يمنح للآخرين الشرف الذي حفظه لعباده المصطفيْن الأخيار. وعلى هذا المبدأ تُعتبر (الفيدا) كتابا من الله تعالى، ونؤمن أنّ (الريشي) شخصيّات ورِعة مقدَّسة.(31)

 احتقار البدعات

إنّ ما أبداه سيدنا مرزا غلام أحمد من ازدراء عند الإشارة إلى الهندوسيّة أو أي عقيدةٍ أخرى.. لم يكن موجَّها للديانة نفسها، وإنّما كان مسدَّدا نحو البِدع التي تسرَّبت إلى طقوس الدين.. في تناقضٍ صارخٍ مع تعاليمها الأصليّة كما وردت في الكتب السماوية.(32) لقد صرَّح حضرته بمايلي.. مشيرًا إلى البدع الموجودة في الهندوسيّة الحديثة: كما قرَّرنا سابقا.. نحن لا نعتقد أنّ هذه تعاليم الفيدا، بل على العكس، نحن ميَّالون بقوة إلى الاعتقاد بأنّ هذه التعاليم قد نُسبت أو أُدخِلت في الفيدا لدوافع أنانيّة، الفيدا كتبٌ عتيقة، ومن المحتمل جدا أنّ إضافات وتغييرات شتّى أدخلها الباندات في الأجيال المتعاقبة. إنّ إيمان الملايين الكثيرة من (الآريا فارتا) بها لآلاف السنين.. دليلٌ كافٍ على صدقها. لا يمكن أن تحظى كلمة كذَّاب بمثل هذا التقدير الذي نالته الفيدا. (33)

وفي هذا الصدد لم تكن الهندوسيّة الديانة الوحيدة التي خصَّها سيدنا مرزا غلام أحمد بهذا الرأي.. كان رأيُ حضرته أنّ كلّ دين قد تعرَّض للبِدَع(34). ومع أنّ القرآن الكريم مصونٌ من التحريف والتغيير في نصوصه(35) لأنّ الله تعالى ضمِن له السلامة والحفَاظة (36).. فإنّه جلّ وعلا بالنظر إلى الضعف البشري قدَّر أن يبعث مجدِّدا للدين في كلِّ مطلع قرن.(37)

ومن المؤسف حقا أنّ المتألِّهين في باكستان أخذوا على عاتقهم إنكار بعث هؤلاء المجدِّدين (38).. في تعارضٍ صريح مع وعد الله تعالى الذي أخبر به رسوله الكريم سيدنا محمد المصطفى (39).. وبناءً على فعلهم هذا أعلنوا خروج المسلمين الأحمديين -بل وأمة سيدنا محمد جميعا- من مِلَّة الإسلام لأنّ المجلس الوطني الباكستاني قرَّر أنّ كلّ من يعترف بمجدِّد يأتي بعد النبيّ محمد لا يُعتبر مُسلما بالنسبة لدستور وقانون باكستان.(40)

(يتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك